واجبنا أمام الأخطار المحدقة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

يدرك كلٌّ مسلم اليوم أنَّ الخطر على العالم الإسلاميّ شامل ممتدّة، ينذر بالمزيد من الأخطار مع كلِّ يوم.

ولا تقتصر الأخطار على سقوط بعض أراضي المسلمين تحت احتلال قاسٍ, ، كما هو الحال في فلسطين والعراق وأفغانستان وغيرها، ولكنَّ الخطر الأكبر هو الغزو الفكري للعالم الإسلاميّ كلّه، الذي ابتدأ منذ عهد بعيد، غزواً مصاحباً للغزو العسكري أو ممهِّداً له، غزواً يدخل النفوس والقلوب ويُرخي العزائم ويُمزِّق الأمة في عواصف من تيارات متصارعة، غزواً مهَّد كثيراً لمسلسل التنازلات في ميدان السياسة والقتال.

لقد ابتدأ الغزو بتقديم زُخرف الحضارة الغربية تحت شعار التقدّم والنموّ والتطوّر، ثمَّ أصبح غزواً شاملاً كلّ وسائل الغزو فكرياً وثقافياً وأدبياً، واجتماعياً واقتصادياً، وتنصيرياً وإعلامياً، وعسكرياً إجرامياً. ولقد كان ضحايا الفكر والثقافة والأدب وغير ذلك مثلَ ضحايا الحروب أو أكثر.

ولقد أثَّر هذا الغزو في عدد كبير من المسلمين الذين أصبحوا من دعاته وقوة له في قلب العالم الإسلامي، مما وفَّر على الغرب المعتدي بعض الجهود والجنود.

كان هؤلاء الذين فُتِنوا بزُخرف الغرب قلّةً لا يكاد يُسمع لهم صوت أو دويّ بادئ الأمر، كنتَ تسمع منهم الصيحة ثمَّ يختفون. وكان الصوت الأقوى دوياً هو صوت الإسلام والمسلمين، بمنابرهم وحشودهم وعلمائهم ودعاتهم.

ثمَّ أخذت الحالة تتغيَّر، وأخذ صوتُ الزُخرف الغربي يتعالى حتى أصبح دوياً عالياً ممتداً دون توقٌّف، مع جرأة وتحدٍّ, وإصرار، ومع ازدياد التابعين والموالين، ومع بروز حقيقة أخرى أخطر وأشدّ، ذلك أنهم يمضون على نهج مدروس وخطة مدروسة، ويمضون كذلك على تعاون وتكاتف وتنسيق مهما اختلفت مصالحهم ومطامعهم وولاءاتهم.

وكان يُقابل ذلك في الصفّ الإسلاميّ تمزّق يزداد مع الأيام، وضجيجٌ من الشعارات وردود الفعل والارتجال، في مخالفات جليّة للإسلام، لنصوص الكتاب والسنَّة، لحقائق الإيمان وجوهره، بدلاً من المنهج والتخطيط، وبدلاً من التفاؤل والالتئام، وتعددت المناهج والمدارس وتفرَّقت المسالك والدروب، والأهداف والشعارات، على صور تحمل شيئاً كثيراً من العصبية الجاهليّة.

 

الجهل بالكتاب والسنة

وكذلك، فإن الجهل بالكتاب والسنّة كان طاغياً يَسحق ملايين المسلمين الذين لم يبق لديهم من الإسلام إلا العاطفة الجارفة، دون أن يجدوا اليد الحانية التي تبني القلوب والعقول بالعلم الحقّ، والدراسة الواعية، والتدريب والرعاية، حتى أقامت كلّ فرقة لها ولاءات يُنابذ بعضها بعضاً على صور شتَّى من التنابذ.

لو وقف المسلمون وقفة إيمانية يُراجعون مسيرتهم وهم يتعرَّضون للغزو الفكري العلماني، لوجدوا أنهم أخطؤوا حين أسرعوا فتداعوا إلى الاشتراكية، وإلى الديمقراطية وإلى الحداثة وإلى العلمانية، ونسبوا هذه المذاهب إلى الإسلام، في تقليد يَكشف عن إفلاسٍ, وهوانٍ,!

لم يستطيعوا أن ينطلقوا إلى العالم بإسلامهم الحقّ، بالكتاب والسنّة واللغة العربية، كما انطلق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يستطيعوا أن يعرضوا الإسلام في ميدان التطبيق ليقدِّموا الحلول العملية الإيمانية من الكتاب والسنَّة لمشكلات البشريّة وأزماتها اليوم. بدلاً من ذلك قدَّموا أشكالاً متصارعة من فهم مضطرب للإسلام، وخلافات واسعة، ونظريات متضاربة، ثمَّ بدأوا يأخذون مناهج العلمانية والديمقراطيّة ويُلصقون بها كلمة الإسلام أو الإسلامية، كما ألصقوا الإسلام من قبل بالاشتراكية والحداثة.

فكيف نظهر عظمة الإسلام للعالم إذا كنَّا نحن لا نتمثّل حقيقة الإسلام ولم نلتق نحن عليه، وإذا كنَّا شُغِلنا بزخارف الحضارة الغربية ولم نستطع أن نبني صناعة قوية، وإعداداً قوياً، وصفّاً واحداً كالبنيان المرصوص؟!

من أين يأتي النصر، والتمزٌّق قائم، والخطوات مضطربة والشعارات ضجيج دون نهج ولا خطّة؟! واجبنا أن نتوب إلى الله ونعود إليه صادقين، لتنطلق كلمة الحق في الأمة، كلمة الإسلام.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply