قليلة هي المعلومات التي نعرفها عن حال الإسلام والمسلمين في دول أمريكا الجنوبية، ولن نكون مبالغين عندما نقول: إننا لا نكاد نعلم أي شيء عما يدور للمسلمين في تلك البقعة النائية من الكرة الأرضية من أحداث، لذلك رأينا أن نخرج في رحلة، ونمخر عباب البحار والمحيطات التي تفصل بيننا وبين تلك البلادº لنتعرف أحوال إخواننا المسلمين هناك.
كولومبيا: تقع كولومبيا في أقصى الشمال الغربي من قارة أمريكا اللاتينية، وتطل على المحيط الهادئ من الغرب، والكاريبي من الشمال، بشمالها الغربي تحد ببنما، وتشترك في حدودها مع فنزويلا والبرازيل، وتحدها جمهورية بيرو وإكوادور من الجنوب.
احتلها الأسبان في سنة 1509م، وأطلقوا عليها اسم غرناطة الجديدة، وكانت تضم كولومبيا وبنما، وفي سنة 1718م أصبحت هذه المستعمرة مركزاً لنائب ملك أسبانيا، وظهرت جمهورية كولومبيا الكبرى سنة 1817م وكانت تضم بنما، وفنزويلا، وإكوادور، وانسحبت فيما بعد فنزويلا، وإكوادور من هذا الاتحاد بعد ثلاثين سنة، وتغير اسم كولومبيا من جديد، وأصبحت تعرف بغرناطة الجديدة، ثم إلى الولايات المتحدة الكولومبية، ثم جمهورية كولومبيا بعد انسحاب شريكتيها.
· العاصمة: بوجوتا.
· المساحة: 1.150.000كم2، وتحتل المكانة الرابعة من حيث المساحة على مستوى أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، والأرجنتين، وفنزويلا.
· عدد السكان: وصل تعداد السكان في يوليو 2004م إلى 42.310.775مليون نسمة بينهم 40 ألف مسلمين.
· الديانة: المسيحية الديانة الأولى وتمثل 90%، ويمثل الإسلام 0.1% والباقي ديانات أخرى.
· اللغة: الأسبانية اللغة الرسمية.
· المجموعات العرقية: 58% أسبان برتغاليين، 20% بيض، 14% ميولاتو 'ملون هجين'، 4% أسود،3% خليط من السود والهنود الحمر الأمريكان، 1% هنود أمريكا الحمر.
· أول مركز إسلامي تأسس عام 1993م، وقد قام بتأسيسه مدير المركز نفسه بعد 3 سنوات من إسلامه.
· المساجد والمؤسسات الإسلامية: هناك عدد كبير من المؤسسات الخيرية والمنظمات الإسلامية والمساجد مثل مسجد بلال الحبشي مؤذن الرسول - عليه الصلاة والسلام -، ومسجد الجمعية الخيرية الإسلامية في برانكيا 'مسجد ذي النورين عثمان بن عفان'، والجمعية الخيرية في بيدوبار، ومسجد مياكو.
· المدارس الإسلامية: مدرسة دار الأرقم، والمدرسة العربية الكولومبية، ومدرسة مياكو.
ويذكر أن تلك البلاد قد وطئتها أقدام المسلمين منذ فترة طويلة خلال رحلات مسلمي قرطبة عبر بحر الظلمات 'المحيط الأطلسي' التي استفاد منها 'كولومبوس' فيما بعد، والتي ذكرها المسعودي في كتابه 'مروج الذهب' الذي كتب عام 956م، وذكر أن الإسلام دخل إلى أمريكا اللاتينية ومنها كولومبيا منذ اكتشاف أمريكا في القرن الخامس عشر، مع العبيد الذين جلبوا من شمال وشرق إفريقيا، وقد استقر أغلبهم في البرازيل، ثم انتشروا في باقي أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية، والأغلبية الساحقة لهؤلاء العبيد كانوا من المسلمين الذين أرغموا على ترك دينهم تحت التهديد والتعذيب، وذاب الكثير منهم في هذه القارة، وتنصر من تنصر تحت الإكراه البدني والنفسي والمعنوي، وعليه تقهقر الإسلام في هذه القارة.
وكانت هناك محاولة ثانية للهجرة في القرن السادس عشر، وبعد تحرير العبيد، وعودة الكثير منهم إلى هذه الديار، بالإضافة للهجرات المكثفة في خمسينيات القرن الماضي من الهند وباكستان، ولبنان وسوريا عامة، بينما كان معظم المهاجرين من الشام من مسلمين وعرب مسيحيين، ولم يكونوا على معرفة باللغة الأسبانية - لغة كولومبيا - الأمر الذي عانوا منه كثيراً في وسيلة الحوار والتعامل مع الشعب الكولومبي، هذا وقد تمركز أغلبهم في البرازيل والأرجنتين، وفنزويلا وكولومبيا، وهكذا كان الوصول الأول للإسلام إلى العالم الجديد مبكراً كما أثبته الكثير من المؤرخين المنصفين.
وتعيش أغلب الجاليات المسلمة في العاصمة بوكوتا وميكاو، وكذلك في مدينة برانكليا، وفي كالي ومايكو، أما أكبر تجمع للمسلمين في كولومبيا يوجد في مدينة ميكاو، ورغم الحياة البسيطة التي تعيشها هذه المدينة إلا أن فيها ما يزيد على 5 آلاف نسمة من السكان العرب 80% من المسلمين السنة، و20% من الشيعة، والباقي من الدروز والمسيحيين العرب ومعظمهم من لبنان وسوريا، وتبدو حياة هذه المدينة وكأنها قرية عربية.
وعندما نتحدث عن معاناة الجالية المسلمة في كولومبيا لا يمكن أن نغفل الحديث عن تجارة المخدرات والكوكايين - التي تعتبر أحد مصادر الدخل الرئيسة للكثير من أبناء كولومبيا، كما أنها من المشكلات العضال التي تواجهها الحكومة الكولومبية - نذكر بالحزن والأسى أن هذه التجارة المحرمة شرعاً وعرفاً قد أغرت الكثير من المسلمين في كولومبيا، وانغمسوا فيها، وجلبت لهم الويل والدمار لهم ولأبنائهم، وانعكست سلباً على جل الجاليات الإسلامية، وخاصة أن هذه التجارة ترعاها عصابات واسعة القوة والنفوذ، وتملك تنظيمات سياسية وعسكرية، ويتعاون معها مسؤولون كبار في هذا البلد، وكذلك نظراً للفقر والحاجة وضعف الموارد المالية حيث أنه من المعلوم أن كولومبيا تعيش حياة أمنية مضطربة مع شدة الفقر والمشكلات الاقتصادية المعقدة، بالإضافة إلى تخلي الدول الإسلامية والعربية عن المسلمين الكولومبيين.
ومما يؤسف له أيضاً ما تواجهه الجالية المسلمة في كولومبيا من خطر الذوبان والانقراض بسبب الإقبال على الزواج من غير المسلمات في ظل ظروف صعبة يواجهونها، وعداء من بعض الطوائف الدينية المتعصبة.
وبالرغم من سيادة النظام الديمقراطي في كولومبيا، والذي مكن الكثير من المسلمين للوصول إلى أماكن مرموقة في الحكمº إلا أنهم ذابوا في هذا المجتمع، وأصبحوا مسيحيين لا علاقة لهم بالإسلام.
وفى ظل غياب التعليم الإسلامي، وندرة المساجد والدعاة والكتب الإسلاميةº يتعرض أبناء الجالية للجهل بدينهم وعقيدتهم، خاصة وأن هناك عدداً كبيراً منهم يتبع عادات أمهاتهم المسيحياتº من زيارة الكنائس، والمشاركة في الاحتفالات الدينية، وهذا هو التحدي المطروح على المسلمين في كولومبيا ومعظم دول أمريكا اللاتينية.
ومن الطريف أن إحدى المدن بكولومبيا يبلغ أعضاء الجالية الإسلامية فيها ثلاثين شخصاً، وللأسف أنه لم تقام صلاة جماعة بينهم قط، والأكثر من ذلك أنهم لم يسمعوا كلمة الله أكبر من قبل في هذه البلاد منذ ثلاثين سنة، وعندما سمعوها بعد مرور هذه الفترة الطويلة قام أحدهم وخطب، وحمد الله أن سمع هذه الكلمة قبل أن يموت.
ويرى الباحثون المعنيون بمسلمي كولومبيا ضرورة الاهتمام بشؤون الجالية الإسلامية في كولومبيا، وخاصة المرأة المسلمة في البرامج التعليمية والدروس الدينية، وتفعيل المؤسسات واللجان الاجتماعية المتعلقة بشأن الأسرة، وللحفاظ على الأقلية الكولومبية المسلمة يرى الباحثون المعنيون بأحوال الجالية أنه لا بد من دعم مشروعات الدعوة وبرامجها، وتغطية احتياجات الجالية، وكذلك إقامة مشروعات استثمارية تفتح فرص عمل لأبناء الجالية والمسلمين الجدد، وتشارك السلطات المحلية والدولة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقوم أيضاً بدفع نسبة من الربح للدعوة الإسلامية تنفق في بناء المساجد والمدارس، وتنظيم المخيمات الشبابية والدورات الشرعية، وطبع الكتب وترجمتها.
كذلك اقترحوا تأسيس مدارس ومعاهد علمية إسلامية مهمتها تعليم اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم والتعريف بالإسلام لغير المسلمين، مع ترجمة ونشر الكتب الإسلامية باللغة الأسبانية.
وطالبوا بالعمل على إنشاء شبكة اتصالات معلوماتية لنشر الثقافة الإسلامية عبر الانترنت، مع السعي في إنشاء قناة تلفزيونية إسلامية في أمريكا اللاتينية تكون ناطقة باللغة العربية والأسبانية، أو فتح نافذة إعلامية عن طريق إحدى القنوات في كولومبيا لساعات محددة يتم من خلالها تقديم الإسلام في صورة صحيحة، وبأساليب عصرية مشوقة.
ولأننا تعودنا دائماً التفاؤل في أمرنا كلهº فيجدر بنا أن نذكر ما قامت به بعض الجمعيات الإسلامية في كولومبيا من مجهودات دعوية وتعليمية، بغية الحفاظ على أبناء الجالية من الضياع، وما زالت الجهود المبذولة من قبل بعض الجمعيات والدعاة لنشر الإسلام في كولومبيا بسيطة جداً، ولا تكاد تذكر.
وكذلك فقد استطاعت بعض الجمعيات والمراكز الإسلامية في كولومبيا - وخاصة في مدينة ميكاو، ومدينة بوجوتا، وجزيرة سان أندروس، وسانتا مارتا، وألبي لدوبار، وكوكوتا - أن تؤدي خدمات شتى ساعدت في الحفاظ على هوية الكثيرين تحت خيمة الإسلام، كما استطاع بعض الشيوخ والدعاة خلق صحوة داخل أوساط الشباب الكولومبي المسلم، رغم قلة الإمكانيات والمدارس والمساجد والدعاة.
ونرى أنه من الإنصاف بيان إن المسلمين في كولومبيا يعيشون بسلام مع المواطنين الآخرين، ويتمتعون بعلاقات طيبة مع الحكومة الكولومبية، ويندمجون مع قطاعات الشعب المختلفة، وقد تفاجأ عندما تعلم أن المركز الإسلامي هناك يقيم نشاطات مشتركة مع الكنيسة الكاثوليكية الكولومبيةº مثل الندوات والمؤتمرات الثقافية، وقد يمتد الأمر إلى القضايا السياسية أيضاً، ولا أدري أيعد هذا من الإيجابيات أو السلبياتً؟!!
ومع ذلك يجدر التأكيد على أن الجالية المسلمة الكولومبية تحتاج بشدة لتضامن إخوانهم من العالم الإسلامي والعربي، وخاصة المنظمات الإسلامية العالمية التي تهتم بشؤون الأقليات المسلمة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.
وأخيراً ندعو الله أن يبصر المسلمين جميعاً إلى ما فيه خيري الدنيا والآخرة، وإلى الملتقى على محبة الله وفي طاعته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد