الإساءة لرسول الإسلام هوس غربي قديم


 

بسم الله الرحمن الرحيم

رحم الله الدكتور عبد الرحمن بدوي [توفي في الخامس والعشرين من شهر يوليو عام 2002] الفيلسوف المصري الذي بدأ حياته مؤمناً بالوجودية، وأنهاها بأنه لا سبيل لسعادة الإنسان وفوزه إلا بالتمسك بالإسلام وبشريعته الغراء، مما جعله يكرس حياته للدفاع عن القرآن، وعن الرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورد شبهات الغربيين الذين امتلأت قلوبهم وعقولهم حقداً على الإسلام والمسلمين، فالغرب في رأيه فيما يتعلق بالإسلام يكيل - ليس بمكيالين فقط - ولكن بعشرة أو ربما بمئة مكيال، فهو أكثر عنصرية ووحشية مع الإسلام مما يمكن أن يتصور، وإذا أردت الدليل فاذهب إلى الكتابات التي تحيط بنا لتجد عشرات الكتب التي تنفث سمّاً ضد الإسلام، فالغرب لا يعرف الإسلام إلا من خلال مجموعة من المقالات لنفر من الكُتّاب العلمانيين أمثال: فرج فوده، وسعيد عشماوي، وفؤاد زكريا، ونصر حامد أبو زيد، وسلمان رشدي وغيرهم من العلمانيين.

قفز هذا الكلام إلى ذهني بعد اللقاء الذي جرى بين شيخ الأزهر وسفير الدانمارك في القاهرة، وتضمن اعتذار السفير عن أي تصريح أو عمل أو تعبير يشوه صورة الأديان، عقب انتقاد مجمع البحوث الإسلامية للإساءة الدانماركية للنبي محمد - عليه الصلاة والسلام -، وأثار هذا اللقاء جدلاً بين علماء ومثقفين مصريين بعدما علموا أن الشيخ طنطاوي قال للسفير في تبرير رفض الأزهر الإساءة للنبي الكريم: أن محمد ميت لا يستطيع الدفاع عن نفسه.

 

البيان الصدمة:

فقد أكد شيخ الأزهر وفق ما جاء بالبيان الصادر عقب لقائه بسفير الدانمارك أن مصر تربطها علاقة طيبة بدولة الدانمارك، موضحاً أن الدراسة بالأزهر الشريف تقوم علي السماحة، وعلى الإخاء الإنساني، وأن شريعة الإسلام تعتبر الناس جميعاً إخوة في الإنسانية، ويضيف البيان ثم تطرق فضيلته في حديثه إلي ما نشر بإحدى الجرائد الدانماركية التي أساءت إلي نبي الإسلام محمد - صلى الله عليه وسلم -.. مشيرا إلى أن الإساءة إلى الأموات بصفة عامة تتنافي مع المبادئ الإنسانية الكريمة سواء أكانت هذه الإساءة إلي الأموات من الأنبياء أو المصلحين أو غيرهم الذين فارقوا الحياة الدنيا، فالأمم العاقلة الرشيدة تحترم الذين انتهت آجالهم وماتوا، وهذا ما تقتضيه العقول الإنسانية السليمة، وفي الوقت نفسه نحن نقدس الحرية، ولكن الحرية في حدود ما أباحته القوانين والشرائع، كما نوجه رسالة إلى العالم أجمع بأن نترك الإساءة إلي الأموات الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، كما أن شريعة الإسلام تحترم جميع الأنبياء من سيدنا إبراهيم وحتى سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

 

المفتي يختلف مع طنطاوي:

وانعكس هذا أيضاً في صورة خلاف واضح في الرأي بين كل من الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر والدكتور على جمعة مفتي الديار المصرية خلال لقاء كل منهما مع 'بيارن سورنش' سفير الدانمارك في القاهرة، فيما يتعلق بالموقف من إساءة بعض صحف الدانمارك للرسول الكريم، حيث رفض جمعة مساواة الأنبياء بالسياسيين والزعماء وغيرهم، فقال خلال لقائه سفير الدانمارك بدار الإفتاء إنه لا يمكن القول 'إننا نرفض الإساءة للرسول لأنه مات وفارق الحياة، لأن الرسول لا يزال حياً في نفوس جميع المسلمين ولم يمت'، وأوضح أنه لا يرفض إساءة بعض صحف الدانمارك للرسول - صلى الله عليه وسلم - لأنه 'مات'، حيث أن الرسول ما زال حياً بيننا جميعاً، ونقتدي به كمسلمين في حياتنا اليومية، ويعيش بيننا وفي قلب كل مسلم'.

وأضاف جمعة: 'إن كل مسلم من بين المليار وثلاثمائة مليون مسلم على مستوى العالم يعد امتداداً في الوقت الراهن للرسول - صلى الله عليه وسلم -، ولا ينبغي مطلقاً الإساءة للأنبياء والصالحين، أو ازدراء الأديان السماوية'، وأكد أنه لا يمكن مساواة الأنبياء والصالحين وغيرهم من البشر برجال السياسية لأن الأنبياء معصومون من الخطأ، ولا ينبغي الإساءة إليهم أو مساواتهم بغيرهم من البشر بحجة أنهم جميعاً أموات.

 

علماء الأزهر ينتقدون شيخه:

كما عاب عدد من علماء الأزهر على الشيخ سيد طنطاوي رده علي الإساءة الدانماركية بأنه لا يجوز الإساءة إلي الأموات، معتبرين أن هذه الإساءة الدانماركية تشكل نوعاً من ازدراء الأديان، وجميع شعوب العالم بمن فيهم البوذيون والهندوس يدافعون عن أديانهم، والإسلام حيّ في نفوس أكثر من مليار، وعليهم الدفاع عن الإسلام ونبي الإسلام.

وكان الأزهر الشريف تعهد عقب إثارة هذه الأزمة بالتوجه إلى الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، لتصعيد قضية نشر صحيفة دانمركية رسوماً كاريكاتيرية تسيء للرسول - صلى الله عليه وسلم -، فيما اعتبره ازدراء واضحاً للمسلمين، ولذلك اعتبر علماء أزهريون تعليق شيخ الأزهر الأخير علي الأزمة ضعيفاً وغير موفق.

الشيخ محمود عاشور وكيل الأزهر السابق يؤكد أن هذا الكلام لا يجب أن يقال عن أي نبي، وان أسلوب البيان غير موفق تماماً، وأنه كان يجب أن يكون أقوي وأشد من ذلك، ويتساءل إذا كان البوذيون والوثنيون يدافعون عن عقيدتهم وما يعتنقونه.. ألا يستطيع المسلمون الدفاع عن نبيهم؟.. وهل ماتت الأمة الإسلامية حتى نقول إن الرسول لا يستطيع الدفاع عن نفسه؟ مؤكداً إن التصدي لهذه الإساءات هو فريضة وواجب على المسلمين في كل أنحاء العالم، فكما نحترم كل الأنبياء والعقائد لابد وأن نرفض أي مساس بعقيدتنا وديننا ورسولنا، وكان ينبغي التأكيد على أن المساس بشخص الرسول - صلى الله عليه وسلم - يمس قلوب وضمائر ومشاعر وحياة المسلمين كافة.

أما الدكتورة آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر فقد سألت بدهشة: هل وصلنا إلى هذه الدرجة من الهوان، والتي لا نستطيع معها أن ندافع عن نبينا بما يليق بشخصه العظيم؟! وأكدت أنها كانت تتمني أن يكون في هذا البيان ما يؤكد أن أمة الإسلام ليست رخوة أو متضائلة أمام الثقافة الغربية ومفهوم الحرية الذي يدعيه الغرب، والتي تحتاج إلى يقظة إسلامية حقيقية لمواجهته في تعدياته على مقدساتنا.

وتتساءل أيضاً: هل وضعت أمة الإسلام نفسها موضع الضعف والاستكانة حتى تواجه مثل هذه الإساءات بهذه النعومة في الكلمات، وهذا البيان الذي لا يرقي إلى عزة المسلم بنبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم -؟ مشيرة إلى أن مجرد أي تصريح أو نقد يمس أي شخصية صهيونية حتى وإن كانت من السفاحين الذين يمتلئ تاريخهم بسفك الدماء والمجازر يواجه بحملة شديدة من الاتهامات بمعاداة السامية، وغيرها من الشعارات والبيانات شديدة اللهجة.

فكيف يكون هذا هو ردنا على إهانات وردت لشخص نبي هذه الأمة التي يصل تعدادها إلى ملايين البشر، ومن مقومات القوة الاقتصادية والسياسية التي يجب أن تدرك به هذه الأمة موقعها بين الأمم.

وإنه وإن كانت هذه الإساءات قد تركت في نفوسنا أثراً مريراً فإن الأسوأ منها هو أن يكون رد الفعل عليها بهذه الصورة الهشة التي تسيء لكرامة كل مسلم، وتترك آلاماً لا تمحوها الأيام، فهل يعقل أن ندافع عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونتحدث عنه بمنطق الضرب في الميت حرام.

وتضيف إن ما ورد من الاعتذار المهذب من قبل الوفد الدانماركي مسألة طال انتظارها، لأننا كما نحترم الحرية الفكرية والإعلامية لدي دول الغرب فقد استأنا كثيراً، وشعرنا بالمرارة لعدم احترام الدين الإسلامي ونبي الإسلام بما يرقي لحضارة هذه الأمة التي كانت الشعاع الحقيقي الذي بنيت عليه حضارة الغرب في الأندلس وغيرها.

الدكتور محمد مختار المهدي أستاذ الدراسات الإسلامية علق قائلاً: إن هذا الأسلوب في الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - غير موفق، لأنه يضع الرسول - صلى الله عليه وسلم - موضع اتهام، ويعتمد على أنه لا يجب اتهام من لا يستطيع الدفاع عن نفسه لأنه مات وانتهي أجله - حاشا لله -.

مشيراً إلى أن الرسول - عليه السلام - هو خير خلق الله، ورحمة للعالمين، اختاره الله واصطفاه، وأنه مبرأ من أي داء أو تهمة، فالله لا يختار إلا من يستحق هذه المكانة الرفيعة، وإننا كمسلمين مكلفون بأن نحافظ على ألا يمس أحد هذه المكانة أو يجرح هذه المنزلة لأن الهجوم على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ليس هجوماً أو اتهاماً لشخص عادي ولكن هو تهجم علي الدين الإسلامي ذاته، والدفاع عنه هو واجب شرعي على كل من يعتنق هذا الدين، مؤكداً أن هذا لا ينطبق على كل من مات، فليس كل من مات مبرأ، فكثير من الأموات ماتوا وتركوا الذكر السيئ.

'كم كنت أود أن تختلف لغة هذا البيان عن هذا الأسلوب الضعيف'.. بهذه الكلمات بدأ الدكتور العجمي الدمنهوري رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين، ورئيس جبهة علماء الأزهر حديثه، مؤكداً إننا نقدس ونجل ونحترم الأنبياء جميعاً، وإن مشاعرنا واحترامنا لنبينا الكريم لا يستند إلى العاطفة فقط، ولكن يستند إلى العقل والمنطق والواقع، فلم يكن محمد مجرد رسول فقط ولكنه خاتم الأنبياء وإمامهم، واجتمع فيه ما تفرق في غيره، وتعهد الله بحفظ ميراثه دون تبديل أو تحريف!

ويتساءل: ما فائدة هذه الأمة إن لم تدافع عن نبيها ورسولها، وكيف نتحدث عنه ونساويه بأي شخص ميت؟ وإن كنا مكلفين كمسلمين بالدفاع عن الأنبياء جميعاً، والإيمان بهم لا نفرق بين أحد من رسله، فكيف يكون هذا هو موقفنا من سيدنا ومولانا محمد - صلى الله عليه وسلم - الذي بقيت سيرته وسننه وأحاديثه وأقواله وأفعاله؟

 

بداية القضية:

وكانت بداية القضية حينما نشرت صحيفة 'جيلانذز بوستن' الدانماركية يوم 30 سبتمبر/ أيلول الماضي 12 رسماً كاريكاتيرياً أثارت غضب المسلمين داخل الدانمارك وخارجها.

وقد تلقت كوبنهاغن رسالة رسمية من قبل سفراء دول إسلامية - بينها دول عربية - احتجاجاً على نشر تلك الرسوم, مطالبين الصحيفة بالاعتذار، كما طالبوا بمقابلة رئيس الوزراء الدنمركي 'أندرس فو راسموسن لبحث هذه القضية إلا أنه رفض استقبالهم، وأعلنت الحكومة الدانمركية أنها سترد على وزراء الخارجية العرب بشأن الانتقادات الموجهة إليها عقب نشر إحدى الصحف رسوماً كاريكاتيرية تسيء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وقال رئيس الحكومة أندرس فوغ راسموسن في تصريحات لصحيفة 'بولتيكن': إنه سيرد على تصريحات الوزراء استناداً إلى المحضر الملخص الذي وصله, نافياً في الوقت ذاته تلقيه بيان الوزراء أو اتصالهم به.

ويأتي رد راسموسن بعدما عبر وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعهم بمقر الجامعة العربية في القاهرة عن 'دهشتهم واستنكارهم لرد فعل الحكومة الدانماركية الذي لم يكن في المستوى المطلوب رغم العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية التي تربطها بالعالم الإسلامي'.

وأدان بيان منفصل صدر عقب الاجتماع بشدة 'هذه الإساءة التي تتنافى مع احترام وقدسية الأديان والرسل ومع قيم الإسلام السامية'، كما قرر الوزراء تكليف الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، والأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو بمتابعة القضية.

 

الإساءة فوبيا غربية قديمة:

ولم تقتصر الإساءة للرسول - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فقط، ولكنها امتدت لتشمل إساءات أشد مثل ما نشرته صحيفة هيوستن برس الأمريكية الأسبوعية في ولاية تكساس من إعلان عن دار عرض أمريكية تعرض فيلماً إباحياً بعنوان: 'الحياة الجنسية للنبي محمد'.

ورغم الاحتجاجات التي تلقتها دار السينما من مسلمي ولاية تكساس إلا أنها رفضت إيقاف عرض الفيلم، واستعانت بالشرطة لصد المتظاهرين، وبالطبع لم يتم اتخاذ أي إجراء لمنع عرض الفيلم من قبل المسئولين.

هذا كله ناهيك عن نسبة أحاديث غير صحيحة للرسول، واتهامه بأنه قد أضاف آيتين لسورة النجم لتعظيم آلهة قريش لاستمالتهم حذفها بعد ذلك، وكل هذا يشير بشكل غير مباشر أن الرسول لم يكن مخلصاً في دعوته، بل لم يكن نبياً بالمرة، وإلا ما أقدم على إضافة آيتين من نفسه.

تبين علماء المسلمين بعد ذلك أن الآيتين لا تحتويان على أي قدر من المصداقية، حيث أن سورة النجم كلها عبارة عن حملة صد للمشركين والأصنام، فلا يمكن أن تمجد الأصنام في آية وتذمها في آية أخرى، أيضاً سنجد أن وقائع حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - تجعلنا نستبعد ذلك تماماً نظراً لأنه مثال الصبر والإيمان، بالإضافة إلى أن هذه الآية تجعل الآيات الثلاثة مناطاً للشفاعة يوم القيامة، دون تعليقها على إذن الله، وهو ما لم يسنده القرآن في أي موضع منه إلى أي كائن أياً كانت منزلته، وما يؤيد ذلك هو قول الله - تعالى- في نفس السورة: (( وكم من ملك السماوات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى )).

ونلاحظ أن الإساءات السابقة خرجت من أشخاص ليس لهم خبرة بالدين، ولكن وجدنا أن تشويه الرسول - صلى الله عليه وسلم - جاء من رجال الدين أنفسهم، حيث أن القس جيري فاينز أحد قادة الكنيسة المعمدانية أساء لشخص النبي - صلى الله عليه وسلم - خلال الاجتماع السنوي في مدينة سانت لويس بولاية ميسوري الأمريكية، ولم يكتف بذلك فقط بل قال: أن الله الذي يؤمن به المسلمون ليس هو الرب الذي يؤمن به المسيحيون، قائلاً: 'لن يقوم الرب بتحويلك إلى إرهابي يحاول تفجير الناس، وأخذ أرواحهم'.

ورغم احتجاجات مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية كير تضامنت الكنيسة المعمدانية الجنوبية مع القس، رافضة إدانة تصريحاته وإساءاته، مما دفع المسئولين في المجلس إلى إرسال خطاب للرئيس بوش يطالب بالتدخل المباشر لإدانة تصريحات هذا القس.

ومن المعلوم أن حملات الإساءة للنبي - صلى الله عليه وسلم - قديمة قدم الرسالة، ولقد ظهرت جلية في كتابات المستشرقين في منتصف القرن السادس عشر الميلادي، وقد تنوعت حملات الإساءة تلك من التشكيك بصحة رسالة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومصدرها الإلهي، إلى التخبط في تفسير مظاهر الوحي التي كان يراها أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أحياناً، وبخاصة عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها -، إلى التطاول على شخص الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -.

 

العلماء يدافعون:

يقول الدكتور عبدالصبور شاهين أستاذ الدراسات اللغوية بجامعة القاهرة: إن الغرب هم حملة الرؤوس النووية، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - صانع العقول والأيادي والرؤوس المسالمة، لا أعرف شخصاً كان مسالماً للإنسانية مثلما كان محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولا أذكر في تاريخ البشرية أحداً ربى الناس على التسامح وسعة الأفق والحوار والعدل والصفح والرحمة كما فعل محمد - صلى الله عليه وسلم -.

كلنا نعرف - والغرب قبلنا - أن تيارات التعصب المذهبي هي التي صنعت حروب القرن العشرين التي سماها مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق "الحروب المليونية" حيث راح ضحية الحرب العالمية الثانية نحو عشرين مليوناً من العسكر ونحوها من المدنيين.

يضيف د. عبد الصبور أن محمداً قد وأد هذه العصبية في الإنسان، وألغى بإنسانية سامية أية فروق عضوية أو إنسانية أو لونية، أو قومية أو دينية أو جنسية بين البشر، لقد سوى بين الجميع، فكلنا من آدم وآدم من تراب، وكلنا سواسية لا فضل لأعجمي على عربي إلا بالتقوى، ولا لعربي على أعجمي إلا بالتقوى والعمل الصالح، وفي مجمع محمد - صلى الله عليه وسلم - كان سلمان [الفارسي] من آل البيت، وصهيب [الروماني] داعية الإسلام البارز، وبلال [الحبشي] صوت الإسلام المؤذن للصلاة، وفي مجتمع [محمد] الذي صنعه بالإسلام بدت فيه نعمة [التآخي الجميل] التي تلغي نقمة التعصب القبيح، وقد سئل ما العصبية؟ قال: أن تعين قومك على الظلم، وعندما شم رائحة التعصب القومي قال: [دعوها فإنها منتنة].

فهل قرأ دعاة صراع الحضارات والحروب النووية سيرة محمد - صلى الله عليه وسلم - حتى يجدوا في سلوكه عيباً ينتقص من قدر الإنسانية الحقة؟ لا أظنهم فعلوا!.

كما يؤكد المفكر الكبير الدكتور مصطفى الشكعة أستاذ الدراسات اللغوية والإسلامية بجامعة عين شمس أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - جدد للإنسانية شبابها، وأعاد للنفس البشرية صلاحها، وللمجتمع عدله وتسامحه المفقود.

ولذلك لا أرى في [محمد] الإنسان عنفاً ولا ظلماً ولا قسوة لا على نفسه ولا على أهله ولا على مخالفيه في العقيدة ولا على البشرية جمعاء، بل ليس عنده قسوة على الشجر والحجر والحيوان والنمل، أليس هو الذي علمنا أن النبات [يحن] كما حن جذع الشجرة إليه؟ أليس هو الذي حرم حرق النمل في الأرض كراهة إزهاق الروح؟.

أليس هو الذي علمنا أن الله أدخل امرأة النار على قطة حبستها، وأدخل رجلاً الجنة على كلب سقاه؟

أضاف أن العنصر الأصيل في عظمة [محمد] هو الرحمة، التي جعل الإنسان يرق للناس أجمعين، بل يرق لكل ذي كبد رطب، والتي تجعله يتصل بالناس وفي نفسه عاطفة غامرة بالحب والشوق والسلام.

ولقد كان شعاره [اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون]، وعند القتال كان يشدد: [لا تتمنوا لقاء العدو فإذا لقيتم فاثبتوا]، والإذن بالقتال لم يكن إلا لرد العدوان، ورفع الظلم، وتمكين الحق أن يصل إلى الناس ((أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا)).

قال د. الشكعة: إن محمداً - الإنسان - فك حصار أهل مكة كلهم وقال: [اذهبوا فأنتم الطلقاء]، ووصيته لجنده: [انطلقوا باسم الله، وعلى بركة رسول الله، لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً، ولا امرأة، وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين].

ويقول: [ولا تقتلوا مدبراً].

يقرر الدكتور محمد داود أستاذ الدراسات الإسلامية أن مفكري الغرب اعترفوا بفضل محمد - صلى الله عليه وسلم - على قيمة الإنسانية حتى قال أحدهم: [لو أن محمداً موجوداً بيننا الآن لحل مشاكل العالم وهو يشرب فنجاناً من القهوة].

وحين ملك [محمد] سلطان القوة لم ينتقم، ولم يبطش، ولم يهدم، ولم يدمر، وإنما قال لمن طردوه وآذوه من أهل مكة حين جاءها فاتحاً: [اذهبوا فأنتم الطلقاء].

ومن أبرز ما فعله [محمد] - صلى الله عليه وسلم - لتأسيس مجتمع السلم مع المخالفين في العقيدة تلك المواقف الرائعة التي وقفها مع اليهود رغم أنهم ناصبوه العداء.

 

رؤية منصفة:

وبرؤية منصفة يؤكد المفكر المسيحي الدكتور نبيل لوقا بباوي رفضه التام لإلصاق التهم الظالمة برسول الإسلام خاصة تلك المتعلقة بوصف محمد بالعنف، ويقول: استوقفني في السيرة النبوية عدة مواقف تؤكد أن محمداً - صلى الله عليه وسلم - كان داعية سلام ومودة ومحبة في كل حياته وأفعاله، وهذه هي ثلاثة مواقف فقط أذكرها لتؤكد سماحة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم -:

أولها: الأمان الذي أبرمه النبي مع يهود المدينة، والذي ذكر فيه أن اليهود وهم أصحاب ديانة مخالفة لما جاء به رسول الإسلام متساوون مع المسلمين في المصلحة العامة، وأنهم كذلك لهم عهد ومودة وذمة الله، وأنهم آمنون على حياتهم وأموالهم، ويمارسون شعائرهم الدينية في حرية وأمان.. هذا العهد هل فيه أية دعوة للحرب أو الإرهاب؟ إن كل كلمة فيه تدعو إلى السلام رغم قدرته في هذا الوقت على طرد اليهود من المدينة، ولكن محمداً لم يفعل إلا بعد نقضهم لعهده الذي تحينه لهم.

والموقف الثاني: ما تدل عليه القراءة الموضوعية للرسائل التي أرسلها [محمد] للملوك في العالم، فالسمة العامة في جميع الرسائل هي الدعوة الحسنة إلى الدخول في الدين الذي جاء به دون وعيد أو تهديد، ثم هذا التواضع الشديد من النبي عند توقيعه للرسائل، فلم يكتب أنه ملك المسلمين، أو عظيم الجزيرة العربية مثلاً، وإنما كان يوقع على الرسائل بعبارة [محمد عبد الله ورسوله]، ويكفي في هذا المجال أن نعرض الرسالة التي أرسلها إلى المقوقس حاكم مصر لنرى كم نبي الإسلام داعية سلام وتآلف بين البشر، ونتأكد من كذب ما يدعيه الغرب على هذه الشخصية العظيمة، فقد كتب يقول: [من محمد عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط، سلام على من اتبع الهدى، أما بعد: فإني أدعوك بدعاية الإسلام.. أسلم تسلم يؤتيك الله أجرك مرتين، فإن توليت فإن عليك إثم القبط، يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون].

أما ثالث المواقف التي تدل على حب نبي الإسلام ودعوته إلى العفو فهي ما حدث مع من أخطأ في حقه شخصياً: فقد عفا عن كل من وحشي مولى مطعم بن جبير والذي قتل حمزة بن عبد المطلب رغم تمكنه منه، ولكن الرجل اعتذر ودخل الإسلام، كما عفا أيضاً عن هند بنت عتبة التي لاكت كبد عمه حمزة في موقعة أحد، وكذلك موقفه من كعب بن زهير الذي كان يهجوه في شعره، وحينما جاءه تائباً معتذراً أنشده قصيدة الاعتذار فلم يكتف نبي الإسلام بالعفو عنه وإنما خلع عليه بردته.

 

تشويه متعمد:

من جانبه يؤكد المفكر المسيحي المعروف المستشار إدوار غالي الدهبي أن هذا التشويه الذي يقوم به الغرب ليس نابعاً عن فكر أو قراءة موضوعية لسيرة نبي الإسلام، وإنما هو تشويه متعمد لا يصدر إلا عن أحد نوعين من الناس: إما جاهل وإما حاقد مأجور يعمل لحساب النفوذ الصهيوني الذي يهمه أن يشوه الديانات السماوية، وخصوصاً الدين الإسلامي ورسوله وأتباعه.

ويكفي لنتعرف على دعوة نبي الإسلام الدائمة للسلام أن نذكر هذه الوصايا المتحضرة التي كان يوصي بها جيوشه أثناء توجههم للحرب، فرغم أن الحروب دائماً ما كانت حروباً دفاعية في المقام الأولº إلا أن وصايا الرسول لجيوشه تأمرهم دائماً بألا يقطعوا شجرة، أو يقتلوا شيخاً كبيراً، أو امرأة، أو طفلاً صغيراً.

 

آراء غربية:

من الآراء المنصفة لعلماء الغرب التي دافعت عن الإسلام والمسلمين مايكل هارت عالم الفلك الشهير في الرياضيات، وصاحب كتاب [العظماء مئة أعظمهم محمد] قال: إن محمداً أعظم الشخصيات أثراً في تاريخ الإنسانية كلها، وهو الإنسان الوحيد في التاريخ الذي نجح نجاحاً مطلقاً على المستويين الديني والدنيوي معاً، فلقد نادى بالإسلام ونشره كواحد من أعظم الديانات، وأصبح قائداً سياسياً وعسكرياً ودينياً، وبعد 14 قرناً من وفاته فإن أثر محمد - عليه الصلاة والسلام - لا يزال قوياً متجدداً في إرساء قواعد الأمن والسلام والسلوك الاجتماعي والأخلاقي الذي يحقق للإنسانية خيرها في حياتهم الدينية والدنيوية.

كما يقول باول شمتز صاحب كتاب [الإسلام قوة الغد العالمية]: لقد جاهدت البشرية كثيراً لتضع ما سماه علماء القانون والسياسةº الحقوق الطبيعية للإنسان, لقد فعلها محمد - صلى الله عليه وسلم - بعفوية وبساطة عندما وقف حاجاً في مكة فيما يعرفه المسلمون بحجة الوداع، وقرر حق الإنسان في الحياة والتدين، والحرية والثراء الحلال، والمساواة وحرمة الدم، والعرض، والكرامة.

أما تساريس وادي المستشرقة الإنكليزية فتقول في كتابها [العقل المسلم] فقد أدركت إنسانيات محمد - صلى الله عليه وسلم - ليس في حجم الكلمات والتصرفات التي كان يتصرف بها فقط، بل في تعبيره عن الحق بأنه الصراط المستقيم، وهو تعبير عدل وصدق - أيضاً في سعيه لأن يساوي بين البشرية في تدينها، لقد دافع عن صلات الرحم والعقيدة بين الرسل، وأمل أن يكون تعاوناً بين أهل الأديان، وعندما خاب أمله ظل على احترامه للأديان الأخرى، لقد انضج [محمد] ثقافة السلام، ووضع الفقراء والعبيد والمرأة في صف الأغنياء والأحرار والرجال، لقد أعاد تنظيم السياسة والاقتصاد، وحافظ على سمتها الإنساني، وأشاع حياة المساواة بشكل لم يكن معروفاً ولا مقبولاً في ذلك الوقت.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply