مسلمو سويسرا.. الصعود إلى القمة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

تقع سويسرا في وسط أوروبا الغربية، وهي دولة ليس لها أية منافذ بحرية.

وتبلغ مساحتها (41288) كلم مربع، وعدد سكانها سبعة ملايين مواطن وأجنبي، وتشترك في حدودها مع خمس دول هي: إيطاليا وفرنسا، وألمانيا والنمسا، وليستنشتاين.

وتُعدّ سويسرا بلداً فيدرالياً، والفيدرالية الحالية تجمع (26) كانتوناً، لكل كانتون دستوره وحكومته وبرلمانه ومحاكمه وقوانينه التي تتوافق مع القوانين الفيدرالية للدولة، وتتميز سويسرا بالتعددية الثقافيةº فهي تشكيلة من شعوب صغيرة، ولغات وديانات وعقليات وعادات مختلفة، حسب إحصاء (OFS) سنة 2000 ففيها الناطقون بالألمانية ويشكلون الأغلبية نحو 63.9% من مجموع السكان، والناطقون بالفرنسية 19.5 %، والناطقون بالإيطالية 6.6 %، وكذلك الرومانش 0.5 %، ولغات أخرى 9.5 %.

أما الديانات الموجودة فالمسيحية تجيء في المرتبة الأولى، ولكنهم ينقسمون إلى مذهبين بروتستانت وهم الأغلبية، والباقي كاثوليك، والديانة الثانية في سويسرا هي الإسلام، تليها الديانة البوذية، ثم اليهودية.

ومن الثابت تاريخياً أن مناطق مهمة من سويسرا كانت منذ ألف سنة في أيدي العرب المسلمين الذين انتشروا حتى شمال جبال الألب، واستوطنوا في المناطق الجبلية المنيعةº حيث من السهل الاعتصام بها، ووجد القسم الأكبر في منطقة "الفاليه"، وقد استطاعوا لفترة طويلة من الزمن السيطرة على ممر "غراند سان برنار" وهو الممر الرئيس بين إيطاليا وسويسرا.

وكانت أول هجرة للمسلمين الفاتحين إلى سويسرا سنة 889م من الدولة الفركسينية "دولة جبال القلال" التي كان مقرها جنوب شرقي فرنسا، واستقروا بسويسرا في مدن سان برنارا، وسانموريس، وسيمون، وإيزيرايل، ومارتيني، وسنقال.

وعلى الرغم من أن تعداد المسلمين في سويسرا يزداد بصورة ملحوظة بل قفز خلال خمسة أعوام من مائتي ألف مسلم إلى قرابة (400) ألف، وأن الإسلام هو الديانة الثانية من حيث تعداد السكانº فإنه يظل ديناً غير معترف به رسمياً من قبل الحكومة، لكن المسلمين يسعون عبر "فيدرالية الجمعيات الإسلامية" في سويسرا التي تأسست في يوم الأحد 29 نوفمبر 1998، والتي تضم كل المؤسسات التي تمثل الجاليات المسلمة المقيمة في سويسرا: العربية والتركية، والألبانية والبوسنية، والصومالية والآسيوية، وكذلك المسلمين السويسريينº لتحقيق الاعتراف بالدين الإسلامي على المستوى الفيدرالي وذلك عن طريق ربط شبكة واسعة من العلاقات والاتصالات، وتقديم الطلبات المستمرة للسلطات، وتنظيم الأنشطة واللقاءات المشتركة، كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الاعتراف يمكن أن يتم عبر الكنتونات على أساس أن لها حرية تقدير لهذا الأمر، مما يسهل عملية الاعترافº إذ تختلف سياسة الكنتونات في تعاملها مع هذا الملف.

وعن تاريخ الإسلام في سويسرا فإن الإسلام دخلها متأخراً، وتختلف سويسرا عن فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي دخلها الإسلام في وقت مبكر وفيها أعداد كبيرة جداً من المسلمين، ويمثلون قوة ونفوذاً في هذه المجتمعات، والإحصاءات تقول: إن عدد المسلمين في سويسرا يتضاعف بشكل كبير جداً، ففي عام 1970 مثلاً كان عددهم (16) ألفاً و(353) مسلماً، وأصبح (56) ألفاً، و(265) في عام 1980، وفي عام 1990 زاد عددهم إلى (152) ألفاً، ووصل في عام 1998 إلى (200) ألف مسلم.

وتتمركز الجالية المسلمة التي تتكون من جنسيات مختلفة يصل عددها إلى (115) جنسية في المدن الرئيسة، فمثلاً الجالية التركية وعددها (120) ألف مسلم تعيش في مدينة بازل التي تسكنها أيضاً الجالية اليوغسلافية، والتي يصل عددها إلى (100) ألف مسلم، أما الجالية العربية من جميع الجنسيات فتتمركز في برن وجنيف العاصمة ومدينة زيورخ، أما السويسريون الذين يعتنقون الإسلام فعددهم نحو (15) ألف و(340) مسلماً.

وفي سويسرا ما يقرب من (68) مؤسسة ومسجداً ومركزاً إسلامياً، بمعدل أربعة أو خمسة مساجد في كل مدينة، أما المؤسسات الإسلامية الرسمية الكبرى فأربع فقط وهي المؤسسة الإسلامية في جنيف، وتقوم على دعمها وتمويلها المملكة العربية السعودية، والمركز الإسلامي في برن وتدعمه وزارة الأوقاف المصرية، والمركز الإسلامي بزيورخ وتدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤسسة رابطة مسلمي سويسرا وتدعمها رابطة العالم الإسلامي، وهذه المؤسسات لها دور فعال يتمثل في عقد ندوات ومحاضرات دينية، ولقاءات وأمسيات، وحوارات تعارف بين أفراد الجالية الإسلامية، كما تهتم ببناء المساجد لأداء الشعائر وتعليم اللغة العربية، وتحفيظ القرآن الكريم، والاحتفال بالمناسبات الإسلامية، ومحاولة الاندماج في المجتمع السويسري، وإن كانت طبيعة النشاطات تختلف من مكان لآخر حسب احتياجات الجالية الإسلامية في كل مدينة، كما أن هذه النشاطات لا تأخذ حقها على المستوى الإعلامي.

وعن نظرة المجتمع السويسري إلى الإسلام فإن وسائل الإعلام السويسرية تصور الإسلام على أنه دين يدعو أنصاره إلى أن يعيشوا في الأكواخ، وأن يركبوا الجمال، وغير ذلك مما قد يشوه الإسلام.

وفي رده على سؤال حول تأثير الأحداث العالمية وخاصة أحداث 11 سبتمبر على المسلمين في سويسرا قال الشيخ هشام مغازي رئيس المركز الإسلامي في برن: "بصراحة كان لها أثر سلبي وآخر إيجابيº فالأثر السلبي أن وسائل الإعلام ركّزت على أن المسلمين هم الذين قاموا بهذا العمل، ومن هنا بدأت تتكون بعض النظرات والتحفظات تجاه المسلمين، لكن لم يقع أي نوع من أنواع العنف أو الاعتداء على المسلمين، أما الآثار الإيجابية التي خلفها هذا الحادث فتمثلت في تضاعف عدد الذين اعتنقوا الإسلام، حيث تشير الأرقام الرسمية هنا في سويسرا إلى أن عدد الذين كانوا يدخلون الإسلام قبل 11 سبتمبر شهرياً يتراوح بين (2 - 3) أشخاص يومياً عبر المركز، ولكن هذا العدد تضاعف بعد 11 سبتمبر إلى (6- 7) أشخاص"º إذ لوحظ إقبال شديد من السويسريين على معرفة الإسلام.

وعن مشاركة المسلمين في الحياة السياسية قال الشيخ مغازي: "للأسف لا توجد مشاركة سياسية للمسلمين على المستوى الكبير في البلاد، وإن كانت هناك مساهمات على المستوى الفردي لبعض المسلمين الذين لديهم إقامة رسمية في سويسرا، ويشاركون في التصويت في أي انتخابات سواء على مستوى المحليات أو المجالس النيابية، ونحن هنا في "برن" مثلاً وقفنا بجانب زوجة مسلمة خاضت انتخابات المحليات مع زوجها المسلم، وقد نجحنا بفضل الله، وهي تشرف الآن على قطاع التعليم بالمدينة، لكن المشاركة الفاعلة للمسلمين في الحياة السياسية في سويسرا بشكل عام تتطلب منهم تكوين جبهة موحدة، وتنظيم أنفسهم والتنسيق فيما بينهم، وأن ينسوا ما بينهم من خلافات".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply