في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان, وله ضراط حتى لا يسمع التأذين, فإذا قضي النداء أقبل, حتى إذا ثو ب بالصلاة أدبر, حتى إذا قضي التثويب أقبل, حتى يخطر بين المرء ونفسه, يقول: اذكر كذا, اذكر كذا, لما لم يكن يذكر, حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى, وفي رواية: فإذا لم يدر أحدكم كم صلى ثلاثا أو أربعا , فليسجد سجدتين وهو جالس«.
ولمسلم عن جابر مرفوعا : إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء قال سليمان - أحد الرواة - فسألته عن الروحاء فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا «.
فيه فوائد: الأولى: فيه دليل على فضل الأذان, لأن الشيطان يولي عند سماعه وذلك لتضمنه على ذكر الله وتوحيده, ودعوة عباده إلى الصلاة, وهذا مما يغيظ الشيطان, فلذا يهرب عند سماعه.
قال النووي - رحمه الله - قال العلماء: وإنما أدبر الشيطان عند الأذان, لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يسمع صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة«.
قال: وقيل: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان, لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد, وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه.
وقال ابن عبدالبر: ºإنما يفعل ذلك ما يلحقه من الذعر والخزي عند ذكر الله, وذكر الله تعالى في الأذان تفزع منه القلوب ما لا تفزع من شيء من الذكر, لما فيه من الجهر بالذكر وتعظيم الله تعالى فيه, وإقامة دينه فيدبر الشيطان لشدة ذلك على قلبه«. ا. ه-..
وقد ورد في فضل الأذان أحاديث كثيرة:
ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول, ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا عليه... الحديث«.
وعن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: المؤذن أطول الناس أعناقا يوم القيامة« رواه مسلم وفي البخاري عن أبي سعيد وفيه: ºفإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة«.
الثانية: فيه دليل على استحباب رفع الصوت بالأذان, حيث ذكر النبي صلى الله عيه وسلم أنه إذا نودي بالصلاة أدبر وله ضراط إلى غاية لا يسمع فيها الأذان, فدل على أنه كلما زاد في رفع صوته زاد الشيطان في الإبعاد, ويدل لذلك رواية مسلم الأولى من حديث جابر, وفيه إنه سئل عن الروحاء فقال: هي من المدينة ستة وثلاثون ميلا .
وقد روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه قال لرجل: إذا كنت في غنمك أو باديتك, فأذنت للصلاة فارفع صوتك بالنداء, فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس, ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة« سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبو ب عليه البخاري: باب رفع الصوت بالنداء.
وبو ب عليه النسائي: باب الثواب على رفع الصوت بالأذان.
قال ابن حجر - رحمه الله -: وفي الحديث استحباب رفع الصوت بالأذان ليكثر من يشهد له ما لم يجهده أو يتأذى به«.
ولذا استحب الفقهاء - رحمهم الله - أن يكون المؤذن صيتا , أي رفيع الصوت, لأنه أبلغ في الإعلام.
وهذا يدل على استحباب رفع الصوت بالأذان ولو كان لوحده لحديث أبي سعيد المتقدم.
قال ابن حجر: ºوفيه أن أذان الفذ مندوب إليه ولو كان في قفر, ولو لم يرتج حضور من يصلي معه, لأنه إن فاته دعاء المصلين فلم يفته استشهاد من سمعه من غيرهم.
الثالثة: أن ظاهره يدل على أن الأذان الذي يهرب الشيطان عند سماعه, هو الأذان الذي يكون للصلاة, وبعد دخول وقتها لكن روى مسلم في صحيحه عن سهيل أبي صالح قال: أرسلني أبي إلى بن حارثة, قال: ومعي غلام لنا, أو صاحب لنا, فناداه مناد من حائط باسمه, قال: وأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا , فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك, ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة, فإني سمعت أبا هريرة يحد ث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الشيطان إذا نودي بالصلاة ولى وله حصاص«.
فهذا يدل على أن أبا صالح السمان فهم أن المقصود من هروب الشيطان هو الاتيان بصورة الأذان, ولو لم يكن للإعلام, بدخول وقت الصلاة.
ويؤيده حديث ºإذا تغولت الغيلان فبادروا بالأذان« أخرجه أحمد وغيره, وإسناده ضعيف.
قال المناوي رحمه الله: وظاهره أنه ليس المراد بالأذان هنا حقيقته الشرعية بالإتيان بأي ذكر كان«.
قلت: وهذا الذي فهمه أبو صالح هذا الظاهر, أن المراد الإتيان بصورة الأذان, ولو لم يكن للصلاة.
الرابعة: حرص الشيطان على إفساد صلاة العبد, حيث إنه يذك ره ما لم يكن يذكر, يقول: اذكر كذا, اذكر كذا, لما لم يكن يذكر«, ولمسلم في رواية: فهناه ومن اه«.
وقد بي ن لنا النبي صلى الله عليه وسلم علاجه, بما ثبت في صحيح مسلم أن عثمان بن أبي العاص - رضي الله عنه - أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إنه الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي, يلبسها علي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك شيطان يقال له خنزب, فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه, واتفل على يسارك ثلاثا «.
ومن العلاج أيضا - أي مما يعين على حضور القلب في الصلاة -: استشعار عظمة من تقف بين يديه, وهو رب العالمين وإله الأولين والآخرين, ومالك يوم الدين, فإذا كب ر العبد استشعر عظمة الخالق عز وجل فخشعت جوارحه, وحضر قلبه.
ومنها: تدبر ما تقرؤه أنت أو يقرؤه إمامك, فإن تدبر كتاب الله والوقوف عند معانيه يعين على حضور القلب والخشوع في الصلاة.
ومنها: المبادرة إلى الصلاة مع سماع النداء, وصلاة السن ة الراتبة القبلية, أو تحية المسجد, ثم قراءة ما تيسر من القرآن قبل الصلاة, أو الانشغال بذكر الله عز وجل والتسبيح والتحميد أو حضور درس علمي أو محاضرة أو نحو ذلك.
ومنها: الاستعانة بالله عز وجل وسؤاله حضور القلب في الصلاة.
إذا لم يكن عون من لله للفتى
فأول ما يجني عليه اجتهاده
وقل دائما (اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد