بسم الله الرحمن الرحيم
التقى المشروع الكنسي بالمشروع الأمريكي في السودان مبكراً، فقد وصل المتدينون النصارى في الإدارة الأمريكية إلى الملف السوداني مبكراً، فالرئيس الأمريكي الأسبق (جيمي كارتر) -أحد أولئك المتدينين- كان حاضراً في أول جلسة للمفاوضات بين حركة قرنق وحكومة الثورة الوليدة وهي بعد في عامها الأول!!..
وجود هؤلاء المتدينين النصارى في إدارة الملف السوداني، كان له دوره في تحويل البرنامج الأمريكي إلى تفضيل رؤية (السودان العلماني- الكونفدرالي- الموحد) لصالح العنصر الجنوبي.. وكذا أعلن المبعوث الأمريكي إلى السودان (القس دانفورث) أن أمريكيا تقف مع وحدة السودان، وهو ما يتوافق مع أحلام الكنيسة في جعل الجنوب قاعدة نصرانية تنطلق منها نحو الشمال لإعادة الأمجاد القديمة!!..
وقد مثلت نيفاشا قمة انتصار المشروع المتحالف.... ولكن متغيرات كثيرة حدثت بعد نيفاشا جعلت الإدارة الأمريكية غير مطمئنة لعواقب مشروع الوحدة!!.. وشاهدوا ذلك في التحولات الاجتماعية التي حدثت أوساط النازحين الجنوبيين في مناطق الشمال، حيث تسللت الأنظمة الاجتماعية الإسلامية مثل الميراث والزي وغيرها رويداً إلى العمق الجنوبي.. كما أن الساسة الجنوبيين المشاركين في الخرطوم لم يكونوا بالحصافة الكافية التي تحول بينهم وبين الذوبان في تشكيلات الساسة الشماليين.. كما أن أطماع قرنق في التحول إلى زعيم قومي لكل السودان جعلته يتوسع في استيعاب الشماليين في حركته، الأمر الذي يجعل أمريكا لا تستبعد معه أن تغلب على الحركة ميول "شمالية".
وهكذا اتجهت السياسة الأمريكية وجهة أخرى تفترق عن المشروع الكنسي، وبدأت بصورة واضحة تدعم الاتجاهات الانفصالية لدى الجنوبيينº خاصة بعد مقتل قرنق.
أصبح على الكنيسة أن تعمل منفردة لتكوين جبهات جديدة.. وفي ظل اتفاق سلام وفر لها الحرية التامة للعمل، استطاعت أن تكون لها جبهة حصينة في جبال النوبة و تعمل تحت الحماية الدولية في إطار برامج رهيب للعزل الثقافي، كمرحلة أولى من مراحل العمل التنصيري، نفس السيناريو تقوم بنقله إلى دارفور التي تم تفجيرها ليتم غزوها بجيوش جرارة من المنظمات التنصيرية العاملة تحت مظلة العمل الطوعي.. والمنتشرة على كل مساحة دارفور، وحتى خارج دارفور، في معسكرات اللاجئين في تشاد، حيث يتم الإعداد لبرنامج العودة الطوعية الذي يمكن أن تدرج ضمن إطاره أعداد كبيرة من النصارى المجلوبين من خارج الحدود..
ولكن كسب التعاطف الدولي والتحريض على المسلمين في السودان قضية أساسية في مشروع الكنيسةº فهي لم ترمِ بعدُ ورقة الرهان على اضطهاد النصرانية، ولكنها ارتأت أن اللعب على وتر عالمي (كالإرهاب) مثلاً مفيد جداً في قضيتها!..
ففي مطلع أكتوبر 2005 أطلق الكاردينال السوداني (قبريال زبير واكو) رئيس أساقفة الخرطوم تصريحات لموقع world church news يدَّعي فيها أن السودان بلد إرهابي، و توجد على أرضه معسكرات للإرهابيين، ووصف إعلان الشريعة الإسلامية في السودان عام 1983م بالصليب الثقيل الذي يتوجب على المسيحيين السودانيين حمله كل يوم!.. وقد أعلنت الدوائر الرسمية رفضها لهذا التصريحº ولوحت بتحريك إجراءات قانونية ضده..
ويتضح الأمر في الإطار الكلي إذا علمنا أن الأسقف (قبريال زبير) تم تنصيبه كاردينالاً قبل أعوام ضمن أحد عشر كاردينالاً تم اختيارهم من كل العالم من بينهم ثلاثة إفريقيين - وكان هذا الاختيار مدهشاً لجميع المراقبين الكنسيين فيما عدا الأسقف (مكرم ماكس قاسيسي) أسقف كنيسة الأبيض الذي يعد صديقاً شخصياً للكاردينال زبير!.
والأسقف (قاسيسي) -المقيم الآن بكندا- هو من قيادات الكنيسة السودانية المقربة لمراكز القرار في الفاتيكان، وهو الذي كان له الأثر المباشر في دفع البابا السابق (يوحنا بولس) لزيارة السودان، فحينما أطلق البابا يوحنا بولس إدعاءاته التي وصف فيها السودان بأنه أكثر بلاد العالم تسببا للأرق بالنسبة له، وعلَّق قائلاً (حيث لا قانون!º فقط المعاناة!، فقط الألم!º أولئك الذين يموتون في سبيل المسيح حينما يتم تخييرهم بين الإيمان به وبين حصولهم على الطعام لهم ولأسرهم!، ولكنهم يختارون إيمانهم!.. شهداء، ولكن لا أحد يعلم)، كان الأسقف قاسيسي هو الذي رتب البيانات التي دفعت البابا إلى هذا الكلام، وهو الذي مضى يجمع المزيد من البيانات لتأكيد هذا الزعم عن أولئك الذين اعتقلوا وعذبوا حتى الموت!
وعندما يعود الأصدقاء الذين اشتركوا في ترويج المزاعم التي استقدمت البابا إلى السودان في منتصف التسعينات إلى إطلاق كلام شبيه بما مضى، فإن ذلك يعني أن المشروع الكنسي في السودان بدأ يعد العدة لجولة جديدة مستفيداً من المناخ العالمي المتحفز ضد ما يسمى بالإرهاب!..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد