رغم ضعف المسلمين إقبال على الإسلام في الغرب


 

بسم الله الرحمن الرحيم

يتزايد الإقبال على الإسلام في الغرب وفي الشرق بنسب واضحة ومؤشرات كاشفة رغم العقبات، وإذا كان المعتنقون الجدد له في ديار المسيحية واليهودية بأوروبا وأمريكا ينتقلون من دين إلى آخر، فإن إعادة اكتشافه بين المسلمين أنفسهم تجعلهم يعيشون شعائره ومشاعره كيوم ولدتهم أمهاتهم.

التحول نحو الإسلام بالتعبير الغربي، أو الدخول فيه واعتناقه بالتعبير الديني العربيº ظاهرة تمضي دون زوبعة إعلامية، لكن الأعين الرقيبة لا تتركها دون رصد وتحليل وتفسير واستشراف، ولا شك أن هذه الظاهرة حاضرة بقوة في كثير من القرارات والحسابات والسياسات التي يجري تنفيذها سراً وعلانية، كما أن هذه الظاهرة تؤكد أن الإسلام دين طيار ينشر نفسه بنفسه، وينفلت من الأيدي المتنفذة والمراصد اليقظة على الرغم من الحالة البئيسة للمسلمين في ديارهم وبلدانهم أو في بلدان الهجرة الحديثة.

وفي قلب تحولات دينية عالمية عميقة تنشرح الصدور ليغمرها النور، ويتنفس الإصباح بعد انجلاء ليل طويل آذنت نهايته، ودقت ساعته، وحتى نفهم هذا الفتح المبين في القرن الواحد والعشرين لا بد من استطلاع جوانب من هذه التحولات، وكيف يهتدي فيها الحائرون إلى الفجر وسط أمواج من الظلم.

 

إقبال على الإسلام في الشرق والغرب:

في أوروبا القارة العتيقة، وفي أمريكا القارة الجديدة، وفي القارات الأخرى كلها ظهر النور المؤيد، وتعرف الناس على الإسلام بطرق شتى، ومسالك لا تعد ولا تحصى، تكاد تتعادل عدداً مع كل فرد يشهد "أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، هذه بعض الأرقام والإحصائيات من روسيا في آسيا ومن فرنسا وإسبانيا وبلدان أوروبية أخرى ومن الولايات المتحدة الأمريكية.

في مقال إخباري نشره ضمير أحمد بموقع (إسلام أون لاين نت) يوم الرابع من أكتوبر 2004 م قال مصدر بمجلس المفتين الروس: إن نحو 20 ألفاً أشهروا إسلامهم بالعاصمة موسكو وحدها بالمدة من يناير إلى أكتوبر 2004، مقارنة بـ 15 ألفاً و300 أشهروا إسلامهم في موسكو في المدة نفسها من عام 2003م، و12 ألفاً و450 في المدة نفسها من عام 2002م.

وفي تصريح لـ"إسلام أون لاين نت" الاثنين 4-10-2004م أضاف أن أغلب هؤلاء أشهروا إسلامهم بالمساجد الأربعة الكبرى بموسكو، وعلى رأسها الجامع الفيدرالي الذي يعد المركز الرئيس لإدارة مسلمي روسيا، ويوجد به مكتبة إسلامية، ومدرسة لتدريس المواد الشرعية للذكور والإناث.

وتابع المصدر الذي طلب عدم نشر اسمه أن "نحو 60% من المسلمين الجدد ينحدرون من أصول القومية الروسية، ولم يكونوا يعتنقون من قبل أي ديانة سماوية".

وأشار المصدر إلى أن نحو 75% من المسلمين الجدد هم من الإناث، وهن فتيات تتراوح أعمارهن بين 17 و21 عاماً، ويشهرن إسلامهن "من أجل الحصول على الأمان والصفاء الروحي، بعد أن شاهدن ما تتعرض له قريناتهن في الديانات الأخرى"، ويوجد قسم خاص للفتيات بداخل الجامعة الإسلامية بموسكو، يذكر أن هناك نحو 23 مليون مسلم في روسيا من أصل 144 مليون نسمة يمثلون عدد سكان روسيا الاتحادية، ويعيش منهم 2.5 مليون مسلم في موسكو.

من العقبات الكبيرة أمام الحصول على تعداد حقيقي للمسلمين في أوروبا عدم التمكن من معرفة عدد المعتنقين الجدد للإسلام من المواطنين الأوروبيين من مصدر لآخر، ومن بلد لآخر يختلف العدد بشكل كبير من 1 % إلى 10% من السكان "ذوي الثقافة المسلمة" (كما أشار إلى ذلك ستيفانو أليفييي في كتابه (المعتنقون للإسلام)، فإنه يصعب معرفة العدد الحقيقي لهؤلاء مادام الدخول إلى الإسلام عملاً فردياً لا يقتضي أي دعاية مؤسساتية، ويتم بحضور شاهدين مسلمين فقط، وأحياناً بعيداً عن الأضواء. دار هارماتان. باريس 1998م).

ومما يزيد في صعوبة الأمر تنوع أسباب اعتناق الدين الإسلامي (استجابة لآمال أسرة الزوج في حالة الزواج المختلط، أو بحث شخصي عن استجابة لحاجة روحية وهوياتية للشبان المهمشين المنحدرين من أصول المهاجرين، وأحياناً تقليد لظاهرة جماعية).

في فرنسا مثلاً وحسب دراسة قام بها محمد طلحين في مسجد باريس، سجلت 1689 حالة اعتناق بين سنتي 1965 و1989م، ولاشك أن هذا العدد تضاعف منذ ذلك التاريخ إذ أصبح في بداية 2004م حسب المنظمات الإسلامية حوالي 50000.

أما في هولندا فيصل العدد إلى 2000، بينما في ألمانيا بين 3000 و5000، وفي إيطاليا حوالي 10000، وفي إسبانيا بين 3000 و5000.

غير أن الظاهرة الأكثر دلالة في الولايات المتحدة، فكما هو الحال لا يتم التنصيص على الديانة في بطاقات الهوية في أوروبا وفي أمريكا معاً، وفي غياب إحصاء دقيق تحوم عدة تقديرات إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة هو حوالي 6 مليون، خصوصية الإسلام الأمريكي تكمن في أن نصف المسلمين تقريباً هم من المعتنقين الجدد، كما أن أغلبهم من السود، و30% منهم اعتنقوا الإسلام في السجون الأمريكية.

 

تحولات المشهد الديني الغربي:

تعيش الحياة الدينية في الغرب تحولات عميقة منذ عقود ثلاثة من الزمن تنبأ فيها عدة كتاب وخبراء بأن القرن الواحد والعشرين سوف يكون قرناً دينياً بلا نزاع، وبالفعل فقد ظهرت طلائع التحول وعودة الديني، سواء كان تقليدياً أو حداثياً جديداً منذ سقوط المعسكر الشيوعي في نهاية سبعينيات وبداية ثمانينيات القرن العشرين.

وهكذا فقد تزحزحت مكانة المؤسسات الدينية التقليدية لعدة أسباب منها:

ـ التعدد الديني: فلم يعد بإمكانها أن تدعي امتلاك الحقيقة، وأصبح لزاماً عليها أن تتعايش مع الأديان الأخرى المنافسة، وبسبب الانخفاض العام للطلب الديني عند الأفراد بالفعل، لدوافع عديدة مرتبطة ليس فقط بتحرير الأفراد ولكن بالتحولات الاجتماعية المضطربة (مثل: الهجرة إلى المدينة)، وبتطور الأخلاق، وأساليب العيشº انخفض عدد القاصدين للكنائس، وأخيراً أصبحت المؤسسات مهددة بطبيعة الفردانية المدينية التي تزايدت في الحداثة.

"المؤمنون" يقومون بالفرز بأنفسهم معرضين عن أي توجيه دوغماتي رسمي، مؤمنون أقلº ومؤمنون أقل وفاء وتعلقاً أكثر فأكثر: هذه هي الحقيقة التي تواجهها كل المؤسسات الدينية المعاصرة في الغرب.

صحيح أن الكنائس تشهد عودة منذ 1970م، ويمكن أن نلاحظ تشكل قاعدة صلبة من المؤمنين الأوفياء،. في تعليق إيف لامبير (في تحقيقه الأوروبي الكبير حول القيم) أشار إلى وجود إعادة اعتبار للمسيحية الملتزمة في قلب مسار العلمنة المتواصل.

الديني لم يعد منظماً كما كان أصبح عشوائياً، يعبر عن نفسه بطريقة فردية ومتنوعة جداً في قلب الأطر المؤسساتية وخارجها، وينبغي أن نلتفت إلى أن ما يقع في قلب المؤسسات الدينية لا يعني التخلي عن الانتماء إلى دين ما، كثير من الناس في الغرب يستمرون في اعتبار أنفسهم كاثوليكيين وبروتسانتيين ويهود ومسلمين، كثير منهم يطبقون الشعائر بانتظام يقل أو يزيد، لكن قليلاً منهم من يتبع التعاليم الأخلاقية لدياناتهم.

 

الدين بالبطاقة:

عندما قامت (الاجتماعية الإنجليزية) غريس ديفي بتطبيق قانون "إيمان/انتماء" معبرة عن ذلك بحالة (الإيمان بغير انتماء)، يمكن أن نقلب الاقتراح بالنسبة لفئة أخرى من الأوروبيين والمسلمين (الانتماء بغير إيمان).

بالفعل أغلبية ساحقة من الغربيين ليسوا ملتزمين منتظمين ولا ملحدين: أغلبية الأفراد يوجدون في منزلة بينية، حيث يبقى الدين حاضراً بطريقة أو بأخرى، الدين التقليدي يتحول عن طريق التفكيك وانقطاع الجذور نحو بلورة تدين "خارج عن السبيل" - كما قال إيف لامبير - خاصة في البلدان الأكثر علمانية، مثل: فرنسا وهولندا، ولا يقتصر الأمر على الذين يعلنون أنهم "بلا دين"، ولكنه يشمل أيضاً كل الذين يتمسكون بالديانات التاريخية، وهكذا يجري الانتقال من النظرية الدينية في شكلها الوحيد إلى الديانة عن طريق بطاقة الخدمة الذاتية (بطاقة الوجبات) لاختيار حل من بين عدة وجبات وتركيب خيار من عدة أشكال معروضة.

 

المسؤولية بدل الطاعة:

من المميزات الأساسية للفردانية الدينية المعاصرة رفض الدخول في منطق الطاعة، إذ يتناقص الانخراط في عقيدة ما، أو إيمان ما دون وضع الأسئلة، أو قبول العيش وفق قواعد أخلاقية مفروضة، وهذا لا يمنع من وجود بعض الشخصيات والزعامات الدينية ذات القبول والإقبال، وسلطتهم الشخصية لا تعود إلى تجذر مؤسساتي لجمهورهم، وصورتهم الناجحة لا تؤدي حتماً إلى تطبيق ما ينادون به لدى الشباب، المثال الأبرز لهذه النماذج هو البابا جان بول الثاني الحالي، فالرجل له شعبية كبيرة، وحركته تعبئ الجماهير خاصة الشباب الذين يتابعونه في كل تنقلاته، لكن كما يقول الإنجليز: "نتعلق بالمغني أكثر من التعلق بالأغنية"، فالزعامة وإن كانت تثير الانجذاب والاستقطاب فإنها لا تصنع الولاء والوفاء، وبدل منطق الطاعة العمياء في المجتمعات التقليدية يختار المتدينون الحداثيون منطق المسؤولية، وفي الوقت الذي أصبح فيه للإنسان مشرع لنفسه في حياته الخاصة أصبح مسؤولاً ليس عن أفعاله باعتباره شخصاً معنوياً، ولكن أيضاً عن إيمانه واختياره الديني، وكما كان يقول كانت "عليه أن يخرج من قصوره" ليصبح بالغاً، بالنسبة للمؤمنين لم تنقرض الطاعة ولكنها تحولت من المؤسسة إلى الله ذاته الذي يخاطب كل وعي فردي، وصار الإنسان المعاصر لا يقبل أن يكون متديناً إلا إذا استمع بنفسه للتعليمات الدينية بكل وعي، وبطريقة شخصية، ودون إلغاء روحه النقدية.

 

اختيار شخصي ضد الميراث الديني:

هذا الإلحاح على الاختيار الفردي، والاستقلال في القرار الاعتقاديº له أثر آخر خطير علي المؤسسات الدينية، أزمة التوريث الأسري، فقد كان الأسرة تعد البيئة المناسبة لتوريث العقائد والديانات والالتزامات، وكان الأسلاف يسلمون أبناءهم للقساوسة والرهبان لتعميدهم، وتربيتهم التربية الدينية اللازمة، ولا يتوقف الأمر عند قلة التدين عند الآباء بل هؤلاء الآباء لم يعودوا يفرضون على الأبناء أي اختيار عقيدي، ولا يسلمونهم إلى المؤسسات الدينية التقليدية: "عليه أن يبقى حراً حتى يختار من بعد دينه" كما أصبح يتردد بين الآباء، الإحصائيات الخاصة بفرنسا تؤكد ذلك: 69% من الفرنسيين يصرحون بأنهم كاثوليك عام 2000م، ولم تعد نسبة الأطفال المعمدين في تلك السنة 52 % (في مقابل 83 % منذ ثلاثين سنة خلت، ومثلها بالنسبة لمن يصرحون بأنهم كاثولكيون).

وبالإضافة إلى الأسر التي تخلت عن "توريث" الدين والمعتقدº أصبح الفرد المعاصر يطالب باختيار دينه، لم يعد مقبولاً "وراثة" الدين، بل تصاعد طلب الاختيار، وبالإمكان اليوم ملاحظة ظاهرتين متناقضتين في الوقت نفسه: الأولى ترك دين الأسرة، والثانية التحول إلى دين آخر إلى دين الآباء، إحصائياً تتفوق ظاهرة الترك على ظاهرة التحول (19% فقط من شباب أوروبا من 18 إلى 29 سنة، و35% من شبان أمريكا يطبقون الدين على الأقل مرة في الشهر)، غير أنه انطلاقاً من ظاهرة الترك - التي لا تعني كفراً بالدين، ولا تنكر الانتماء الثقافي - يشهد الغرب عدداً متزايداً من "العودة إلى الدين" عند الشباب البالغين، ظاهرة تترجم في تطبيق شديد، يخبر عن التزام ديني، ظاهرة لم تكن موجودة في فرنسا قبل عشرين عاماً، لكن المراقبين يحصون اليوم مضاعفة عدد الشباب المستعدين للتعميد من جديد خلال العقد الأخير، ملايين من الشباب كذلك يستعيدون سبيل التطبيق الديني والإيمان مع مجموعات إنجيلية، ويسجل المراقبون أيضاً عدداً متزايداً من حالات اعتناق الإسلام والبوذية.

لم ينعدم الدين بالفردانية، ولم تغرب شمسه بل يتحول ويتبدل، ومع رؤية الديانات التقليدية لتقلص سلطتها تسعى إلى تحدي الرياح المعاصرة عن طريق التكيف والتجديد.

 

شهادات ودواعي:

لماذا إذن يقبل الغربيون على الإسلام؟

الدواعي والأسباب كثيرة كما أشرنا إلى ذلك في أول هذا المقال، وقد يحتاج الأمر إلى أبحاث ودراسات اجتماعية عميقة.

في الحالة الروسية التي ابتدأ بها الإحصاء في هذا المقال أرجع المصدر الزيادة في الإقبال على اعتناق الإسلام إلى أن "المواطنين الروس يشاهدون يومياً في كل الصحف حالة من الكراهية والتعصب ضد الإسلام، حيث يعد بعض المواطنين الروس أن الإسلام ديانة الأقلية المظلومة التي تتعرض لحملات من الكراهية والتعصب وغيرهما من سبل الضغط"، وتابع: "كما يشهد الإعلام الروسي حملة غير معلنة ضد المسلمين الروسº فعلى سبيل المثال يطلق الإعلام على أي سيدة محجبة الانتحارية".

وأوضح أن ذلك الهجوم على الإسلام والمسلمين "يشجع الناس على السعي للتعرف على هذا الدين، وبعد المعرفة يقبل معظم هؤلاء على اعتناق الإسلام بكل حماس"، وحول الطريقة التي يتم من خلالها التعريف بالإسلام، قال المصدر: إن "هناك منشورات تُوزع مجاناً على كل شخص يأتي للاستفسار في مقر المسجد عن الإسلام، ويشرح المنشور شرائع وقوانين الديانة الإسلامية التي بات الروس يعرفونها باسم ديانة المسلمين".

رد الفعل العكسي هي التي قادت عدداً من الغربيين ذوي العقلية الناقدة إلى البحث عن حقيقة الإسلام بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكل حدث إرهابي ينسب للإسلام والمسلمين، من تلك الحالات حالة المواطن فرنسي الذي أعلن بمقر جريدة التجديـد بالرباط يوم الخميس 19 - 2004م نطق بالشهادتين أمام عدلين من عدول العاصمة الإدارية للمملكة المغربية، وبحضور أصدقاء له كانوا مرشدين له في رحلة البحث عن حقيقة الإسلام، وقال جون لوك - مجيباً عن سبب إسلامه -: إن شرارة البداية كانت مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م إذ تساءلت بيني وبين نفسي: هل يكون الإسلام حقاً هو الدافع المعنوي لمن قام بتنفيذ تلك الاعتداءات؟

ولم يكتف جون لوك بالتساؤل الفردي بل نقله إلى عدد من زملائه وزميلاته في العمل خاصة منهم المسلمين، وتلقى أجوبة منطقية من خلال مناقشات مستمرة، تبين له فيها أن الإسلام في صورته الحقيقية بعيد كل البعد عن تلك الأعمال الإجرامية، وأن المسلمين بريئون مما ينسب لهم.

وقال جون لوك: إن معتنقي الإسلام في فرنسا كثيرون، وفي كل أسبوع يسلم عدد من الفرنسيين الذين يحضرون دروس التعريف بالإسلام في المساجد والمراكز الإسلامية الفرنسية، ولا أعتقد - يقول جون لوك - أن عدد مسلمي فرنسا يقف عند حدود 5 ملايين بل أكثر من ذلك بكثير، لكنهم غير منظمين بالمقارنة مع اليهود والكاثوليك''.

قبل أن يعانق نور الله عاش جون لوك كاثوليكياً بالميراث - على حد قوله - ثم قضى 22 عاماً في عبث أي دون أي ديانة بعد أن ماتت أخته بسبب مرض طويل لم ينفع معه دواء ولا دعاء.

عندما سئل جون لوك عن حقيقة شعوره بعد اعتناقه الإسلام أجاب بتأثر: ''إن السعادة التي تغمرني لا تعبر عنها الكلمات، وإنكم معشر المسلمين لفي سعادة لا يعرف قيمتها إلا من آمن واهتدى بعد تيه وضلال''، ويتعجب جون لوك من مسار رحلته إلى الهداية الإسلامية خاصة من شرارتها الأولى، ويندهش عندما يرى الأثر العكسي للعمل الإعلامي الغربي الذي أراد بالإسلام والمسلمين مكراً وكيداً فإذا بالمكر السيئ ينقلب خيراً ونوراً على عدد من الغربيين الذين قالوا: ''ربنا الله واشهدوا بأننا مسلمون''.

 

شهادة الفرنسي عبد الحكيم "أسلمت في ليلة القدر":

فرنسي آخر له قصة عجيبة مع الدين الإسلامي ورحلته إلى الهداية، قابلت بيير وهذا اسمه الشخصي قبل أن يسلم في مدينة الدار البيضاء، حيث يسكن الآن في حي شعبي، واستمعت إليه طويلاً، المهتدي الجديد رجل مثقف وخبير في مجال الهندسة المعمارية، سجل في مذكراته رحلته نحو النور المبين كما يسجل تجربته الجديدة في مذكراته، وهذا مقطع من وصفه لرحلة إسلامه:

لم يتركني الله أبداً ولم يتخل عنيº لأنني كنت دائماً مؤمناً به، في أحد الأيام قلت لله: "يا رب افعل شيئاً لي، إنك تعلم ما يكنه صدري من حب للخير، وتعلم أني راغب في الالتزام بالدين حق الالتزام، اهدني سواء السبيل"، منذ ذلك اليوم تغير كل شيء في حياتي.

أنا فرنسي، أنحدر من والد نمساوي ووالدة فرنسية، كنت مسيحياً ملتزماً لكن التزامي لم يكن مؤسساً على ما يتردد في الكنائس، بل كان التزاماً فردياً واجتهاداً ذاتياً اخترته وبنيته لنفسي.

في عامي السابع رأيت في المنام أني سأصبح راهباً، وكنت أعتقد أن ذلك أحسن ما يمكن أن يقوم به الإنسان في حياته، ومنذئذ كنت أتصور نفسي دائماً مرتدياً لباس القساوسة والرهبان، قائماً بأعمالهم، ولم تغادر تلك الصورة خيالي أبداً، وبعد ذلك بكثير، ولما بلغت العشرين من عمري انبجست في نفسي قضية الختان ظننت يومها أني سأصبح يهودياً، ومنذ تلك المرحلة أخذت أهتم بالدين وغرائب الحضارات البائدة، وغنوصيات الهند والتييت، وأساطير الأولين والآخرين، وخوارق العادات والأمور، وكل ما هو روحي، وفي كلمة واحدة كل ما هو فوق الطبيعة.

وموازاة مع هذا التقصي المستمر في كل ركن وزاوية عن المجهول والمطلق كنت دائم الإيمان بإله واحد حاضر وخفي معاً، ولم أستطع أن أفارق هذا الاعتقاد رغم تسللي إلى البوذية والطوائف الأخرى.

وبعد ذلك بين العشرين والأربعين من عمري تقريباً بدأت تتردد علي أحلام ورؤى ذات علاقة بميولي الروحية، في بعض الأحيان تزورني تلك الأحلام كالشهاب الخاطف في اليقظة، وفي أحيان أخرى في شكل أحلام كثيفة و"واقعية"، وإلى غاية اليوم لا يمكن أن أنسى ما كنت أراه من صور حية، وفي أثناء هذه المرحلة ترسخ في أعماقي اقتناع بأن القدر يرتب لي قدراً خارجاً عن المألوف.

كان الإسلام بالنسبة إلي عزيز المنال، كنت أظن أن جميع المسلمين ملتزمون بدينهم، وأن الإسلام يقتضي جهداً كبيراً جداً خارجاً عن طاقتي، وكنت أعتقد أن إيماني ليس على درجة كبيرة، وأني إنسان ملوث الباطن تلوثاً لا مزيد عليه بحيث لا أستحق أن أصبح مسلماً، وبالفعل فعلت أشياء كثيرة بينها وبين الدين أمد بعيد، وفي أحد الأيام وفي الوقت الذي كنت فيه مسؤولاً عن قسم التكوين والإرشاد بشركة مجهولة الاسم طلب مني المدير العام أن أوقع على وثيقة غير صحيحة، ورفضت ذلكº لأنه بكل بساطة طلب بالتزوير والسرقة في مؤسسة للتمويل والتكوين.

أعلنت للمدير العام بأني راغب في الاستقالة، وتواعدنا على أجل محدد لتوقيف عملي بالمؤسسة، في هذا الظرف الدقيق بالذات سألت الله أن يكون إلى جنبي، وأن يخرجني مما أنا فيه.

ضاع مني إذاً العمل والمنزل وكل الممتلكات، حتى الزوجة طلقتها وفارقت الأولاد، وأصبحت مشرداً دون مسكن قار، لا أحمل معي سوى ملابسي وكتبي، أدركت أن هذه هي الفرصة للانطلاق من جديد من نقطة الصفر، تقبلت هذه الوضعية، وشكرت الله على كل حال.

وفي ذلك الوقت اتخذت حياتي منعطفاً جديداً، حصلت على مسكن يؤويني، ومصدر عيش يكفيني، وحال يمكنني من بعض "الراحة" و"انتظار" ما هو آت.

وبعد ذلك بقليل قرأت في جريدة يومية محلية إعلاناً يدعو كل من قرأه إلى الحضور إلى مسجد يوجد بالقرب مني للاستماع إلى كلام الله، كان رد فعلي على هذا الإعلان أن قلت لنفسي: إن المسلمين في الحقيقة قوم مضيافون، وإن الإسلام في متناولي وسهل في التعرف عليه، كان ذلك في شهر رمضان عام 1419هـ ، وعدت نفسي بالذهاب إلى المسجد لمجرد الاستطلاع، وفي هذه المدة ومنذ سنوات طويلة من قبل كنت أعاقر الخمر، وكنت أدخن كثيراً، في النهاية لم أذهب إلى المسجدº لأن آفتي كانت أكبر من رغبتي، ثم استدار العام، وجاء رمضان الموالي عام 1420هـ، وقلت لنفسي: لابد من القيام بخطوة للاقتراب من الإسلام.

مع بداية رمضان 1420هـ رأيت الإعلان من جديد، قررت بحزم ألا أشرب الخمر، وألا أدخن لأيام معدودة حتى يكون لي "الحق" في دخول المكان الطاهر، لكن عاداتي وعلاقاتي كانت على درجة عالية من القوة فغلبت على أمري، تأسفت غاية الأسف، وندمت على ضعفي وإحجامي عن "اتخاذ الخطوة"، وطيلة هذا العام الثاني كنت أجتهد للارتقاء في تطهير حياتي شيئاً فشيئاً من الشوائب والعوائق.

وجاء رمضان 1421هـ، ورأيت الإعلان للمرة الثالثة، كل يوم يمر يضغط علي النداء ويلح، في منتصف رمضان أحسست كأنني تخففت من الأثقال، وأن بإمكاني أن أتخذ قراراً شجاعاً، في العشر الأواخر من رمضان شعرت بخوف شديد، شعرت كأنني قاب قوسين أو أدنى من الضياع النهائي إن لم أفعل شيئاً ما، قضيت بعض الأيام دون خمر ولا تدخين، وفي النهاية وجدت أحداً من المسلمين ليرافقني إلى المسجد، وفي الغد يممنا شطر المسجد في وقت صلاة المغرب، دخلت وتوضأت، ونطقت بالشهادة في نفسي وأديت صلاة المغرب ثم شاركت في وجبة الإفطار مع الحاضرين، بعد غد قررت أن أصوم، واشتريت تمراً وحليباً، وحملت ذلك معي إلى المسجد، وجدت أشخاصاً كثيرين كنت أعرف وجوههم، كلهم كانوا مسرورين بي وبحضوري، اندهشت لترحيبهم وفرحتهم وتأثرت بذلك.

عند عودتي إلى مقامي لم أستطع النوم، وعادت أمام عيني مشاهد متتابعة للأحداث السالفة التي قادتني إلى هذه اللحظة، فعلاً استجاب الله لدعائي القديم عندما قلت له: "رب افعل شيئاً لي"، وهذا هو تأويل طلبي من قبل.

وعلى أحر من الجمر انتظرت مطلع الغد لأتوجه إلى المسجد للصلاة، وجاء صاحبي ورافقني إلى المسجد، حيث اغتسلت الغسل الأكبر، ونطقت من جديد بالشهادتين، لكن اللحظة الحاسمة التي كانت نقطة اللاعودة بالنسبة لي هي: عندما نادى علي الإمام إلى المحراب وأوقفني أمام الناس، شعرت بأن 500 عين تبصرني وتخترقني، جهرت بالإسلام مردداً الشهادتين أمام الجميع، وأصبحت مسلماً، وسميت "عبد الحكيم"، تلك لحظة لن أنساها ما بقيت لي حياة، لحظة ما زلت أتذوق فيها شيئين اثنينº الأول: جمالية الحركة وأنا أنطق بالشهادتين أمام شهداء ينظرون إلي.

والثاني: شعوري بأن رقبتي قد أعتقت من النار، شعور غامر بالاسترخاء والتحرر انتابني بعد كل هذا، كأنما كنت أحمل في جوفي حجراً كبيراً سقط أمامي لحظة إسلامي.

الكثير من الحاضرين صاحوا بأعلى أصواتهم: "الله أكبر! الله أكبر! الله أكبر!" ثلاث مرات، ولتأثري الشديد أحنيت رأسي خضوعاً وخشوعاً لله، عدت إلى مكاني من المسجد وصليت ركعتين.

دعاني مرافقي إلى المقهى لنشرب كأسا من القهوة، عند خروجي من المسجد شعرت كأنني إنسان آخر في عالم آخر، ما زلت أذكر أنني رفعت عيني إلى السماء وقلت لصاحبي: "ما أسطع السماء وما أشد صفاءها، إن النجوم قريبة منا، ويمكن أن نمسكها بأيدينا" أجابني برفق وهدوء: "إنك رجل سعيد، هذه ليلة خاصة من ليالي رمضان، إنها ليلة القدر".

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply