إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا


بسم الله الرحمن الرحيم

 الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

إن الطريق الذي نسير فيه طويل ومضنٍ والحمل ثقيل ولا مجال فيه للنوم فهو الجهاد في ميادين الضمائر والنفوس وهو الرباط على حدود الطريق وهو السير حتى النهاية فإما الوصول وإما الشهادة دونها فلا دنيا تلهي ولا جاه يعيد عن الملة ولا تغري المغريات للنكوص بالعهد مع الله.

عندما جاء الأمر الرباني لمحمد صلى الله عليه وسلم أن "قم" قام وظل قائماً أكثر من عشرين عاماً على الدعوة إلى الله سائراً في الطريق هو ومن رافقه من الصحب لا يخشى في الله لومة لائم قائماً بأمر الله مجاهداً في سبيله فاتحاً أبواب الضمائر البشرية مخلصاً إياها من الضياع والتوهان في لجج بحر الجاهلية.

"قم" إنها كلمة السماء وصوت الكبير المتعال للنبي صلى الله عليه وسلم قم فإن عهد النوم قد مضى قم لحمل الأمانة والمضي في الطريق إلى الله إنها كلمة عظيمة انتزعت النبي صلى الله عليه وسلم من دفء الفراش في البيت الهادئ والحضن الدافئ ليمضي في طريق طويل من الجهاد والتعب والكفاح بين شد وجذب في ضمائر الناس وخضم الحياة انتزعته لتقذفه في أم المعارك. حيث يقول الله تعالى:

(يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا) المزمل 1 – 6.

إنه الإعداد الرباني للمهمة العظيمة وللحمل الثقيل وللطريق الطويل بالوسائل الإلهية التي لا تخيب ولا تحيد بصاحبها عن السبيل إنه قيام الليل الذي يصاحبه الشجن القرآني في الترتيل ذلك السلاح الرباني الذي لا يغلب صاحبه والزاد الذي لا يجوع حامله.

إن هذا السلاح هو قيام نصف الليل أو يزيد بما لا يتعدى ثلثي الليل أو ينقص بما لا يقل عن ثلث الليل ويصاحب ذلك القيام ترتيل لكتاب الله تعالى.

ذلك هو الإعداد الرباني الذي أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم به ليأتي بعد ذلك البيان "إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً" وهذا الأمر الرباني ينسحب ليشمل كافة السائرين في الطريق فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

إن هذا الإعداد هو الذي سيكون السند القوي للنبي صلى الله عليه وسلم في طريقه وفي تحمل أعباء القول الثقيل وهو القرآن الكريم ومقتضياته والعمل به.

إن هذا الإعداد هو من سيمنع السائرين من الإنحراف عن جادة الصواب ويصوب سيرهم ويسدد رميهم إنه الإتصال بالعالم العلوي الذي لا يخيب من وصله ولا يضل من اتصل به.

ثم يأتي البيان الإلهي معللاً إختيار هذه الفترة من الليل "إن ناشئة الليل هي أشد وطأً و أقوم قيلاً " حيث أن هذه الفترة من الليل فيها مغالبة للنفس وهجر للراحة بعد عناء يوم طويل للتوجه إلى الله وإعلان السيطرة على النفس وهذا ما يربيها على العمل الشاق والحمل الثقيل والطريق الطويل.

إن هذه الفترة من الليل بعيدة عن تشويشات الحياة فيها للذكر حلاوة وللصلاة خشوعاً وللدعاء والمناجاة شفافية لا تكون موجودة في غير هذا الوقت.

إن هذا الخطاب كان موجهاً لنبي الأمة وحامل الرسالة حتى يستطيع السير في الطريق الذي خبره الله تعالى بما فيه من جهاد ورباط يحتاج لإعداد نفسي كبير وحتى يستطيع حمل الأمانة وتبليغ الرسالة إنما هو خطاب لكل من أراد السير في هذا الطريق ولم يكن خاصاً بالنبي صلى الله عليه وسلم فالعبرة بعموم اللفظ وليس بخصوص السبب.

فقم الليل، ورتل القرآن، إن الطريق طويل...

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply