أرتريا .. المأساة المنسية !


بسم الله الرحمن الرحيم

 

 زيارة الرئيس الأرتري أسياس أفورقي للخرطوم يوم الثلاثاء 13/6/2006م بعد سنوات طويلة من القطيعة نكأت جراحات قديمة وأثارت شجونا عديدة تتعلق بالقضية الأرترية ومساراتها التي تتلاعب بها القوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية في بلد يدين غالبيته بالإسلام ويحكمه نصراني علماني متعصب ضد الإسلام والمسلمين.

والشعب الأرتري المسلم كافح سنوات طويلة للتحرر من الاحتلال الإثيوبي منذ ستينيات القرن الماضي أيام كان الأمبراطور الإثيوبي هيلاسلاسي يدير دفة الأمور في الحبشة، وتكونت تنظيمات عديدة ساهمت في مواجهة المحتل الإثيوبي، ولأن المسألة الأرترية كانت واضحة من حيث عدالة القضية، فقد صدرت عدة قرارات دولية تعطي الشعب الأرتري حق تقرير مصيره باعتبار أن ضم إثيوبيا لأرتريا لم يكن قانونيا.

وكالعادة في حركات التحرر في عالمنا الإسلامي، فقد بدأ الكفاح الأول مسلمون ملتزمون، لكنهم لغفلتهم قبلوا في صفوفهم أمثال أسياس أفورقي اليساري ـ حينها ـ والصليبي الحاقد الذي نفذ عددا من الاغتيالات والتصفيات ـ بمساندة القوى الدولية وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي في تلك الأيام ـ حتى استتب له الأمر على قيادة الجبهة الشعبية لتحرير أرتريا، وبدأ توجها يساريا واضحا، ووجد الدعم الواسع من روسيا ومن دعاة التحرر من الأنظمة اليسارية بالمنطقة العربية كسوريا وليبيا واليمن الجنوبي.

وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية تسعينيات القرن الماضي، توجهت الحركة الشعبية الأرترية فورا دون أن تطرف لها عين صوب المعسكر الأمريكي، فتولى قضية أرتريا جيمي كارتر الرئيس الأمريكي الأسبق، ونظم مؤتمر أتلانتا بالولايات المتحدة للقضية الأرترية، وحملت الولايات المتحدة قضية أرتريا إلى مجلس الأمن عقب انهيار نظام منقستو هيلا مريام الإثيوبي اليساري في الحبشة في بداية تسعينيات القرن الماضي، ولأن القضية الأرترية قد صدرت بحقها قرارات دولية تمنحها حق تقرير المصير كما أسلفنا، فقد صدر القرار الأممي بحق تقرير المصير الذي اختار الأرتريون بموجبه الاستقلال عن إثيوبيا في العام 1993م وتولت الجبهة الشعبية مقاليد الحكم في إرتريا منذ ذلك الحين إلى اليوم.

وكعادة التنظيمات اليسارية التي تُدجن أمريكياº فقد طبقت الجبهة الشعبية في إرتريا نظاما شموليا ديكتاتوريا يكمم الأفواه ويصادر الحريات، وشن النظام الأرتري حربا شعواء على المجاهدين الأرتريين وقادة الحركة الإسلامية في إرتريا وأودع معظمهم السجون وأعلن قادة المجاهدين الأرتريين في الخارج ـ في السودان وإثيوبيا ـ مواصلة القتال ضد نظام أسياس أفورقي.

هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الخارجيº فقد واصل نظام أسياس أفورقي دوره كشرطي المنطقة نيابة عن الولايات المتحدة التي نصبته في الحكم، فافتعل المشاكل مع كل جيرانه في إثيوبيا والسودان، وعبر البحر مع اليمن، فقاد النظام الهش في إرتريا حربا في السنوات الماضية مع إثيوبيا، ومع اليمن حول جزر حنيش بالبحر الأحمر، واحتضن المعارضة السودانية السياسية والمسلحة، وتجاوز جبهة الشرق التي أسسها ويدير حوارها مع الحكومة السودانية هذه الأيامº إلى احتضان المتمردين في غرب البلاد في دارفور حيث يستضيف ويدرب حركة العدل والمساواة التي تخوض حربا مع الحكومة السودانية في دارفور.

المأساة الأساسية في القضية الأرترية أن المسلمين ـ والعرب ـ قد تناسوا إخوانهم المسلمين في أرتريا الذين يذوقون الأمرّين من نظام أسياس الصليبي الحاقد، فقد استهدف أسياس الإسلام والمسلمين في أرتريا لصالح المسيحيين الأرتريين رغم أنهم أقلية في إرتريا، والمحير أن الأنظمة العربية تدعم النظام الأرتري رغم أنه يقيم علاقات وطيدة في كافة المجالات مع (إسرائيل) ويشكّل مع إثيوبيا حاجزا غريبا داخل العالم العربي، والناظر إلى خريطة العالم العربي يلاحظ أن أرتريا وإثيوبيا يمثلان فراغا بين السودان ومصر من جهة، وبين الصومال وجيبوتي من جهة أخرى.

إن القضية الأرترية يجب أن تظل حية في قلوب المسلمين وتنال حظا وافرا من جهودهم، فأرتريا في قبضة نظام أسياس أفورقي لم تتحرر بعد، وإنما تم استبدال طاغوت أرتري بطاغوت حبشي، ولا زال المجاهدون الأرتريون يجاهدون لتغيير هذا النظام الطاغية، وينبغي مساعدتهم بكافة السبل.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply