المواقف الرسمية المتخاذلة مع الدنمرك في السابق والتغاضي عن إساءة بنديكيت بل واستقباله ببعض الدول الإسلامية بعد ذلك ساعد على استمرار هذه الإساءات، وأوجد حالة من عدم الاكتراث بما يصدر عن المسلمين مع اشتعال الأزمات السابقة، تفاعل قادة الرأي مع القضية وبدؤوا في وضع مشاريع ومقترحات، طبق بعضها وطوى أغلبها النسيان، ومع الوقت بدأت الجذوة التي اشتعلت تخبو ولم نعد نرى متابعة وتجديد لما بدأه البعض وأصبحت قضية النصرة محصورة في بعض المواقع الالكترونية التي تحتاج في أغلب الأحيان إلى تحديث محتوياتها..
لم تكن الرسوم المسيئة التي استهدفت النيل من شخص الرسول بإحدى الصحف السويدية مؤخراً مفاجأة للكثيرين، فقد اعتادت أمتنا على الفواجع حتى تبلدت المشاعر، غير أن الضجة التي صاحبت هذه الرسوم الأخيرة تعود إلى أنها بدت وكأنها محاولة استفزازية مكشوفة لاستنساخ أزمة الرسوم الدنماركية التي هزت العالم الإسلامي بأسره.
استنساخ الأزمة:
بدأت الأزمة في أغسطس الماضي عندما رفض متحف سويدي عرض رسومات مسيئة للإسلام لرسام يدعى"لارس فيلكس"معللاً ذلك بالحفاظ على مشاعر المسلمين، فاستعان هذا الرسام بالصحافة لنشر رسومه، واستجابت له صحيفتان، وقامتا بنشر خبر منعه من عرض رسومه، تحت عناوين تستفزّ المسلمين، بعدها قامت إحدى الصحيفتين بوضع رابط لموقع الرسام ليشاهد الناس حقارته، بأسلوب خبيثº لكي تنجو هي من عواقب النشر الصريح.
وفي سيناريو مكرر تنادى العنصريون من حزب الشعب السويدي بالبرلمان ضد المسلمين وطالبوا بنشر الرسومات تحت نفس المزاعم الممجوجة عن الحريات.
أثارت الإساءات موجة احتجاجات محلية من جانب الأقلية المسلمة، فخرج المسلمون بالسويد في مسيرة احتجاجية لمقر الصحيفة بمدينة أوريبرو وطالبوها بتقديم اعتذار رسمي مرددين هتافات مناهضة للجريدة.
تصاعدت الأزمة لتنتقل إلى البلدان الإسلامية، ففي أفغانستان عبر العلماء عن استنكارهم، ونددت إيران وباكستان ومنظمة المؤتمر الإسلامي بالرسوم واستدعت باكستان السفير السويدي واحتجت بشدة وفي مصر طالب أعضاء بالبرلمان بموقف قوي ضد السويد، وأعربت البحرين عن أسفها، كما عبر عدد من علماء السعودية عن استنكارهم لهذه الرسوم، وفي القدس دعت حركة المسار الفلسطينية لاستصدار قانون دولي يجرم الإساءة للإسلام، واستنكرت الحكومة الأردنية الإساءة واعتبرتها غير مقبولة.
ويكاد المتابع للأزمة يشعر وكأنها رواية مكررة قرأت تفاصيلها أثناء أزمة الرسوم الدنماركية مع اختلاف الأماكن والشخوص والأزمنة، الأمر الذي يثير علامات الاستفهام حول الأهداف الغربية من تكرار هذه الحملات الكربونية ضد الإسلام؟ مما يُعطي انطباعاً بأن تكرار الإساءات هي حملة منظمة تستهدف الإسلام.
تكرار الإساءات والحملة ضد الإسلام:
تكرار الحدث يعطي قناعة أن القضية ليست تصرفات فردية من قبل بعض الموتورين إنما هي سياسة شبه عامة لدى الغرب للنيل من الإسلام وهذا الاستنتاج ليس من قبيل التفسير التآمري بل المتابع العادي للتصريحات والسياسات الغربية يجزم بأن الإساءة للإسلام أصبحت توجهاً عاماً لدى الغرب وليست تصرفات فردية، وقراءة سريعة لعناوين الصحف خلال الأشهر الماضية ترسخ هذه القناعة....مذيع أمريكي شهير يشبه المسلمين بالصراصير... مرشح رئاسة أمريكي يهدد بضرب مكة... ألمانيا تحظر الحجاب... سياسي هولندي يصف القرآن بأنه كتاب "فاشي".... وغيرها.
لذلك لا يمكننا عزل هذه الإساءة الجديدة عن سياقها فهي امتداد لمسلسل الهجوم على الإسلام، كما لا يمكننا فصل هذه الإهانات عن مفاهيم صدام الحضارات ونهاية التاريخ، وصعود اليمين الأمريكي المتصهين وكلها نظريات غربية تؤسس لعداوة الإسلام.
والمتابع لسير الحملات المغرضة يجد أنها تتجه في خط تصاعدي، فكلما هدأت أزمة نشبت أخرى، وكلما اشتعل حريق سارع المغرضون لصب الزيت على النار، وكلما هدأت ضجة تطوع مغرض لإثارة ضجة مماثلة، كما أن المتابع لهذه الحملات سيلحظ أنها صدرت عن شرائح متباينة داخل المجتمع الغربي، فبجانب رجل الشارع الذي يعتدي على المساجد، هناك الساسة الذين يتطاولون على القرآن ويهددون بضرب مكة، ورجال الدين الذي يعتبرون الإسلام ديناً يحض على الكراهية، ورجال الصحافة الذين لا يرون الحريات إلا في الإساءة للمسلمين ورجال الحكم الذين يحذرون من الفاشية الإسلامية - كما يقولون-، ويتوعدون بحملات صليبية جديدة، مما يعضد القناعة بأن تكرار الإساءات هي حملة منظمة ضد الإسلام تدخل ضمن النزعة الغربية التصادمية مع العالم الإسلامي، غير أن مخططات الغرب هذه لا تعفينا من التقصير.
القصور في مواجهة الرسوم الدانمركية انعكست على الأزمة الجديدة:
على الرغم من الحراك المجتمعي خلال الأزمة الأولى إلا أن تكرار الإساءات يعطي دلالة واضحة على قصور في وسائل التصدي وتتمثل أوجه القصور:
قصور على مستوى الحكومات:
فالمواقف الرسمية المتخاذلة مع الدنمرك في السابق والتغاضي عن إساءة بنديكيت بل واستقباله وزيارته من بعض كبار المسئولين في الدول العربية والإسلامية ساعد على استمرار هذه الإساءات، وأوجد حالة من عدم الاكتراث بما يصدر عن المسلمين.
قصور على مستوى قادة الرأي:
مع اشتعال الأزمات السابقة، تفاعل قادة الرأي مع القضية وبدأوا في وضع مشاريع ومقترحات، طبق بعضها وطوى أغلبها النسيان و مع الوقت بدأت الجذوة التي اشتعلت تخبو ولم نعد نرى متابعة وتجديداً لما بدأه البعض وأصبحت قضية النصرة محصورة في بعض المواقع الالكترونية التي تحتاج في أغلب الأحيان إلى تحديث محتوياتها.
هذا الانقطاع من قبل الموجهين في الأمة أضاع العديد من المكاسب التي تحققت خلال الأزمة الأولى، لكن أخطر ما في الانقطاع هو حالة التبلد التي أصابت بعض المسلمين مع نشر الرسوم الأخيرة ولسان حالهم يقول سوف تغضبون وتصخبون ثم لا تلبثون أن تتوقفوا ويضيع صراخكم في الهواء بينما الإساءات لا تتوقف.
قصور على مستوى الجماهير و القوى الشعبية الإسلامية:
خفت الحملات الإعلامية الداعية للمقاطعة والتي تجاوبت معها الجماهير بصورة كبيرة، كما كادت أن تتلاشى الفعاليات والحملات الدعائية والتعريفية بحقوق المصطفى التي نظمت مع بداية الأزمة الأولى حتى صدق فينا القول بأننا شعوب عاطفية نشتعل بسرعة وننطفئ بسرعة، لا تحركنا الفكرة، فكم تظاهرنا للعديد من القضايا... فلسطين وأفغانستان والعراق، وغيرها، فهل تغير شيء على الأرض؟ وهل توقف الغرب عن اعتداءاته؟، إن العمل الحقيقي المطلوب هو تحويل طاقاتنا الانفعالية إلى مشاريع عمل مؤسسية لا تنقطع وهنا ينبغي أن نركز على مفهوم " أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".
ماذا بعد تكرار الإساءات:
- تكرار الإساءة بهذا الشكل اللافت يدعو الغيورين من أمتنا للتعاضد لوضع استراتيجية، تعالج الخلل في مشاريع النصرة السابقة، وتستوعب معطيات الواقع، مع التركيز على أن الإساءات بما تحمله من إهانة للمسلمين هي في التحليل الأخير إفراز لبعدنا عن الدين.
- مسلمو أوربا هم خط الدفاع الأول عن الإسلام في مواجهة الغرب، ففي الأزمة الأولى كان لمسلمي الدنمرك المبادرة بالاحتجاج والمطالبة بالاعتذار، وفي الأزمة الأخيرة كان لمسلمي السويد المبادأة في مقاضاة الصحيفة وتنظيم التظاهرات الاحتجاجية، لذلك ينبغي الاهتمام بالجاليات الإسلامية في أوربا ومد جسور التواصل معها.
- في كل أزمة تعصف بأمتنا يفضح العلمانيون حتى تبدو سوءاتهم للقاصي والداني فخلال أزمة الدنمرك خرج علينا العلمانيون يستنكرون غضبة الأمة ويتهمونها بالتحامل على الغرب، تكرر الأمر بصورة أشد فجاجة في الأزمة الأخيرة، وتأتي هذه المواقف لتأكد أن العلمانيين في بلادنا هم طابور خامس لأعداء الأمة وأن خطرهم لا يقل إن لم يزيد عن خطر أعدائه.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد