أقباس من الدرس الصومالي


 

بسم الله الرحمن الرحيم

شهد بداية هذا القرن ابتلاءات عديدة مرت بها الأمة الإسلامية، في أفغانستان والعراق والصومال والسودان، وكلها ابتلاءات تتشابه في طبيعتها وأطرافها، فطبيعتها تدخل دولي شنيع في خصوصياتها وشؤونها الداخلية، وأطرافها بجانب الدولة الإسلامية المعنية، أما أمريكا فتتبدل الإدارات الحاكمة والسياسة الأمريكية هي هي. ولكن خبر تحرير مقديشو علي يد إسلاميي الصومال من أيدي عملاء أمريكا، بشارة خير و وعد خير وخاصة أن وكالات الأنباء وعلى غير عادتها نقلت أخباراً مفرحة للمسلمينº انتصارات لطالبان وتصريحات لبرهان الدين رباني يطالب بتحديد جدول زمني لخروج أمريكا من أفغانستان ويسخر من دعوى حقوق الإنسان الأمريكية. واقتباس التجربة الصومالية ودراستها مهم جداً باعتبار تشابه الواقع بين السودان والصومال نوعاً ما.

 

الإستجابة الصحيحة الباكرة:

عندما اندلعت الفوضى بعد انهيار نظام سياد بري في العام 1991م، وظهور المليشيات القبلية ظهر ما يعرف باسم المحاكم الإسلامية التي خرجت إلى النور في عام 1991 مباشرة بعد السقوط ويبدو أن الأخذ بزمام المبادرة دائماً يكسب صاحبه، فالمقاومة العراقية الباكرة، حسمت الخيار العراقي تماماً وعمقت مفهوم أن ما تفعله أمريكا هو احتلال لاغير، وكذلك (قلب الطاولة) على من تفاهموا واتفقوا مع أمريكا من العراقيين لتشكيل حكومة مستقرة موالية لها، فمبادرة المحاكم حافظت علي الوجود المبكر في الساحة الصومالية، ويعمق مبادرة المحاكم أنها اختارت واجب الوقت ولم تجنح لقضايا غير مطروحة في الواقع لحظتئذٍ,، ففكرة المحاكم الإسلامية تقوم أساساً على أن تتولى كل قبيلة مهام إرساء الأمن في منطقتها عبر إنشاء محكمة على رأسها أحد العلماء، تساعده مجموعة من القوات العسكرية غير النظامية في إرساء الأمن.

 

شمول الاستجابة يقي من المصارع:

الفكرة الأساسية التي قامت عليها المحاكم بدهية تقنع الكل بالاستجابة لها، لذا ضمت المحاكم الإسلامية تشكيلة متنوعة بداية من علماء دين وقادة إسلاميين، مرورا برجال الأعمال الذين يمولون نشاطها ونهاية بالسكان العاديين الرافضين للخضوع لنفوذ قادة المليشيات الذين يفرضون إتاوات على السكان منذ 15 عاما. بجانب شباب إسلامي يقاتل تطوعاً حماية للحقوق وممتلكات المواطنين.

 

وهذا الشمول حقق لها الأصول الأربع الأساسية في أي عمل جماعي ناجح: علماء الدين وما يمثلونه من شرعية وعمق يضمن صحة المسيرة ويجمع قلوب الناس على الجماعة، ورجال المال، و المال عصب الدعوات ولولا مال خديجة وأبو بكر رضي الله عن الجميع لواجهت الدعوة الإسلامية الأولى عنتاً ومشقة. والركن الثالث، الشباب المقاتل المضحي بنفسه ووقته، وهو ما يمنح الدعوة حرارة ودلائل الصدق ويحقق لها المكاسب الواقعية والركن الأخير والمهم وهو عامة الناس الذي يعطي الحركة بعدها الشعبي ويبرئها من الصفوية والانغلاق علي طبقة ويكسبها المشروعية.

 

الفكرة السديدة: الأساس الأول

عندما انقسم الصوماليون إلي طوائف وكل طائفة ترجع إلى قبيلة، اختارت المحاكم الإسلامية أن يكون الرابط بين انصارها، فكرة الإسلام، الجامعة للقبائل والقوميات والطوائف، وهي عقيدة تتسامح مع المخطئ التائب وإن زنا وسرق وقتل، فالتوبة تجب ما قبلها، وهي التي تطبب النفوس بعلاج خالقها. ثم هي الفكرة التي بُني عليها تاريخ الصومال المنير، جهاد محمد الحسن، مهدي الصومال. فامتداد الفكرة التاريخي واتفاق الناس عليها وهو مصدر اجماع علي دعاتها. حين أن دعوات القبائل لمجدها الذاتي تفرق ولا تجمع و تبني أسوار بين الناس وتمنعهم التواصل.

 

الإستقلالية

عندما وجهت واشنطون الاتهام للمحاكم الإسلامية بأنها تعمل مع تنظيم القاعدة، سارعت المحاكم الإسلامية لنفي تلك التهمة عن نفسها وأكدت وطنيتها واستقلالها، وأنها تعمل لحفظ الأمن والاستقرار للصوماليين دون تفريق بينهم. وهو مسألة مهمة يحفظ نقاء المسيرة ولا يسئ للإخوة الإسلامية العامة.

 

العمل خلال الأطر القائمة دون ذوبان

ورغم ظهورها في عام 1991 إلا أن الدور الحقيقي للمحاكم الإسلامية برز في الدولة الصومالية منذ عام 1994 حيث ظلت تمارس أعمالها في حفظ الأمن حتى وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 م فبعد وقوع الهجمات مارست واشنطن ضغوطا كبيرة على الحكومة الانتقالية لإلغاء تلك المحاكم بزعم ارتباطها بجماعة 'الاتحاد الإسلامي'، المدرجة ضمن القائمة الأمريكية الخاصة بالمنظمات "الإرهابية". ورغبة منها في حفظ الأمن وإبقاء الاستقرار في البلاد قامت الحكومة الانتقالية بضم رؤساء المحاكم الإسلامية إلى الجهاز القضائي الحكومي واستيعاب القوات التابعة للمحاكم إلى جهاز الشرطة الحكومي، وهو من حسن الفقه أن تتعاون مع من يسعى للخير ولو كان كافراً مادام صادقاًº يقول الشيخ أويس: "فور عودة الحكومة الجديدة للعاصمة، دمجنا ميليشيات المحاكم في القوات الحكومية، كي لا تكون هناك قوتان بالعاصمة، إلا أنه للأسف لم يكتب للحكومة النجاح جراء الحصار الدولي والإقليمي عليها".، غير أنه سرعان ما عادت الأوضاع المتدهورة من جديد في عام 2004 وفشلت الحكومة الانتقالية في بسط سيطرتها على الأمور في البلاد الأمر الذي جعل من الضروري أن تعمل المحاكم الإسلامية، علي حفظ الأمن وإعادة الهدوء في البلاد منفردة. وهو استفادة من تحول الأوضاع ولا يتم ذلك الا بالمتابعة الدقيقة لصيرورتها والتكهن بمآلاتها.

 

رغم كل هذه النجاحات يبقى تحدي بناء حكومة وطنية جامعة ومستقرة هو التحدي الأكبر وكذلك مواجهة الوعيد الأمريكي الذي جاء على لسان الرئيس بوش ليلة 6/6/2006م (لن نسمح أن تكون الصومال ملاذاً آمناً للحركات الإسلامية ولن نسمح لها تكون حكومة إسلامية). والأمر لله من قبل ومن بعد.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply