مظاهر تكريم الإنسان في السنة النبوية


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

لقد احتفلت السنة النبوية احتفالاً عظيمًا بالإنسان، وكرمته أيما تكريم، فحث المصطفى على وضع الإنسان –أيّ إنسان- موضع التكريم لخلق الله، فلنقف معًا وقفات عند بعض قطوف السنة النبوية المطهرة، نشم عطر هذه الروضة المحمدية الندية، في تكريمها الإنسان.

قوله صلى الله عليه وسلم :(اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ، وأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَن)(الترمذي)، هذا الحديث العظيم، كل توجيهاته عامة، والمكارم التي يحث عليها، يشير إلى تطبيقها مع الناس جميعًا؛ مسلمين وغير مسلمين.

(اتقِ الله حيثما كنتَ)، في أي مكان تكون فيه، في مجتمع مسلم، أو في مجتمع غير مسلم.. في بيئة مسلمة، أو في بيئة غير مسلمة.. في اجتماعك مع مسلم، أو في اجتماعك مع غير مسلم.. في جوارك لمسلم، أو في جوارك لغير مسلم.. في رؤيتك مسلمة، أو في رؤيتك غير مسلمة.. أخلاقك واحدة، عنوانها: تقوى الله.. اتق الله، وراقبه، واعلم أنه يراك، وخِفْ منه سِرًّا وعلانية، وفي تعاملك مع الجميع -مسلمين وغير مسلمين- اتق الله.. باختصار: اجعل تقوَى الله عنوانك في التعامل مع الله، ومع نفسك، ومع الناس جميعًا.

(أتبع السيئة الحسنة تمحها)، نصيحة خاصة عامة، مضمونها فعل الحسنات؛ لأن هذه هي الطريقة المثلَى لمحو السيئات.. افعل الخير، وقدم الحسنة لنفسك، وللجميع؛ مسلمين وغير مسلمين، فإن من الحسنات ما يكون خاصًّا، ومنها ما يكون عامًّا، فالصلاة والصيام والحج، كلها أمور خاصة بالفرد المسلم، أما صلة الرحم، وحسن الجوار، وحسن معاملة الزوجة والأولاد، والصدق، والودّ، وحسن الخلُق، وأداء الأمانة، وإنظار المعسرين، والأخذ بالعلم طلبًا ومدارسة، تعليمًا وتعلّمًا، وإفشاء السلام، والعدل، والرحمة، وغيرها من الأعمال، كلها حسنات عامة، لن تتحقَّق إلا عن طريق تفاعل الفرد مع الآخرين؛ مسلمين وغير مسلمين. وهذا ما قصده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أشار إلى فعل الحسنات، وتقديم الخير للناس جميعًا.

(وخالق الناس بخلق حسن): توجيه كريم المقصد، عظيم السموّ، لم يقل خالق المسلمين أو خالق إخوانك، وإنما قال: (خالق الناس)، كل الناس؛ لأن الإسلام يدعو إلى مكارم الأخلاق مع الجميع، وإلى حسن الخلق مع الناس جميعًا، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)(البخاري)، وكثيرًا ما أوصى صلى الله عليه وسلم بأن يعامل المسلمُ الآخرين بما يحبّ أن يعاملوه به، إنه النبيّ الخاتم، الذي جاءت رسالته للناس كافة،

(خالق الناس بخلق حسن) ذاك لأن الأخلاق في الإسلام لا تتجزأ، والحق أن الإسلام احتفل احتفالاً عظيمًا بحسن الخلق، إن الله تعالى لَمَّا شاء أن يُثنى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثناءً جامعًا، اختار أن يثنى عليه في خُلُقه، ألم يقل عز وجل عن نبيه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4)}(القلم)، فكان مثلاً وقدوةً وأسوةً في حسن الخلق. وجعل صلى الله عليه وسلم درجة حسن الخلق، فوق درجات الأعمال، ولها ثواب عظيم، ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا، وببيت في أعلى الجنة لمن حَسُنَ خُلُقُه)(أبو داود والترمذي وابن ماجة). ألم يقل صلى الله عليه وسلم: (إن المؤمنَ ليدركُ بحسن خلُقه درجة الصائم القائم) أبو داود والترمذي وابن ماجة. ألم يقلْ صلى الله عليه وسلم: (ما مِنْ شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة مِنْ خُلُق حَسَن)(أبو داود والترمذي وابن ماجة).

الحقُّ أنَّ الإسلامَ ونبيه الخاتم، قد جعلاَ حُسْنَ الخلق المقياسَ لصلاح العبد المسلم؛ حديثًا وعملاً، وبيعًا وشراءً، وقضاءً واقتضاءً، وإقراضًا واستقراضًا، وتعاملاً مع الوالدين والزوجة والأولاد والأصحاب والطلاب والجيران والناس جميعًا؛ مسلمين وغير مسلمين، لابد أن يكون العنوان والشعار حُسْن الخلق، فما جاء محمد صلى الله عليه وسلم إلا ليتمم مكارم الأخلاق.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply