طرحت صحيفة "دي فيلت" الألمانية سؤالاً حول مدى قوة المسلمين في أوروبا عامة وألمانيا خاصة، ونشرت الصحيفة دراسة مقارنة بين التيار الإسلامي والتيار المسيحي في ألمانيا لتكشف عن مفاجأة غير سارة للأوروبيين، ألا وهي أن الدين الإسلامي بات يفرض نفسه بقوة، وأن المسلمين في تزايد واضح، ولتؤكد حقيقة معروفة هي أن المسيحيين داخل أوروبا يعيشون في انفصال تام عن الكنيسة في أغلب الأحوال.
وتشير الدراسة التي أجراها المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي بألمانيا إلى أنه على الرغم من الصعوبات التي يواجهها المسلمون في بناء دور العبادة الخاصة بهم ـ يقصدون المساجد ـ إلا أن أعداد المساجد تتزايد في نفس الوقت الذي تتقلص فيه أعداد الكنائس داخل ألمانيا التي تدين بالمسيحية ولا تعوق بناء الكنائس كما هو الحال مع المساجد.
ووفق الدراسة التي تشير إلى أن المستقبل في ألمانيا ربما يكون للإسلام وخاصة في ظل انخفاض أعداد المواليد الألمان، فإن بناء المساجد في ألمانيا شهد قفزة منذ عام 2004 ليرتفع من 141 إلى نحو 159 مسجدًا، بينما لا يزال 128 مسجدًا طور الإنشاء.
وذكرت الدراسة أن الزيادة الواضحة في بناء المساجد بألمانيا يقابلها انكماش واضح في دور العبادة المسيحية، وهو الأمر الذي اعتبره رئيس المعهد المركزي للأرشيف الإسلامي بألمانيا "سالم عبد الله" أمرًا عاديًا وملحوظًا منذ فترة، ملقيًا باللوم على قادة الكنيسة.
كما أنه من المقرر أن تفقد الكنيسة في برلين نحو 25٪ من مساحتها الزراعية، أي حوالي 50 ألف كيلومتر مربع بداية من عام 2004 وانتهاءً بعام 2008، وفي مدينة بوخوم الألمانية فإن كنيسة من كل ثلاث كنائس قد تمت إحالتها إلى الاستيداع، إن صح التعبير، أما في "أخن" فليست الأوضاع الكنسية بأحسن حالاًº إذ إنه من المتوقع أن تنخفض الكنائس التابعة للأسقفية هناك من 900 كنيسة إلى 100 كنيسة فقط.
كما قررت دائرة إدارة الكنائس في مدينة إيسن الألمانية إقامة الصلوات في 96 كنيسة من أصل 350 كنيسة ليتم استخدام المباني الكنسية المتبقية لأغراض أخرى.
كما أن الدليل الأوضح على وجود فصل تام بين المسيحي الأوروبي وبين الكنيسة هو تقلص أعداد الأشخاص الذين يقومون بزيارة الكنيسة ليصل إلى 4 ملايين فقط بعد أن كان حوالي 12 مليونًا في عام 1950.
وأوضحت الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا أنها تخطط مستقبلاً لتقليص عدد الكنائس التي تقام فيها الصلوات أسبوعيًا لتصل إلى نحو نصف الكنائس المستخدمة الآن.
وكشفت الدراسة عن حقيقة مهمة، وهي أن المسلمين باتوا جزءًا لا يتجزأ من نسيج المجتمع الألماني بعد أن ارتفع عددهم إلى نحو مليون شخص مقابل 56 ألفًا فقط منذ بداية الثمانينيات.
بداية الوجود الإسلامي في ألمانيا:
ترجع بداية هجرة العرب التي تعتبر أساس الوجود العربي الإسلامي الحاضر في أوروبا إلى منتصف القرن التاسع عشر عندما وقعت بعض البلدان العربية والإسلامية ضمن دائرة الاستعمار الأوروبي.
وبالنسبة إلى ألمانيا بدأت الهجرة الكبرى بعد الحرب العالمية الثانية لكونها كانت بحاجة إلى الأيدي العاملة لسد النقص الشديد الذي خلفته الحرب.
لا يقترن بدء تشييد دور العبادة الإسلامية في ألمانيا زمنيًا ببداية وصول الإسلام أو المسلمين إلى هذا البلد الأوروبي، إذ يعود تاريخ بناء أول مسجد في ألمانيا إلى 13 يوليو 1915، وتحديدًا أثناء الحرب العالمية الأولى. حيث تم إنشاء مسجد خاص للمسلمين المعتقلين أثناء الحرب العالمية الأولى، والذين كانوا يعملون في جيش دول المحور، حيث اعتقلت القوات الألمانية، من ضمن ما اعتقلت، جنودًا مسلمين من أصول مغربية، جزائرية، هندية وغيرها.
وتم وضع قرابة 15.000 من هؤلاء الأسرى في معسكر أطلق علية "معسكر الهلال" في منطقة "فونسدورف" في برلين، والذي خصص للأسرى للعرب والأفارقة الذين كانوا يعملون مع الجيش البريطاني، بينما وضع الأسرى المسلمون العاملون مع الجيش الروسي في معسكر آخر مجاور.
وأثناء فترة الاعتقال في المعسكر بدأ الأسرى تنظيم حياتهم وممارسة شعائرهم الدينية، فكان من بينهم من يؤمهم في الصلاة ويلقي عليهم الدروس الدينية. ولقد روعيت الاحتياجات الدينية للأسرى المسلمين من قبل إدارة المعتقل، حيث كانت لديهم الإمكانية لاختيار الأكل المناسب لهم دينيًا والقيام بوجباتهم الدينية كالصلاة والصيام. وهكذا سمحت إدارة المعتقل في صيف 1915 بتخصيص مكان للصلاة في "معسكر الهلال"، والذي يعتبر أول مسجد في تاريخ ألمانيا، والذي كان عبارة عن بناء خشبي مستدير على مساحة إجمالية قدرها 18 مترًا، بارتفاع 12 مترًا، وارتفاع المنارة 23 مترًا، صمم لاستيعاب 4000 شخص. وقد تم افتتاح المسجد في 13 يوليو 1915 في حفل شارك فيه الأسرى المسلمون.
مؤسسات المسلمين بألمانيا:
يعيش في ألمانيا حاليًا ووفق آخر إحصاء قرابة 3.5 ملايين مسلم، ويحمل منهم نحو 1.8 مليون جواز السفر التركي بينهم نحو مليون مولودون بالفعل في ألمانيا. وينضم نحو 400 ألف بصورة رسمية إلى عضوية نحو ست مؤسسات وجمعيات إسلامية رئيسة في ألمانيا.
نشأ الوجود الإسلامي في ألمانيا مع تدفق العمال الأجانب من تركيا للمساهمة في "المعجزة الاقتصادية"، وقد اتصلت ألمانيا بالإسلام في وقت مبكر، واليوم أصبح الإسلام يمثل الدين الثاني في ألمانيا بعد المسيحية، وتنتشر في ألمانيا المساجد والمصليات، ورغم أنّ معظمها عبارة عن أقبية وشقق سكنية ومستودعات ومصانع قديمة، فإنّ مشهد المسجد بالمئذنة والقبة أصبح اعتياديًا في كثير من المدن الألمانية.
إذا ما بحث ممثلون عن السياسة والمجتمع عند المسلمين في ألمانيا عن مؤسسة أو تنظيم يشبه المجلس الأعلى لليهود أو مؤتمر الأساقفة الكاثوليك، فسوف يتضح أن المسلمين في الوقت الحاضر لا يزالون بعيدين كل البعد عن الظهور بصورة مقسمين بين مؤسسات ومنظمات إسلامية مختلفة تحاول كل واحدة منها أن تكون الناطقة باسم المسلمين في ألمانيا. من أهم تلك المؤسسات:
المجلس الإسلامي لجمهورية ألمانيا الاتحادية:
وتم تأسيسه عام 1986 بالعاصمة الألمانية برلين ويضم أكثر من 30 منظمة، ويبلغ عدد أعضائه نحو 60 ألف شخص وفق التقديرات الأخيرة، ويقال: إن جماعة "ميلي جروش" المحظورة في ألمانيا هي التي تسيطر على المجلس الإسلامي الذي يعد بمنزلة الجسر بين ألمانيا والعالم الإسلامي.
ومن أهم أهدافه الاندماج الديني والاجتماعي والثقافي للمسلمين المقيمين في ألمانيا مع المجتمع الألماني...
المجلس المركزي للمسلمين بألمانيا:
تم تأسيسه في عام 1994 بوصفه بديلاً عن اتحاد دائرة العمل الإسلامية، ويعد أحد أهم شركاء الحوار في السياسة، ويتكون غالبية أعضائه من مسلمي دول شمال إفريقيا والشرق الأقصى والأوسط، ويضم نحو 19 ناديًا تابعًا له، ويتراوح عدد أعضائه بين 15 و20 ألف شخص، ووفق بعض المعلومات الخاصة يبلغ عدد أعضائه غير الرسميين نحو 800 ألف مسلم موزعين بين قرابة 500 مسجد.
ويعد المجلس امتدادًا لجماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا، وهو ما يسبب له بعض المشاكل الأمنية مع السلطات الألمانية.
هيئة الاتحاد الإسلامي التركي "ديتيب":
تم تأسيسه في عام 1984، ويعد أكبر هيئة إسلامية تمثل الأتراك المسلمين في ألمانيا، ويضم نحو 870 مسجدًا ونحو 130 ألف عضو، ويقع الاتحاد تحت نفوذ الهيئات الدينية الرسمية في تركيا ويلقى دعمًا ماديًا من وزارة الأوقاف التركية، ويرفض التعاون مع المجلس الإسلامي والمجلس المركزي للمسلمين.
ويعد الاتحاد الإسلامي التركي هو الهيئة المفضلة للكنائس والهيئات المسيحية حين ترغب تلك المؤسسات في الحوار مع المسلمين.
الجماعة العلوية بألمانيا:
تم تأسيسه عام 1982، ويعد بمنزلة الصوت الناطق باسم العلويين، ومعظم أعضائه من الأكراد، ولا يلتزمون بالشريعة الإسلامية إلى حد أن كونهم من جماعة المسلمين أمر مثار شكوكº حيث إنهم يرفضون اتباع التعاليم الإسلامية، فهم على سبيل المثال لا يصومون شهر رمضان ويستعيضون عنه بصيام بضعة أيام في شهر محرم، ويستبيحون شرب الخمور وأكل لحوم الخنزير، ولا يعتدون بالمساجد زعمًا بأن "القلب هو بيت الله وليس المسجد". ويضم أكثر من 90 منظمة تابعة له، ويبلغ عدد أعضائه نحو 20 ألف شخص، بينما يبلغ عدد العلويين حوالي 700 ألف شخص، وهذه الجماعة التي تدعو إلى فصل الدين عن الدولة لها علاقات قوية داخل تركيا.
جماعة ميلي جروش الإسلامية:
تم تأسيسها في مدينة كولن الألمانية عام 1985 تحت اسم "اتحاد رؤية عالمية جديدة في أوروبا" وتم تغيير الاسم إلى "ميلي جروش" التي تعني "رؤية قومية" في عام 1995، ويبلغ عدد أعضائها نحو 26. 500 عضو معظمهم من المسلمين الأتراك، وتعد أكبر منظمة إسلامية في ألمانيا، ونظرًا لأنها تفتقد إلى النظرة الوسطية للإسلام فقد تم حظرها من قبل هيئة حماية الدستور في ألمانيا.
اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية:
يرجع تأسيسه إلى عام 1973 حيث أنشئ المركز الثقافي الإسلامي في كولن، ويتكون من نحو 300 جماعة وقرابة 20 ألف عضو.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد