فوائد من درس أصول الفقه: السبب


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

- تعريفه في اللغة: كل ما توصل به إلى غيره.

وفي قوله: "وآتيناه من كل شيء سببا" أي ما يتوصل به إلى مراد الملك.

ولذا يطلق على الحبل سببا لأنه يتوصل به إلى غيره ، ومنه قوله تعالى: "فليمدد بسبب إلى السماء": أي بحبل يعلقه في سماء غرفة فيخنق نفسه.

- وفي الاصطلاح:

"ما رتب الشرع على وجوده وجود الحكم، وعلى عدمه عدم الحكم".

* ولذلك لا يترتب الحكم الشرعي قبل سببه.

 

• أنواع السبب:

أ - (باعتبار إدراك معناه):

١ - معقول المعنى وهو العلة، مما يستلزم حكمة باعثة على التشريع تُدرك مناسبة ترتيب الحكم عليها، فما أدرك العقل مناسبته للحكم فهو (العلة)، كالإتلاف سبب للضمان، والقتل العمد العدوان سبب للقصاص، والسفر سبب للرخص ، وجميع أسباب الترخص هي من هذا القسم.

٢ - غير معقول المعنى، مما لا تدرك منه حكمة باعثة على الحكم .

وما لم يدرك العقل مناسبته لا يطلق عليه علة، كدخول شهر رمضان سبب للصيام، وغروب الشمس سبب لوجوب الصلاة.

ب - (باعتبار من سببّه):

١ - ما لا مدخل للمكلف في إيجاده.

كغروب الشمس سبب لوجوب صلاة المغرب، والاضطرار سبب لجواز أكل الميتة.

٢ - ما كان سببا بفعل المكلف:

كالسفر سبب للترخص برخص السفر، كالقصر والفطر.

والزنا سبب لإقامة الحد.

والإتلاف سبب للضمان.

 

• تأصيل:

هل سبب السبب ينزل منزلة السبب؟

نعم ذهب لذلك كثير ولم ينقل الفتوحي فيه خلافا، وأبى ذلك آخرون كالقرافي، ومن فروعها:

- منع الترخص في سفر المعصية، قالوا: لأنها لو ثبتت الرخصة لكانت المعصية نفسها هي الموجبة للتخفيف، لأن سبب السبب سبب، والمعصية سبب السفر والسفر سبب للرخصة فتكون المعصية سببا للرخصة.

- من ماتت بالولادة من الزنا فهل تكون شهيدة؟

فإذا قلنا: إن سبب السبب ينزل منزلة السبب فلا، لأن الموت بسبب الولادة، والولادة سببها الزنا.

 

• تعريف الشرط:

- لغة: هو العلامة، ﻭمنه ﺷﺮطة اﻟﺤﺎﺟﻢ ﻷﻥ ﺫﻟﻚ ﻋﻼﻣﺔ ﻭﺃﺛﺮ، ﻭﺳﻤﻲ الشُرَط ﻷﻧﻬﻢ ﺟﻌﻠﻮا ﻷﻧﻔﺴﻬﻢ ﻋﻼﻣﺔ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺑﻬﺎ.

ﻭمنه اﻟﺸﺮﻳﻂ ﻭﻫﻮ ﺧﻴﻂ ﻳﺮﺑﻖ به، ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺳﻤﻲ ﺑﺬﻟﻚ ﻷﻧﻬﺎ ﺇﺫا ﺭﺑﻄﺖ ﺑﻪ ﺻﺎﺭ ﻟﺬﻟﻚ ﺃثر.

- واصطلاحا: ما رتب الشرع على عدمه عدم الحكم، ولم يرتب على وجوده وجود الحكم ولا عدمه.

 

• أقسام الشروط:

- باعتبار ذاته:

١ - شرط صحة: وهو ما وضعته الشريعة ليصح به التكليف، فإذا تخلف لم يصح التكليف، فهو شرط في صحة الفعل، فمن لم يأت به لم يسقط عنه الطلب، ويلزمه القضاء أبدا، كالطهارة شرط صحة في الصلاة، فمن لم يتطهر لا تقبل صلاته.

٢ - شرط وجوب: هو ما وضعته الشريعة ليتوجه الخطاب للمكلف فوجوب التكليف، فإذا تخلف هذا الشرط لم تجب العبادة، كالبلوغ شرط في وجوب الصلاة، فلا تجب على الصبي، وكدخول وقت الصلاة فلا تجب قبل دخول وقت الصلاة.

- وقد يجتمع وصف الصحة والوجوب في الشرط، فيكون الشرطُ شرطَ وجوب وصحة معا وقد تفترق.

فمن الشروط ما يكون شرطًا في الوجوب والصحة معا، كدخول الوقت فهو شرط في وجوب الصلاة فلا تجب قبل دخول وقتها، كما أنه شرط في صحة الصلاة، فمن صلى الظهر قبل دخول وقتها لا تصح صلاته، وكالإسلام في العبادات فإنه شرط وجوبها ولا تصح إلا به.

وقد تفترق فيكون الشرط شرط وجوب لا شرط صحة، كالبوغ فإن العبادة كالصلاة والصيام والحج تصح مع تخلف شرط الوجوب.

٣ - شرط أداء: هو ما وضعته الشريعة لتمكن العبد من أداء وفعل العبادة، كعدم النوم شرط أداء لوجوب الصلاة.

- وينقسم باعتبار إضافته إلى السبب والحكم إلى:

١ - شرط السبب: وهو الذي إذا عدم أخل بحكمة السبب، كالقدرة على تسليم المبيع، فتسليم المبيع سبب ثبوت الملك المشتمل على المصلحة.

٢ - شرط الحكم، وهو الذي إذا عدم استلزم حكمة تقتضي نقيض الحكم، كالطهارة فهي شرط للصلاة، فإن عدمت استلزمت العقاب، فهذا شرط الحكم.

- باعتبار من اشترطه:

١ - شرط شرعي، وهو ما جعلته الشريعة شرطا، كالوضوء شرط لصحة الصلاة.

٢ - شرط جعلي، وهو ما جعله الناس بينهم شرطا في معاملاتهم.

- ثم الشروط الجعلية قسمان:

١ - شرط صحيح، وهو ما لم يأت في الشرع ما يلغيه، كما لو اشترط البائع منفعة لا تنافي مقصود البيع، كما اشترط جابر حملان البعير إلى المدينة، لما باعه على النبي كما في الصحيحين.

٢ - شرط باطل، وهو ما جاء الشرع بإبطاله، كما لو اشترطت المرأة عدم الوطء في النكاح مطلقا، فإنه شرط باطل.

 

• تأصيل:

- لو تأملت لوجدت أن الشرط ما كان وصفا مكملا لما شرط له.

فالحول مكمل لمقتضى الملك والإحصان مكمل لوصف اﻟﺰﻧﻰ ﻓﻲ اﻗﺘﻀﺎﺋﻪ ﻟﻠﺮﺟﻢ ﻭاﻟﺘﺴﺎﻭﻱ ﻓﻲ اﻟﺤﺮﻣﺔ ﻣﻜﻤﻞ ﻟﻤﻘﺘﻀﻰ اﻟﻘﺼﺎﺹ ﺃﻭ ﻟﺤﻜﻤﺔ اﻟﺰﺟﺮ ﻭاﻟﻄﻬﺎﺭﺓ ﻭاﻻﺳﺘﻘﺒﺎﻝ ﻭﺳﺘﺮ اﻟﻌﻮﺭﺓ مكملة ﻟﻔﻌﻞ اﻟﺼﻼﺓ ﺃﻭ ﻟﺤﻜﻤﺔ اﻻﻧﺘﺼﺎﺏ ﻟﻠﻤﻨﺎﺟﺎﺓ ﻭاﻟﺨﻀﻮﻉ، ذكر ذلك الشاطبي.

- هل يمكن أن يتقدم الحكم إذا حضر سببه دون حصول شرطه؟

نعم.. يجوز أن يتقدم الحكم على شرطه إذا تقدم سببه، مثل تعجيل الزكاة قبل حولان الحول، فبلوغ النصاب سبب لوجوب الزكاة، وحولان الحول شرط.

وكفا رة اليمين قبل الحنث على قول الجمهور، فإن اليمين سبب لوجوب الكفارة وشرطه الحنث.

 

• (المانع)

تعريفه:

- لغة: الحائل والحاجز.

- اصطلاحا: ما رتب الشرع على وجوده عدم الحكم، ولم يرتب على عدمه وجوده ولا عدمه.

 

• أقسام المانع:

- أقسامه باعتبار التأثير في الابتداء وعدمه:

١ - ما يمنع الحكم، في ابتدائه واستمراره، كالرضاع يمنع ابتداء النكاح، ويمنع استمراره إن طرأ عليه بعد النكاح، كمن عقد على صغيرة ثم أرضعتها أمه.

٢ - ما يمنع الابتداء دون الاستمرار، كالإحرام يمنع ابتداء النكاح دون استمراره.

٣ - ما اختلف فيه، كالإحرام فإنه يمنع ابتداء الصيد، لكن اختلف إذا طرأ بعدُ، فلو صاد ثم أحرم وهو تحت يده، هل يجب عليه إزالة يده؟ خلافٌ

وكمن نكح أمَةً مع فقره وعجزه، ثم اغتنى فهل يجب عليه الطلاق؟

- وينقسم باعتبار منع الحكم والسبب:

١ - مانع الحكم، وهو ما رتبت الشريعة على وجوده عدم الحكم مع توافر شروطه وأسبابه.

فهو وصف ظاهر منضبط مستلزم لحكمة تقتضي نقيض حكم مع بقاء حكم المسبب.

كالأبوة مانع من استحقاق القصاص، لأن الأب سبب في وجود الابن، فلا يحسن كونه سببا في عدمه، وكالحيض مانع من وجوب الصلاة على المرأة.

٢ - مانع للسبب: وهو ما رتبت الشريعة على وجوده عدم سبب الحكم، وهو ما يخل وجوده بحكمة السبب، كالدين مانع من وجوب الزكاة، لأنه أخل بملك النصاب وهو سبب من أسباب وجوب الزكاة.

 تأصيل:

هل عدم المانع شرط؟

قد جعله بعض أهل العلم شرطا، كالغزالي والرافعي، والمغايرة أقرب، فإن عدم المانع وصف عدمي، والشرط وصف وجودي، ويظهر أثر ذلك في:

الشك في وجود الشرط والشك في انعدام المانع.

فمن شك في وجود الشرط فالأصل العدم، بخلاف الشك في انعدام المانع فإن الأصل بقاؤه إذا وجد حتى يثبت زواله.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply