بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هناك مواقف في حياة الإنسان مضحكة وغريبة، كلما استرجعها أعادت له ذكريات عذبة، ومشاهد جميلة، فمن عجيب ما حدث معي ولا أنساه:
كانت عادتي أثناء دراستي في كلية الشريعة في الرياض قضاء العطلة الصيفية والنصفية في ربوع المدينة المنورة، ففي نفس اليوم الذي أنتهي منه من امتحان المادة الأخيرة، أكون في المطار للسفر للمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وفي سنة 1983 رجعت في سيارتي الخاصة، فأديت العمرة، وصحبني أخي الحبيب أمين الآمين للسفر للرياض، ومررنا على الطائف، وأردنا زيارة الدكتور بشار النجار في المستشفى الخاص بالمجانين وأصحاب الأمراض النفسية، وعند وصولنا إليه بحثنا عنه من عيادة لعيادة ومكتب لمكتب فلم نجده، فقال لي صديقي: انتظرني هنا، وأنا أذهب للإدراة للسؤال عنه، فذهب وتركني لوحدي، وحصلت المفاجأة المدهشة:
فقلت في نفسي لو مشيت في المستشفى وتعرفت على أقسامه، فمررت بالعنابر الخاصة بالمجانين، وعندما وصلت لبوابة العنبر الأول منعني الحارس من الدخول، ثم ذهبت للعنبر الثاني، قكذلك الأمر، حتى الثالث والرابع، فلما وصلت بوابة العنبر الخامس لم أجد أحدا من الحراس، فدخلت، وإذا عن يميني وشمالي غرف مغلقة بأبواب من حديد، وفي أعلاها نافذة عليها شبك من حديد، يراك من خلالها المجانين، فكنت كلما وصلت لأحد تلك الغرف تجمع المجانين على شباكها يسلمون علي، ويهتفون ويصرخون ويضحكون، وأنا أشير لهم بالتحية، وما علمت عواقب دخولي، وسروري بسلامهم.
وهكذا حتى وصلت لنهاية العنبر، ثم عدت فكان الحال عند الرجوع كما هو الحال عند الدخول، من سلامات المجانين وابتساماتهم.
وعند وصولي للبوابة وإذا بالحارس قد وصل في لحظتها، فرآني خارجاً من الداخل، فقال: وين حبيبي وين طالع؟؟!!!.
فقلت له: خيرا، أنا جئت زائراً وأحببت التعرف على هذا المكان.
فقال: إذا سمحت هذا المكان لا يسمح به أصلا للزيارة، وأنت أحد هؤلاء استطعت الخروج بطريقتك الخاصة.
فقلت له: الله وكيلك لست منهم، وأنا عاقل وأفهم ما أقول، ألا تسمع كلامي هل يدل على نقصان في عقلي، أقسم لك أنني أتيت لزيارة الدكتور بشار فلم أجده في مكتبه، وصديقي الآن يبحث عنه، فأحببت أن أتسلى ريثما يعود، وتعال معي، واسأل الدكتور بشار عني.
فقال: الله يبارك فيك، لا تحملني مسؤوليتك، إنني أخشى أن تكون واحدا من هؤلاء.
وبعد أيمان وعهود، وبعد رجاء واسترحام، أطلق سراحي، ونجوت بحمد الله، واقنتع بأنني من العقلاء.
وتبين أن هذا الحارس ذهب ليشتري صندويشة، وعند خروجي وصل إلى بوابة العنبر.
فرجع صديقي: فحدثته عما جرى معي، وقلت له: أخرجنا منها بسلام، فقط عافت نفسي زيارة الدكتور، وأريد أن أنجو بنفسي.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد