هناك إنسان يعيش في دارفور، وآخر يعيش في الخرطوم، وثالث يعيش في الجنوب، وغيرهم ملايين من أبناء إفريقيا والعرب يعيشون حولهم في مدن وعواصم أخرى بجوار هذا الإنسان السوداني، لكنهم على ما يبدو لا يدركون حجم معاناته رغم أن سماء واحدة تظل الجميع، وجرعة ماء تمنحهم جميعاً الحركة والحياة.
من أجل ذلك يلزمنا فوراً أن ننتبه إلى خطورة ما يجري في السودان الشقيق، وتحديداً في غربي هذا البلد في منطقة دارفور التي تزداد سخونة يوماً بعد يوم، وساعة بعد أخرى، وربما قريباً تخلف مأساة إنسانية تصل إلى حد الكارثة فيما نحن نتشدق باستهداف الغرب، ونتباكى على القومية العربية، ونشكو تراجع الشعوب الإسلامية.
هذه بعض أجواء الندوة التي أقامتها مجلة الأهرام العربي بالتعاون مع المنتدى الأهلي مصر والسودان للسكان والتنمية، في محاولة لمد يد العون لأهالى دارفور، وجرت وقائع الندوة في أجواء ساخنة لمدة ساعتين متواصلتين من الجدل حول حقيقة ما يجري في الإقليم السوداني.
هل هناك إبادة عرقية كما تقول وسائل الإعلام الغربية، وهل هناك حرب ضرورس بين الحكومة وحركات التمرد، أم أنها مجرد توابل إعلامية قصد الغرب من خلالها التدخل في هذا الإقليم الذي عصفت بثرواته الحرب الأهلية الطويلة، فأتت على الأخضر واليابس على بلد كان يعد سلة غذاء العالم العربي.
أغلب الظن أن وسائل الإعلام الغربية بالغت إلى حد التطرف في شأن الأزمة، حتى صارت هناك مؤامرة تحمل عنوان عملية السلام، وربما تعكس هذه الحقيقة المرة تصريحات كولن باول وزير الخارجية الأخيرة بشأن الإبادة العرقية، وكذا تصريحات توني بلير ووزير خارجية هولندا اللذين يدعوان إلى التدخل العسكري، ومطالبة مجلس الأمن بفرض عقوبات على السودان، والواقع أنها شهادة حق يراد بها باطل، فالهدف الأساسي هو الاستحواذ على ثروات هذا الإقليم التي تختزن في باطنه، ولم تكتشف بعد.
على أية حال يذكرني قول مثقف سوداني بأن دارفور عارنا جميعاً بمدى القصور الذي حدث في معالجة هذه القضية سواء من جانب الدول العربية التي ترتبط بوشائج وروابط كثيرة مع السودان، أو من جانب الاتحاد الإفريقي الذي يرى بعض أعضائه مآرب أخرى في السودان.
نحن تأخرنا كثيراً على الصعيد الإنساني، ولم نتحرك كعادتنا لغوث أي إنسان إلا بعد فوات الأوان، وحتى في حال تحرك القوافل الطبية والإغاثية فإن الوقائع تتحدث بأن هناك غياباً شبه كامل لدى الحكومات وجمعيات المجتمع المدني العربية والإسلامية حسب تقارير البعثة الطبية المصرية القادمة من دارفور، وأيضاً تقارير الهلال الأحمر التي تحدث عنها د. ممدوح جبر - رئيس الهلال الأحمر ووزير الصحة الأسبق - مناشداً المجتمع المدني العربي والإفريقي ضرورة التحرك الفوري والسريع لاحتواء أزمة إنسانية تجري على أرض دارفور قد تصل إلى حد الكارثة.
في تلك الندوة كان هناك حديث عن دور الجامعة العربية اتسم بالجدية والموضوعية عن أزمة موجودة على الأرض جراء الحرب الطويلة التي جرت على رمال الإقليم الساخنة، ومع ذلك تظل الجامعة على استعداد لإقامة مشروع لكل المنظمات الإنسانية في المنطقة لتسيير قوافل إلى دارفور، وفرق طبية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بقايا البشر الذين يسكنون العراء بلا مأوي أو طعام أو دواء.
وتبدو في الأفق البعيد - للأسف - داخل هذه الأزمة أيد عربية مجاورة تحاول استغلال الموقف لصالحها بدعوى السلام المبطن والمغلف بسموم الحصول على حصة في المياه والنفط وغير ذلك، والغريب أن تلك الأيدي الموتورة تكرس مبدأ التدخل الدولي السريع لإحلال السلام، وإنقاذ شعب عربي تنزف دماؤه منذ سنوات.
ونحن نسأل الجامعة أين كانت طوال السنوات الماضية، وقت أن بدأت الحرب سواء في الجنوب أو الغرب الذي يتعرض للأزمة الحالية؟ ولماذا ظلت الكارثة تتفاقم حتى وصلت إلى حد التدخل الدولي هذا السؤال أولى بالإجابة من قبل الحكومة السودانية التي تنفي يومياً من خلال تصريحات ساخنة مستنكرة التدخل من جانب الغرب وأمريكا؟ أين كانت طوال السنوات التي أوصلتنا إلى حالة التردي؟.
ورغم كل ما مضى مازالت لدينا فرصة في الساعات والأيام القلائل القادمة قبل أن يدق ناقوس التدويل لإنقاذ أهلنا في دارفور والسودان، ما زالت هناك فرصة لإيقاف عجلة التدويل التي تتدحرج بإيقاع سريع، ما زالت هناك فرصة لوقف دموع التماسيح التي يذرفها الذين لم يذرفوا الدموع في مواقع أكثر سخونة والتهاباً من أزمة دارفور: العراق - فلسطين.
يجب ألا نسمع إلى تلك الأبواق التي تطالب بفيدرإلية عادلة وحازمة، ونتصدى جميعاً عبر المجتمع المدني الذي بدأ يتحرك من قلب القاهرة لوقف طوفان الخراب، وتصبح دارفور عارنا الجديد الذي يضاف إلى سلسلة الآلام العربية والإسلامية.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد