بسم الله الرحمن الرحيم
تأتي إشارة البدء في حرب هرمجدون من حيث تصر الأصولية المسيحية على إعادة بناء الهيكل مكان المسجد الأقصى، كرغبة جارفة للوصول إلى لحظة الصدام، فهدم المسجد الأقصى إذا حدث هو إشارة البدء لحرب هرمجدون حسب تصوراتهم للأحداث المقبلة، ووفقا لتقدير الدكتور رفيق حبيب المسيحية والحرب ص 55
ومن مظاهر التمهيد لهذا العدوان الديني المسيصهيوني الذي يتبارى في التعامل معه بالحوار طلاب الود وعشاق التسامح: من مظاهر هذا العدوان ما لا يزال يسجله التاريخ حول المسجد الأقصى في شبه غفلة من عشاق التسامح، فقد كان لهذا الفكر الأصولي الإنجيلي الصهيوني أثر كبير في اندفاع رجال الدين والرؤساء في الولايات المتحدة الأمريكية خصوصا والغرب عموما إلى دعم الدولة اليهودية في إجراءاتها الإجرامية بغير حدود، حيث يعتبرون قيامها بما تقوم به من جرائم ترتقي إلى مستوى الإبادة تنفيذا لإرادة إلهية.
ولقد بدأ يصل إلى أسماع النائمين فحيح الثعابين بإعلان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية ترومان الاعتراف بالدولة الإسرائيلية فور قيامها وهو أول من أعلن هذا الاعتراف - وكانت التربية الدينية لهذا الرئيس تركز على عودة اليهود إلى صهيون، وقصة حياته الشخصية حافلة بالاقتباسات والإشارات التوراتية، وتشير إلى ميله للإسهاب في ذكر التعاليم اليهودية المسيحية، وعندما قدمه إيدي جاكوبسون إلى عدد من الحاضرين واصفا إياه بأنه (الرجل الذي ساعد على خلق إسرائيل) رد ترومان مستشهدا بفكرة الصهيونية الدائمة عن النفي والبعث فقال: (ماذا تعني بقولك: ساعد على خلق؟ إنني قورش، إنني قورش) وقورش هو الذي أعاد اليهود في تاريخهم القديم من منفاهم في بابل إلى القدس.
وتأييدا لاستيطان اليهود بفلسطين عقد رجال الدين المسيحي الأمريكان مؤتمرا في عام 1945، وتقدم فيه خمسة آلاف قسيس بمذكرة للرئيس الأمريكي ترومان يطالبونه بفتح أبواب فلسطين لليهود بدون قيد أو شرط.
يقول القس الأمريكي الشهير جيري فالويل والصديق الشخصي للرئيس ريجان ومناحم بيجن: عن انتصار إسرائيل عام 1967 (ما كان لإسرائيل أن تنتصر لولا تدخل الله) جريدة الشرق الأوسط 14\11\1986 ص 6
ثم ذهب هذا القس إلى إسرائيل حيث غرسوا له بعض الأشجار في أرض عرفت فيما بعد باسم غابة جيري فالويل..، التقطت له صور هناك وهو راكع..وطلب منه بيجن أن يذهب إلى المستوطنات الجديدة وأن يعلن: (إن الله أعطى الضفة الغربية لليهود) وقد فعل ذلك بحضور حراسه وعدد من الصحفيين الأمريكيين الذين سجلوا له قوله (إن الله لم يكرم أمريكا إلا لأنها كريمة تجاه اليهود) وأضاف قائلا: (إننا إذا فشلنا في حماية اليهود فلن نعود مهمين في نظر الله) أنظر معروف الدواليبي في كتابه أمريكا وإسرائيل طبعة 1990 ص 48
ولقد دأب عدد من القساوسة من أمثال جيم باركر، وكينيث كوبلاند، وروبرتس، وسواغارت، وغيرهم على الإعلان عن قدسية إسرائيل استنادا إلى ما ورد في الكتاب المقدس عندهم، وذلك في الإذاعات الصوتية والمرئية.
ويقول القس الأمريكي مايك إيفانس في ولاية تكساس: (إن تخلي إسرائيل عن الضفة الغربية وغيرها من الأرض المحتلة بعد حرب 1967 سوف يجر إلى دمار إسرائيل، ومن بعدها الولايات المتحدة، إن الرب أمرني بوضوح إنتاج هذا البرنامج التليفزيوني الخاص بدولة إسرائيل) وبرنامج القس المشار إليه عنوانه: (إسرائيل مفتاح أمريكا للبقاء) وقد أذيع عام 1983، ولمدة ساعة بالتليفزيون.
ويقول القس كرال ما كانتاير في وصفه لحرب 1967 (على من يؤمن منا بأن الكتاب المقدس هو كلمة الله أن يهب الآن لمساعدة اليهود، فما أعطاهم الله يحق لهم أن يمتلكوه، ولا يجوز أن يقايضوا على الأراضي التي كسبوها) أنظر كتاب " من يجرؤ على الكلام " لبول فندلي نشر بيروت الطبعة الخامسة من ص 394 - 418
ويقول كارتر الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية: (لقد اعتبرت أن إقامة وطن لليهود هنا هو أمر من الله، وهذه المعتقدات الخلقية والدينية هي التي كانت أساس بقاء التزامي بسلامة إسرائيل ثابتا لا يمكن أن يهتز)
ويقول ريجان الرئيس الأسبق للولايات المتحدة الأمريكية مخاطبا اليهود: أعود إلى أنبيائكم الأقدمين في العهد القديم وعلامات اقتراب مجدون وهي معركة فاصلة بين قوى الخير والشر في الفكر الصهيوني فأجدني أتساءل: هل نحن الجيل الذي سيشهد تلك الواقعة.. إن هذه النبوءات تصف الأزمان التي نعيشها بالتأكيد) نقلا من كتاب أمريكا وإسرائيل للدكتور معروف الدواليبي ومقدمته لمحمد علي دولة ص 20-24.
وحين صافح كلينتون الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل الأسبق - في زيارته لإسرائيل وغزة في أوائل ديسمبر 1998 أراد أن يطمئنه إلى السياسة الأمريكية تجاه إسرائيل فقال له عن القس الذي تلقى اعترافاته عن علاقته الغرامية بمونيكا إنه أي القس قال له: (إن الله سيغفر لك كل ذنوبك بما فيها علاقتك مع مونيكا، ولكن الله لن يغفر لك أبدا إذا نسيت إسرائيل) جريدة الخليج 23\12\1998 ص 12 مقال فوزية رشيد.
وأخير ا هاهو جورج بوش الابن الرئيس الحالي للولايات المتحدة الأمريكية.. لا يكتفي في مناصرته لإسرائيل بما استولت عليه فعلا من أرض المسلمين في فلسطين وإنما هو يفتح من أجلها جبهات القتال على المسلمين في كل مكان.
وعلى هذه القاعدة الصليبية تكتل الشعب ورجال السياسة في أمريكا والغرب ضد الإسلام والمسلمين والمسجد الأقصى بالذات، متأثرين بأفكارهم الدينية تجاه مناصرة اليهود ومعاداة المسلمين، خلافا لما يظنه البعض منا أن هؤلاء قد تخلصوا من دينهم وما عادوا يقيمون لغير مصالحهم المادية وزنا، يقول الدكتور ادوارد سعيد بمجلة " الكتب: وجهات نظر " عدد إبريل 2003- ص 20 (والولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة في العالم التي تبدي بشكل علني تمسكها بأهداب الدين، فحياة الأمة مشبعة بالإحالات على الله من قطع النقد إلى المباني العامة إلى الشهادات اللغوية من مثل " بالله نؤمن " " إلى بلاد الله " " بارك الله أمريكا " إلخ، والقاعدة التي يقوم عليها حكم بوش مؤلفة من حوالي 60 إلى 70 مليون رجل وامرأة، يؤمنون مثله بأنهم التقوا يسوع المسيح وأنهم وجدوا على الأرض من أجل إتمام عمل الله في بلاد الله. …
إننا بإزاء ديانة نورانية نبوية ذات قناعة راسخة برسالتها الرؤيوية التي لا علاقة لها ألبتة بواقع الأمور وتعقيداتها.. )
فأين يجد طلاب الود وعشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار؟:
ويقول الدكتور ديفيد بلانكس أستاذ التاريخ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة بمجلة " الكتب: وجهات نظر " عدد إبريل 2003- ص 20: (قد يكون مستغربا بالنسبة لبعض غير الغربيين أن يكتشفوا أن الأمريكيين عموما شديدو التدين، فالأمريكيون الذين يؤمنون بالله أكثر بكثير من نظرائهم الأوربيين والإسرائيليين، وهم أكثر انتظاما في حضورهم الصلوات في أماكن العبادة،، وتبين دراسة أجريت أخيرا بعنوان " مسح التعرف على الهوية الدينية الأمريكية عام 2001 أن الأمريكيين اقل علمانية مما يفترضه كثير من غير الأمريكيين، وقد تبين من الاستطلاع أن 75 % وصفوا موقفهم بأنه ديني أو ديني إلى حد ما)
ويقول: (لماذا يؤيد الإنجيليون إسرائيل؟ هذا ليس نتيجة للإعلام أو الضغط اللوبي اليهودي أو أي عامل خارجي آخر، ومع أن قيادتهم تتحدث بلغة الأمن فإن معظم المؤمنين يؤيدون إسرائيل لأسباب دينية، أي تلك الأسباب التي وردت في سفر الرؤيا، آخر أسفار العهد الجديد الذي يتنبأ بهرمجدون، …. إنه على من يشعرون أنه يمكن أن يكسبوا الدعم للقضية الفلسطينية عن طريق الشكوى من اللوبي اليهودي أن يعيدوا النظر في موقفهم فليس من الممكن كسب اليمين المسيحي)
ويجب علينا نحن من جهتنا أن نتذكر أن ما هم فيه من تدين أشبه بمذهب المرجئة عند بعض الفرق الإسلامية: في الأخذ بمقولة أنه " لا يضر مع الإيمان معصية، كما أنه لا ينفع مع الكفر طاعة "، والمخلص عندهم دائما مستعد لمحو الخطايا أولا بأول، ما توسط لذلك كاهن أو قسيس في صلاة أو اعتراف
أما نظرية المصلحة التي تحكم السياسة والسياسيين فلا غبار عليها إذا وسعنا مفهوم المصلحة، بالنظر إليها وفق عقيدة صاحبها، فهي التي تنشئ هذه المصلحة وتلونها وتحددها وتوجهها على المدى البعيد.
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح وعارضو الخد الأيسر مكانا لهم بين هذه الأنقاض لإجراء الحوار؟
ولم يقتصر الأمر على الأصولية المسيحية في الولايات المتحدة الأمريكية
حتى الملحدين في الغرب الأوربي منهم تأثروا على المستوى الثقافي بهذه العصبية الدينية، لقد سار الفيلسوف الفرنسي الملحد جان بول سارتر في مظاهرات باريس قبل حرب 1967 تحت لافتات كتب عليها " قاتلوا المسلمين " فالتهب الحماس الصليبي الغربي وتبرع الفرنسيون آنذاك بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط. وفي هذا تأكيد لما ذكره ت ج إس إليوت في كتابه " ملاحظات نحو تعريف الثقافة " من أن المسيحية لم تغادر مكانها في أوربا وإنما تحولت عند الملحد العلماني إلى ثقافة يدافع عنها كما يدافع عن وجود حضارته نفسها.
ولقد تحولت هذه الثقافة المسيحية في الوقت نفسه إلى عنصرية تغلغلت في دماء الرجل الأبيض: إنها كما يقول الأستاذ جلال كشك: (حملة إبادة للوجود الإسلامي في يوغوسلافيا تحقيقا للنقاء العنصري بالقتل والحرق والطرد الجماعي، لكي يستولوا على الأرض بدون سكان، كما فعل الكاثوليك في أسبانيا والبرتغال قبل خمسمائة سنة، ثم في كريت وصقلية وقبرص وجنوب أوربا، وكما فعل الصرب والأوربيون في البلقان قبل مائة عام، وكما فعلت وتفعل إسرائيل، وكما فعلت بلغاريا في مسلميها عدة سنوات، وكما يفعل الأرمن في قرة باغ حيث يطبقون النموذح الإسرائيلي ويستدعون المهاجرين الأرمن من أمريكا لإسكانهم في بيوت المسلمين، بعد أن تم إخلاء مائتي قرية مسلمة بالإبادة والطرد) نقلا عن كتاب (إنهم يذبحون المسلمين) للأستاذ محمد جلال كشك، نشر مكتبة التراث الإسلامي ط 1992 ص 54 )
وإذا كان لابد من التذكير بابتلاء المسلمين حول المسجد الأقصى في المعركة الصليبية الحالية فعلينا أن نذكر على سبيل المثال ما نشرته صحيفة " هامير " المحلية في تل أبيب عن مجازر عام 1948 التي كانت الأكثر قذارة في كل المجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد فلسطين، وصرحت الصحيفة بأن كل معركة انتهت بمجزرة، وكان ثمن احتلال كل قرية عربية تنفيذ أعمال قتل واغتصاب وجرائم حرب، وفي هذا يقول أرييه يتسحاقي الذي كان يعمل في أرشيف الجيش الإسرائيلي، ثم صار يعمل محاضرا في جامعة " بارايلان ": إنه قرأ جميع الوثائق الموجودة في الجيش الإسرائيلي وجمع كل الوثائق المتعلقة بالمذابح، ويؤكد أنه في كل قرية احتلتها إسرائيل تقريبا تم تنفيذ أعمال تعتبر جرائم حرب من القتل والاغتصاب والذبح، ويقول: إنه على يقين من أن الأمور ستطفو على السطح في النهاية، ويتساءل: كيف سنعيش معها جريدة الأهرام 25\5\1992 ص 5
واليوم ومنذ بدأت الانتفاضة الثانية للفلسطينيين وهي التي بدأت واقعا لحظة تعرض المسجد الأقصى للاعتداء عليه بزيارة شارون وهو النجس، فقد بدأت حرب الإبادة الحقيقية للشعب الفلسطيني بضربه وهو الأعزل حتى من مناصرة العرب والمسلمين ضربه وهو المسلح بالحجارة والسكين وقنابل مولوتوف: ضربه بطيارات الأباتشي والدبابات والصواريخ، واعتقال الآلاف، و اغتيال الأفراد المتهمين بالمقاومة أو نية المقاومة أو التفكير في المقاومة، وقتل النساء والأطفال تحت أنقاض البيوت التي تقصف بالصواريخ، وتدمير شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي وتدمير بيوت المتهمين بالمقاومة، والبيوت التي جاورت بيوتهم، ومزارعهم، والمزارع التي جاورت مزارعهم، وغلق المدارس والجامعات، والمتاجر، وضرب المظاهرات السلمية بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع، ومنع التجول لمدد تتجاوز الأيام إلى الشهور وتحويل المدن والقرى إلى سجون، كل ذلك يحدث تحت حماية الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن وصمت العالم وصمت المسلمين وصمت العرب، ولا تسمع صوتا غير صوت عشاق التسامح وطلاب المودة، و" خطاب " الحوار.
إنها عملية إبادة فشلت من قبل في الحروب الصليبية، ولكنها نجحت نجاحا مطلقا في الأندلس، ثم نجحت نجاحا كاملا في أوربا، وهاهي تحرز نجاحات مرحلية ابتداء من سقوط الدولة العثمانية بيد الاستعمار ومؤامرات أحلاس العرب: في تركيا، وفلسطين، والعراق، والشرق الأوسط، ميدان المعركة الأخيرة من وجهة النظر الأصولية الصهيونية المسيحية، في هرمجدون، أو من وجهة النظر الحضارية التاريخية في تصفية حساب يقوم بها وارثو الدولة الرومانية التي أخرجها الإسلام من المنطقة. وأينما جال المرء بنظره فسوف يجد مسلمين يتعرضون للضرب في كل مكان .
فهل هي صدفة أن المسلمين يتعرضون للضرب في كل بقعة من بقاع الأرض؟ في الوقت نفسه ؟ إن الأعذار التي يقدمها الذين يضربون المسلمين هي نفسها الأعذار والمبررات التي تقدمها إسرائيل لضرب الفلسطينيين والعكس صحيح.
و تعلق الدكتورة بنت الشاطئ - رحمها الله - على ما يجري للمسلمين على يد خصومهم الدينيين في الغرب، فترجعها إلى أصولها باعتبارها تيارات ثقافية نتحمل نحن المسلمين تبعة القصور والتقصير فيها فتقول: (ما بعد هذه الجولة المتحضرة (!!) المسعورة متروك لنا نحن بغفلتنا عن الموقع الفكري الإسلامي الذي يعيث فيه دعاة تنوير، موكلون بمهمة طمس معالم وجودنا الإسلامي بتشويه قيمه ومبادئه،.. وأجهزة إعلام تتبارى في التحذير من الأصولية، وتسقط بذلك وعي الشباب بزيف نسبة الإرهاب إلى دين يحظر الإكراه في الدين.. ومنابر صحفية وواجهات صوت وضوء مباحة لأدعياء العصرية أعداء الأصالة والأصولية، يلوثون مناخنا الفكري الإسلامي بمقولاتهم الخاسرة، ويبشرون فينا بتنوير عصري يحررنا من خدر " الأفيون "، ويستهزئون بالتدين والمتدينين، ويسخرون من قيم إسلامية يرونها من حفريات زمان غبر) جريدة الاتحاد 4\6\1992
يقول الدكتور محمد مورو في جريدة العرب الصادرة بلندن: (إن المسلمين سوف يتعرضون لعدوان غربي أمريكي صهيوني سواء واجهناهم، أو استسلمنا لهم، أو حتى قبلنا العتبات والأقدام، ومن الأفضل أن ندفع الثمن واثقين وواعين مع الاحتفاظ بكرامتنا بدلا من أن ندفعه - أيضا - راكعين مهدوري الكرامة غائبي الوعي).
ولم يذهب الدكتور مورو بعيدا فلقد كان الثمن فادحا وسوف يكون، بدءا من الضربات التي وجهها الغرب في العصر الحديث لكل من محمد علي، والشريف حسين، وسعد زغلول، وفاروق، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، وصدام حسين، ولقد أبدى هؤلاء جميعا في فترة من نفوذهم رغبة صادقة في التعاون مع الغرب، بل أبدى بعضهم استعداده الكامل لكي يكون شرطيا لهم في المنطقة له، أو ليضمن مصالحهم ضمانا كاملا، فلم يعد منهم بغير خفي حنين وضربة فوق الرأس ودمار في أحشاء القلب وخرابا للديار. وما ذلك إلا لأن الفكر السياسي لهؤلاء جميعا كان يتنكر تماما لتفسير عداء الغرب لنا تفسيرا دينيا، حتى جاء الطيار الأمريكي مندوب كلينتون ليكتب " هذه هدية رمضان " على صاروخ قذفهم به في دورة من حروبهم ضد العراق، وهو شديد الصراخ علهم يسمعون.
ومن هنا فإننا نقول: كيف يستقيم في عقل أو دين أو وجدان أن تقوم دعوة للسلام تتجاهل هذه الخطط التي تقعقع فيها طبول الحرب الدينية وتصطرخ فيها دعوات إبادة المسلمين، في أقوي الدول المعاصرة التي أخذت في يدها مصير العالم لمحض ما بيدها من قوة؟
وإذا كان البعض يرى أن للسياسيين فينا أن يختاروا ما يرون من السياسات بحكم أنهم الجهة الأعلم بضرورات المرحلة، وما تقتضيه من حركة أو تكتيك، أو عقد معاهدة أو إلغاء معاهدة.. فإنه بنفس القدر من هذا الاعتراف يجب أن نعترف بأن المثقفين والدعاة ليس موكولا إليهم اتخاذ شيء من هذه المواقف السياسية المتلونة بحسب الظروف، وإنما هم الموكول إليهم تعريف الناس بالمواقف الثابتة التي تحرك تلك المواقف السياسية على مدى التاريخ.
وهنا فإن المرء ليعجب للمثقفين والدعاة: كيف أقاموا جدارا من الصمت حول هذه الأصولية المسيحية الصهيونية الأمريكية بينما هم يغرقوننا يوميا حول فقه السلام والتسامح واللاعنف والتعارف والحوار وأدق النظريات المستوردة في الاقتصاد والسياسة والاجتماع والفلسفة والشعر والقصة والمسرح والفنون التشكيلية حتى صرنا نعرف عن نجوم المفتين والدعاة وفنون المذاهب الطبيعية والانطباعية والسيريالية والتكعيبية والبنيوية والعبثية والحداثية.. أكثر مما نعرف عن عدو يطرق أبوابنا ليطلب منا الرحيل في معركة هرمجدون؟
هانحن في بدايات القرن الحادي والعشرين نصحو من نعاس طويل على ضجيج الإمبراطورية الأمريكية وقد تحولت إلى ثكنة صليبية.
إنها حرب دينية منذ الفتح الإسلامي والحرب الصليبية إلى الأندلس إلى اليوم
يجردوننا من الحافز الديني لكي يكون خالصا لهم
فأين يجد طلاب الود عشاق التسامح والتفاوض والحوار و" الخد الأيسر " …. مكانا لهم بين هذه الأنقاض؟
إنه لاملجأ من الله إلا إليه .
لاملجأ بغير الرجوع إلى عقد الإسلام الأساسيº عقد المبايعة مع الله: " إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ": عقد فريضة الجهاد
وفي المرحلة الراهنة: هو الجهاد المدني الذي دعا إليه الأستاذ فهمي هويدي في مقالته الأخيرة المنشورة بجريدة الشعب بتاريخ 17\2\2006:
أما خطة الحل لاستراتيجي فنراها كما قلنا في مقال سابق - في خطوات يتم إنجازها على المدى الطويل:
تغيير جذري فينا باسترداد عناصر القوة التي تساقطت من أيدينا وتسللت من قلوبنا واغتصبت من عقولنا: منهجا وتربية وثروة وتجردا واعتقادا، وجهادا، ودفاعا واستردادا للأرض والثقافة والهوية، وهذا حلم صعب ولكنه موعود.
و.. تغيير جذري في الغرب:
في قلاع الكنيسة بالكلمة السواء التي أشار إليها القرآن.
وفي قلاع المؤسسة الاستشراقية بالتزام المنهج العلمي التزاما حقيقيا.
وفي قلاع المؤسسة الإعلامية بتصحيح ولائها، وفي قلعة الرجل الأبيض بالتجرد من العنصرية
وهذا أقرب ما يكون إلى حلم إبليس في الجنة
إنها المعركة الدينية التي وجه القرآن أنظارنا إليها في قوله - تعالى -: {وَلَن تَرضى عَنكَ اليَهودُ وَلا النَّصارى حَتّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم قُل إِنَّ هُدى اللَّهِ هُوَ الهُدى وَلَئِنِ اتَّبَعتَ أَهواءَهُم بَعدَ الَّذي جاءَكَ مِنَ العِلمِ ما لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ, وَلا نَصيرٍ,} 120 البقرة.
وسر انهزاماتنا في هذه المعركة أننا نكاد لا نصدق القرآن فيما قال.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد