بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده...وبعد:
فإن من يقال عنهم قادة الفكر والمعرفة في عصر التنوير قد علت أصواتهم في عصرنا الحاضر تنادي بتجديد الخطاب الديني، ولما في هذه الدعوى من خطر على الشرع الحنيف، لأنها لا تعدو أن تكون صدى لما يصبو إليه الصليبيون من مسخ لأحكام الدين وتحريفه وتغييره، كان لزامًا علينا أن نوضح، المراد من التجديد عند هؤلاء؟ وما هي الأهداف الحقيقية لهذا الشعار الخادع؟
إن المعنى الحقيقي للتجديد، هو العودة للأصول والأحكام الثابتة، وترك تقليد الآباء والأجداد، إذ التجديد يعني إظهار القديم وإعادته إلى ما كان عليه، فالمجدد يظهر السنة ويحيي ما اندرس من الأحكام الشرعية ويميت البدعة ويقمعها ويدحض أهلها باللسان والبنان، ويعيد الدين إلى ما كان عليه في زمن القرون الثلاثة التي أثنى عليها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن رحمة الله - تعالى - بهذه الأمة أن يبعث لها على رأس كل قرن من يجدد لها دينها وينفي عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وغلو المتنطعين وتفلت الفاسقين.
والمجدد لابد أن يكون عالمًا بالعلوم الدينية، فهو من أهل الفقه المتمسكين بالأقوال والأفعال الشرعية، لا يفرط في بعض أحكامه ولا يتساهل في حدوده، كما يكون عالما بواقع الأمة عارفًا بعللها مع الإحاطة بالأحوال التي لها علاقة بذلك الواقع.
فكيف يكون مجددًا؟ من ينصر البدعة ويطعن في الثوابت الشرعية فيبيح الغناء والوباء والاختلاط، والتبرج، وكيف يكون مجددًا من لا علم له بالشرع وأحكامه. وتجديد الخطاب الديني إن كان المراد منه تغيير الأحكام الشرعية والقواعد الثابتة، فهذا تخريب وليس تجديدًا، وإن أريد به الطريقة التي يعرض بها الدين على المجتمع مع ثبات الأحكام فلا بأس عند ذلك من مخاطبة كل قوم بما يفهمون، وفي هذا قال علي - رضي الله عنه -: «حدثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يُكذب الله ورسوله». فهذا هو التجديد المشروع، والتجديد المشروع له حدود ثلاثة:
1- إفشاء العلم بين الناس وإظهار الأحكام الشرعية التي اندرست بفعل الجهل الذي سيطر على كثير من المسلمين.
2- إعادة ما انتقض من الأحكام الشرعية، وبيان الأحكام الفقهية فيما نزل بالمسلمين مجردًا في إطار القواعد الفقهية والأصول الشرعية.
3- إزالة ما زاد في العبادات من بدع وكذا في العقائد والمعاملات، ورد ذلك كله إلى ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الأطهار. وقد عرف المسلمون مجددين أعادوا إلى الدين ما كان عليه في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، حيث تصدوا للبدع وأحيوا السنن وجمعوا الأمة على الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، وجاهدوا في سبيل الله واجتهدوا في فهم النصوص الشرعية، وعلموا الناس أمور دينهم، ففي القرن الأول كان عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، وفي القرن الثاني كان الشافعي - رحمه الله -، فهل ترى أخي في الله أن من يطلقون عليهم لقب المجددين في عصر التنوير يستحقون هذا اللقب أم أنهم إلى التخريب أقرب؟ لأنهم يريدون تغيير الأحكام الشرعية لتناسب العصر ومعطياته، ولتستقيم مع ما يرى إخوان القردة المغضوب عليهم والضالون المحرفون لشرع ربهم.
ومما يجب الحذر منه أن هؤلاء المخربين لهم مكانة في مجتمعاتهم. فهم أصحاب قلم، تصدروا الفضائيات، وقادوا المؤتمرات وأقاموا اللقاءات والمناظرات وهم يتحدثون بألسنتنا وينسبون زورًا وبهتانًا إلى العلماء ويقدمون على أنهم علماء العصر ومجتهدو الزمن.
ملامح التجديد الديني عند المجددين المعاصرين ومن ملامح التخريب الديني عند المجددين المعاصرين اتباع الغرب الحاقد على دين محمد - صلى الله عليه وسلم -.
1- إباحة الربا الذي عمت به البلوى في بلاد المسلمين، ممثلا في البنوك الربوية بتشريعاتها المخالفة لشرع الله.
2- منع الزوج من الزواج بأخرى إلا بموافقة الزوجة الأولى، فحظروا ما أباحه الله - تعالى -.
3- اعتبار حجاب المرأة مسألة حرية شخصية لا امرًا شرعيًا، فالتقاليد والأعراف تحكم لباس المرأة وليس الشرع.
4- اعتبار الحدود الشرعية لا رحمة فيها فضلاً عن تشويهها للمجتمع فيجب إعادة النظر فيها.
5- إظهار الخور والضعف عند التفرقة بين المسلمين وغير المسلمين كما يقول - تعالى -: أفنجعل المسلمين
كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون<<.
6- إلغاء آيات الجهاد من كتاب الله لأنها تدعو إلى الإرهاب والعنف في عالم ينبغي أن يسوده السلام الذي يريدون.
7- إلغاء حكم القوامة للرجل على المرأة في زمن خرجت فيه المرأة للعمل وتعلمت وحصلت على أعلى الشهادات العلمية، فلا مجال للحديث عن قوامة الرجل التي جاء بها القرآن الكريم في قوله - تعالى -: الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم<<.
وهذا قليل من كثير ينعق به المخربون الجدد الذين يدعون إلى تخريب العقيدة وتخريب الشريعة لتلائم ما عند أسيادهم الغربيين الذين تربوا على موائدهم ورضعوا من ثقافتهم. وما يستند إليه هؤلاء المخربون قولهم: إن الأحكام الشرعية تتغير بتغير الزمان، وهي كلمة حق أريد بها باطل، فالأحكام الشرعية ثابتة لا تتغير وإنما الذي قد يتغير هو الفتوى.
ودعوى تجديد الخطاب الديني ما هي إلا محاولة لدمج العالم كله في نسق فكري وثقافي وسياسي واقتصادي واحد يتبع الأكثر قوة، ولا عبرة لأصحاب الثوابت الشرعية المستمدة من الدين الذي يعتقدون، فخطبة الجمعة مثلا ينبغي أن تركز على الأخلاق والسلوك ولا مجال فيها لربط الحياة بالشرع أو الحديث عن كفر أهل الكتاب وتحريفهم للكتب المنزلة على رسلهم من رب العالمين، حفاظا على الوحدة الوطنية، بل يجب أن يحترم شركهم ويراعى كفرهم طبقا لحق المواطنة، ووسائل الإعلام ينبغي أن توسد إلى العلمانيين أو إلى أدعياء العلم الشرعي والجهلاء ليفسدوا على الناس دينهم بتصدرهم للحديث والفتوى بغير علم، وصدق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة». [رواه البخاري]
ومناهج التعليم يجب أن تغير طبقا لسياسة تجفيف المنابع الدينية عند الناس، بالإضافة إلى إغراق المجتمع في الفسق والرذائل الأخلاقية وتوسيع دائرة الانحلال الخلقي من خلال الأفلام والمسلسلات التي تدعو إلى غير ذلك، ونشر الكتب ذات الثقافة الغربية والتي تطعن في دين الله مع تكريم أصحابها ومنحهم الجوائز العالمية على فعلهم الفاضح.
فالهدف هو مسخ الدين الإسلامي وتحويله إلى نسخة من الأديان المحرفة التي دفعها حقدها القديم لمحاولة تحريف الخطاب الديني الإسلامي لإزالة العوائق التي تحول دون أطماعها وأولها الإسلام متمثلا في قرآنه ولغته وأحكامه، قال الحاكم الفرنسي في الجزائر: «إننا لن ننتصر على الجزائر ما داموا يقرؤون هذا القرآن ويتكلمون العربية، فيجب أن نزيل القرآن من وجودهم، ونمحو اللسان العربي من ألسنتهم لأن الإسلام هو المرشح الوحيد لقيادة العالم لأنه يملك المقومات لهذه القيادة. أهـ.
يقول جل شأنه: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره}. وما محاولات العلمانيين المعاصرين إلا محاولة لتنفيذ مخططات أهل الكتاب فانتبهوا يا أولي الألباب.
والله من وراء القصد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد