بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
ذكر الشيخ العلامة محمد بن عمر العقيل الشهير بـ (أبي عبد الرحمن بن عقيل الظاهري) في كتابه: "الحِباء من العَيبة غِبَّ زيارتي لطيبة" قصة لقائه بالشيخ علامة القراءات وأستاذ المقرئين أحمد عبد العزيز الزيّات وفيها فوائد وعِبَر، ولم أرَ أحدًا ممن ترجم للشيخ الزيّات أوردها أو أشار إليها، فرأيتُ إفرادها بموضوع في هذا الملتقى ليُستفاد منها.
يقول ابن عقيل الظاهري حفظه الله: "وفي إحدى زياراتي لطَيبة -جعل الله بقية حياتي ومماتي بها بخاتمة حسنة- زرتُ شيخَ المقرئين أحمد عبد العزيز الزَّيّات بمجمع الملك فهد للمصحف الشريف، وهو خليفة الشيخ عامر السيّد عثمان، وكان رجلاً قصيرًا، مربوعًا، ضريرًا، يمدُّ رجليه على كرسي، فعجبتُ لنور وأَلَق يشرق من وجهه، فسبحانَ من يهب لعباده النور.
وأردتُ أُسمِعه شيئًا من تلاوتي في أويقات قصيرة؛ لأحمل عنه إجازة بأعلى سند عنده.
ولم يُرِد أن يكسر خاطري برد حاسم، فكان يردِّد: تحضر معنا، ويكون -إن شاء الله- خير.
قال ذلك وهو يعلم مقصدي بأنني أريد حمل إجازة في أسبوع؟!! فتوسّط لي عنده العلامة الشيخ سيبويه -صاحب البرنامج الإذاعي الذائع الصيت في القراءة- وأشعره بأن الغرض إجازة للبركة.
وظلَّ الشيخ في هدوئه يردِّد: يحضر معنا، ويكون -إن شاء الله- خير.
فلما رأى الإلحاح مني، ومن الشيخ سيبويه وثب كالهِزَبر، وصاح بأعلى صوته: ما ينفعش يا ابني، دا العلم أمانة.
فتضاءلتُ إلى ما دون عظمي، وليس ذلك لمجرَّد خجلي، بل إعجابًا بعلم الرجل، ودينه، وأمانته.
ولو كنتُ على كرسيه لجاملتُ؛ لأن الحياء يغلبني في أشياء غير شنيعة، وتلك خصلة ذميمة؛ لأنه لا حياء في الحق.
وعندما كنتُ ألحُّ لم يدر بخلدي قط أن الشيخ السديس -وهو من أئمة القراء- قطع المواصلة معه.
ولم يدر بخلدي قطّ أن الشيخ الحذيفي -وهو من أئمة القراء أيضا- واصلَ معه بعد شهرته سنوات، ولا أدري هل منحه الإجازة بالقراءات السبع أم لا؟!
ولما أحسَّ الشيخ بتضاؤلي بنور بصيرته باسطني في الحديث، ووعدني أن يتفرَّغ لي بشرط أن ألازمه أشهرًا منجَّمة حسب ظروفي خلال العام أو الأعوام". انتهى المقصود من كتاب: الحياء من العَيبة، لابن عقيل الظاهري: ص54-55.
التعليق:
- قال الشيخ ابن عقيل: "ولم يدر بخلدي قطّ أن الشيخ الحذيفي -وهو من أئمة القراء أيضا- واصلَ معه بعد شهرته سنوات، ولا أدري هل منحه الإجازة بالقراءات السبع أم لا؟!"
قلتُ: قد قرأ الشيخ علي بن عبد الرحمن الحذيفي على الشيخ الزيّات ختمة كاملة بالسبع، ثم ختمة كاملة بالثلاث المتمّمة للعشر، وكان ذلك من عام 1407هـ إلى عام 1410هـ كما حدّثني بذلك حفظه الله.
- قال الشيخ ابن عقيل: "فتوسّط لي عنده العلامة الشيخ سيبويه -صاحب البرنامج الإذاعي الذائع الصيت في القراءة".
قلتُ: يقصد الشيخ محمود بن سيبويه البدوي (ت1415هـ/1995م) . انظر ترجمته في إمتاع الفضلاء، للدكتور إلياس البرماوي (1-457).
تنبيه: في إمتاع الفضلاء خطأ في تأريخ وفاة الشيخ محمود سيبويه، حيث جعلها عام 1425هـ، وذكر ذلك رقمًا وكتابة!، وهو ذهول منه وفّقه الله.
- والبرنامج الإذاعي الذي شارك فيه الشيخ محمود سيبويه هو "دروس من القرآن الكريم"، وهو مشروع كلية القرآن الكريم في جمع القراءات السبع صوتيًا، وكان يُذاع يوميًا من إذاعة القرآن الكريم بالمملكة العربية السعودية.
قال الشيخ ابن عقيل: "فلما رأى الإلحاح مني، ومن الشيخ سيبويه وثب كالهِزَبر، وصاح بأعلى صوته: ما ينفعش يا ابني، دا العلم أمانة".
قلتُ: هكذا ينبغي أن يكون المقرئ أمينًا وَرِعًا لا يخاف في الله لومة لائم، ولا يجامِل على حساب كتاب الله أحدًا، ولا يعطي الإجازة إلا من استحقها وتأهَّلَ لها.
قال الشيخ ابن عقيل: "ولما أحسَّ الشيخ بتضاؤلي بنور بصيرته = باسطني في الحديث..."
قلتُ: هكذا أكثر مشايخ الإقراء الكبار، تلمس شدّتهم في مجلس الدرس، وأخذهم للطالب بالحزم؛ ليتقن الرواية، ويضبط الأداء، أما شأنهم العام؛ فاللطف، وحسن الخلق، وطيب المعشر، ودوام التبسّم، هكذا عرفنا مشايخنا جزاهم الله عنا خير الجزاء.
والله الموفِّق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد