بسم الله الرحمن الرحيم
بعد تسرب أخبار تدنيس القرآن في جوانتناموا على يد الجنود الأمريكيين، اندلعت مظاهرات صاخبة في أفغانستان تحتج وتندد بالتصرفات الأمريكية الرعناء.قدم الأفغان العديد من الشهداء، الذين سقطوا برصاص القوات الأفغانية والأمريكية وتوسعت دائرة الاحتجاجات لتصل إلى كابول وإلى جامعتها، حيث تحرك مئات الطلاب ليحرقوا الأعلام الأمريكية ويرددوا الشعارات المناهضة للأمريكيين. العالم الإسلامي بحكوماته ومنظماته الرسمية بل وأكثر من ذلك بحركاته الإسلامية وقف ساكنا في حالة من الجمود القاتل لما يزيد على اليومين مع استثناءات محدودة.
أخيرا تكلمت وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس أمام المشرعين الأمريكان لتندد بالمسألة "إذا ثبتت"، وتعلن أنها مثيرة للاشمئزاز، وأن سياسة الإدارة الأمريكية قائمة على احترام الكتب السماوية. بعدها بساعات بدأت الحكومات العربية التنديد وعلى استحياء بالمسألة، ولتهيب بالحكومة الأمريكية التحقيق في الحادث ومعاقبة المذنبين. بعدها انهالت مواقف التنديد والاستنكار واستيقظت الضمائر العربية والإسلامية، وعلا صوت الأحزاب والحركات الإسلامية وغيرها لتندد بالمسألة المهينة، ولتنضم إلى الأصوات التي تدعو السلطات الأمريكية للتحقيق بالحادثة والاعتذار عنها ومعاقبة مرتكبيها.
العجيب في المسألة واللافت للانتباه أن التقارير، والتي تحدثت عن تجاوزات الجنود والمحققين الأمريكيين بحق قدسية القرآن ومكانته، قد ترددت منذ ما يزيد عن عام ومن مصادر متعددة. وتشير بعض الوقائع إلى أن ثلاثة سجناء أطلق سراحهم من المعتقل سبق أن كشفوا عن ممارسات من هذا النوع للمرة الأولى في مارس/آذار 24 حين أعلنوا يومها في بيان مشترك أن حراس السجن كانوا يدوسون على نسخ من القران الكريم، وقاموا حتى برمي بعض منها في أوعية كانت تستخدم كمراحيض من قبل السجناء.
وقال المعتقل البريطاني المفرج عنه آصف إقبال إن تصرفات الحراس كانت تهدف إلى إذلال المعتقلين إلى أقصى درجة ممكنة، مشيرا إلى أن تدنيس القرآن دفع بالسجناء حينذاك إلى إعلان الإضراب عن الطعام.
في حين أكد محامو محتجزين كويتيين في غوانتانامو في يناير/كانون الثاني الماضي أن موكليهم كشفوا لهم عن حالة واحدة على الأقل رمي فيها مصحف في المراحيض. وقالت المحامية كريستين هاسكي إن العديد من موكليهم أبلغوهم أن الحرس كانوا يدنسون القرآن الكريم. وسام عبد الرحمن أردني الجنسية تم توقيفه في معتقل جوانتنامو ثم أطلق سراحه، في مقابلة أجرتها معه جريدة "السبيل" الأردنية، قال: "في أحد المرات جاءت مجندة تحمل القرآن الكريم ففتحته وأحضرت الكلب الذي بدأ بشمه ومن ثم جلس عليه، وبعدما خرجوا مسحت أثار الكلب عن كتاب الله. وأيضا كانوا في باغرام يمسكون المصحف أمامنا ويرمونه في الخلاء لإثارتنا واستفزازنا". الانتهاكات والتدنيس بحق كتاب الله معلنة ومن أكثر من عام ومن شهود مختلفين يصعب تواطؤهم على الكذب. فأين كانت الحكومات والمنظمات والجماعات الإسلامية طوال هذه الفترة؟ ولماذا التزمت صمتا عميقا؟ حتى التجاوزات والتعذيب في أبو غريب كانت أخبارها منتشرة، ولكن ما من أحد تجرأ على أن يثيرها أو أن يبحث في صدقيتها حتى فجرتها وسائل الإعلام الأمريكية.
هل أصبحت حكوماتنا عاجزة عن الاحتجاج ولو لفظيا على الانتهاكات والتجاوزات الأمريكية دون أن تتلقى ما يشبه الضوء الأخضر من الإدارة الأمريكية، وكأن المقصود بالاحتجاج تنفيس الغضب الشعبي وامتصاص نقمته؟ ثم هل نجحت تلك الأنظمة المدجنة في احتواء تيارات المعارضة الرئيسية من الإسلاميين أو بعضهم على الأقل، فأصبحوا لا يعلو لهم صوت معترضا على الاعتداءات الأمريكية، إلا ليكون صدى للصوت الحكومي وترديدا لعباراته الجوفاء؟
أيها الغيارى على كتاب الله وحرماته، اعلموا أن حرمات كبيرة تنتهك كل يوم في العراق، في القائم والرمادي والحديثة وبغداد وغيرهم... قصف عشوائي وانتهاكات لحرمات البيوت والبشر واقتحامات للمساجد واعتقالات للائمة وقتل للأبرياء وحصارات ظالمة واعتداءات غاشمة، فلماذا لا نسمع أصواتا تحتج وتندد بالعدوان الأمريكي سواء كانت تلك الأصوات حكومية أو منظماتية أو حزبية؟ أم تراكم تنتظرون أن تتكلم كونداليزا وتنتقد بعضا من التصرفات الأمريكية -على سبيل الاستهلاك السياسي والإعلامي- حتى تنطلق الألسنة من عقالها؟
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد