الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.أما بعد: فإن اللجنة العالميّة لنصرة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وسلم - لتبشّر المسلمين ببواكير الفجر ورايات النصر اللائحة في أفق المستقبل إن شاء الله - تعالى -، بعدما قاموا به من دفاع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وإن كان حقّه - صلى الله عليه وسلم - أعظم من كل ما قاموا به، ومازال على المسلمين واجب كبير تجاه حبيبهم المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لكن الله - تعالى - بفضله قد أرانا ثمار ما قدّمناه (على قلته)، ليكون هذا دافعًا إلى تقديم المزيد.
لقد صرّح رئيس الوزراء الدنمركي في الأزمة الجديدة بتخطيء تلك الإساءة، وأدانها بشدة، وأنه يرفض تصرّف أولئك الشرذمة من الشباب الدنمركي الذين قاموا بذلك السلوك المشين، وأن إساءتهم تلك لا تمثّل نظرة الشعب الدنمركي وشبابه عن المسلمين والإسلام، ولا بأي شكل من الأشكال.. إلى آخر تصريحه الذي أذاعته وكالات الأنباء الدانمركية والعربيّة.
أو ليس هذا الاعتذار هو ما كان يرفضه رئيس الوزراء هذا نفسه في الأزمة الأولى؟! أو ليس باستطاعته أن لا يعترف بالخطأ بحجّة حرية التعبير كما حصل سابقًا؟! فما باله اليوم يدين بشدّة... وبذلك الأسلوب الذي يدل على أنه قد استفاد درسًا لن ينساه من المسلمين، عندما هبّوا غضبًا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثم.. أو ليس هذا الاعتذار هو ما كنّا نطالب به في الأزمة الأولى وما تحقّق لنا حينها، فلماذا لم يتحقّق إلا اليوم؟!
ثم هل ننسى أن الحكومة الدانمركية كانت قد رفضت مقابلة السفراء العرب والمسلمين، عندما طلب السفراء لقاءها في الأزمة الأولى. أمّا اليوم، وفي الأزمة الجديدة، يبادر وزير الخارجية الدانمركي بطلب استضافة السفراء العرب والمسلمين، للإعراب عن أسفه واعتذاره لهذا العمل المشين. فالحكومة الدانمركية هي التي تسعى للقاء السفراء العرب والمسلمين، وهي التي ترغب في إبداء الأسف والاعتذار، وهي التي كانت قد رفضت مجرّد اللقاء في الأزمة الأولى!!
ولا ننسى ما استطاعت اللجنة العالمية لنصرة خاتم الأنبياء الوصول إليه بدعم المسلمين الذي لم ينقطع لها، وهو قرار الإدانة للحكومة الدانمركية، بأنها تمارس التمييز العنصري ضدّ المسلمين، المصادر من الأمم المتحدة ضدّ الحكومة الدانمركية على تداعيات موقفها من الأزمة الأولى، والذي صدر من الأمم المتحدة في 6/7/1427هـ الموافق 31 يوليو 2006م.
لابدّ للأمة أن تفرح بهذه الإنجازات، لكي يزداد بذلها، ولكي تعلم أنها قامت بخطوات صحيحة في الذبّ عن دينها ونبينها، ليست هي كل ما تستطيعه لذلك، لكنها خطوة صحيحة، ومع ذلك عاجلها ربٌّها - عز وجل - بالمثوبة، فالحمد لله على عطائه.
إن هذا الإنجاز، والذي تستطيع الأمة تقديم ما هو أعظم منه، ينبغي أن لا يغيب الفرح بفضل الله - تعالى - به وحَمد الله - تعالى -عليه وحتى في لحظة الحزن على الإساءة والغضب منهاº لأنها نعمة لا يجوز أن تُكفر، ولأنّ هذا ما سيشجع المسلمين على الاستمرار في البذل لدينهم، ولأن الأمة ستعرف من خلال استحضار ذلك الإنجاز أنّ الإنجاز لا يتحقّق إلا من خلال الحميّة الدينية الصادقة الرشيدة، القائمة على وضع أهدافٍ, وخططٍ, للوصول إليها، وأنها لم تُحقّق ذلك الإنجاز بمجرّد الغضب الذي لا هدف له، ولا بتحركات واحتجاجات بغير إدارة أو بغير استثمار صحيح لهاº إذ لم يتحقّق هدفٌ كبير قط بغير إدارة.
إن الإساءة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لن تنتهي، وستجدّد في المستقبل، ما بقي على وجه الأرض غير مصدّق به. هذه سنة الاختلاف والصراع بين الحق والباطل الذي لا يصح أن نتصوّر زواله، إلا إذا صار أهل الأرض أمة واحدة.
فتكرار الإساءة متوقّع، ويبدو أنه سيزداد بعد الإساءات الكبرى الثلاث السابقة (من أزمة الرسوم المسيئة، إلى تصريحات بابا الفاتيكان، إلى الأزمة الحالية). فالمتطرّفون من الغربيين وغير العقلاء فيهم لن يتأخروا عن معاودة الإساءة والاستفزاز، وقد رأينا كيف وقفوا مع الصحيفة الدانمركية في الأزمة الأولى. ومن يستطيع منع سفهاء أمة من الأمم بأن يقترفوا سفاهاتهم؟! هل تستطيع ذلك أشدّ الأنظمة قمعيّة؟! فضلاً عن أمم قامت على شعار الحريّة الفوضوية والديموقراطية؟
فلا يصح أن يتصور المسلمون أن احتجاجهم ومقاطعتهم لبلد واحدٍ, أو بَلَدَين سيُنهِي على ذلك الصراع الباقي بقاء الحق والباطل، ولا يصح أن يكون هذا هدفهمº فإنه لئن كان هناك اعتداءٌ في الدعاء بأن لا يُبقي الله - تعالى -إلا المسلمين وأن يبيد الكفار كلّهم، فهناك اعتداءٌ في الأهداف بأن يزول الصراع بين الحق والباطل، وأن لا تتكرّر أعمال المكذبين بنبينا - صلى الله عليه وسلم - بالسخرية والاستهزاء خاصة مع ضعف المسلمين وتسلّط أعدائهم عليهم: باحتلال الأوطان واستباحة الدماء والأعراض والأموال.
إن الأمة إذا تصورت ذلك الهدف المستحيل، وهبت عند كل إساءة، ولا استشعرت الإنجاز الذي حققته في كل مرة، ولا سمحنا لها باستشعاره، ستصاب بالفشل وخيبة الأمل والعجز عن القيام بواجبهاº لأن الإساءات سوف تتكرر، ولا تحقق هدفها المستحيل قدرًا وشرعًا.
فليتق الله أناس من هذه الأمة بهذه الأمة، عندما يبالغون في الغيرة ويُزايدون عليها غيرهم، وكأن الغيرة على حرمات الدين لا تكون إلا بالغضب غير المنضبط والذي لا هدف له إلا الهدف المستحيل. إنهم بذلك يُخذّلون الأمة عن البذل والعطاء، ويُعينون على بث روح الهزيمة التي نُكبت بها الأمة في مجالات عديدة.
إن السماح للأمة بأن ترى إنجازاتها الحقيقية، لتفرح في خضم الأحزان التي تعتصرها، ولتسعى إلى زيادة البذل والعطاء. وإن وضع الأهداف الممكنة، وخطط تحقيقها الصحيحة = هذان هما السبيل الذي يسير عليه المصلحون حقاً. وليس من سبيل المصلحين تعجيز الأمة، ومطالبتها بالمستحيل، وأن تصرخ بلا هدف، وتغضب بغير غاية.
فتكرر الإساءة لديننا ومقدساتنا، ما وقع وما سيقع منه، لا بد أن لا يدعو الأمة عن العجز عن تكرار الاحتجاج واتخاذ كل الخطوات الصحيحة المانعة من تزايده عدداً وقبحاً، لكن لا بغرض منعه تماماً، لأن هذا مستحيل كما سبق، لكن أن يكون ذلك جرماً يمنعه قانون الدول، وتستنكره الحكومات، وتحاسب محاكمهم عليه مقترفيه هذا هو أهم هدف نجعله أمام الأمة، لتصل إليه، بعد الهدف الأسمى والغاية الأعلى وهي: هداية الناس إلى دين الله - تعالى -، ودعوتهم إلى هذا الحق الذي ما عرفوه، ولو عرفوه على ما هو عليه لانقادوا إليه انقياد الظماء إلى الماءº إلا المكابرين منهم.
فعلى الأمة بعد أن حققت تلك الإنجازات، وبعد أن رأينا الشخص الذي كان يرفض الاعتذار يبادر إلى الاعتذار الصريح والتنديد الواضح، وبعد إدانة الحكومة الدانمركية من قبل الأمم المتحدة، نرجو أن نكون قد اقتربنا من هدفنا، وهو تجريم الإساءة إلى الإسلام ومقدساته، وهذا التجريم أحد أهم الوسائل المانعة من تزايد تكرار الإساءة، ومن إعلانها بلا رقيب أو حسيب، بل مع التباهي بحرية التعبير كما سبق.
نصر الله - تعالى -الإسلام والمسلمين، وأعز دينه وأعلى كلمته.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد