بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
كثيرة هي المقلقات التي تحيط بحياةالناس العامة والخاصة، الدينية والدنيوية، تكدر صفوهم بل قد تعيق سيرهم، فالحياة مليئة بألوان العواثر، ومشحونة بأنواع المزعجات: ﴿لقد خلقناالإنسان في كبد﴾(البلد:4). يكابد مضايق الدنيا ومشاقها لا يخلو من ذلك أحد:
كل من تلقاه يشكو دهره *** ليت شعري هذه الدنيا لمن؟
والناس في تعاملهم مع هذه الطبيعة الحياتية يختلفون اختلافا كبيرا: فمنهم من يكون رهينا لأكباد الدنيا وصعابها ومتاعبها، فهي التي تهيمن عليهمويكونون مسكونين بها أسارى لها، وهذه حال الأكثرين.
ومنهم من ينجح في فكحلقات الأزمات وقيودها بأسباب ووسائل تخفف عليه تلك الأكباد، فلا تثقلها الأعباء والأحمال.
وإن من أيسر تلك الأسباب وأسهل الوسائل أن يمتلئ القلب بالفأل الصادق والأمل المشرق الذي يوسع ما ضيقته الخطوب والنوازل:
أعلل النفس بالآمــال أرقبها *** ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل
لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الصالح،ففي البخاري ومسلممن حديث قتادة عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة).
المجهول، استبشارا بخير قادم، واستشرافا لأمل واعد.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل؛ لأن التفاؤل ثمرة إحسان الظن بالله تعالى وكمال العلم برحمته وجوده:
وإني لأرجو الله حتى كأنني ***أرى بجميل الظن ما الله صانع
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل؛ لأن التفاؤل تنشرح لهالنفوس وتسر له القلوب، فهو من أسباب سعادة الإنسان وزوال الهم عنه، ولذلك فإن التفاؤل من أهم أسباب الصحة النفسية والبدنية.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل؛ لأن التفاؤل روح تبعث على العمل، وتفتح آفاق الجد والبذل لإدراك وتحقيق المقاصد وبلوغ الغايات، فالفأل والأمل سلم العمل، ودواء العجز والكسل:
ومن علقت نيل الأماني همومه *** تجشم في آثارها المطلب الوعرا
وتأثير التفاؤل يشمل الفرد والمجتمع، ولا يقتصر على جانب من جوانب الحياةبل يطال جميعها: فالتفاؤل على سبيل المثال عامل رئيس في قرارات الاستثمارالاقتصادية، ولذلك فإن الاقتصاديين يضعون في حساباتهم عندما يقيسون نشاط أي مجتمع واتجاهات الاستثمار فيه, مقدار التفاؤل لدى الناس؛ لأن ذلك يحدد السلوكيات الإنفاقية للأفراد والمجتمع.
لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التفاؤل؛ لأن التفاؤل ينفك به الإنسان من رهن الماضي وإخفاقاته وعثراته، ومن وطأة الحاضر وتحدياته ومشاقه وشدائده، فيسكن خوفه ويعظم رجاؤه في إدراك حاجته:
إذا ازدحمت همومي في فؤادي *** طلبت لها المخارج بالتمني
وقد ترجم نبينا صلى الله عليه وسلم التفاؤل واقعا في حياته، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا توقفه عن سيره إلى غايته ومقصوده نازلة مهما عظمت، ولا شدة مهما كبرت، هكذا كان في جميع مراحله:
ففي مكة في شدة الأذى والحصار وصنوف المخاوف قال لأصحابه لما شكوا إليه عظيم ما يلقونه من البلاء: والله ليتمن الله هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون.
وفي الهجرة خرج هو وأبو بكر مطاردا أحاطت به المخاوف من كل صوب، ومع ذلك قال لصاحبه: ﴿لاتَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾(التوبة:40). فصدق الله رسوله: ﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْتَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُاللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾(التوبة:40)
وفي الأحزاب أحاط به خصومه وأعداؤه إحاطة السوار بالمعصم، فبشر أصحابه بفتحالشام وفارس واليمن.
أفلا يحق لنا بعد هذا كله أن نتفأل ونعمل لتحقيق ما نؤمل ؟!
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد