إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد..من الأمور العجيبة حقًا أن يكون المسلمون في بلادهم أقلية رغم أنهم أكثرية وأن يكونوا مستضعفين رغم أنهم أصحاب البلاد الأصليين وهذا تراه كثيرًا في بلاد القارة الإفريقية التي دوخها أعداء الإسلام نهبًا وسلبًا واحتلالاً وإذلالاً وجعلوها غنيمة يقتسمها الذئاب ونصب أعينهم هدفًا أسمى ألا وهو تحولي القارة السمراء المسلمة إلى قارة نصرانية وبالفعل استطاعوا ميدانيًا الاحتلال والنهب والسلب، ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعًا في تنصير القارة المسلمة لذلك فلقد عهدوا قبل الخروج لرجال من صناعتهم وتربوا على أعينهم ليكونوا لهم عملاء من بني جنس أهليهم وليستكملوا الدور الخبيث الذي حاول أعداء الإسلام القيام به.أين تقع سيراليون؟ تقع سيراليون في أقصى غرب القاهرة الإفريقية على ساحل القارة، وتطل على المحيط الأطلسي، واسم سيراليون معناه بالأسبانية والبرتغالية [جبال الأسد]، وقد أطلقه عليه الرحالة البرتغالي [داسنترا] هذا الاسم ذلك لأنه عندما وصل إلى تلك البقاع كثرت الغيوم ووميض البرمة وارتفعت أصوات الرعد التي تشبه زئير الأسد.متى دخل الإسلام إلى سيراليون؟ اعتنقت قبائل الماندنية والفولاني الإسلام بتأثير فتوحات دولة المرابطين في القرن الخامس الهجري ووصل أفراد تلك القبائل إلى سيراليون في القرن السابع الهجري أثناء خضوع سيراليون لنفوذ حكم مملكته مالي الإسلامية، ولكن لم يحاول حكام المملكة تعمير تلك البقاع لانتشار الأوبئة وسوء الأحوال الجوية بها وظنوا أن البحر أمان لهم من أي غزو لاعتقادهم بأنه لا يوجد بعده أرض ومن البحر جاء الخطر. الاحتلال البرتغالي: وصل الصليبيون البرتغاليون إلى سواحل سيراليون سنة 867 هت أي قبل سقوط غرناطة بثلاثين سنة والحرب على أشدها ضد الوجود الإسلامي بالأندلس وجعل البرتغاليون البلاد مركزًا ومنطلقًا للسلب والنهب والاستغلال وارتكبوا مجزر بشعة بحق المسلمين كعادتهم بكل بلد مسلم احتلوه. الاحتلال الإنجليزي: وصل الإنجليز للبلاد وامتهنوا تجارة العبيد ونقلوا الآلاف من أهل البلد خاصة المسلمين منهم ولكنهم وبعد رحب الاستقلال الأمريكية تغيرت السياسة الإنجليزية تجاه تجارة العبيد لمنافسة الصناعة الأمريكية رخيصة الثمن والتكلفة لأن العبيد كانوا هم عماد تلك الصناعة، فأخذ الإنجليز في محاربة العبيد لأسباب اقتصادية لا إنسانية كما يروج الإنجليز ويصدقهم المغفلون، وفي بداية القرن الثالث عشر الهجري اشترى الإنجليز قطعة أرض من أحد زعماء القبائل الوثنية في سيراليون لتكون مستعمرة لهم ينقلون إليها الزنوج المسرحين من الجيش والحبرية بعد انتهاء حرب الاستقلال الأمريكية، وكان نواة هذه المستعمرة أربعمائة زنجي وستين أوروبيًا معظمهم من النساء العاهرات وسرعان ما فشلت هذه الفكرة وظل وضع المستعمر الصليبي بسيراليون مضطربًا ذلك لأنهم لم يهنأوا بعيش آمن بها حيث كان يحدث نزاع دائم بين أهل البلاد والمحتلين حتى سميت تلك البقاع باسم [قبر الرجل الأبيض] لكثرة ما قتل منهم في القتال أو بالأوبئة الاستوائية خاصة الملاريا. ولكن بدءًا من سنة 1290هـ / 1872م بدأ الإنجليز بالتوسع نحو الشمال الشرقي واستطاعوا ضم منطقة [فالابا] الإسلامية إلى مناطق نفوذهم بينما خضعت المناطق المجاورة لها للاستعمار الفرنسي، أما معظم بلاد سيراليون فخضعت لحكم مملكة [فوتاجالون] المسلمة التي أسسها الحاج عمر المتوفى 1281هـ، وقد دان شرقي سيراليون بعد حكومة الحاج عم لحكم ساموري توري زعيم قبائل [الماندينغ] المسلمة، ولكن الفرنسيين قضوا على دولته ونفوه إلى الجابون حيث مات بها سنة 1318هـ/1900م. السياسة الصليبية ضد مسلمي سيراليون: كانت جموع المنصرين دائمًا ترافق الحملات الصليبية على بلاد الإسلام بإفريقيا خاصة حيث تركز الإرساليات التنصيرية جهودها على القبائل البدائية والوثنية وهذه كانت سيارة عامة لدى الحملات الصليبية أما تطبيق هذه السياسة على أرض الواقع فيختلف من بلد لآخر. ففي سيراليون كانت أولى خطوات تطبيق هذه السياسة هي تكوين مجموعة من الذين تم تحولهم للنصرانية ليكونوا فيما بعد رجال الدولة المطعين لأوامر أسيادهم عباد الصليب، وقد وجد المنصرون صعوبة بالغة في تحويل المسلمين للنصرانية لشدة تمسك المسلمين بدينهم فقرر الإنجليز استيراد مجموعة من الخارج للقيام بهذا الدور وهي مجموعة [الكريون] المولّدين في جزر الأنتيل [جزر الهند الغربية] والذين تم تنصيرهم هناك وأصبحوا مخلصين للصليب جدًا، وتولى رجال الإرساليات تعليم هؤلاء [الكريول] وتقفوهم ثقافة نصرانية خاصة ثم منتهم الوظائف والأعمال الإدارية ليرتفع مستواهم ودخلهم عن باقي سكان سيراليون، وبعد أن قاموا بتلك الخطوة الهامة قاموا بعدة خطوت لضرب الإسلام منها. ـ عمل المحتل على الوقوف في وجه الإسلام فمنعوا المسلمين من دخول مدارسهم ومشافيهم وسلبوهم أملاكهم ليقعوا فريسة الذئاب الثلاثة الفقر والجهل والمرض من ثم يلجئوا إلى المحتل مستسلمين وكانت تجبر المسلمين على تغيير أسماءهم الإسلامية لأسماء نصرانية للاستفادة من أي خدمة حكومية وكان المريض الذي يريد أن يتلقى العلاج كان لابد من أن يتلقى أولاً مبادئ التنصير وعقيدة التنكيث ويظهر الموافقة حتى ينال العلاج، وقبل القبول لا يمكن أن ينال العلاج مهما كانت حالته متأخرة. ـ عمل الإنجليز على نشر الفساد وإشاعة المنكرات ومعاقرة الخمور والتعليم المختلط وقالوا للناس أنها ضرورات الحياة ومتطلبات المدنية الحديثة. ـ أشاع الإنجليز أن الإسلام دين خاص بالعرب جاءوا به من جهة الشمال ليتسلطوا به على الزنوج وسكان إفريقية السوداء وأنه لا ينسجم مع طبيعتهم ولا مع طبيعة هذه البيئة الحارة حيث لا يمكن للمرأة أن تحتجب ولا تحتشم في ظل هذا الطقس الحار. ـ عمل الإنجليز على التفرقة بين المسلمين بإثارة النزعة القبلية بين أكبر قبيلتين بسيراليون وهما قبيلة [التمني] وقبيلة [الماندي] وقسموا البلاد إلى 144 وحدة حسب القبائل وأبقوا نقاط خلاف بين هذه الوحدات حيث يمكن إثارتها في كل وقت. ـ عمل الإنجليز على تهديم العقيدة الإسلامية بعد أن سهلوا سبل تهديم الأخلاق والروابط الاجتماعية، وذلك عن طريق فتح المجال أمام [القاديانية] هذا الدين الإنجليزي المخترع بيد وعين إنجليزية وسمى إسلامي وسمحت انجلترا لأتباع هذا الدين بالهجرة لأني بلد يخضع لاحتلال انجلترا وتعهدت لمن يهاجر بالحرية والمساعدة وفتحت ميادين العمل والدعوة لهذه الفكرة الخبيثة، وكان أول من جاء لسيراليون من هؤلاء الكفرة رجل اسمه [نظير أحمد علي]، وذلك عن طريق غانا في سنة 1358هـ استقر بمدينة [باؤماهون] حيث أسس مدرسة ابتدائية لتكون مركزًا لنشر الدعوة ولكن الله - عز وجل - أبطل كيده وهجر المدنية لفشل مساعيه، وبقي نظير يسعى بلا فائدة حتى هلك سنة 1375هـ. أوضاع المسلمين الآن: نالت سيراليون استقلالها في 12 ذي القعدة سنة 1380 هـ، وكان المسلمون في سيراليون لا يزيدون على 25% من إجمالي السكان سنة 1300هـ، ولكن أخذت نسبتهم في الارتفاع وبسرعة كبيرة رغم جهود المنصرين المحمومة لفتن المسلمين عن دينهم حتى وصلت الآن أكثر من 80 % من إجمالي السكان ذلك لنظرة السكان للإسلام على أنه الحضارة والرقي والطهارة في حين أن الوثنية كانت محلفًا، وكذلك النصرانية التي عدت قرينًا للاستعمار والظلم والامتهان مع التشابه الكبير بين الوثنية والنصرانية، وأخذت القبائل تتسابق للدخول في الإسلام وبناء المساجد والجوامع إذ تبنى كل قبيلة مساجدها لنفسها ومسجدها الخاص في العاصمة [فريتاون] وهذا العمل في حد ذاته خطأ وتفريق للمسلمين وإثارة للنعرات القبلية الجاهلية. والمسلمون يرسلون أولادهم إلى كتاتيب تحفيظ القرآن المنتشرة في جميع أرجاء سيراليون ويقوم المعلمون بتقسيم الدراسة إلى مراحل:
1 ـ مرحلة تلاوة القرآن بالنظر وحفظ بعض قصار السور ويمنح بعدها لقب [ألفا]. 2 ـ مرحلة التفرغ للعلم بتعلم تفسير القرآن وترجمة معانيه ودراسة بعض الكتب الفقهية المالكية وتستغرق هذه المرحلة ربما عشر سنوات، يمنح بعدها لقب [فودي] وذلك في احتفال كبير يحضره أعيان القبيلة وعلماؤها حيث تلّف على رأس الخريج عمامة [فودي] ثم يرفع كرسيه على الأعناق وهو جالس عليه ليطاف به في البلدة في احتفال رائع وبهيج. والمسلمون بسيراليون يعتبرون المسجد هو بيتهم الأول ومكانهم الأسمى في جميع شؤونه حياتهم ففيه تحل المشكلات ويعقد النكاح ويكون الطلاق ويعلن عن الاجتماعات، وتوزع الزكاة ويجهز الموتى، وكل قبيلة تتولى الإنفاق على مساجدها، ولكن ما زالت هناك بعض الخرافات موجودة بالبلاد فمثلاً إمام المسجد يقوم بكتابة الحجب والتمائم للمرض والمحتاجين وهذا الأمر منتشرًا بمعظم بلاد القارة الأفريقية. ويوجد بسيراليون أكثر من ثلاثين مجموعة قبلية من أهمها [التمني] و[الماندي] و[الفولاني] و[السوسو] و[الليمبا] و[الفالي] و[الجالينا] إلى غير ذلك، بالإضافة إلى مجموعة [الكريول] النصرانية المستوردة من الخارج لتتولى مقاليد الحكم، وكانت هذه القبائل قبل إسلامها تتقاتل فيما بينها فلما أسلمت غدا النزاع بين المسلمين والوثنيين فمثلاً خرّب المسلمون في قبيلتي الفولاني والماندينج طبول الوثنيين فنشبت بينهما قتالاً عنيفًا وعد المسلمون هذا القتال جهادًا في سبيل الله وقاد المسلمون المعلم [حوري] الذي انتصر على الوثنيين واحتل مدنهم [كارينا] و[فالابا] و[كابالا] وأصبحت تلك المدن بعد ذلك كلها مسلمة. من ذلك يتضح أن مشكلات المسلمين الآن بسيراليون تتمثل فيما يلي:
1 ـ العصبية القبلية المورثة من القديم وجاء الإنجليز فزادوا من أورها ووسعوها.
2 ـ التطبع بعادات وطبائع الإنجليز في الحياة العادية لوجود أعداد كبيرة منهم داخل سيراليون خاصة بالعاصمة [فيري تاون].
3 ـ مقاليد الحكم في يد أعداء الإسلام سواءًا من الصليبيين أو أعوانهم من المسلمين أصحاب الأهواء والمصالح.
4 ـ الحلف المكون من الصليبيين والوثنيين وأصحاب الأهواء من المسلمين ضد المسلمين الملتزمين وهذا الحلف يشكل خطورة كبيرة ما دام لا يحمل صفة التعصب الصليبي، ونجد مثال ذلك ما حدث عند حدوث التمرد الكبير سنة 1322هت/2000م ضد الرئيس [أحمد تيجان كبا] المسلم! حيث دافع الإنجليز عن هذا الرئيس بقوة وقمعوا المتمردين الراغبين في الإطاحة بالرئيس وأجبروهم على الاعتراف برئاسته.
5 ـ المستوى الاقتصادي لكثير من المسلمين متدني حيث الفقر ينتشر داخل صفوفهم لسيطرة النصارى بمساعدة من أسيادهم بالخارج على ثروات البلاد.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد