بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
سؤال :
الســلام عليـــكم ورحمــة الله بــركــاته ،
مــا هــي صحــة حديــث النبــي صلـى الله عليــه وسلم فــي حـادثــة الإســراء والمعــراج أنـه رأى مــوســى عليـه الســلام يصلـي في قبــره ؟
وجــزاكـم الله خيـرا
الجواب :
الأخ أبــو أمــامة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أتيت - وفي رواية هدَّاب : مررت - على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره .
وفي رواية : مررت على موسى وهو يصلي في قبره .
وكلا الروايتين عند مسلم في صحيحه (4/1845ح2375) ، كتاب الفضائل - باب فضائل موسى .
ورواه الإمام أحمد في مسنده (3/120 ، 148) .
سؤال :
جـــزاك الله كــل الخيــر يـا أخ عبــد الله .
ولكننــي بصــراحــة أردت منــك أكثــر من ذلك
والذي أريــده منــك إن امكنك ذلك أن تفسِّـر لــي الحديــث علــى منهج أهــل السنــة والجمــاعــة خصــوصـاً بمــا يتعلــق بصــلاة نبي الله موســى وأن عمل ابن آدم ينقطــع ... هــذا بالإضــافــة إلــى احتجــاج الرافضــة والصــوفيــة بــأن هــذا حجــة علــى جواز دعــاء الميــت !
وشكراً
الجواب :
الأخ أبوأمامة .
قبل الإجابة عن معنى هذا الحديث لابد من تقرير أمر مهم وهو :
أن الأنبياء قد جرت عليهم سنة الموت كبقية البشر قال تعالى : " إنك ميت وإنهم ميتون " ( الزمر :30)
وقال تعالى : " وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون " ( الأنبياء :24)
فهاتان الآياتان وغيرها من الآيات دليل قطعي على موت الأنبياء وغيرهم من البشر .
وفي مقابل هذه الآيات وردت أحاديث تصف الأنبياء بالحياة فما هي هذه الحياة ؟ هل هي حياة حقيقة كالحياة الدنيوية المعروفة ؟ أم غيرها ؟ .
وقبل الإجابة على طبيعة حياة الأنبياء أيضا يقرر الإمام ابن القيم في كتابه الروح (ص63) ونقله شارح الطحاوية بنصه من كتاب الروح لابن القيم حالات تعلق الروح بالبدن فيقول - رحمه الله - :
الأول : تعلقها به في بطن الأم جنينا .
الثاني : تعلقها به بعد خروجه إلى وجه الأرض .
الثالث : تعلقها به في حال النوم فلها به تعلق من وجه ومفارقة من وجه .
الرابع : تعلقها به في البرزخ ، فإنها وإن فارقته وتجردت عنه فإنها لم تفارقه فراقا كليا بحيث لا يبقى لها التفات إليه البتة .
الخامس : تعلقها به يوم بعث الأجساد وهو أكمل أنواع تعلقها بالبدن ولا نسبة لما قبله من أنواع التعلق إليه إذ هو تعلق لا يقبل البدن معه موتا ولا نوما ولا فسادا .ا.هـ.
فهذه الحالات من تعلق الروح بالبدن نحتاج واحدا منها وهو الرابع .
* وجوابا عن سؤال حقيقة حياة الأنبياء هل كالحياة الدنيوية المعروفة فقد قال بهذا القول بعض العلماء ومنهم الإمام البيهقي .
وقد استدلوا لقولهم بأدلة من ذلك :
- قوله تعالى : " ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزقون " (آل عمران : 169) .
فقالوا : الرسل أكمل من الشهداء بلا شك ولذلك كانوا أحق بالحياة منهم .
وهذا الدليل عليهم لا لهم ، لأن حياة الشهداء ثابتة بالنص وليس ثبوتها بالقياس ، إلى جانب ما ورد من النهي الصريح في القرآن عن تسمية الشهيد ميتا قال تعالى : " ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتا بل أحياء ولكن لا تشعرون" . (البقرة : 154) .
والرسل أولى بتلك الحياة من الشهداء عند الله مع موت أجسامهم وهي طرية في التراب ، وقد حرم الله على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء وهذه مزية عظيمة للآنبياء .
ولو قيل : أن حياة الأنبياء في قبورهم كالحياة الدنيوية لاقضت جميع لوازمها من أعمال ، وتكليف ، وعبادة ، وغير ذلك .
ولهذا رتب القائلون بهذا القول أمورا فاسدة فقالوا بإمكان رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، وخروجه من قبره سامعا كلام من يكلمه كما هو شأن كل حي ، وممن قال بهذا القول السيوطي في كتاب " تنوير الحوالك " .
ومن أجل هذا القول تعلقت قلوب الجهلة من أتباع المذاهب الصوفية بترهات وشركيات وتوسلات واستغاثات بالنبي صلى الله عليه وسلم .
* القول الثاني : أن حياة الأنبياء في قبورهم هي حياة برزخية خاصة أكمل حتى من حياة الشهداء .
قال الشيخ الألباني في الصحيحة (2/190-191) عند تخريجه لحديث :
الأنبياء - صلوات الله عليهم - أحياء في قبورهم يصلون :
ثم أعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية ، ليست من حياة الدنيا في شيء ، ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا .
هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد : الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صلى الله عليه وسلم في قبره حياة حقيقة ! قال : يأكل ويشرب ويجامع نساءه !! .
وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى .ا.هـ.
وقال ابن عبدالهادي في الصارم المنكي في الرد على السبكي (ص222) عند رده على البيهقي في معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث :
ما من أحدٍ يسلم علي إلا رد الله عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام . الصحيحة (5/338ح2266) :
فإن قيل : ما معنى قوله إلا رد الله علي روحي ؟
قلت : فيه جوابان :
أحدهما : ما ذكره الحافظ أبوبكر البيهقي أن المعنى إلا وقد رد الله علي روحي يعني أن النبي صلى الله عليه وسلم بعدما مات ودفن رد الله عليه روحه لأجل سلام من يسلم عليه ، واستمرت في جسده صلى الله عليه وسلم .
والثاني : يحتمل أن يكون ردا معنويا ، وأن تكون روحه الشريفة مشتغلة بشهود الحضرة الإلهية والملأ الأعلى عن هذا العالم ، فإذا سُلم عليه أقبلت روحه الشريفة على هذا العالم لتدرك سلام من يسلم عليه ويرد عليه .
قلت - ابن عبدالهادي - : هذان الجوابان المذكوران في كل واحد منهما نظر ، أما الأول وهو الذي ذكره البيهقي في الجزء الذي جمعه في حياة الأنبياء عليهم السلام بعد وفاتهم فمضمونة رد روحه صلى الله عليه وسلم بعد موته إلى جسده واستمرارها فيه قبل سلام من يسلم عليه ، وليس هذا المعنى مذكورا في الحديث ، ولا هو ظاهره ، بل هو مخالف لظاهره فإن قوله : إلا رد الله علي روحي . بعد قوله : ما من أحد يسلم علي يقتضي رد الروح بعد السلام ، ولا يقتضي استمرارها في الجسد .
وليعلم أن رد الروح إلى البدن وعودها إلى الجسد بعد الموت لا يقتضي استمرارها فيه ، ولا يستلزم حياة أخرى قبل يوم النشور نظير الحياة المعهودة ، بل إعادة الروح إلى الجسد في البرزخ إعادة برزخية ، لا تزيل عن الميت اسم الموت .ا.هـ.
واكتفي بهذين النقلين من كلام العلماء وسيأتي مزيد بيان بعد قليل .
والقول الثاني الآنف الذكر هو القول الصحيح ، وسبب بطلان القول الأول هو ما ذكره ابن عبد الهادي في الصارم (ص226) فقال :
فإن الروح ليست عندهم - أي عند القائلين بأن حياة الأنبياء في قبورهم حياة دنيوية - ذاتا قائمة بنفسها عن البدن حتى تكون في الملأ الأعلى والبدن في القبر ، بل هي عندهم عرض من أعراض البدن كحياته وقدرته وسمعه وبصره وسائر صفاته وحياة البدن مشرطة بها وموته قطع هذه الصفة عنه ....
وقول أهل السنة من الفقهاء والمحدثين وغيرهم أن الروح ذات قائمة بنفسها لها صفات تقوم بها ، وإنها تفارق البدن وتصعد وتنزل وتقبض وتنعم وتعذب وتدخل وتخرج وتجيء وتُسأل وتحاسب ويقبضها الملك ويعرج بها إلى السماء ويشيعها ملائكة السموات إن كانت طيبة ....ا.هـ.
وفي الحلقة القادمة نأتي على بيان حديث : مررت على موسى ليلة أُسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره . وما قال العلماء فيه والله أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين .
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد