رسالة التخريب الأخلاقي


بسم الله الرحمن الرحيم

 

نشرت بعض المصادر الإعلامية الغربية أخيرا: أن المخابرات الأميركية قد أعدت جيشا من المبشرين، قوامه ستة آلاف من الشباب، يتلقون الآن دراسات تبشيرية مضمونها إلصاق كميات من الأكاذيب بالإسلام، وهدفها- كما يزعمون- مساعدة الذين ارتبطوا بالإسلام علي (الخلاص) منه، وهي فرقة من المخربين سوف تنطلق إلي الأرض المحتلة بالعراق، لتكمل المهمة التي بدأتها القوات الأميركية التي زادت علي مائتين وخمسين ألف جندي.

ولا شك أن دعوة الشعب العراقي المحتل للتخلي عن الإسلام- سوف تكون مهمة صعبة، تحتاج إلي التمكن من اللغة العربية التي هي وسيلة الخطاب، ومن المعطيات العقدية والتاريخية التي يمكن تشويهها لتشكيك المسلمين البسطاء في دينهم، ليستبدلوا به النصرانية الأمريكية، بما تمثل من شذوذ!!

 

والهدف الأهم من هذه الحملة التبشيرية هو التمكين للاحتلال الأميركي من الاستيلاء علي الثروة البترولية العراقية، وهو ما يشير إلي نية العدوان الأميركي في الإقامة الدائمة علي أرض العراق، وكل ما يقال خلاف ذلك إنما هو وعود كواذب تتفق مع أخلاقيات العدوان.

 

ولعل هذا يذكرنا بطرف من تاريخ التبشير المسيحي الذي أغار علي إفريقية، فنشر فيها الخراب العقائدي، واستولي علي كنوزها من الذهب والماس والأحجار الكريمة، بل واستولي علي الإنسان الإفريقي، وشحنه بضاعة إلي الشاطئ الأمريكي، واستعبده وسخره لبناء الحياة الجديدة من أجل الجنس الأبيض.

 

كان عهد إفريقية بالإسلام عهدا جميلا، تعلمت منه الحضارة، وذاقت معني الإنسانية التي لا تعرف التمييز العنصري، فجاء هؤلاء المبشرون وخربوا كل شيء، حتى ليمكن أن نقرر هنا أن كل ما تعاني منه الشعوب الإفريقية من جهل وفقر وتخلف- إنما هو من آثار تلك الحملة الهمجية التبشيرية التي كان تكفير الإنسان الإفريقي واستعباده هدفا لها، وتمكن أولئك المبشرون من طمس القيم الإسلامية المتجلية في الرحمة، والمساواة، والحرية، والعدل المطلق.. ليفرضوا مكانها القسوة الاستعمارية، والتمييز العنصري، والعبودية، والظلم الاستعماري.

 

فهل يا ترى يمكن أن تنجح المرحلة الجديدة من الحملة الأميركية علي العراق- في تحقيق ما ينتظر لها من نتائج، لتخريب حياة الشعب العراقي، وتدمير معتقداته، وتشويه هويته، وأخيرا.. الاستيلاء بصورة مطلقة علي ثرواته البترولية، ومن ثم جيرانه من أبناء الخليج؟!!

 

إن ستة آلاف من المبشرين ليست بالشيء الهين، ولا شك أن مثل هذه الحملة التبشيرية سوف تزود بالكثير الكثير من وسائل الإفساد الأخلاقي، والشذوذ الجنسي، والدعارة السياسية، والخداع، وألوان الإغراء، وسوف تصاحبها حملات أخري من الوسائل الصهيونية، التي تستهدف الاستيلاء علي الأرض وتوطين المشردين من الصهاينة، إضافة إلي نثر الملايين، وربما آلاف الملايين من الدولارات، لتسهيل التنازل عن الأرض والعرض والدين، وخلق حالة من الفوضي أشد مما حدث ويحدث في فلسطين، وهي فرصة ذهبية بترولية لتحقق إسرائيل امتدادها في اتجاه الفرات، ولن تتخلي أمريكا عن هذه الفرصة التي- ربما- لن تتكرر لو أفلتت من يدها هذه المرة.

 

إن هذا الموقف يفرض تكليفين:

التكليف الأول: إلزام لكل أبناء العراق من العرقيات والمذهبيات المختلفة والمتنافسة بشأن الحكومة المؤقتة، والمجلس الحاكم يجب أن تعلموا أن تشكيل مثل هذه المجالس إنما هو لعبة يضحك بها الحاكم الأميركي على ذقونكم، يريد أن يلهيكم عن جوهر قضيتكم، وهو في نفس الوقت جاد في تنفيذ المخطط المرسوم، الذي سوف يتم مرحلة بعد مرحلة، وأنتم غارقون في اختلافاتكم على من يكون بيده الزمام بعد زوال صدام؟! الشيعة؟ السنة؟ العلمانية؟ البعث؟ والعدو متقدم إلي أهدافه بكل اطمئنان!!!

 

انسوا أيها السادة انتماءاتكم وهوياتكم، وركزوا علي حقيقتين اثنتين لا ثالث لهما: الإسلام، والوطن، والوطن أنتم ترون أن العدو قد تمكن من رقبته، والإسلام وهو المرحلة التي تعد لها الحملات التبشيرية القادمة، وحينئذ لن يبقى على الأرض سني ولا شيعي ولا مسلم أصلا!!!

صحيح أننا نؤمن بحتمية انتصار الإسلام على هؤلاء (الأوباش)، أو الأوشاب، ولكن للمعارك غذاؤها من الوقود، والشهداء، وأنتم وقودها وشهداؤها، وأنتم المنتصرون- إن شاء الله، بما وعد الله عباده المؤمنين: (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد).

ولا يستطيع أحد أن يرتاب في أن العدو يراهن علي الحل الطائفي، فإما غلبة لطائفة على أخرى، وإما عراق ممزق بين شمال وجنوب ووسط، تتطاحن أجزاؤه، وتتلاشى وحدته!!

ولن يهزم هذا العدو إلا وحدتكم في ظل الإسلام، ولن يقاوم البغي إلا شعب يطلب الشهادة دفاعا عن أرضه وعرضه ودينه، (والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم).

(ولا تركنوا إلي الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون).

 

والتكليف الثاني: وهو إلزام لزعماء العالم العربي الذين- ولا شك- يدركون أبعاد المخطط الأمريكي المرسوم للعراق- بخاصة، وللمنطقة بعامة.

 

إن هؤلاء الزعماء ينبغي أن يجتمعوا- رغم كل شيء- ليقولوا شيئا في قضية المصير، ولما كانت المعركة سوف تمتد- ربما إلي أكثر من عقد من الزمان- فإن عليهم أن يدعموا المقاومة من الداخل والخارج، وأن يغذوها بالسلاح، باعتبارها فصلا جديدا في ملحمة الأرض المقدسة، ولا ينبغي أن يقفوا متفرجين على العدو وهو يلتهم الأرض، وينهب الثروة، ويغتال الشعب العراقي باعتباره مقدمة لاغتيال الشعب العربي.

 

ويجب أن يصدر بيان عربي يرفض وجود هذه الحملات التبشيرية على أرض العراق، كما يجب أن تنشط حملات الدعوة الإسلامية التي يحاربها المحتلون.

 

ولعل من المبشرات أن ترد أخبار بدخول بعض أفراد القوات الأميركية في الإسلام، واقترانهم بزوجات عراقيات.

 

ترى هل تتكرر المعجزة التي شهدها التاريخ، حين جاء التتار غازين محاربين للإسلام، فتحولوا إلى مسلمين؟!!

 

ألا.. ما أشبه الليلة بالبارحة، ولكن التاريخ لا يعيد نفسه، بكل أسف..

 

ولن تجد لسنة الله تبديلا..

 

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply