بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الأضحية شرعا: ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام النحر تقربا إلى الله تعالى.
وسُمِّيَت بذلك: لأنها تُذبح ضُحىً بعد صلاة العيد.
وهي مشروعة بالكتاب والسنة وأجمع المسلمون على مشروعيتها واختلفوا في وجوبها.
والحكمة من مشروعيتها: ١-تعظيم الله تعالى بذبح الأضاحي تقربا إليه ، ٢-واظهار شعائر دينه، ٣-وفيها التوسعة على الأهل والفقراء يوم العيد.
ذهب الإمام مالك إلى أن الضأن أفضل أنواع بهيمة الأنعام في الأضحية لأن النبي ضحى به كما في حديث أنس وهو لا يفعل إلا الأفضل.
بينما ذهب الأئمة الثلاثة إلى أنّ الأفضل البدنة ثم البقرة ثم الشاة؛ ١-لحديث أبي هريرة في فضل التقدم إلى الجمعة (من راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة..) ٢-ولأنه ذبح يتقرب به إلى الله فكانت البدنة أفضل كالهدي. ٣-ولأنها أغلى ثمنا وأكثر لحماً.
وأجابوا عن حديث أنس بأن التضحية بالكبش لأنه أفضل أجناس الغنم.
الذكر في الأضحية أفضل من الأنثى ؛ ١- لأن النبي ضحى بكبشين. ٢-ولأن لحمه أطيب.
مع جواز التضحية بالأنثى بالإجماع.
يستحب التضحية بالأقرن ، وأنه أفضل من الأجم وهو ما لا قرن له. . مع جواز التضحية بالأجم اتفاقا.
من المشروع استحسان الأضحية صفة ولونا ، وذلك بأن تكون سمينة حسنة ، وأحسنها الأملح، والمراد به: الأبيض الخالص بياض، أو ما بياضه أكثر من سواده؛ وهذا من تعظيم شعائر الله.
يستحب أن يتولى الإنسان ذبح أضحيته بيده إذا كان يحسن الذبح. . فإن لم يُحسن استناب مُسلماً عالما بشروط الذبح؛ لأن النبي استناب علياً في ذبح ما بقي من بُدْنِهِ في حجة الوداع.
يشرع التسمية والتكبير عند ذبح الأضحية ، أما التسمية فواجبة ، وأما التكبير فمستحب.
والظاهر أن التسمية واجب على كل ذبح وأما التكبير فكأنه خاص بالأضحية والهدي.
ولابد أن تكون التسمية عند الذبح فلو وقع فاصل طويل أعادها وكذا لو سمى على شاة ثم تركها إلى غيرها أعاد التسمية.
الأضحية إذا كانت من الغنم فإنها تُذبح مُضْجَعَة؛ لأنه أرفق بها، ويضع الذابح رجله على صفحة عنقها الأيمن بعد إضجاعها على الجانب الأيسر.
يستحب الدعاء بقول الأضحية، فيقول: (اللهم تقبّل مني...) ونحو ذلك، واستحسن بعض العلماء أن يقول نص الآية: (ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السّميع العليم) وهذا قول جمهور العلماء.
يجوز للرجل أن يضحي عن نفسه وعن أهل بيته بأضحية واحدة، فيشركهم في ثوابها، كما أن له أن يشرك من شاء من الأموات وفضل الله واسع.
يظن بعض العامة أن الأضحية للأموات فقط وهذا خطأ.
الأضحية عن الميت منفردا من أهل العلم من رخّص فيها لأنها نوع من الصدقة والصدقة تصح عنه. . ومن أهل العلم من قال: أنّ الميت لا يُضحَّى عنه؛ لأنه لم يثبت عن النبي شيء في ذلك، وقد ماتت زوجته خديجة وعمه حمزة في حياته ، ولم يُنقل أنه ضحى عن واحد منهما.
والحديث الذي فيه أن النبي أوصى علي بأن يضحي عنه فكان يضحي عنه فضعيف.
ذهب أبو حنيفة إلى وجوب الأضحية، بينما ذهب الجمهور من الشافعية والمالكية والحنابلة في المشهور عنهم إلى أن الأضحية سنة مؤكدة؛ ونصر هذا القول ابن حزم وقال: (لا يصح عن أحد من الصحابة أن الأضحية واجبة) واختار هذا القول الشيخ ابن باز والجمهور تمسكوا بالأصل وهو براءة الذمة، وأجابوا عن حديث (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) بأنه مُتكلم فيه والحفاظ على ترجيح وقفه.
قال الشيخ عبدالله أطال الله عمره على الطاعة : وقول الجمهور قوي في نظري، ومع هذا فالأحوط للمسلم ألا يترك الأضحية مع قدرته عليها.
من كان عليه دين فإنه يقدمه على الأضحية ؛ لوجوب إبراء الذمة عند الاستطاعة.
الاقتراض لشراء الأضحية؟ إن كان الإنسان يرجو وفاءً فإن يقترض ويضحي ، وإن كان لا يرجو وفاءً فإنه لا يقترض.
وقت ذبح الأضحية يبدأ بعد صلاة العيد، ولو قبل الخطبة، ومن ذبح قبل الصلاة لم تجزئه، بل شاته شاة لحم بإجماع أهل العلم.. فإن كان المضحي في مكان لا صلاة فيه كأهل البوادي والمسافرين فإنه يعتبر قدر وقت الصلاة.. والأفضل تأخير الذبح إلى انتهاء الخطبة تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
في نهاية وقت ذبح الأضحية قولان مشهوران: الأول أن نهاية وقت الذبح غروب شمس ثاني أيام التشريق، فتكون أيام النحر ثلاثة: يوم العيد ويومان بعده؛ وهذا مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة وأحمد ومالك.
والقول الثاني: أن آخر وقت الذبح غروب شمس اليوم الثالث من أيام التشريق ، فتكون أيام الذبح أربعة. . وهذا قول الشافعي واختاره ابن تيمية وهو القول الراجح إن شاءالله.. وذلك لما يلي:
١-قوله تعالى (ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام) قال ابن عباس: (الأيام المعلومات: يوم النحر وثلاثة أيام بعده).
٢-ولحديث (أيام التشريق أيام أكل وشرب).
وغيرهما من الأدلة .. وأما حديث (كل أيام التشريق ذبح) فمعلول بالاضطراب والإرسال ولو صحّ لكان نصّاً في الموضوع.
أربع عيوب في الأضحية تمنع من صحتها:
١- ( العوراء البيّن عورها: وهي التي انخسفت عينها أو برزت، والعمياء أشد .
٢- ( المريضة البيّن مرضها: وهي التي ظهرت عليها آثار المرض الذي يُقعدها عن الرعي مما يسبب لها الهزال وفساد اللحم، ومنه الجرب فهو يمنع الإجزاء قليله وكثيره لأنه يفسد الشحم واللحم.
٣- ( العرجاء البيِّن ظَلَعُها: أي عرجها وذلك بكونه فاحشا، ويلحق بالعرجاء مقطوعة إحدى اليدين أو الرجلين. . كما يلحق بالعرجاء العاجزة عن المشي لعاهة ككسر ونحوه.
٤- ( الكسيرة التي لا تنقي: وهي الهزيلة التي لا مخ في عظمها، أما الهزيلة التي لم يصل الهزال إلى داخل عظمها فتجزئ.
قال النووي: (وأجمعوا على ان العيوب المذكورة في حديث البراء لا تجزئ التضحية بها، وكذا ما كان في معناها أو أقبح منها كالعمى وقطع الرجل وشبهه).
وقال الخطابي: (في الحديث -أي حديث البراء- دليل على أنّ العيب الخفيف في الضحايا معفوٌ عنه، ألا تراه يقول : (البيّن عورها، البين مرضها، البين ظلعها).
من شروط الأضحية بلوغ السن المعتبرة شرعا؛ وهو من الإبل ما تم له خمس سنين ومن البقر ما تم له سنتان، ومن الغنم ضأنها ومعزها ما تم له سنة، إلا الضأن فيجزئ الجذع ، وهو ما تم له ستة أشهر-على القول بأن الجذع ما له ستة أشهر- وقد نقل النووي الإجماع على ذلك.
يستدل الفقهاء بحديث علي على العيوب المكروهة في الأضحية وهي التي لا تمنع الإجزاء وهي:
١-المقابلة ٢-المدابرة ٣-خرقاء ٤-الشرقاء = كلها أمور متعلقة بالأذن. ٥-الثرماء: وهي التي سقطت ثنيتها.
وأُلحق بهذه العيوب أنواع أخرى منها ما يلي:
١-العضباء: وهي مقطوعة الأذن أو مكسورة القرن، فهذه تجزئ والكمال أولى.
أما لا قرن له خلقة أو لا أذن له خلقة فتجوز التضحية به بلا كراهة.
٢-البتراء من الإبل والبقر والغنم: وهي التي قطع ذنبها أو بعضه فتكره التضحية بها.
أما مقطوعة الألية من الضأن فهذه لا تجزئ في الأضحية.. أما إذا كانت من نوع لا ألية له بأصل الخلقة فيجزئ.
٣-ما قطع ذكره قياسا على العضباء.
أما قطع الخضيتين فقط فليس بعيب فتجوز التضحية به؛ لأن الخِصَا يُطيّبُ اللحم ويزيد في السمن.
٤-ما سقطت ثناياها أو غيرها من أسنانها ، وهي الهتماء.
تجزئ الأضحية بالجدّاء وهي التي توقف ضرعها عن الدر. . وكذلك لو بقي فيها ضرع ونشف آخر أجزأت من باب أولى بلا كراهة، وكذلك تجزئ مقطوعة بعض حلمات ضرغها ، كما تجزئ الأضحية بما لا ضرع لها أو مقطوعا.
جاء في صحيح البخاري قول أبي أمامة بن سهل: (كنا نُسَمِّن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون يُسَمِّنون).
ليحرص المسلم على تأمل الأضحية حال الشراء ؛ ١-فيتأكد من خلوها من العيوب المانعة من الإجزاء. ٢-وينتبه لتمام السِّن. ٣-ويحرص على السلامة من قطع الأذن وكسر القرن.
قال النووي: (يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي إليها شيئا من الغنم، وهي سُنّة أعرض عنها أكثر الناس أو كلهم في هذا الزمان).
يجوز التوكيل في قسم لحم الهدي والتصدق به.
تجوز الإجارة على ذبح الهدي وتكون الأجرة من غيره فلا يجوز إعطاء الجزار منها شيئا .. ولا يجوز بيع الهدي والأضحية كذلك.. لكن إعطاء الجزار من الأضحية على سبيل الهدية كغيره فلا بأس والأولى أن تهديه بعد إعطاءه أجرته كاملة.
البدنة والبقرة يجوز اشتراك سبعة أشخاص فيها والنص جاء في الهدي كما في صحيح مسلم.. والأضحية مقيسة على الهدي.
وماجاء في حديث رافع بن خديج أن النبي قسم فعدل عشرة من الغنم ببعير.. فهذه واقعة عين ، ولعل التعديل محمول على قلة الإبل أو نفاستها، وكثرة الغنم أو هزالها بحيث كانت قيمة البعير عشر شياه،
وأما حديث الباب -حديث جابر في مسلم- فهو حديث صريح فيكون هو القاعدة في الباب مالم يحصل عارض من نفاسة ونحوها فيتغير الحكم بذلك.
نقل ابن رشد الإجماع على ان الشاة لا تجزئ إلا عن واحد. والمراد بذلك الاشتراك في الملك بأن يشترك شخصان فأكثر في شراء شاة ويضحيا بها فهذا لا يجوز .. أما الإشتراك في الثواب بأن يكون مالك الأضحية واحدا فيشرك معه غيره من زوجته واولاده أو غيرهم من الأحياء أو يشرك معه من شاء من الأموات فجائزٌ كما تقدم مهما كثر الأشخاص لأن فضل الله واسع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد