بسم الله الرحمن الرحيم
ليتني كنتُ شجرة ً تُعضدُ وورقة ً تسقط ُ أو طيراً في جوِّ السماءِ لا أعقلُ ولا أفهمُ شيئاً.
ليتَ أنَّ الأرضَ انشقت فابتلعتني أو فُتحَ لي من السماءِ بابٌ رقيتُ فيهِ بسلّم ٍ, إلى الملكوتِ الأعلى.
ليتَ وما تنفعُ ليتَ، فقد حُمَّ القضاءُ وقُضيَ الأمرُ ووقعَ البأسُ، بعدَ أن تطاولَ أحدُ السقطةِ من العربِ على كتابِ اللهِ- تباركَ وتعالى-، وهاجمهُ هجوماً لم يعهدِ النّاسُ مثلهُ، فقد دارت بي الأرضُ واللهِ وأنا أقرأ كلامهُ، وغالبتُ دمعي وغالبني حتى انهمرَ ولم ينبجس، وتصاعدتِ الزفراتُ من صدري واغتلت في قلبي الحسراتُ، وإنّا للهِ وإنّا إليهِ راجعونَ.
كتابَ اللهِ يا خسـ....، آه!، يا ليتَ اللغة َ تُساعدني لأصفَ ضعة َ وقِحة َ وهوانَ وسفالة َ هذا الكاتبِ المُنحطِّ، علَّ ذلكَ أن يُطفئَ شيئاً من لهيبِ الغضبِ وفورةِ الكراهيةِ، ولكنَّ لُغتنا كما يقولُ الطنطاويٌّ على سعتِها تضيقُ بالوصفِ الذي يُطلقُ على هذا مثل ِ هذا الكاتبِ، وذلك لأنّها لُغة ٌ قوم ٍ, لا يفقدونَ الشرفَ حتّى عندَ الإجرام ِ، إنَّ في العربيّةِ كلماتِ النذالةِ والضعةِ والهوان ِ والدناءةِ، ولكنَّ هذه كلّها لا تصلُ في الهبوطِ إلى حيثُ وصلَ هذا الكاتبُ، عاملهُ اللهُ بما يستحقّهُ.
كتابَ اللهِ!، القرءانَ الكريمَ!، الذّكرَ الحكيمَ!.
يا قوم ِ هل أنا في حلم ٍ, أم في علم ٍ,؟، هل هذا الذي حصلَ وكُتبَ هو من وحي الخيال ِ المُجرّدِ أم وقعَ واستقرَّ؟.
لا إلهَ إلا اللهُ، ما أحلمَ اللهَ عن هذا المسخ ِ الوضيع ِ، كيفَ يمُهلهُ ويُعطيهِ سعة ً من الجسم ِ والعمر ِ، وهو يتطاولُ على الدّين ِ والشرع ِ وكلام ِ اللهِ - تعالى -.
أما وجدتَ يا وضيعُ غيرَ كتابِ اللهِ تصفهُ بالتخلّفِ وتُفضّلُ الموسيقى عليهِ وعلى تعلّمهِ، ألا تستحي من نفسكَ يا رجلُ، وأنتَ تُغالبُ اللهَ وتُحادّهُ بهذا الهجوم ِ القذر ِ الدنيءِ، على كتابٍ, هو النّورُ وهو الرحمة ُ وهو السكينة ُ؟.
ألم تجد أحداً غيرَ خالقكَ ومولاكَ لتهاجمهُ وتتطاولَ عليهِ وعلى كلامهِ؟، من أنتَ يا هذا لتغالبَ ربّكَ وتُعاندَ مالككَ، يكفيكَ من أمركَ واللهِ عرقٌ في جسمكَ يُقطعُ أو عِظامٌ يُفلٌّ أو ورمٌ يستفحلُ، فتغدو على إثرهِ أسيفاً أسيراً حسيراً حقيراً، وهذا من أبسطِ جنودِ ربّكَ وأقلها شأناً، فكيفَ لو خسفَ بكَ الأرضَ أو أرسلَ عليكَ شِهاباً من السماءِ، أو أذاقكَ من التخبّطِ والتردّي ما يجعلكَ تتمنّى الموتَ والهلاكَ ولا تجدهُ، أو قصمَ ظهركَ وأحرقَ وجهكَ.
ماذا أكتبُ بربّكم وماذا أقولُ، والهجومُ العنيفُ إنّما كانَ عن كتابِ اللهِ، والذي فيهِ نبأ من قبلنا وخبرُ من بعدنا وحُكمُ ما بيننا، من تركهُ من جبّار ٍ, قصمهُ اللهُ، وهو الحبلُ المتينُ والذكرُ الحكيمُ والصراطُ المُستقيمُ، لا يخلقُ على كثرةِ الرّدِّ ولا تنقضي عجائبهُ ولا تفنى غرائبهُ، حيّرَ العقولَ فصاحة ً وبلاغة ً ونظماً، وفلّت حُججهُ الخصومَ، ولا يزدادُ مع الأيّام ِ إلا بهاءً ونوراً ورسوخاً في القلوبِ والصدور ِ.
من هذا الحقيرُ التافهُ الذي يجرؤُ أن يُحاربَ اللهَ - تعالى -وأهلهُ وخاصّتهُ والذين هم أهلُ القرءان ِ وحفظتهُ؟.
سبحانكَ ربّنا ما عبدناكَ حقَّ عِبادتكَ.
" كتابُ اللهِ ذلك الكتابُ العظيمُ، والذي لهُ ثقلٌ وسلطانٌ وأثرٌ مُزلزلٌ، لا يثبتُ لهُ شيءٌ يتلقّاهُ بحقيقتهِ، لقد وجدَ عمرُ- رضي الله عنه - ما وجدَ حينَ سمعَ قارئاً يقرأ سورة َ الطور ِ، فارتكنَ إلى الجدار ِ، ثمَّ عادَ إلى بيتهِ يعودهُ النّاسُ شهراً ممّا ألمَّ بهِ.
هذا الكتابُ الذي يُثيرُ الدهشة َ في القلوبِ، عند من يتلقّاهُ بحسٍّ, واع ٍ, وقلبٍ, مفتوح ٍ,، ومشاعرَ مرهفةٍ,، وذوق ٍ, ذوّاق ٍ,، عجبٌ! ذو سلطان ٍ, مُتسلّطٍ,، وذو جاذبيّةٍ, غلاّبةٍ,، وذو إيقاع ٍ, يلمسُ المشاعرَ ويهُزٌّ أوتارَ القلوبِ، عجبٌ فعلاً! ".
هذا الكتابُ العظيمُ الذي حيّرَ البُلغاءَ والفُصحاءَ، فتسابقوا إلى كشفِ إعجازهِ، وكتبوا في ذلكَ كُتباً وأسفاراً عظيمة ً، وفتحوا كنوزهُ للنّاسَ، وبيّنوا غوامضَ أسرارهِ، حتّى إنَّ النصارى لم يُقاوموا ذلكَ المنهلَ العظيمَ، فحفظَ بعضُهم القرءانَ حتّى يُقيمَ لسانهُ ويقوّمَ أدبهُ، كما فعلَ ذلك ناصيف اليازجي وابنهُ إبراهيمُ ومي زيادة وغيرهم.
ليسَ على الدكتور ِ من حرج ٍ, في بغضهِ للقرآن ِ، وكُرههِ لتعاليمهِ، فهو رجلٌ مسلوبُ الإرادةِ، فاقدٌ للعقل ِ السويِّ، قد أناخَ أمرَ حياتهِ بمرابع ِ الغربِ، وارتمى في أحضانهم، وسلّمهم قيادَ عقلهِ وفكرهِ، فكانت نتيجة ُ ذلكَ هذا العفنُ الفكريٌّ الذي ينضحُ في مقالاتهِ، وهذا الهجومُ اللاأخلاقي على الدّين ِ وتعاليمهِ وثوابتهِ.
جمعت مقالة ُ الدكتور ِ السالفة ُ حقداً وكُرهاً وكذباً وزيفاً، فقد صوّرَ الدينَ على أنّهُ تخلّفٌ ورجعية ٌ، وأنَّ تعلّمَ الموسيقى وتنمية ُ الذوق ِ الفنيِّ أهمٌّ من تحفيظِ القرآن ِ ودروسُ الدين ِ، وسمّى ذلكَ كلّهُ تخلّفاً وجنوناً.
إلى أينَ يُريدُ أن يصلَ هذا الرّجلُ!.
يقولُ في مقالهِ: " ولست ممن يخافون من الدين، أو من الملتحين أو المعممين، وأرى أن الموسيقى وتنمية الذوق الفني أهم من تحفيظ القرآن ودروس الدين، وما هو موجود أكثر من كاف، ولا أرغب في أن أهدر فلوسي على تدريس الدين، ولا أريد لابني أن يتلقى دروسا من جهلة يعلمونه عدم احترام المرأة وغير المسلم، ولا أريد من المتخلفين معرفياً وفكرياً من المسئولين عن وضع المناهج غير التربوية أن يملأوا رأس ابني بالأحاديث حول الجن ".
هل يوجدُ في أعطافِ المُسلمينَ وثناياهم، من أهل ِ العلم ِ والولايةِ الشرعيّةِ من لا يحترمُ المرأة َ أو يُقدّرها، وهل صيانة ُ المرأةِ عن الابتذال ِ والانحطاطِ إلى مهاوي الرذيلةِ هو من التنقّص ِ للمرأةِ؟، أم أنَّ هذا الدكتورَ يُريدُ من نساءنا أن يكن عارضاتٍ, وراقصاتٍ,، وأن نسمحَ لهنَّ ذلكَ، حتّى نرتقي حينها من مصافِّ الدول ِ المُختلّفةِ والرّجعيةِ، إلى مصافِّ التقدّم ِ والتحضّر ِ؟.
حقوقُ المرأةِ أكذوبة ٌ كذّبها إبليسُ على أفراخهِ من العلمانيينَ، وصدّقها أولئكَ وطاروا بها فرحاً، حتّى إذا جاءَ وقتُ البرهان ِ والتدليل ِ نكصوا على أعقابهم وتقهقروا على أدبارهم نفوراً، وتبيّنَ حينها من هم أصحابُ الحوار ِ والحُجّةِ من أصحابِ التزييفِ والتعميةِ، وما هذا الحوارُ الوطنيٌّ الذي أقيمَ مؤخراً في المدينةِ النبويّةِ وما حصلَ فيهِ من نتائجَ عظيمةٍ,، إلا دليلٌ واضحٌ على معرفةِ حقيقةِ حقوق ِ المرأةِ بلسان ِ المرأةِ ذاتِها فقد تكلّمنَ وأبنَّ عن حقوقهنَّ خيرَ بيان ٍ,، ورددنَ على من شكّكَ في حقوق ِ المرأةِ في بلادِنا، أو زايدَ عليها.
وفي استفتاءٍ, نُشرت نتائجهُ في جريدةٍ, مغربيّةٍ, قبلَ سنتين ِ تقريباً، تبيّنَ أنَّ ما نسبتهُ 80 % ممّن شملهنَّ الاستفتاءُ وعددُهم 4000 امرأة ً أمريكيّة ً يرغبنَ في العودةِ للقيم ِ والأخلاق ِ القديمةِ، بعدَ أن زادت القيمُ عن حدّها وأدّت إلى الانحلال ِ، وأنَّ 60% منهنَّ يرفضنَ حصولَ بناتهنَّ على الحرّيةِ الزائدةِ، وأنَّ 75% منهنَّ يرغبنَ العودة َ للحياةِ التقليديّةِ لتجنّبِ الانفصال ِ الأسريِّ، وكشفتِ الدّراسة ُ كذلكَ أنَّ ما نسبتهُ 87% من الُمشاركاتِ لن يُطالبنَ بالمساواةِ مع الرّجل ِ لو عادت عجلة ُ التأريخ ِ للوراءِ.
هذه أمانيٌّ نساءهم ومطالبهنٌّ بألسنتهم، فماذا عسى أن يقولَ الدكتورَ وهو يرى بناتَ قبلتهِ أمريكا قد سئمنَ من حياةِ الحرّيةِ ووددنَ لو كنَّ مقيّداتٍ, بقيودِ العاداتِ والتقاليدِ ليسلمنَ.
قالَ الدكتورُ: " أريد من ابني أن يتعلم اللغات الأجنبية فهي خير له من اللغة العربية الميتة، وأن يتعلم الموسيقى ليتراكم لديه الحس والذوق الفني، وأن يتعلم المزيد من العلوم الحقيقية التي ستنفعه في حياته كالكيمياء والفيزياء والتاريخ والعلوم الاجتماعية ".
هل هُناكَ تعارضٌ بينَ العلوم ِ التطبيقيّةِ والإنسانيّةِ والاجتماعيّةِ، وبينَ علوم ِ الشرع ِ الخاصّةِ بالحلال ِ والحرام ِ وتنظيم ِ الحياةِ؟.
هذه أحدُ المسائل ِ التي يهربُ العلمانيّونَ من مناقشتِها، لأنّها مبنيّة ٌ عندهم على قذفِ التهم ِ ثمَّ التواري وراءِ الجدران ِ، والفِرار ِ من النّقاش ِ وإثباتِ الحجّةِ على ذلكَ.
والجميعُ يعلمُ أنَّ مواكبةَ الحضارةِ، والأخذَ بالعلمِ الحضاريِّ، والعلمِ قد أمرَ بهِ دينُنا، وحثَّ عليهِ، بل نحنُ نتطورُ ونواكبُ الحضارةَ، ونمشي في أرجاءها، ونأخذُ منها كلَّ مفيدٍ, وجديدٍ,، ولكن نتمسّكُ بقيمنا، وأصالتنا.
والمُسلمونَ لهم ثوابتُ لا يحيدون َ عنها، وهذه الثوابتُ تتمثّلُ في حقائق ِ الإسلام ِ، وأصوله ِ العقدية ِ، والتشريعية ِ، والتحكيمية ِ، ولهم كذلك َ متغيّراتٌ تندرجُ تحتها سائرُ العلوم ِ الدنيوية ِ التجريبية ِ النافعة ِ، يُخضعونَ ذلكَ للمنفعةِ فما نفعَ منها أخذ َ وما لم ينفع تُركَ.
فهم بحمد ِ الله ِ وإن كانوا متشدّدينَ في التمسك ِ بثوابتهم، وقيمهم ومبادئهم، إلا أنّهم يحملونَ راية َ الانفتاح ِ الحضاريّ، ويشجعونَ على التقدّم العلميّ، ويدعونَ للإفادة ِ ممّا عند غيرهم - بغضِّ النظر ِ عن عقائدهم - من المعارف ِ، والعلوم ِ التجريبية ِ الدنيوية ِ، ممّا فيه ِ سببٌ لتقدّمهم، وتحضّرهم، وتفوّقهم.
وعلماءُ المُسلمينَ يدعونَ إلى العودة ِ إلى أصول ِ الإسلام ِ في جوهره ِ وغايته ِ وهدفه السامي، كدين ٍ, يجمعُ نظامَ البشرية ِ، وينظمُ شئون َ حياتها، دون أن ترفض َ المكتسبات ِ الثقافية ِ، والعلميّةِ النافعة ِ، سواءً كانت من أصول ٍ, إسلامية ٍ,، أو من غيرها.
ومن أكبر ِ من دعا إلى الاستفادة ِ من علوم ِ الآخرينَ من غير ِ المسلمين َ، وأنصفهم في علومهم، وشهدَ لهم بالتقدّم ِ فيها، وردّ على مخالفهم، من أكبر ِ أولئكَ: شيخُ الإسلام ِ ابن تيمية َ - رحمه الله تعالى - حيثُ يقول ُ في معرض ِ نقاشه ِ للفلاسفة ِ والمتكلّمينَ: " نحنُ لا نقدح ُ فيما عُلمَ من الأمور ِ الطبيعية ِ أو الرياضية ِ " - الرد على المنطقيين 311 -، ويقولُ أيضاً: " إن الأطباءَ وأهلَ الهندسة ِ من أذكياءِ الناس ِ، ولهم علوم ٌ صحيحة ٌ طبية ٌ وحسابية ٌ، وإن كانَ ضلّ منهم طوائفُ في الأمور ِ الإلاهية ِ، فذلكَ لا يستلزم ُ أن يضلّوا في الأمور ِ المتعلّقة ِ بالعلوم ِ الطبيعية ِ كالطبِّ والحساب ِ " - منهاجُ السنة ِ النبويّة ِ 2/571 -.
بل إنّ ابن تيمية َ نصرَ قولَ الفلاسفة ِ في القول ِ باستدارة ِ الأفلاك ِ، وأنها دائرية ٌ، وليست مضلّعة ٌ كما كانَ يقولُ بعضُ أهل ِ الكلام ِ، وذكرَ - رحمه الله - أن كلامَ الفلاسفة ِ في هذا صحيحٌ، على خلاف ِ كلام ِ من يخالفهم - الرد على المنطقيين 260-.
بل يذهبُ ابنُ تيّمية َ إلى أبعدَ من هذا، فيجعلُ آراءَ الفلاسفة ِ في العلوم ِ الطبيعية ِ، أقوى وأمثلَ وأشرفَ من كلامهم في الإلاهيات ِ، حيثُ إنّهم في الإلاهيات ِ ضلّوا ضلالاً بعيداً، وأمّا في العلوم ِ الطبيعية ِ " كالعلم ِ بالأجسام ِ الموجودة ِ في الخارج ِ، ومبدأ حركاتها، وتحولاتها من حال ٍ, إلى حال ٍ, " فإنّ كلامهم فيه بلغَ الغاية َ من حيثُ الجودة ِ وحسن ِ التنظير ِ، بل يصفُ علمهم في الطبيعيات ِ بأنّه علمٌ صحيحٌ لا يدخلهُ غلط ٌ - الردُ على المنطقيينَ 136 -.
وهذا الكلامُ النفيسُ من ابن تيميّة - رحمه الله - ُ - يزيلُ كلّ توهم ٍ, يصفُ صاحبهُ بسببه ِ السلفية َ بأنّها: جامدة ٌ، منغلقة ٌ، منكفأة ٌ على ذاتِها، وعاجزة ٌ عن مواكبة ِ التطوّرات ِ، أو حتى اللحاق ِ بمراكب ِ الحضارة ِ، والمنافسة ِ في ميادين ِ الحياة ِ عموماً.
فهل بعدَ هذا متمسّكٌ لأحد ٍ, في وصف ِ والمسلمينَ وعلمائهم بالتخلّف ِ والرجعية ِ والتقوقع ِ!!.
قالَ الدكتورُ: " وبصراحة لا أريد لابني أن يجود القرآن فأنا لا أريده إماماً ولا مقرئاً في سرادق الموتى، أريد من وزير التربية أن يكف شر مسؤولية وتخلفهم عن ابني ليتلقى تعليما جيدا, وأن لا تذهب فلوسي هدراً. كما لا أريد له مستقبلاً محتملاً في سلك الإرهاب سواء الفكري أو المادي. أريد ابنا مسالماً محباً للناس كافة بغض النظر عن لونهم أو عرقهم أو دينهم. أريده أن يبني المجتمع لا أن يهدمه ".
العقلاءُ سيدركونَ حتماً حينَ قراءةِ كلام ِ الدكتور ِ أنّهُ رجلٌ مُتهافتٌ جدّاً، ومُتناقضٌ، ففي الوقتِ الذي يصفُ فيهِ القرآنَ والدينَ أنّهُ مُشجعٌ وباعثٌ للإرهابِ، يغُضٌّ طرفهُ عمداً وعلانية ً عن راعيةِ الإرهابِ في العالم ِ، أمريكا المشئومةِ وفرخَتِها إسرائيلُ، وما هذه الثوراتُ والحروبُ التي قامت في العالم ِ إلا بسببِ شعاراتِ فارغةٍ,، تارة ً تحتَ اسم ِ الشيوعيّةِ وتارة ً تحت شِعار ِ الديمقراطيّةِ وتارة ً تحتَ شعار ِ مُحاربةِ الإرهابِ، حتّى صارَ الإنسانُ البسيطُ في الشارع ِ يخشى أن يُؤخذ َ على حين ِ غرّةٍ, من أمرهِ، بهاجس ِ الحربِ على الإرهابِ وقوانين ِ مُكافحةِ الإرهابِ، ولم تعُد تنطلي على البسطاءِ من النّاس ِ فضلاً عن النّخبةِ منهم، هذه العباراتُ المعسولة ُ من العلمانيينَ، فقد سقطَ الحجابُ عن صنمهم أمريكا وتبيّنت حقيقتُها، وعلمَ الجميعُ أنّها هي راعية ُ الإرهابِ والقمع ِ والتسلّطِ، تحتَ شِعار ِ العدل ِ والحرّيةِ والمُساواةِ، شِعاراتٌ ظاهرها الرحمة ُ وباطنُها العذابُ.
قالَ الدكتورُ: " كان في كويت التقدم القديمة زمن لا يذهب فيه إلى معاهد التعليم الديني سوى الفاشل علمياً ودراسياً، لأن النجاح في المعاهد الدينية ببلاش من دون جهد كما هو حال الحصول على الدرجات العالية من دون جهد في كلية الشريعة لإغراء الطلبة بالانضمام لهذه الكلية الفارغة معرفياً ".
رحمَ اللهُ مِزنة!.
أنا سأمهلُ الدكتورَ بدلَ السنةِ عشراً، وأبلعهُ بدلَ ريقهِ دجلة َ كلّها والفراتَ ومعها بِحارَ الدّنيا، على أن يحلَّ لي مسألة ً من مسائل ِ الجدِّ مع الإخوةِ، أو مسألة ً من مسائل ِ الأحرفِ السبعةِ في القرآن ِ، أو يشرحَ لنا مسألة َ تسلسل ِ الحوادثِ في الماضي والمُستقبل ِ، أو أن يبسطَ الكلامَ في مسألةِ تفرّدِ الثقةِ في الحديثِ سواءً خالفَ أو لم يُخالف، وأن يذكرَ لي أوجهَ الإعرابِ في لفظةِ قبلُ وبعدُ وأحكامها، فإن فعلَ ذلكَ في سنواتٍ, من عمرهِ بلهَ أشهراً، قبلنا منهُ هذه الدعوة َ الفارغة َ من المضمون ِ، والتي تصفُ طلاّبَ الشريعةِ بالغباءِ أو البلادةِ، وإن لم يفعل وما هو بفاعل ٍ, فقد شهِدَ بكذبِ نفسهِ وفضحَ مُستوى عقلهِ وفكرهِ.
لقد أفنى المُسلمونَ أعمارهم في حفظِ الشريعةِ، وتصنيفِ الكتبِ، ودراسةِ العلم ِ، ورحلوا في الأمصار ِ والأقطار ِ، وتركوا الأهلَ والولدَ، حتّى يُقدّموا لنا العلمَ صافياً عذباً، ولم يقنعوا من ذلكَ بمصر ٍ, دونَ مصر ٍ,، أو قُطر ٍ, دونَ قُطر ٍ,، بل ذرعوا الأرضَ طولاً وعرضاً، فما ماتوا إلا وقد استقرّت بهم علومُ الشريعةِ، وحُميتِ العقيدة ُ، وضُبطت الضوابطُ، فما تركوا لمن خلفهم إلا الأخذ َ من تلكَ الكتبِ، وما تركوا من منفذٍ, لأحدٍ, أو ثغرةٍ, إلا وأغلقوها وسدّوها، فكانوا حماة َ الدين ِ والأرض ِ والعرض ِ، نبغوا وبلغوا، فرحمَ اللهُ أولئكَ الرّجال ِ.
ثُمَّ يأتي هذا الدكتورُ في برود ٍ, وغباءٍ, شديدين ِ، ويصفُ علومهم بالبلادةِ ونِتاجهم بالضعفِ والتخلّفِ، وواللهِ ما البلادة ُ والوهنُ والتخلّفُ إلا في عقلهِ الذي توقّفت عجلتهُ عن الدوران ِ، وخلا من الفطانةِ والفهم ِ والعلم ِ.
ثمَّ قالَ: " أما لهذا الجنون من آخر? وأما لهذا التخلف من نهاية? ألا يعلم هؤلاء أنه من المستحيل أن تتحصل المعرفة من الدين? ".
كشأن ِ جميع ِ التُهم ِ والأباطيل ِ، يصوّرُ لنا الدكتورُ الدّينَ هنا على أنّهُ مجموعة ٌ من الترانيم ِ والموشّحاتِ، يُدارُ من الزوايا والأقبيةِ، لا يعرفُ الحضارة َ ولا التطوّرَ، يقبعُ خلفَ العالم ِ ليُخفي ويُداري عجزهُ وفشلهُ، ولا يثبتُ أمامَ الحقائق ِ العلميّةِ، والتي تتهاوى معها قُدسيّتهُ وحُرمتهُ.
لسنا في حاجةٍ, إلى الردِّ على هذا الكلام ِ السخيفِ، ولكنّي أشيرُ إلى أنَّ الإسلامَ يرتفعُ بمُستوى دعاتهِ وعلمائهِ عن جمودِ العلماءِ وابتذال ِ الأدباءِ، إلى مرحلةِ الإبداع ِ والإنتاج ِ، فالدّينُ متينٌ مُتجدّدٌ يواكبُ العصورَ ويحتويها، ويُحاربُ قيمَ التخلّفِ والرجعيّةِ ويحتويها، أصولهُ ثابتة ٌ في قلوب ِ العلماءِ ثبوتَ الجبال ِ الشوامخ ِ، ولو أرادَ العلمانيّونَ أن نوقفهم على جهودِ العلماءِ المُسلمينَ في صناعةِ الحياةِ وبناءِ الحضارةِ، والرّقيَّ بالمجتمع ِ وتشجيع ِ أبناءهِ على الإبداع ِ في كافّةِ شئون ِ الحياةِ، لفعلنا ذلكَ، ولأوقفناهم على صور ٍ, زاهيةٍ, لا نظيرَ لها، في الوقتِ الذي كانت أوروبا تعيشُ في حوالكَ عصورِها، وعلماؤها يُقتلونَ ويُذبحونَ باسم ِ الدين ِ وباسم ِ الكنيسةِ.
ولكن للأسفِ حينَ نصلُ معهم إلى مضائق ِ الجدل ِ ومُعتركِ القول ِ، ونكشفُ لهم الحقيقة َ التي طالما تنكّروا لها، نجدهم قد صمّوا آذانهم، وأعموا عيونهم، واستغشوا ثيابهم، وأصروا على الفرار ِ.
إنَّ هذا الدكتورَ ورهطهُ الآخرونَ يودٌّ أحدهم أن لو كانَ شعرة ً في دبر ِ الغربِ، على أن يكونَ عبداً مُسلماً قانتاً للهِ حنيفاً، يبيعُ عقلهُ وفكرهُ عليهم بأبخس ِ الأثمان ِ، ولا يرضى العبوديّة َ للهِ - جل وعلا - مقابلَ جنّةٍ, عرضُها السمواتُ والأرضُ، يبحثونَ عن السعادةِ في جميع ِ أوديةِ الدّنيا، وهي أقربُ إليهم من شِراكِ نعلهم، يهيمونَ في الأهواءِ والآراءِ والأفكار ِ، ولا يفكّرونَ لحظةٍ, في العودةِ إلى النبع ِ الصافي والمنهل ِ العذبِ، حيثُ مشى الرّعيلُ الأوّلُ وسلكوا، حينَ دخلوا جنّة ً حُرمَ منها أولئكَ، جنّة ٌ مبتدأ أمرِها في الدنيا، ومنتهاهُ الفردوسُ الأعلى.
إنَّ القيَمَ الغربيّة َ باتت تحتضرُ، والمخطّطاتُ التغريبيّة ُ فُضحت، وسقطَ عن الجميعُ ورقة ُ التوتِ، ولم يبقَ من شيءٍ, إلا العمالة ُ الواضحة ُ والانسياقُ وراءَ الغربِ ومُخططاتهِ، أو المضيٌّ قُدماً في الحفاظِ على الأديان ِ والأوطان ِ، والتأكيدِ على الخصوصيّةِ الفكريّةِ والمعالم ِ المُشكّلةِ والمُحدّدةِ للهويةِ.
لقد أعلنَ الدكتورُ بعد مقالتهِ هذه خلعَ جلبابِ الإسلامَ عنهُ، وارتداءهِ لبدلةِ الغربِ وتهندمهِ بهندامهم، ولم يعُد لدى من يُدافعُ عنه أو يُبرّرُ لهُ أي مُستمسكٍ, أو حُجّةٍ,، ولئنَ كانَ بطرحهِ هذا قد فضحَ رفاقَ دربهِ وزملاءَ مهنتهِ، فقد آنَ الأوانُ لأن يُعلنوا براءتهم منهُ ومن كلامهِ، والذي لا يبلغُ إليهِ أكثرُ العلمانيّونَ تطرّفاً في الدّنيا، والحقٌّ والتجرّدُ والموضوعيّة ُ يُلزمُ الجميعَ الوقوفَ في وجهِ هذا المعتوهِ، وإلزامهِ بالسكوتِ أو الحجر ِ عليهِ، فما هكذا تكونُ الحرّية ُ في الآراءِ يا معاشرَ النبلاءِ!، فهذا عريٌ وتفسّخ ٌ.
-------------------------------------
تموتُ النّفوسُ بأوصابها *** ولم تدر ِ عوّادها ما بها
وما أنصفت مهجة ٌ تشتكي *** أذاها إلى غير ِ أحبابها
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد