بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن الشريعة الإسلامية تتميز بخصائص وميزات وصفات عظيمة، ومن أهم تلك الخصائص والصفات: اليسر ورفع الحرج، وهي صفة واضحة بيَّنة في جميع أحكام هذه الشريعة، وكونها ميسرة لا حرج فيها نتيجة منطقية لسعتها وكمالها، وقد نص الله على ذلك في أكثر من موضع في كتابه الكريم، فقال سبحانه: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة:185، وقال سبحانه: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} المائدة:6.
ومعالم ومظاهر التيسير تتجلى في مجالات الحياة كلها لكنها في باب العبادات أكثر وضوحا، وهذا أمر ليس بمستغرب؛ لأن العبادة صلة محضة بين العبد وربه، وهو سبحانه لطيف بعباده، كما قال سبحانه: {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ}الشورى:19، فهو الرحيم بهم، فلا يشق عليهم، ولا يكلفهم ما لا يطيقون، وفيما يلي أستعرض بعضا من مظاهر ومعالم التيسير ورفع الحرج في أبواب الفقه المختلفة ، محاولا ترتيبها بناء على ترتيب أبواب الفقه كما يلي:
أولا: معالم التيسير ورفع الحرج في العبادات
1. معالم اليسر ورفع الحرج في الطهارة.
2. معالم التيسير ورفع الحرج في الصلاة.
3. معالم التيسير ورفع الحرج في الزكاة.
4. معالم التيسير ورفع الحرج في الصيام.
5. معالم التيسير ورفع الحرج في الحج.
ثانيا: معالم التيسير ورفع الحرج في المعاملات
رابعا: معالم التيسير ورفع الحرج في الحدود والقصاص وقتال الكفار
خامسا: معالم التيسير ورفع الحرج في عموم الأشياء والأعيان
سادسا: معالم التيسير ورفع الحرج في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم .
والأمثلة على ذلك كثيرة نكتفي بذكر بعض منها فيما يلي:
أولا: معالم التيسير ورفع الحرج في العبادات
1. معالم التيسير ورفع الحرج في الطهارة:
أ- الثوب الذي أصابته نجاسة مثلا يغسل محل النجاسة منه دون إيجاب غسل الثوب جميعه.
ب- عدم وجوب غسل الرأس في الوضوء والاكتفاء بالمسح، لقوله تعالى: {وَامْسَحُوا برؤوسكم} المائدة:5.
ج- التيمم بالتراب بد الطهارة بالماء عند عدمه، أو عدم القدرة على استعماله، كما قال سبحانه: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} المائدة:6
2. معالم التيسير ورفع الحرج في الصلاة:
قصر الصلاة الرباعية في السفر ، لقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا} النساء:101.
3. معالم التيسير ورفع الحرج في الزكاة:
أ- عدم إيجاب الزكاة في كل شيء ، وقصرها على الأموال الزكوية الأربعة: سائمة بهيمة الأنعام، والخارج من الأرض، والأثمان، وعروض التجارة، بقيود معتبرة مدونة في كتب الفقه.
ب- الزرع والثمار الذي يحتاج إلى سقي وبذر وحرث وحصاد وصيانة وحراسة وتعب ومشقة جعل زكاتها نصف العشر، وأما التي لا تحتاج إلى سقي وعناية ورعاية وسقيت بماء المطر ففيها العشر.
4. معالم التيسير ورفع الحرج في الصيام:
أ- فرض الله تعالى على المسلم صيام رمضان، وهي أيام قليلة بالنسبة لعدد أيام السنة.
ب- حدد وقت الصيام ورغب في المبادرة والتعجل في الإفطار، وتأخير السحور.
ج- لم يؤاخذ المسلم على الأكل والشرب ناسيا في نهار رمضان بل تسامح في ذلك وجعله يكمل صيامه ويتمه فإنما أطعمه الله وسقاه.
د- رخص على المسافر والمريض الفطر في رمضان ويقضي الأيام التي أفطرها في سفرة أو مرضه في وقت آخر متى زال عنه الوصف. قال سبحانه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى مَا هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة: 185.
5. معالم التيسير ورفع الحرج في الحج:
أ- فرض الله سبحانه الحج على الناس لكنه ليس في حقهم كلهم بل في حق المستطيع منهم بحيث لو تركه يعاقب على ذلك، أما من لم يستطع فليس بمؤاخذ على تركه.
ب- كما أن الله لما فرض الحج فرضه في العمر مرة واحدة، إذ لو فرض في كل عام لكان في ذلك مشقة على الناس، والله تعالى لا يريد المشقة عليهم، قال تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} آل عمران:27.
ثانيا: معالم التيسير ورفع الحرج في المعاملات
أ- رغّب الإسلام في التسامح في البيع والشراء، كما قال صلى الله عليه وسلم: "رحم الله رجلا سمحا إذا باع ، وإذا اشترى، وإذا اقتضى". البخاري (2076).
ب- جعل للمتابعين الخيار ما لم يتفرقا ، أو على وفق ما اشترطا رفعا للحرج الذي قد يقع فيه أحدهما.
ج- أباح الملكية الفردية وحث الإنسان على السعي في الأرض وإعمارها، واستغلال خيراتها، وحرم الاعتداء عليه، وان يسلبه أحد ماله.
د- أباح مع ضمان حرية الدعوة إلى الإسلام وتحقيق منهج الله في الأرض وإعلاء كلمة الله أباح مع ذلك تبادل المعارف والخبرات والمعاملات مع المشركين، إذا لم يكن ذلك ناتجا عن ميل قلبي لهم، قال تعالى: {لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} الممتحنة:8.
ثالثا: معالم التيسير ورفع الحرج في فقه الأسرة والأحوال الشخصية
أ- أباح الإسلام للرجل النظر للمخطوبة قبل أن ينكحها حتى تتم بينهما الألفة مستقبلا، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ» ، قَالَ: فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا وَتَزَوُّجِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا. [أخرجه أبو داود 2082]
ب- حث على تقليل المهر، ورغَّب في الزواج ، وبين أن البركة فيه تتبع القلة في المهر.
ج- عندما يقع بين الزوجين ما ينغص عليهما حياتهما مما يجعله مصدرا للشقاء والتعاسة أباح الطلاق وجعله مراحل وهذا يدل على سماحة الإسلام ويسره.
د- شرع الرجعة ما دامت المرأة في عدتها ولم يبح إخراجها وهي في عدتها إلا حينما تأتي بفاحشة مبينة من زنا أو نشوز على الزوج، كما قال سبحانه: {يا أيها النبي إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً}الطلاق:1.
رابعا: معالم التيسير ورفع الحرج في الحدود والقصاص وقتال الكفار
أ- اعتنى الإسلام بالإنسان من وجوه عدة فمن ذلك أنه اعتنى بتربية ضميره، وأقام وازعا نفسيا ، وعمر قلبه بخشية الله، ومراقبته في السر والعلن، فكان ذلك بمثابة تدبير وقائي يمنع الإنسان من الوقوع في الجرائم أو التفكير بها.
ب- عدم تطبيق الحد مباشرة بمجرد الشبهة والشك.
ج- تحذير الشريعة من إقامة الحدود أو القصاص مع قيام الشبهة حتى يفسح أمام القاضي أن يعدل عن إقامة الحد إلى غيره من العقوبات الملائمة.
د- كان الإسلام أول أمره يوجب على العشرة من المسلمين أن يقاتلوا مائة من الأعداء ، وهذا لا شك فيه حرج ومشقة، وحين قويت شوكة المسلمين وتحسن حالهم تغير الحكم، قال تعالى: {يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال:65-66.
ه- رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض كما رفعه عن الضعفاء عموما، قال تعالى: {ليْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ}التوبة:91-92.
خامسا: معالم التيسير ورفع الحرج في عموم الأشياء والأعيان
اعتبر الإسلام الأصل في عموم الأشياء والأعيان الإباحة وفق ما ذهب إليه جمهور المسلمين ، كما في القاعدة المشهورة: (الأصل في الأشياء الإباحة ما لم يرد نص بالإلزام أ المنع، وهذه القاعدة تتفق مع حقيقة خلق الإنسان في هذه الحياة الدنيا، فإن الله تعالى خلق ليكون مستخلفا في الأرض مالكا لما فيها فاعلا مؤثرا فيها. قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} البقرة:29.
سادسا: معالم التيسير ورفع الحرج في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم:
فقه النبي صلى الله عليه وسلم منهج التيسر ورفع الحرج الذي أراده الله بهذه الأمة، فقام على تحقيقه في نفسه وفي الآخرين من الصحابة رضي الله عنهم من حوله، فكانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم يسرا كلها.
والناظر لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يعجب لذلك التيسير المدهش الذي كان يأخذ به نفسه في عبادته ودعوته وتعامله مع أصحابه وأعدائه، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرقب أصحابه الكرام رضي الله عنهم، فإذا رأى منهم ميلا إلى التعسير ردهم إلى التيسير وأرشدهم إلى الأخذ بالرفق، ووجههم توجيها عاما إلى هذا النهج المبارك ومن الأمثلة على ذلك ما يلي:
1. ما ثبت عن صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري ومسلم قوله : "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". [البخاري: 69، ومسلم: 1732].
2. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: «مَا هَذَا الحَبْلُ؟» قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ حُلُّوهُ لِيُصَلِّ أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ» [البخاري: 1150 ، ومسلم: 784 ]
3. عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَصِيرٌ، وَكَانَ يُحَجِّرُهُ مِنَ اللَّيْلِ فَيُصَلِّي فِيهِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُصَلُّونَ بِصَلَاتِهِ، وَيَبْسُطُهُ بِالنَّهَارِ، فَثَابُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ، فَإِنَّ اللهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا، وَإِنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ إِلَى اللهِ مَا دُووِمَ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَلَّ»
4. عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَتْ عِنْدِي امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «مَنْ هَذِهِ؟» قُلْتُ: فُلاَنَةُ لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ، فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا، فَقَالَ: «مَهْ عَلَيْكُمْ مَا تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا» [البخاري: 1151]
5. كان صلى الله عليه وسلم يكره أن يوجه إليه أصحابه من الأسئلة ما يكون سببا في تحريم أمور لم تحرم من قبل وكان يقول لهم: " ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ" [مسلم: 1337].
6. عندما اجتمع إليه أصحابه في رمضان يصلون بصلاته في القيام، امتنع عن الخروج إليهم في الليلة الثالثة أو الرابعة، وكانت العلة من وراء ذلك خشيته أن تفرض عليهم صلاة القيام فلا يستطيعون القيام بها. [البخاري731، مسلم:781].
7. ما ورد عن هُرَيْرَةَ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ فِي المَسْجِدِ، فَثَارَ إِلَيْهِ النَّاسُ ليَقَعُوا بِهِ، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعُوهُ، وَأَهْرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ، أَوْ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ» [البخاري: 6128].
8. كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في الأمر خيار أن يختار الأيسر، فما عرض على الرسول صلى الله عليه وسلم أمران إلا اختار أيسرهما، فعنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا، مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ" [البخاري: 3560].
وأخيرا فإن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هذه الشريعة بأنها حنيفية سمحة، ففي الحديث: "بعثت بالحنيفية السمحة". [أحمد: 22291]، وقد علمنا ربنا أن ندعو قائلين: {رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ} البقرة:286.
على أننا ننبه في خاتمة أسطر هذا المقال أن اليسر لا يعني الانفلات من قيود الشرع والتعدي على حدود الله سبحانه، فذلك ليس يسرا، بل هو غش وتعدٍ على حدود الله، إن اليسر هو الالتزام بأحكام هذا الدين كما أرادها رب العالمين، ثم التعامل مع هذه الأحكام والتشريعات وفق منهج اليسر الذي بينا بعضا من معالمه في المجالات المختلفة وفي هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
والله أعلم وأحكم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
ينظر للاستزادة: المدخل إلى الشريعة والفقه الإسلامي، الأشقر، ص 78-83، التشريع الإسلام والقانون الوضعي، شوكت عليان، ص 149-154.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد