إمعاناً في العداء ونكأ للجراح من جديد أعادت سبع عشرة صحيفة دنمركية الرسوم المسيئة بإمام النبيين وخاتم المرسلين وقائد الغر المحجلين أعظم رجل وطأت قدماه الثرى - صلى الله عليه وسلم – .
فما حملت من ناقة فوق ظهرها *** أبر وأوفى ذمة من محمد
أقلام وأنامل حاقدة تحاول النيل من أطهر الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم -، فبعد نشر الرسوم المسيئة للنبي - صلى الله عليه وسلم - في إحدى الصحف الدانماركية قبل أكثر من عام، أعادت عدد من الصحف الدنماركية الكبرى نشر هذه الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في إساءة سافرة ومتعمدة وواضحة لدين الإسلام ونبي الإسلام - صلى الله عليه وسلم - وأمة الإسلام!!.
صور آثمةٌ وقحةٌ وقاحة الكفر وأهله: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون * أتواصوا به بل هم قوم طاغون}. بالله ماذا يبقى في الحياة من لذة يوم ينال من مقام محمد - صلى الله عليه وسلم - ثم لا ينتصر له ولا يذاد عن حياضه، ماذا نقول تجاه هذا العداء السافر، والتهكم المكشوف هل نغمض أعيننا، ونصم آذاننا، ونطبق أفواهنا لا وربي، لا يكون ذلك ما دام في القلب عرق ينبض.
والذي كرم محمداً وأعلى مكانته لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن رسول الحق.
ألا جفت أقلام، وشُلت سواعد، وقطعت ألسن امتنعت عن الدفاع عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتذود عن حرمته.
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداء
ونحن إذ ندافع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحمي بذلك ديننا وعقيدتنا، ونؤكد شيئاً من حبنا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا أقل الواجب في حق نبي كريم جعل الله محبته مقدمة على النفس والولد والمال والأهل والعشيرة، قال الله - تعالى -: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}.
وقال - صلى الله عليه وسلم -: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه البخاري.
إن فضائل النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تكاد تحصى كثرةً، فهو منّة الله على هذه الأمة، امتدحه ربه ورفع منزلته، فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وله المقام المحمود، والحوض المورود.. إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختص بها عن غيره، وهي مدونة في كتب الدلائل والشمائل والخصائص والفضائل.
لقد شهد بفضل نبينا - صلى الله عليه وسلم - القاصي والداني، والصديق والعدو، وأنَّى لأحد أن يكتم فضائله - صلى الله عليه وسلم - وهي كالقمر في ضيائها، وكالشمس في إشراقها؟!.
إن مقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيع برفعة الله له، لن ينال الشانئ منه شيئاً: {ورفعنا لك ذكرك} قال مجاهد: "لا أذكر إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله".
نعم لقد رفع الله ذكر نبينا - صلى الله عليه وسلم - رغم أنوف الحاقدين والجاحدين، فهاهم المسلمون يصوتون باسمه على مآذنهم في كل مكان.
والله - تعالى- قد تولى الدفاع عن نبيه - صلى الله عليه وسلم -، وأعلن عصمته له من الناس: {والله يعصمك من الناس} وأخبر أنه سيكفيه المستهزئين: {إنا كفيناك المستهزئين} سواء كانوا من قريش أو من غيرهم.
وذكر الله - سبحانه وتعالى - في مواضع أخرى أنه كفاه غيرهم كقوله في أهل الكتاب: {فسيكفيكهم الله.. }. وقال {أليس الله بكافٍ, عبده}. قال الشيخ ابن سعدي - رحمه الله -: "وقد فعل - تعالى -، فما تظاهر أحد بالاستهزاء برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبما جاء به إلا أهلكه الله وقتله شر قِتلة. أ. هـ.
والله - تعالى - يقول: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبتَرُ} أي إنَّ مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئتَ به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين {هُوَ الأَبتَرُ} الأقل الأذل المنقطع كل ذِكرٍ, له.
فهذه الآية تعم جميع من اتصف بهذه الصفة من معاداة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو سعى لإلصاق التهم الباطلة به، ممن كان في زمانه، ومن جاء بعده إلى يوم القيامة. لقد أعظمت قريش الفرية على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فرمته بالسحر تارةً وبالكذب تارةً وبالجنون أخرى، والله يتولى صرف ذلك كُلِه عنه لفظاً ومعنىً، ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (ألا ترون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً ويلعنون مذمماً، وأنا محمد) وهكذا هذه الرسومات التي نشرت على هذه الصفحات السوداء، هي قطعاً لا تمثل شخص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل هي صور أملاها عليهم خيالهم الفاسد واعتمدها الشيطان ورسمها لهم السامري!.
أما محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجهه يشع بالضياء والنور، والبسمة والسرور، لم يستطع أصحابه - رضي الله عنهم - أن يملئوا أعينهم منه إجلالاً له - وقد عاصروه - فكيف بمن لم يجمعه به زمان ولم يربطه به خلق ولا إيمان؟!
لقد جاء خبر الصدق من الملك الحق المبين: {إن شانئك هو الأبتر} ليبقى كل شانئٍ, للنبي - صلى الله عليه وسلم - وكل معارض لدينه هو الأبتر المقطوع المنبوذ..
أين أبوجهل؟ أين أبولهب؟ أين عبدالله بن أبي؟ أين ملوك الأكاسرة والقياصرة؟ أين كمال أتاتورك؟ لقد طمرتهم الأرض، ونُسيت رسومهم، ولحقتهم اللعنات، وباءَوا بثقل التبعات..
وروى البخاري في صحيحه من حديث أنس قال: "كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فِعل محمدٍ, وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه ".
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " إنَّ الله منتقمٌ لرسوله ممن طعن عليه وسَبَّه، ومُظهِرٌ لِدِينِهِ ولِكَذِبِ الكاذب إذا لم يمكن الناس أن يقيموا عليه الحد، ونظير هذا ما حَدَّثَنَاه أعدادٌ من المسلمين العُدُول، أهل الفقه والخبرة، عمَّا جربوه مراتٍ, متعددةٍ, في حَصرِ الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نَحصُرُ الحِصنَ أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنعٌ علينا حتى نكاد نيأس منه، حتى إذا تعرض أهلُهُ لِسَبِّ رسولِ الله والوقيعةِ في عرضِه تَعَجَّلنا فتحه وتيَسَّر، ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لَنَتَبَاشَرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه، مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوا فيه " انتهى.
والأيام بيننا وبين أولئك المبطلين المستهزئين، لننظر من تكون له العاقبة، ومن الذي يضل سعيه، ويكذب كلامه، وتظهر للعالمين أباطيله وافتراءاته، فقد قالها أمثالهم، فلمن كانت العاقبة؟ وأين آثارهم وأين مثواهم؟ قال الله جل شأنه في القرآن الكريم: {وَالَّذِينَ يُؤذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]، وقال الله - سبحانه -: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُم عَذَاباً مٌّهِيناً} [الأحزاب: 57].
ومن سُنة الله أن من لم يُمكن المؤمنين أن يعذبوه من الذين يؤذون الله ورسوله فإنَّ الله - سبحانه - ينتقم منه لرسوله ويكفيه إياه، كما قدمنا بعض ذلك في قصة الكتاب المفترى، وكما قال الله - سبحانه -: {فَاصدَع بِمَا تُؤمَرُ وَأَعرِض عَنِ المُشرِكِينَ * إِنَّا كَفَينَاكَ المُستَهزِئِينَ} [الحجر: 94 و 95].
وفي الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: قال: "يقول الله - تعالى -: من عادى لي ولياً، فقد بارزني بالمحاربة " فكيف بمن عادى الأنبياء؟ ومن حَارَبَ الله - تعالى -حُرِبَ.
وإذا استقصيت قصص الأنبياء المذكورة في القرآن تجد أممهم إنما أُهلكوا حين آذوا الأنبياء وقابلوهم بقبيح القول، أو العمل، وهكذا بنو إسرائيل إنما ضربت عليهم الذِّلة وباؤوا بغضِبٍ, من الله، ولم يكن لهم نصيرº لقتلهم الأنبياء بغير حق، مضموماً إلى كفرهم، كما ذكر الله ذلك في كتابه.
ولعلك لا تجد أحداً آذى نبياً من الأنبياء ثم لم يَتُب إلا ولا بد أن يصيبه الله بقارعة.
واليكم هذا الخبر الذي ذكرته وكالات الأنباء 13/2/1429هـ ويقرر ما ذكرناه من سوء العاقبة التي تحيط بالمستهزء بمقام النبي - صلى الله عليه وسلم -: فنادق دنماركية تمنع إقامة الرسام المسيء للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - رفضت عدة فنادق دنماركية منح إقامة للفنان كورت فيستر جارد الذي رسم الكاريكاتير المسيء للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - خوفا من عمليات انتقامية ضده خاصة بعد تهديده بالقتل.
ونقل عن صحيفة "بيرلنجسكي" الدنمركية إن الرسام جارد البالغ من العمر 73. أصبح اعتباراً من غد الخميس بلا مأوى بعد طرده من الفندق الذي كان يقيم به.. كما رفضت الفنادق الأخرى استقباله نهائيا.
وتقوم الشرطة الدنمركية حاليا بالبحث عن مأوى للرسام المسيء للرسول محمد - صلى الله عليه وسلم -.
وكان فيسترجورد قد صرح لإحدى الصحف الدنماركية أنه "بدءًا من يوم الخميس لم يعد لي مكان" على الرغم من أنه يعيش متخفيًا بحماية المخابرات الدانماركية منذ نوفمبر الماضي بعد أن أشارت الأخيرة لامتلاكها معلومات عن نية بقتله على خلفية الرسوم المسيئة.
الخطبة الثانية:
وأخيراً: ما هو دورنا؟!
* إن على كل مؤمن يحب الله - تعالى -ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ويغار لدينه أن يسعى لنصرة نبيه و حبيبه محمد - صلى الله عليه وسلم - كل من موقعه وحسب قدرته واستطاعته، ونصرة النبي - صلى الله عليه وسلم - تكون بما يلي:
1- اتباع سنته وتطبيقها والاهتداء بهديه وطاعته، قال - تعالى -: {وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}. وقال - تعالى -: {وان تطيعوه تهتدوا}. وقال - تعالى -: {من يطع الرسول فقد أطاع الله}. وقال - تعالى -: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم}.
2- تنشئة الأطفال والأجيال منذ الصغر على محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم - والدفاع عنه والتأسي بسيرته والاقتداء به.
3- قيام العلماء والدعاة والخطباء والمربين بدورهم في ذلك.
4- إعداد برامج للتعريف بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة. 5- وضع المؤلفات التي تبين سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنته وهديه وشمائله ورحمته، وبجميع اللغات.
6- إنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية لنصرة النبي - صلى الله عليه وسلم -.
7- استنكار ما حدث ولو بالقلب فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فمن لم يستطع فبلسانه فمن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان).
فالتغيير باليد و اللسان يكون بـ:
- إرسال رسائل الاستنكار و التنديد، ورفع الصوت بالإنكار ليسمع القاصي والداني.
- الاستمرار بمقاطعة بضائع كل دولة تُنشر فيها هذه الرسوم المسيئة.
- مقاضاة هذه الصحف والقائمين عليها والناشرين والمؤلفين لهذه الإساءات ليكونوا عبرة لمن تسول له نفسه التطاول على مقدساتنا الإسلامية.
8- وأخيراً: الدعاء على من آذى نبينا والدعاء لنصرة ديننا ونبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - خاصة في مواطن الإجابة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد