المجتمع المدني بين كوبنهاجن والمصحف


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

في الوقت الذي تأججت فيه مشاعر المسلمين كافة للإساءات التي وجهت إلى حبيبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتخذت معظم المنظمات الإسلامية الفعالة موقفا واضحا من تلك الأحداث وجدنا نشطاء ما يطلق عليه ' المجتمع المدني ' في عالمنا العربي يلتزمون الصمت حيالها وفي ذات الوقت الذي استغاث فيه رئيس الجالية الإسلامية من أن هناك منظمات مدنية دنمركية أعلنت أنها ستحرق المصحف الشريف في ميدان عام في العاصمة الدنمركية كوبنهاجن وجدنا أيضاً هؤلاء النشطاء يؤثرون الصمت في حين يعلوا صوتهم تارة حينما تدعى ماجنة ما أنها ضربت على يد زوجها أو أبيها, وتارة أخرى عندما تصادر رواية ما لتجاوزها حدود الأخلاق بدعوى أن في ذلك محاربة للإبداع, وكثير من الضجيج الفارغ مما فرض تساؤلا منطقيا, وهو لماذا كان خيار الصمت هو اختيار نشطاء المجتمع المدني في العالم العربي حيال ما حدث تجاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتجاه العزم على حرق المصحف الشريف؟

 

سؤال دفعنا إلى عدة تساؤلات على رأسها :

هل هناك علاقة بين كوبنهاجن ونشطاء المجتمع المدني في عالمنا العربي؟

الإجابة ببساطة نعم...... وبتوضيحها يتم استيعاب خيار الصمت هذا.

لكن قبل التوضيح ينبغي التفريق بين فريقين من المنظمات والمؤسسات على الساحة العربية والإسلامية, الأول منظمات خيرية تؤدي دورها الخدمي والإغاثي والدعوي وفق رؤى عقدية وترفض التمويل الأجنبي كلية وتنظر إليه بمنظار الحلال والحرام وتدرك خطورته على الأمن القومي للبلاد وهي ما تعرف بالمنظمات الإسلامية أو منظمات العمل الخيري الإسلامي. وأخرى برجماتية نفعية تحررية تخدم من يدفع أكثر بغض النظر عن حل المال أو حرامه أو حتى خطورته على أمن العباد والبلاد. بوضع هذه التفرقة في الحسبان نكون قد وضعنا أيدينا على أول الخيط في تفسير السلوك الصامت لمنظمات المجتمع المدني حيال التعدي الصارخ المستمر على شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكذا التهديد بحرق المصحف الشريف.

 

العلاقة بين كوبنهاجن والمجتمع المدني في العالم العربي:

طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 2005 الصادر مؤخراً عن الأمم المتحدة فإن متوسط معونات الدنمرك لدول العالم الثالث مليار وسبعمائه وثمانيه وأربعون مليون دولار أمريكي، والدنمرك بهذه المعونات تعد من أكثر البلدان الغربية دعما لنشطاء المجتمع المدني في العالم العربي فهذه سناء المصري توضح في كتابها تمويل وتطبيع ' أن الدنمرك التي عقدت بها العديد من الندوات العلنية واللقاءات السرية تعد من أنشط البلاد في تمويل المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان والنشاط النسائي, وتضيف الكاتبة أن عاصمتها كوبنهاجن هي مركز النشاط الصهيوني لاستقطاب فلول المثقفين والمثقفات العرب الذين يفرقون بين المال والسياسة ولا يجدون بينها أي شبهة ترابط. ويشاركها ' حلمي شعراوي ' الرأي في أن أكبر دول التمويل هي دول اسكندنافية خاضعة للنفوذ الصهيوني.

 

ولما كانت معظم المنظمات المعنية قد التفت على القوانين المنظمة للعمل الأهلي في البلدان العربية لذا فإن المنح تأتي على الحسابات الشخصية لأصحاب المنظمات المدنية وليس حسابات المنظمات طبقاً للقوانين، وبالتالي فهي لا تخضع للمتابعة الرسمية من قبل حكومات الدول العربية، وسلوك الدنمرك لهذا لأسلوب الحسابات الشخصية على الرغم من أنه لا يحقق الأهداف المعلنة للمشروعات وذلك لغياب المحاسبة يرجع إلى أهداف عدة تصب جميعها في منبع واحد فسره كثير من الباحثين بأنه 'منبع التجنيد' حيث يتم تكليف هؤلاء النشطاء بإجراء بحوث ميدانية تمس السيادة الوطنية, وتنتهك خصوصيات وحرمات الأسر المسلمة وتكشف عورات النساء، كما تعمل على تطبيق مشروعات ميدانية بعينها يلمس المطلع عليها غرابتها وشذوذها على مسامع المجتمع المسلم, فعلى سبيل المثال يحصل النشط على المنحة مشروطة بالدفاع عن حقوق المثليين, وقد تابعنا قريبا عدة أزمات افتعلتها تلك المنظمات المدنية عندما ألقت الشرطة القبض على مجموعات من الشواذ في دولة عربية كبرى، كما نجد مشروعات أخرى تعمل على تهيئة المناخ لتطبيق نصوص مؤتمرات المرأة الدولية وخاصة مؤتمر بكين وتوابعه والتي تضم وثائقه في ثناياها ما يخالف الشرائع السماوية وتلفظها الفطرة الإنسانية, وكذا مشروعات 'الجندر' ذلك المصطلح الجديد الذي يترجم عندنا 'بالنوع الاجتماعي' وهو يعمل على تذويب الفوارق بين الرجل والمرأة ويعمل على الاعتراف بالشواذ كأشخاص أسوياء لهم كافة الحقوق. وغير ذلك من المشروعات التي تمولها الدنمرك وبخاصة 'دانيدا' danida وهي جماعة - صناع القرار في وزارة الشئون الخارجية بالدنمرك -، وهي لجنة سياسية تخرج من طيات جهاز دولة يضم الأنشطة السياسية والاقتصادية والمخابراتية, والتي تنفق ملايين الدولارات على المنطقة العربية في أنشطة نسوية وبصورة خاصة القضاء على ختان الإناث مما دفع الباحثين للتساؤل عن العلاقة بين ختان الإناث وصنع القرار في الخارجية الدنمركية.

قد يقول قائل طالما أن الأمر كذلك فطبيعي أن لا يكون متوقعا من الأساس أن يبدي هؤلاء أية انتقادات لتلك الإساءات، هذا صحيح! لكن الفرد من هؤلاء عندما يلهث وراء المنحة فهو يلهث بحسابه الشخصي أما عندما يخرج في وسائل الإعلام فهو يتحدث باسم منظمته ويدندن على أن الدولة تشجع المؤسسات المدنية وبالتالي يخيل لغير المطلع نظرا للإيحاء بثقل المؤسسة وهذا له تأثير في صناعة الرأي العام وحشد الجماهير، ففي النهاية رجل الشارع العامي لا يرى أمامه إلا تلك المنظمة التي تشبع احتياجاته الأساسية ونجح بعضهم في تكوين قاعدة جماهيرية خدمتهم سياسيا ومن هنا فإن مجرد الحديث باسم المنظمة كنا نضمن معه حشد على الأقل المجتمع المحلى المحيط بالمنظمة، أما النشطاء لو تحدثوا عن الأجندات الغربية بصورة شخصية فسيلفظهم المجتمع جميعه والأدلة على كثيرة فقديما على سبيل المثال والارتباط كانت نوال السعداوي تقول كلاما شاذا فتنهض الجماهير جميعها لترفض هذا الكلام حتى معظم العلمانيين كانوا يشاركون الجماهير في الرفض وتشاركهم مؤسسات الدولة, أما الآن فمنظمات المجتمع المدني تقول نفس كلام نوال السعداوي بل وصلوا لما لم تكن تتخيله نوال السعداوي, وتنفذ المشروعات النسوية من قبل المنظمات وسط ترحيب مؤسسي بل وتسخر كل مؤسسات الدولة لتنفيذ تلك المشروعات حتى ولو كانت المنظمات المدنية ملتفة على قوانين العمل الأهلي في تلك الدولة - وهو أمر بحاجة إلى تفسير أيضا-. الفرق بين الماضي والحاضر أن نوال السعداوي يرى البعض أنها كانت تقبض وتقول بمفردها دون مظلة مؤسسية لذا فتكميمها أو منعها كان سهلا لكن الآن النشطاء يقبضون ولديهم الغطاء التنظيمي داخل المجتمع حتى لو بصورة غير رسمية لذا فان تأثيرهم عندما يتحدثون يكون واسعا.

إن المنظمات الدنمركية التي تدعوا الآن إلى حرق المصحف هي قرينة إن لم تكن هي نفسها التي تمول نشطاء المجتمع المدني عندنا لذا لم يكن غريبا أن يعلوا الدولار عندهم على محبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأن يؤثر هؤلاء كوبنهاجن على المصحف الشريف.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply