الثقافة العربية في نيجيريا والتحديات المعاصرة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

رغم ما تواجه اللغة العربية من حملات استهداف قوية وضربات متتالية في حاضرتها (فما بين حرب التغريب من الأعداء، وحالة تجاهل وعقوق من بعض أبنائها) فإن حركة الاستعراب والسعي لاكتسابها ما زالت تتواصل وتتوسع وسط أمواج عاتية تجاذبها نحو الوأد، فإذا كان المستعرب هو من يطلب العربيةº ليصبح لسانه عربيًّا، فإن المسألة لم تقف عند هذا الحد فحسب في أفريقيا جنوب الصحراء، بل أصبحت مسألة تعريب الألسن هاجسًا وشغلاً شاغلاً للعلماء المسلمين الأفارقة يعتبرونه نضالاً باللغة يستميتون فيهº لأنه جزء لا يتجزأ من إسلامهم، لهذا رأينا جهودًا ذاتية مخلصة تبذل، ومساعي حثيثة تُكرّس لفكّ عُجمة مئات، بل آلاف الألسن للشباب والناشئة بل والكهول، تقوم بها أكثر من سبعين ألف مدرسة عربية إسلامية في طول نيجيريا وعرضهاº حيث توجد هناك محاولات فردية وجماعية ودعوات متكررة بإلحاح شديد من أنصار اللغة العربية ورُوّادها إلى إقرار العربية لغة رسمية في البلاد. وتأتي الدعوات لنشر اللغة العربية لتقف أيضًا حائط صَدٍّ, في وجه محاولات أخرى تسير على قدم وساق لنشر الثقافة الأنغلفونية في نيجيريا، لتلعب بذلك دوراً مزدوجاً في مواجهة المد الغربي المتزايد داخل البلاد.

 

معاناة مضاعفة

ورغم هذه الجهود فلا يمكننا القول: إن الحملة التي يخوضها دعاة اللغة العربية في نيجيريا تسير دون معوّقات، بل على العكس من ذلك فإنّ هؤلاء تواجههم عِدّة تحدّيات ما بين داخليّة وخارجيّة، ومن بين تلك التحدّيات ما يلي: -

1) إن المدارس العربية التي تُعنى بتدريس اللغة تُعد على أصابع اليد، وأُنشئت بجهود ذاتية، وليست حكومية أو مؤسّساتية، مما كان له تداعيات سلبية في دعم وتمويل تلك المدارس، وبالطبع في القدرة على التجديد والإبداع وابتكار الوسائل ومواكبة الأساليب العصرية التي من شأنها تفعيل رسالة هذه المدارس.

2) عدم الاعتراف الحكومي بالمدارس العربية، ومع الجهد المضني الذي يبذله أصحاب المدارس العربية، فإن 98% منها ليس معترفاً به رسميًّا من السلطات الحكومية في البلاد، خاصة في القسم الجنوبي من نيجيريا، وهذا بالطبع له انعكاسات خطيرة على المؤسسات التعليمية وأصحابها وخريجيها، ورغم أن هذا الوضع لم يكن مرضيًا لأصحاب المدارس العربية إلا أن الظروف القاهرة أجبرتهم على الرضوخ له، وفي مقدمة ذلك مخاوفهم من السيطرة الحكومية الكاملة والتي من شأنها المساس برسالتها وأهدافها الإسلامية، إضافة لعدم قدرتهم على الوفاء بالمتطلبات الرسمية للاعتراف الحكومي الذي يستلزم تكاليف باهظة.

3) ظاهرة الازدواجية اللغوية- الثقافية من أبرز المشاكل التي تقابل جهود المستعربين في نيجيريا ظاهرة الازداوجية الثقافية التي يعيشها المجتمع، ونظرة هذا المجتمع إلى المستعربينº فالثقافة السائدة الرسمية في الأوساط الرسمية وبين صفوف النخبة والمثقفين هي الثقافة الإنجليزية "الأنغليفونية"، ولذلك فإن كثيراً من المثقفين بثقافة عربية، وفي أي مجال من المجالات إذا لم يكونوا على قدر من الثقافة الإنجليزية التي تؤهلهم لتقديم أنفسهم، فليس لهم حظ في حضور فاعل ومعتبر على الساحة، مهما بلغوا من الكفاءة والتمكن في مجالات تخصصهم 0

4) التغييب المُتَعمّد لرواد الثقافة العربية في الساحة الثقافية، بسبب عدم الاعتراف الحكومي بالمدارس التي تدرس العربية، فإن الساحة الثقافية هي الأخرى ترفض الاعتراف بمثقفي اللغة العربيةº مما جعل المستعربين يشعرون بشيء من الدونيّة، ويعيشون حالة من التهميش والاغتراب داخل مجتمعهم.

5) مزاحمة الإنجليزية للعربية أو بتعبير أصح(مخانقة الانجليزية للعربية) وملاحقتها في كل مجالات الحياة، وهو أمر مشهود وطبيعي في مجتمع يعتمد على الإنجليزية، ولا تحفل وسائل الاتصال الجماهيرية فيه بأن تجعل حظاً للغة العربية للتعبير عن نفسها، مما لا يمكن به أن تنمو هذه اللغة، أو يتحسن به مستوى المستعربين عن طريق اكتساب مصطلحات ومهارات لغوية جديدة من خلال التعامل اليومي المتعدد.

6) تدني المستوى الاقتصادي: يعدّ الوضع الاقتصادي عاملاً قوياً في تصاعد معاناة رواد العربية في البلاد، فالضغوط الاجتماعية تضاعف من وطأة المعاناة على المستعربين، فأكثر من 70% من هؤلاء يعيشون في ظروف اجتماعية مالية قاسية جدًا، نظرًا لعدم الاعتراف الرسمي بمؤهلاتهم أو قصر مجال عملهم فقط على التدريس في المدارس العربية الدينية الأهلية، كما أنّ عدم الترحيب بالمتخصصين منهم في مجالات أخرى غير الدينية بسبب النظرة السائدة عنهم بعدم كفاءتهم وأهليتهمº لأنهم تعلموا بغير لغة العلم -على حدّ زعمهم - حوّل عددًا من ذوي اختصاصات مثل: الإعلام والهندسة والاقتصاد وغيرها -على الرغم من قلتهم- إلى مدرسين عاديين للعلوم الدينية0

7) مجانية تعليم العربية(أوشبه المجاني) لضمان الإقبال عليها - في ظل الأوضاع العامة للعربية والمستعربين- جلب على المدارس والمدرسين تداعيات سيئة للغاية، فمجانية التعليم العربي كان لها تأثيرها على تواضع أجور المدرسين، ونتيجة لذلك أضعفت عطاءات هؤلاء المدرسين، وتسببت في ظهور مشكلات عديدة بين مؤسسي المدارس العربية، أهمها أنهم يعتمدون في تسديد الرواتب على الهيئات الخيرية وطرق أبواب الأثرياء على رغم ما في ذلك من مشقة ومذلةوسلبيات0

8) عدم وجود وسائل الاتصال بالعربيةº لأنّ فقدان الوسائل المعينة لتنمية القدرات الاتصالية يُعَد المشكلة الكبرىº نظرًا لشدة الحاجة إليها، على الرغم من وجود أعداد هائلة من طلبة العلم والأساتذة الذين يتشوقون إلى ذاك، فوجود منبر إعلامي باللغة العربية يساهم في توحيد الفكر والرأي العام لهذه الشريحة، إضافة إلى ذلك ليس هناك مطابع ودور نشر عربية، الأمر الذي يشكل عائقاً لنشر المحاولات العلمية والإبداعية، فعلى سبيل المثال هناك جهود من بعض الأساتذة في تأليف بعض الكتب والقواميس اللغوية لطلاب المدارس العربية كَـ" القاموس الثنائي" (عربي/ هوسا) وآخر (هوسا/ عربي) للدكتور محمد الطاهر داوود، وهو عمل مضى عليه أكثر من عشر سنوات وحتى الآن لم يتم نشرهماº لارتفاع تكاليف النشر المطلوبة من دور النشر في البلاد العربية، بالإضافة إلى أن نشره محلياً يحتاج إلى بعض الخدمات الفنية اللازمة لإخراج مثل هذه القواميس، وهناك كتاب أخرى في مبادئ تعليم اللغة العربية، وغيرها من الأعمال التي كلفت أصحابها الكثير من الوقت والجهد، وفي النهاية لا يستطيعون أن ينشروها، وهذا ما جعل الكثير منهم يتوقف عن الاستمرار".

9) الدور السلبي لبعض الجاليات العربية، وقد يكون من المستغرب أن هناك بعضاً من العرب أنفسهم ساهموا في تراجع المدّ العربي في نيجيريا بسبب الموقف السلبي الذي اتخذوه حيال الجماهير النيجيرية الشغوفة بالإسلام وبحبّ العربيةº فالبعض من الجاليات العربية المقيمة على أرض نيجيريا لم يكن لهم تفاعل إيجابي مع الجهود المحلية لنشر العربية والترويج لها، بل يتهربون من كل دعوة للغة العربية، ويزهدون في إظهار أنفسهم عربًا فضلاً عن نصرة العربية، أو تشجيع القائمين على نشرها، مع العلم أن بإمكانهم القيام بدور فاعل ملموس في هذا المجال، فأمامهم فرص كثيرة وكبيرة مثل: الدعم المادي، وتقديم الجوائز، والحوافزº لأن لديهم إمكانات هائلة لكون بعضهم تجارًا ورجال أعمال.

 

سبيل الخلاص

وإذا كان هذا بعضًا من معاناة المستعربين في نيجيريا، فإنني أرى -كأحد المهتمين والمعنيين بهذا المجال- أنّ الحاجة ملحة لتقديم المساعدة لهؤلاء في مهمتهم لنشر لغة القرآن في تلك البلاد التي تقع في غرب إفريقيا، وعلى رأس المساعدات المطلوبة إيجاد وسيلة اتصال جماهيرية يمكن من خلالها مخاطبة المتحدثين بالعربية، وتقديم ثقافة مشتركة لهم، وأؤكد على أن الصحيفة هي الأنسب لهذه الشريحة. وفي الوقت نفسه فإن الصحفيين العرب مدعوون لمزيد من الاتصال برواد التعريب في نيجيريا ومزيد من التفاعل معهم، ولا يقل أهمية عن ذلك إنشاء النوادي والمراكز الثقافية، وزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة لأبناء نيجيريا من البلاد العربيةº حيث تُعَد هذه المنح من أكبر وأعظم العوامل في توسيع قاعدة المتحدثين بالعربية.وأخيراً فإن من المهم تعميق عُرى العلاقات بين الجامعات النيجيرية ممثلة في أقسام اللغة العربية بها، ونظيراتها في البلاد العربية.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply