المسجد الأقصى


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: 

 

إن الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى المبارك له منزلةٌ كبيرةٌ في قلوب المسلمين فهو ثاني مسجد وُضِعَ في الأرضِ لعبادة الله تعالى بَعْدَ المسجد الحرام بمكة، وهو القِبْلَةُ الأولى للمسلمين في الصلاة  قبل نَسْخِهَا بالبيت الحرام.مِن أجْلِ ذلك أحببت نَفْسي وطُلابَ العِلْمِ الكرامِ ببعض فضائل الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.فأقول وبالله تعالى التوفيق:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

تسمية المسجد الأقصى:

سُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمَكَّة. (مسلم بشرح النووي ـ جـ9 ـ صـ 168)

ويُطْلَقُ على الْمَسْجِدِ الأقْصَى اسم بَيْت الْمَقْدِسِ، وهوَ الاسم الشائع بعد فَتْح المسلمين لمدينة القدس. وَسُمِّيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ لأنه قُدِّسَ: أي طُهِّرَ مِنَ الشِّرْكِ. وأصله مِن القَدَسِ، وهي الطَّهَارَة والبَرَكَة. (فضائل الشام والمسجد الأقصى ـ هشام العارف ـ صـ 26)

 

المسجد الأقصى هو الأرض المقدسة:

قَالَ اللهُ تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ)(المائدة:21)

قَوْلُهُ: (الْمُقَدَّسَةَ): أيْ: الْمُطَهَّرَةَ الْمُبَارَكَةَ.(تفسير الطبري ـ جـ8 ـ صـ 285)

قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير (رحمه الله): الْأَرْضُ الْمُقَدَّسَةُ هِيَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ. (تفسير ابن كثير ـ جـ1 ـ صـ 417/ جـ5 ـ صـ148)

قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير (رحمه الله): قَالَ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ تَحْرِيضِ، مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِبَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى الْجِهَادِ وَالدُّخُولِ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، الَّذِي كَانَ بِأَيْدِيهِمْ فِي زَمَانِ أَبِيهِمْ يَعْقُوبَ، لَمَّا ارْتَحَلَ هُوَ وَبَنُوهُ وَأَهْلُهُ إِلَى بِلَادِ مِصْرَ أَيَّامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ لَمْ يَزَالُوا بِهَا حَتَّى خَرَجُوا مَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فَوَجَدُوا فِيهَا قَوْمًا مِنَ الْعَمَالِقَةِ الْجَبَّارِينَ، قَدِ اسْتَحْوَذُوا عَلَيْهَا وَتَمَلَّكُوهَا، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ مُوسَى، عليه السلام، بالدخول إِلَيْهَا، وَبِقِتَالِ أَعْدَائِهِمْ، وبَشَّرهم بِالنُّصْرَةِ وَالظَّفْرِ عَلَيْهِمْ، فَنَكَلُوا وعَصوْا وَخَالَفُوا أَمْرَهُ، فَعُوقِبُوا بِالذَّهَابِ فِي التِّيهِ وَالتَّمَادِي فِي سَيْرِهِمْ حَائِرِينَ، لَا يَدْرُونَ كَيْفَ يَتَوَجَّهُونَ فِيهِ إِلَى مَقْصِدٍ، مُدّة أَرْبَعِينَ سَنَةً، عُقُوبَةً لَهُمْ عَلَى تَفْرِيطِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. (تفسير ابن كثير ـ جـ5 ـ صـ148).

 

بناء المسجد الأقصى:

رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي ذَرِّ الغِفاري، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللهِ: أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلُ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ. قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ ؟ قَالَ: الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى. قُلْتُ: كَمْ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: أَرْبَعُونَ سَنَةً. (مسلم ـ حديث: 520)

فائدة مهمة:

قَالَ الإمَامُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (رحمه اللهُ): هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ إِشْكَالٌ لِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام بَنَى الْكَعْبَةَ وَسُلَيْمَان َعليه السلام بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَبَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفِ سَنَةٍ. وَمُسْتَنَدُهُ فِي أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام هُوَ الَّذِي بَنَى الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مَرْفُوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى خِلَالًا ثَلَاثًا.

الإجابة :

قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ (رحمه اللهُ): إنَّ الْإِشَارَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هِي إِلَى أَوَّلِ الْبِنَاءِ، وَوَضْعِ أَسَاسِ الْمَسْجِدِ، وَلَيْسَ إِبْرَاهِيمُ أَوَّلَ مَنْ بَنَى الْكَعْبَةَ، وَلَا سُلَيْمَانُ أَوَّلَ مَنْ بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ. وَكَذَا قَالَ الْقُرْطُبِيُّ (رحمهُ اللهُ): إِنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَن إِبْرَاهِيمَ وَسليمَان لما بنيا المسجدين ابتدا وَضْعَهُمَا لَهُمَا، بَلْ ذَلِكَ تَجْدِيدٌ لِمَا كَانَ أسَّسَهُ غَيرُهمَا. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ6 ـ صـ408)

قال كَعْبُ اْلأحْبَارِ (رحمهُ اللهُ): بَنَى سُلَيْمَانُ عليه السلام بَيْتَ الْمَقْدِسِ على أسَاسٍ قديم، كما بَنَى إبراهيم عليه السلام الكعبة عَلى أسَاسٍ قديم. (فضائل بيت المقدس ـ أبو المعالي ابن المرجى المقدسي ـ صـ17ـ رقم:5)

 

صفة المسجد الأقصى:

الْمَسْجِدُ الأقْصَى المباركُ: هو المنطقةُ المحَاطَةُ بالسُّور المستطيل، الواقعة في جنوب شرق مدينة القدس، والتي تُعْرَفُ بالبلدة القديمة.

تَبْلُغُ مِسَاحَةُ الْمَسْجِدِ الأقْصَى: 144 ألف مترٍ مُرَبعٍ تقريباً، وهو على شَكْلٍ مختلف الأضلاع، طُول الجانب الشرقي 474 متراً، والجانب الغربي 490 متراً، والجانب الشمالي 321 متراً، والجانب الجنوبي 283 متراً. ويُحيطُ بهذه المساحة سُورٌ قديمٌ، يتخللهُ خمسة عَشَرَ باباً، منها عَشَرَة أبواب مفتوحةٌ وخمسة أبواب مُغْلَقَةٌ.

الأبواب المفتوحة هِي:

 (1) باب الأسباط (باب الأُسُود) (2) باب حِطَّة (3) باب العتم (4) باب الغَوَانْمَة (باب الوليد) (5) باب الناظر (6) باب الحديد (7) باب القطَّانين (8) باب المَطْهَرة (9) باب السلسلة (باب النبي داود) (10) باب المغاربة (باب النبي)

الأبواب المغلقة هِي:

(1)  الباب المنفرد (2) الباب الثلاثي (ويتكوّن من ثلاث بوابات) (3) الباب المزدوج (ويتكون مِن مدخلين اثنين)

 (4) الباب الذهبي (باب الرحمة) (5) باب الجنائز

ولِلْمَسْجِدِ الأقْصَى أربعةُ مَآذِن عَلى السُّور المحيط به، وهي: مئذنة باب المغاربة الواقعة في الجنوب الغربي، ومئذنة باب السلسلة الواقعة في الجهة الغربية قُرْبَ باب السلسلة، ومئذنة باب الغَوَانْمَة، الواقعة في الشمال الغربي، ومئذنة باب الأسْبَاط، الواقعة في الجهة الشمالية.

* عَدَدُ الآبَار الموجودة في الْمَسْجِدِ الأقْصَى سبعةٌ وثلاثون بئراً، وذلكَ لجمع المياه التي تسقط على مدينة القدس، لكي ينتفع بها المصَلُّون خَاصة، وأهل بَيْتِ الْمَقْدِسِ عَامة.

* يَبْلُغُ عَدَدُ مَصَاطِب الْمَسْجِدِ الأقْصَى أربعين مصطبةً, وهي مُوَزَّعَةٌ في جميع أنحاء الْمَسْجِدِ.لقد أُنشئت هذه المصاطب لكي يجلس عليها طلابُ العِلْم عند الاستماع إلى مشايخهم، خاصة في فصل الصيف حيث يكون المناخُ معتدلاً في القدس (الأنس الجليل بتاريخ القدس ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ2ـ صـ 31:26). (القدس الخالدة ـ عبد الحميد زايد ـ صـ13) (مقدساتنا الإسلامية ـ للدكتور عبد الرحمن زكي ـ صـ16:14).

 

اعتقاد خاطئ لحدود المسجد الأقصى:

عندما نقولُ الْمَسْجِد الْأَقْصَى فإنَّ الأمورَ تختلطُ في أذهان المسلمين، فمنهم مَنْ يَظُنُّ أنَّ الْمَسْجِدَ الأقْصَى هو ذلك البناء ذي القبة الرصاصية (المسجد القبلي) فقط، والبَعْضُ الآخَرُ يَظُنُّ أنَّ  الْمَسْجِدَ الأقْصَى هو ذلك البناء ذي القبة الذهبية (مسجد قبة الصخرة) فقط، ولكن مفهوم الْمَسْجِد الْأَقْصَى الحقيقي أوسع مِن ذلك. فالْمَسْجِدُ الأقْصَى المباركُ: هُو َكُلُّ المساحة الموجودةُ دَاخِل السُّور المستطيل، فيدخلُ في ذلك المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة، وجميع الساحات الواسعة، وجميع المعَالِم  الموجودة والتي يِصِلُ عَدَدُها إلى 200 مَعْلَمٍ.                              الْمَسْجِدُ الأقْصَى كُلُّهُ غيرُ مَسْقُوفٍ، سُوى بناء المسجد القبلي، وبناء مسجد قبة الصخرة، وهذا ما اتفقَ عليه العُلماءُ والمؤرخون.وبُنَاءً على ذلكَ فإنَّ الصَّلاةَ تَكُونُ مُضَاعَفَة الثواب في أي جُزْءٍ مما موجودٌ دَاخَل السُّور المستطيل.

 

مسجد قبة الصخرة:                                                                                                                                                                                                        يقعُ مسجدُ قبة الصخرة داخل حدود مساحة الْمَسْجِدِ الأقْصَى الشريف، وكان يُطْلَقُ عليه جامع عُمَر،لأن الخليفة عُمَر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قد وَضَعَ في هذا المكان مُصَلَّى صغيراً مِن الخشب، وجاء بعد ذلك الخليفةُ: عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ (رحمه الله) فقام ببناء مسجد قبة الصخرة الحالي على أنقاض مُصَلَّى عُمَر.وقد بدأ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ في بناء مسجد قبة الصخرة منذ عام 66 وانتهى منه عام 72 هجرية. وَقَامَ بالإشْرَافِ عَلى بِنَاءِ المسْجِدِ رَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ الْكِنْدِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ سَلَّامٍ (رحمهما اللهُ) ويتكونُ مسجد الصخرة مِن ثمانية أضلاع، يبلغُ طُول كُلِّ ضِلْعٍ منها إحْدَى وعشرين متراً تقريباً، وأربعة أضلاع منها تواجه الاتجاهات الأصلية، وبها المداخل الأربعة للمسجد.  (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ8 ـ صـ283) (مقدساتنا الإسلامية ـ للدكتور عبد الرحمن زكي ـ صـ35).

 

التعريف بالصخرة:

الصخرةُ الموجودةُ داخل مسجد قبة الصخرة هي إحدى صخور مرتفعات القدس، وتقع وسط فناء الْمَسْجِدِ الأقْصَى، ويبلغ طولها 18 متراً وعرضها 13 متراٌ تقريباً، ويتجه جانبها المنحدر إلى الشرق، بينما يتجه جانبها المستقيم المرتفع إلى الغرب، وترتفع بعض نواحيها عن سطح الأرض بحوالي متر، وشكلها غير منتظم، أما محيطها فيبلغ عشرة أمتار، ومِنْ أسفلها فجوة، هي بقية كهف عُمْقه أكثر مِن متر ونصف، وتظهر الصخرة فوقه وكأنها مُعَلَّقة بين السماء والأرض، وهي مُحاطةٌ بسياجٍ مِن الخشب المنقوش (القدس الخالدة ـ للدكتور عبد المجيد زايد ـ صـ190) (القدس عربية إسلامية ـ للدكتور سيد فرج ـ صـ38)

فائدة مهمة:

الصخرةُ الموجودة في مسجد قبة الصخرة ليست مُعَلَّقَةٌ بالهواء، كما يظنُ بعضُ النَّاس، بل هي متصلةٌ بجانب الجبل.

 

تنبيهات خاصة بالصخرة:

 

(1)             لم يثبتْ حديثٌ صحيحٌ عن نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، في فَضْلِ الصخرة، الموجودةُ داخل مسجد قبة الصَّخْرَةِ. وكُلُّ ما قيل في فضلها لا يصح سَنَده إلى نبينا صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَا جَاءَ في صخرة بَيْتِ الْمَقْدِسِ أن النبي صلى الله عليه وسلم رَبَطَ فيها البُرَاقَ الذي رَكِبَهُ في ليلة الإسراء.

رَوَى الترمذيُّ عَنْ بُرَيْدَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَالَ جِبْرِيلُ بِإِصْبَعِهِ، فَخَرَقَ بِهِ الحَجَرَ(الصَّخْرَةَ)، وَشَدَّ بِهِ البُرَاقَ.(حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث:2504)                                                                    

إنَّ ربطَ نبينا صلى الله عليه وسلم البُرَاقَ بهذه الصَّخْرَة، ليس سبباً شرعياً لتعظيمها، فإن التعظيم مبناه على الوحي مِن الله تعالى.

(2)             لا يجوز تخصيص تلك الصَّخْرَة بأيْ نوع مِن العبادات، كتخصيص زيارتها للصلاة عندها، كما لا يجوز تعظيمها، ولا التبرك بها، كتقبيلها، أو الدعاء عندها، أو التمسح بها، أو الطواف حولها، لأن الأصلَ في العبادات أنها مبنيةٌ على التوقيف واتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم.

(3)             قَالَ الإمامُ ابنُ تيمية (رحمه الله): لا رَيْبَ أن الخلفاء الراشدين لم يبنوا هذه القبة، ولا كان الصحابة يعظمون الصخرة، ولا يتحرون الصلاة عندها، حتى ابن عمر رضي الله عنهما، مع كونه كان يأتي مِن الحجاز إلى المسجد الأقصى، كان لا يأتي الصخرة. (اقتضاء الصراط المستقيم ـ لابن تيمية ـ جـ2 ـ صـ 348).

(4)             قَالَ الإمَامُ محمد ناصر الدين الألباني (رحمهُ اللهُ): عَن تقديس الصخرة الموجودة في الْمَسْجِدِ الأقْصَى:

الفضيلة لْلمَسْجِدِ الأقْصَى وليس للصخرة، ومَا ذُكِرَ فيها مِن أنَّ نبينا صلى الله عليه وسلم عُرِجَ به مِن الصخرة، وأنها حينما رُفِعَ نبينا صلى الله عليه وسلم وعُرِجَ به لحقت به الصخرةُ، ولذلك بقيت مُعَلَّقَة في الهواء، فهذا كَلامٌ هُرَاءٌ، لا قيمةَ له إطلاقاً مِن الناحية العِلْمِيَّة، ولا ينبغي تقديس ما لم يُقدسه الشَّرعُ، ولا تعظيم ما لم يُعَظِّمُهُ الشَّرعُ.  (موسوعة الإمام الألباني ـ شادي محمد سالم ـ جـ3 ـ صـ 932)

وَقَالَ الإمَامُ الألباني أيضاً: مِن بِدَعِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ:الطواف بقبة الصخرة تَشَبها بالطواف بالكعبة، وتعظيم الصخرة بأي نوع مِن أنواع التعظيم، كالتمسح بها وتقبيلها وسوق الغنم إليها لذبحها هناك. (مناسك الحج والعمرة ـ للألباني ـ صـ60)

 

افتراءات على صخرة المسجد الأقصى:

(1)             قَالَ الإمَامُ ابنُ تيمية (رحمهُ اللهُ): مَا يَذْكُرُهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ فِي الصَّخْرَةِ مِنْ أَنَّ هُنَاكَ أَثَرُ قَدَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَثَرُ عِمَامَتِهِ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَكُلُّهُ كَذِبٌ. وَأَكْذَبُ مِنْهُ مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ قَدَمِ الرَّبِّ. (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ27 ـ صـ 13)

(2)             قَالَ الإمَامُ ابنُ القيم (رحمهُ اللهُ): كُلُّ حَدِيثٍ فِي الصَّخْرَةِ (أيْ في فَضْلِهَا) فَهُوَ كَذِبٌ مُفْتَرًى، وَالْقَدَمُ الَّذِي فِيهَا كَذِبٌ مَوْضُوعٌ مِمَّا عَمِلَتْهُ أَيْدِي الْمُزَوِّرِينَ، الَّذِينَ يُرَوِّجُونَ لَهَا لِيَكْثُرَ سَوَادُ الزَّائِرِينَ. (المنار المنيف ـ لابن القيم ـ صـ87 ـ رقم: 156)

 

امرأة عمران تهب جنينها لخدمة المسجد الأقصى:

قال تَعَالى: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (آل عمران:35)

قَالَ الإمَامُ ابنُ كثير(رحمهُ اللهُ): (مُحَرَّرًا) أَيْ: خَالِصًا مُفَرَّغًا لِلْعِبَادَةِ، وَلِخِدْمَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. (تفسير ابن كثير ـ جـ2 ـ صـ 33)

قَالَ عِكْرِمَةُ (رحمه الله): إنَّ امْرَأَةَ عِمْرَانَ كَانَتْ عَجُوزًا عَاقِرًا تُسَمَّى حَنَّةَ، وَكَانَتْ لَا تَلِدُ، فَجَعَلَتْ تَغْبِطُ النِّسَاءَ لِأَوْلَادِهِنَّ، فَقَالَتِ: اللَّهُمَّ إِنَّ عَلَيَّ نَذْرًا شُكْرًا إِنْ رَزَقْتَنِي وَلَدًا أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَيَكُونُ مِنْ سَدَنَتِهِ وَخُدَّامِهِ. (تفسير الطبري ـ جـ6 ـ صـ332)

 

بركات المسجد الأقصى:

قَالَ تَعَالى:(سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء:1)

مَعنى البَرَكَة:

البَرَكَةُ: هِيَ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ. (لسان العرب ـ لابن منظور ـ جـ10 ـ صـ 395)

قَال الإمَامُ ابنُ جرير الطبري (رحمه الله): قَوْلُهُ: (الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) يَقُولُ تَعَالَى: الَّذِي جَعَلْنَا حَوْلَهُ الْبَرَكَةَ لِسُكَّانِهِ فِي مَعَايِشِهِمْ وَأَقْوَاتِهِمْ وَحُرُوثِهِمْ وَغُرُوسِهِمْ. ( تفسير الطبري ـ جـ17 ـ صـ515 )

قَالَ الإمَامُ  مُجَاهِدُ بْنُ جَبْرٍ (رحمه الله): سَمَّاهُ مُبَارَكًا لِأَنَّهُ مَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَهْبِطُ الْمَلَائِكَةِ وَالْوَحْيِ. (تفسير البغوي ـ جـ3 ـ صـ 105)

 

بركة الرزق لمريم في المسجد الأقصى:

قال سُبحانه: ( كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:37).

قَال الإمامُ ابنُ كثير (رحمهُ اللهُ): قَالَ مُجَاهِدُ بنُ جَبْرٍ وغيره:يَعْنِي وَجَدَ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ وَفَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ. (تفسير ابن كثير ـ جـ2 ـ صـ36).

 

الملائكة تبشر زكريا بيحيى في المسجد الأقصى:

قَال اللهُ تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ *  فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:39:38).

قَوْلُهُ: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ)

قَالَ الإمَامُ ابنُ كثيرٍ (رحمهُ اللهُ): لَمَّا رَأَى زَكَرِيَّا، عَلَيْهِ السَّلَامُ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَرْزُقُ مَرْيَمَ، عَلَيْهَا السَّلَامُ، فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الصَّيْفِ، وَفَاكِهَةَ الصَّيْفِ فِي الشِّتَاءِ، طَمِعَ حِينَئِذٍ فِي الْوَلَدِ، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ ضَعُفَ، وَوَهَن مِنْهُ الْعَظْمُ، وَاشْتَعَلَ رَأْسُهُ شَيْبًا، وَإِنْ كَانَتِ امْرَأَتُهُ مَعَ ذَلِكَ كَبِيرَةً وَعَاقِرًا، لَكِنَّهُ مَعَ هَذَا كُلِّهِ سَأَلَ رَبَّهُ وَنَادَاهُ نِدَاءً خَفيا.

قَوْلُهُ (مِنْ لَدُنْكَ} أَيْ: مِنْ عِنْدِكَ

قَوْلُهُ (ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً) أَيْ: وَلَدًا صَالِحًا.

قَوْلُهُ: (فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ) أَيْ: خَاطَبَتْهُ الْمَلَائِكَةُ شِفَاهًا خِطَابًا أَسْمَعَتْهُ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي مِحْرَابِ عِبَادَتِهِ، وَمَحَلِّ خَلْوَته، وَمَجْلِسِ مُنَاجَاتِهِ، وَصَلَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) أَيْ: بِوَلَدٍ يُوجَدُ لَكَ مِنْ صُلْبِكَ اسْمُهُ يَحْيَى. قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّمَا سُمِّي يَحْيَى لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحْيَاهُ بِالْإِيمَانِ.

قَوْلُهُ: (مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ) أَيْ: بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ.

قَوْلُهُ: (وَسَيِّدًا) قَالَ قَتَادَةُ: سَيِّدًا فِي الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ.

قَوْلُهُ: (وَحَصُورًا): أَيْ: مَعْصُومٌ مِنَ الذُّنُوبِ.

قَوْلُهُ:(وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ): هَذِهِ بِشَارَةٌ ثَانِيَةٌ بِنُبُوَّةِ يَحْيَى بَعْدَ الْبِشَارَةِ بِوِلَادَتِهِ، وَهِيَ أَعْلَى مِنَ الْأُولَى. (تفسير ابن كثير ـ جـ3 ـ صـ57:54)

 

خطبة يحي بن زكريا في المسجد الأقصى:

رَوَى الترمذيُّ عَن الحَارِثِ الأَشْعَرِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهَا وَيَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، وَإِنَّهُ كَادَ أَنْ يُبْطِئَ بِهَا، فَقَالَ عِيسَى: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَكَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ لِتَعْمَلَ بِهَا وَتَأْمُرَ بني إسرائيل أَنْ يَعْمَلُوا بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَأْمُرَهُمْ، وَإِمَّا أَنَا آمُرُهُمْ، فَقَالَ يَحْيَى: أَخْشَى إِنْ سَبَقْتَنِي بِهَا أَنْ يُخْسَفَ بِي أَوْ أُعَذَّبَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فِي بَيْتِ المَقْدِسِ، فَامْتَلَأَ المَسْجِدُ وَقَعَدُوا عَلَى الشُّرَفِ، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ أَعْمَلَ بِهِنَّ، وَآمُرَكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهِنَّ: أَوَّلُهُنَّ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَإِنَّ مَثَلَ مَنْ أَشْرَكَ بِاللَّهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ خَالِصِ مَالِهِ بِذَهَبٍ أَوْ وَرِقٍ، فَقَالَ: هَذِهِ دَارِي وَهَذَا عَمَلِي فَاعْمَلْ وَأَدِّ إِلَيَّ، فَكَانَ يَعْمَلُ وَيُؤَدِّي إِلَى غَيْرِ سَيِّدِهِ، فَأَيُّكُمْ يَرْضَى أَنْ يَكُونَ عَبْدُهُ كَذَلِكَ؟ وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ، وَآمُرُكُمْ بِالصِّيَامِ، فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ فِي عِصَابَةٍ مَعَهُ صُرَّةٌ فِيهَا مِسْكٌ، فَكُلُّهُمْ يَعْجَبُ أَوْ يُعْجِبُهُ رِيحُهَا، وَإِنَّ رِيحَ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ المِسْكِ، وَآمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَسَرَهُ العَدُوُّ، فَأَوْثَقُوا يَدَهُ إِلَى عُنُقِهِ وَقَدَّمُوهُ لِيَضْرِبُوا عُنُقَهُ، فَقَالَ: أَنَا أَفْدِيهِ مِنْكُمْ بِالقَلِيلِ وَالكَثِيرِ، فَفَدَى نَفْسَهُ مِنْهُمْ، وَآمُرُكُمْ أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ فَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ خَرَجَ العَدُوُّ فِي أَثَرِهِ سِرَاعًا حَتَّى إِذَا أَتَى عَلَى حِصْنٍ حَصِينٍ فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ، كَذَلِكَ العَبْدُ لَا يُحْرِزُ نَفْسَهُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ . (حديث صحيح) (صحيح الترمذي ـ للألباني ـ حديث: 2298).

 

المسجد الأقصى حصن للمؤمنين من الدجال:

روى أحمدٌ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، قَالَ: أَتَيْتُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّفَقُلْتُ لَهُ: حَدِّثْنِي حَدِيثًا سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّجَّالِ، وَلَا تُحَدِّثْنِي عَنْ غَيْرِكَ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ مُصَدَّقًا، فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: أَنْذَرْتُكُمْ فِتْنَةَ الدَّجَّالِ، فَلَيْسَ مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ أَوْ أُمَّتَهُ، وَإِنَّهُ آدَمُ جَعْدٌ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُسْرَى، وَإِنَّهُ يُمْطِرُ وَلَا يُنْبِتُ الشَّجَرَةَ، وَإِنَّهُ يُسَلَّطُ عَلَى نَفْسٍ فَيَقْتُلُهَا ثُمَّ يُحْيِيهَا وَلَا يُسَلَّطُ عَلَى غَيْرِهَا، وَإِنَّهُ مَعَهُ جَنَّةٌ وَنَارٌ وَنَهْرٌ وَمَاءٌ وَجَبَلُ خُبْزٍ، وَإِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَنَارَهُ جَنَّةٌ، وَإِنَّهُ يَلْبَثُ فِيكُمْ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، يَرِدُ فِيهَا كُلَّ مَنْهَلٍ إِلَّا أَرْبَعَ مَسَاجِدَ: مَسْجِدَ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدَ الْمَدِينَةِ، وَالطُّورِ، وَمَسْجِدَ الْأَقْصَى، وَإِنْ شَكَلَ عَلَيْكُمْ أَوْ شُبِّهَ، فَإِنَّ اللهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ39 ـ صـ88 ـ حديث23684)

 

المسجد الأقصى قِبْلة المسلمين الأولى للصلاة قبل نسخها:

 رَوَى البخاريُّ عَنِ البَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ)(البقرة: 144)،  فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ، وَهُمُ اليَهُودُ: (مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا، قُلْ لِلَّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(البقرة: 142) فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى، فَمَرَّ عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ العَصْرِ نَحْوَ بَيْتِ المَقْدِسِ، فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ: أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الكَعْبَةِ، فَتَحَرَّفَ القَوْمُ، حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ الكَعْبَةِ. (البخاري ـ حديث: 399).

قَالَ قَتَادَةُ بنُ دِعَامَة (رحمه الله): فِي قَوْلِ اللَّهِ: (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(البقرة: 115)

كَانَ المُسْلِمُونَ يُصَلُّونَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ وُجِّهَ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْو الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، فَنَسَخَهَا اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى: (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ)(البقرة: 144) قَالَ: فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ. (تفسير الطبري ـ جـ2 ـ صـ 452)

كان الْمَسْجِدُ الأقْصَى هو قِبْلَة المسلمين في الصلاة، لمدة أربعة عشر عاماً تقريباً منذ نزول الوحي على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في مكة وحتى الشهر السادس عشر أو السابع عشر للهجرة المباركة إلى المدينة.

 

المسجد الأقصى مسرى نبينا صلى الله عليه وسلم:

قَالَ تَعَالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(الإسراء:1).

قَالَ الإمَامُ ابْنُ كثير (رحمه الله): يُمَجِّدُ تَعَالَى نَفْسَهُ، وَيُعَظِّمُ شَأْنَهُ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ سِوَاهُ، فَلَا إِلَهَ غَيْرُهُ (الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) يَعْنِي مُحَمَّدًا، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ (لَيْلا) أَيْ فِي جُنْحِ اللَّيْلِ (مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ (إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى) وَهُوَ بَيْتُ الْمَقْدِسِ الَّذِي هُوَ إِيلِيَاءُ، مَعْدِنُ الْأَنْبِيَاءِ (أيْ مَكَانُ إقَامَتِهِم) مِنْ لَدُنْ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ؛ وَلِهَذَا جُمِعُوا لَهُ هُنَالِكَ كُلُّهُمْ، فَأمّهم فِي مَحِلّتهم، وَدَارِهِمْ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ، وَالرَّئِيسُ الْمُقَدَّمُ، صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.

وَقَوْلُهُ:(لِنُرِيَهُ) أَيْ: مُحَمَّدًا (مِنْ آيَاتِنَا) أَيْ: الْعِظَامُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النَّجْمِ: 18)

وَقَوْلُهُ: (إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أَيْ: السَّمِيعُ لِأَقْوَالِ عِبَادِهِ مُؤْمِنِهِمْ وَكَافِرِهِمْ، مُصَدِّقِهِمْ وَمُكَذِّبِهِمْ، الْبَصِيرُ بِهِمْ فَيُعْطِي كُلًّا مَا يَسْتَحِقُّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.(تفسير ابن كثير ـ جـ8 ـ صـ374:373)

 

صلاة نبينا صلى الله عليه وسلم  إماماً بالأنبياء في المسجد الأقصى:

رَوَى ابْنُ جرير الطبري عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَهُوَ رَجُلٌ مِنْ  قَوْمِهِ قَالَ: قَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ الْبَيْتِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ، إِذْ سَمِعْتُ قَائِلًا يَقُولُ: أَحَدُ الثَّلَاثَةِ، فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ، فَشُرِحَ صَدْرِي إِلَى كَذَا وَكَذَا" قَالَ قَتَادَةُ: قُلْتُ: مَا يَعْنِي بِهِ؟ قَالَ: إِلَى أَسْفَلِ بَطْنِهِ، قَالَ: فَاسْتَخْرَجَ قَلْبِي فَغُسِلَ بِمَاءِ زَمْزَمَ، ثُمَّ أُعِيدَ مَكَانَهُ، ثُمَّ حُشِيَ إِيمَانًا وَحِكْمَةً، ثُمَّ أُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ وَفِي رِوَايَةِ أُخْرَى: بِدَابَّةٍ بَيْضَاءَ يُقَالَ لَهُ الْبُرَاقُ، فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ، يَقَعُ خَطْوُهُ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَحُمِلْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَصَلَّيْتُ فِيهِ بِالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِمَامًا، ثُمَّ عُرِجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. (حديث صحيح) (تفسير الطبري ـ جـ17 ـ صـ493:492) ( الإسراء والمعراج ـ للألباني ـ صـ92 )

رَوَى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم (وهو يتحدث عن رحلة الإسراء والمعراج) :قَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي، فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ، جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ، وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ، وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَائِمٌ يُصَلِّي، أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ -يَعْنِي نَفْسَهُ- فَحَانَتِ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ. (مسلم  ـ حديث:172)                                                                                                                                                                                                                                رَوَى مسلمٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ، وَدُونَ الْبَغْلِ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، قَالَ: فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، قَالَ: فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ، قَالَ:  ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ، فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عُرِجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ.  (مسلم ـ حديث: 162)   

قَالَ عَلي الهروي (رحمه الله): قَوْلُهُ: (فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ) أَيْ: تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ الَّتِي اقْتَدَى بِهِ الْأَنْبِيَاءُ وَصَارَ فِيهَا إِمَامَ الْأَصْفِيَاء.(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ8 ـ صـ3765)

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يصف المسجد الأقصى لأهل مكة:

رَوَى الشيخانِ عَن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الحِجْرِ فَجَلَّى اللَّهُ لِي بَيْتَ المَقْدِسِ، فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ. (البخاري ـ حديث: 4710 / مسلم ـ حديث: 170)

قَوْلُهُ: (لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ) أَيْ: فِيمَا ذَكَرْتُ مِنْ قَضِيَّةِ الْإِسْرَاءِ، وَطَلَبُوا مِنْ عَلَامَاتِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ.

قَوْلُهُ: (قُمْتُ فِي الحِجْرِ): هو المكان المحاط بحائط قصير على هيئة نصف دائرة بجوار الكعبة.

قَوْلُهُ: (فَجَلَّى) أَيْ: كَشَفَ وَأَظْهَرَ.

قَوْلُهُ: (فَطَفِقْتُ) أَيْ: فَأَخَذْتُ.

قَوْلُهُ: (آيَاتِهِ) أَيْ:عَلَامَاتُهُ وَدَلَالَاتِهِ.

قَوْلُهُ: (وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ) أَيْ: كَأَنَّ نَظَرِي وَاقِعٌ عَلَيْهِ،وَجَسَدِي حَاضِرٌ لَدَيْهِ

 (مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ9 ـ صـ 3775).

 

فضل زيارة المسجد الأقصى:

رَوَى مسلمٌ عَنْ أَبي سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَشُدُّوا الرِّحَالَ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: مَسْجِدِي هَذَا، وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى. (مسلم ـ حديث: 827 )

قَالَ الإمَامُ النووي (رحمه الله):فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ هَذِهِ المَسَاجِد الثلاثة، وَفَضِيلَةُ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَيْهَا، لِأَنَّ مَعْنَاهُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ لَا فَضِيلَةَ فِي شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى مَسْجِدِ غَيْرِهَا.(مسلم بشرح النووي ـ جـ9 ـ صـ168)

 

فضل الصلاة في المسجد الأقصى:

(1)             رَوَى ابْنُ مَاجَه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بنِ العَاص، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم  قَالَ: لَمَّا فَرَغَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ مِنْ بِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، سَأَلَ اللَّهَ ثَلَاثًا: حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ، وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي لَأَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَلَّا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ أَحَدٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الصَّلَاةَ فِيهِ، إِلَّا خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ r: أَمَّا اثْنَتَانِ فَقَدْ أُعْطِيَهُمَا، وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ قَدْ أُعْطِيَ الثَّالِثَةَ. (حديث صحيح) (صحيح ابن ماجه ـ للألباني ـ حديث: 1156).

قَوْلُهُ: (حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَهُ) أَيْ يُوَافِقُ حُكْمَ اللَّهِ وَالْمُرَادُ التَّوْفِيقُ لِلصَّوَابِ فِي الِاجْتِهَادِ وَفَصْلِ الْخُصُومَاتِ بَيْنَ النَّاسِ.

قَوْلُهُ: (وَمُلْكًا لَا يَنْبَغِي) أَيْ لَا يَكُونُ.

قَوْلُهُ: (أَنْ لَا يَأْتِيَ هَذَا الْمَسْجِدَ) أَيْ لَا يَدْخُلَ فِيهِ. (حاشية السندي على سنن ابن ماجه ـ جـ1 ـ صـ 430)

(2)             رَوَى الحَاكِمُ عَنْ أَبِي ذَرِّ الْغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّهُمَا أَفْضَلُ: مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لاَ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا. أَوْ قَالَ: خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة ـ  للألباني ـ جـ6 ـ صـ955)

قَوْلُهُ: (شَطَنِ فَرَسِهِ): أيْ:حَبْل الفَرَسِ.                                                                                                                                                                                

 

تسمية المسجد الأقصى بالحرم:

مِن الأخطاء الشائعة عند كثيرٍ مِن المسلمين تسمية المسجد الأقصى المبارك بالحرم، وهذه التسمية غير صحيحة، لأنها لا دليلَ عليها.ومِن المعلوم عند العُلماءِ أنَّهُ لا يُوجَدُ عند المسلمين إلا حَرَمَان اثنان فقط، وهما: حَرَمُ مَكَّة، وحَرَمُ المدينة.

رَوَى مُسْلِمٌ  عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْمَدِينَة (مسلم حديث: 1362)                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         الحرمُ له أحكامٌ شَرْعِيَّةٌ خَاصَّةٌ به، ومنها الأمورُ التاليةُ:                                                                                                                                                            (1) لا يُقْطَعُ العُشب الذي ينبت فِيهَ بنفْسه.                                                                                                                                                             (2) لا يُقْطَعُ شجره ولا يُكْسَرُ شيء مِن فروعه.                                                                                                                                                                          (3) لا يَجوزُ إزعاج طيره، ويَحرُمُ صيده.                                                                                                                                                                                    (4) لا يَجوزُ أخْذ اللقطة التي تسقط فيه إلا لمن يريد تعريفها.                                                                                                                                                     (5) لَا يُرَاقُ فِيهَ دَمٌ.                                                                                                                                                                                                                      (6) لَا يُحْمَلُ فِيهَ سِلَاحٌ لِقِتَال (البخاري حديث:1349  / مسلم حديث: 1374)                                                                                                                                                           هذه الأمور السابقة لا تنطبقُ عَلى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى المبارك، فإنه لا يُحْرَم صيده ولا شجره، كما هو الحال في المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة، وذلك باتفاق العلماء. 

قال الإمَامُ ابنُ تيمية (رحمهُ اللهُ): لَيْسَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ مَكَانٌ يُسَمَّى "حَرَمًا". (مجموع فتاوى ابن تيمية ـ جـ27 ـ صـ 14)                                        

قَالَ المؤرخُ: عبد الرحمن بن محمد العليمي: لَا يُقَال لبَيتِ الْمُقَدس الْحرَم. (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ1ـ صـ 29).

قال الإمَامُ ابنُ عثيمين (رحمهُ اللهُ): ليس في الدنيا شيء حَرَمٌ إلا هذان الحرمان، حَرَمُ مَكَّة، وَحَرَمُ المدينة، وأمَّا مَا نَسمع في كلام النَّاس: حَرَمُ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، والْحَرَمُ الإبراهيمي، فكله لا صحة له ولا أصل له. (الشرح الممتع ـ لابن عثيمين ـ جـ7 ـ صـ 215)

 

بيت المقدس مِن أرض المحشر والمنشر:

رَوَى أبو جعفر الطحاوي والبيهقي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِكَ أَفْضَلُ أَمِ الصَّلَاةُ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ؟ فَقَالَ: الصَّلَاةُ فِي مَسْجِدِي مِثْلُ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ، وَأَرْضُ الْمَنْشَرِ . (حديث صحيح) (السلسلة الصحيحة للألباني ـ جـ6 ـ صـ 954) (صحيح الترغيب ـ للألباني ـ جـ2 ـ صـ47 ـ حديث:1179)

رَوَى أحمد عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِي الله عَنهُمَا، قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَخْرُجُ نَارٌ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مِنْ بَحْرِ حَضْرَمَوْتَ، أَوْ مِنْ حَضْرَمَوْتَ تَحْشُرُ النَّاسَ . قَالُوا: فَبِمَ تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ. (حديث صحيح) (مسند أحمد ـ جـ9 ـ صـ 145 ـ حديث: 5146)

رَوَى أبو الحسن الربعي عَنْ أَبِي ذَرٍّ الغِفَارِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ. (حديث صحيح) (صحيح الجامع ـ للألباني ـ حديث: 3726)

* قَوْلُهُ: (الشَّام أَرض الْمَحْشَر والمنشر): أَي الْبقْعَة الَّتِي يُجمعُ النَّاس فِيهَا إِلَى الْحساب ويَخرجون مِن قُبُورهم ثمَّ يساقون إِلَيْهَا، وخصت بِالشام لِأَن أَكثر الْأَنْبِيَاء بعثوا مِنْهَا، فانتشرت فِي الْعَالم شرائعهم، فَنَاسَبَ كَونهَا أَرْض الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ. (التيسير بشرح الجامع الصغير ـ عبد الرؤوف المناوي  ـ جـ2 ـ صـ81).

 

بشرى نبينا صلى الله عليه وسلم بفتح بيت المقدس:

روى البخاريُّ عَن عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لاَ يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأَصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا. (البخاري ـ حديث: 3176)

* قَوْلُهُ:(مِنْ أَدَمٍ) أَيْ: مِنْ جِلْدٍ. * َقَوْلُهُ: (سِتًّا) أَيْ: مِنَ الْعَلَامَاتِ الْوَاقِعَةِ. * َقَوْلُهُ: (بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ) أَيْ: قُدَّامَهَا.

* َقَوْلُهُ: (مُوتَانٌ) أَيْ: وَبَاءٌ ،وهَذَا كِنَاية عَنْ كَثْرَةِ الموْتِ. * َقَوْلُهُ: (يَأْخُذُ فِيكُمْ) أَيْ: يَتَصَرَّفُ فِي أَبْدَانِكُمْ.

* قَوْلُهُ: (كَقُعَاصِ الْغَنَمِ) دَاءٌ يَأْخُذُ الْغَنَمَ، فَلَا يَلْبَثُهَا أَنْ تَمُوتَ. * َقَوْلُهُ: (اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ) أَيْ: كَثْرَتُهُ.

* َقَوْلُهُ: (فَيَظَلُّ) أَيْ: فَيَصِيرُ. * َقَوْلُهُ:  (سَاخِطًا) أَيْ: غَضْبَانُ. * َقَوْلُهُ: (بَيْتٌ مِنَ الْعَرَبِ): الْمُرَادُ مِنْ بُيُوتِ أُمَّتِهِ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْعَرَبَ لِشَرَفِهَا وَقُرْبِهَا مِنْهُ.

* َقَوْلُهُ: (فِتْنَةٌ) أَيْ: بَلاءٌ عَظِيمٌ،* َقَوْلُهُ: (هُدْنَةٌ) أَيْ: مُصَالَحَةٌ. * َقَوْلُهُ: (بَنِي الْأَصْفَرِ) أَيِ: الرُّومَ.

 *قَوْلُهُ: (فَيَغْدِرُونَ) أَيْ: يَنْقُضُونَ عَهْدَ الْهُدْنَةِ. * َقَوْلُهُ: (غَايَةً) أَيْ: رَايَةً وَهِيَ الْعَلَمُ. * َقَوْلُهُ: (اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا) أَيْ: أَلْفُ فَارِسٍ.

(مرقاة المفاتيح ـ علي الهروي ـ جـ8 ـ صـ 3411).

 

فتح عمر بن الخطاب لبيت المقدس:

لَمَّا فَرَغَ أَبُو عُبَيْدَةَ بن الجراح، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، مِنْ فَتْحِ مَدِينَة دِمَشْق، كَتَبَ إِلَى أَهْلِ إِيلِيَاءَ (القُدس) يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الْإِسْلَامِ، أَوْ يَبْذُلُونَ الْجِزْيَةَ، أَوْ يُؤْذَنُونَ بِحَرْبٍ، فَأَبَوْا أَنْ يُجِيبُوا إِلَى مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ، فَرَكِبَ إِلَيْهِمْ فِي جُنُودِهِ، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى دِمَشْقَ سَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،  ثُمَّ حَاصَرَ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَضَيَّقَ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَجَابُوا إِلَى الصُّلْحِ بِشَرْطِ أَنْ يَقْدَمَ إِلَيْهِمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،. فَكَتَبَ إِلَيْهِ أَبُو عُبَيْدَةَ بِذَلِكَ، فَوَافَقَ عُمَرُ، فَلَمَّا وَصَلَ إِلَى الشَّامِ تَلَقَّاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ وَرُءُوسُ الْأُمَرَاءِ كَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَيَزِيد بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، ثُمَّ سَارَ حَتَّى صَالَحَ نَصَارَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ.كان فتْحُ القدس سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ مِن الهجرة  (الموافق:636 ميلادية).(البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ9 ـ صـ656).

 

صلاة عمر في المسجد الأقصى:

دَخَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى مِنَ الْبَابِ الَّذِي دَخَلَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَصَلَّى فِيهِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ بِمِحْرَابِ دَاوُدَ عليه السلام، وَصَلَّى بِالْمُسْلِمِينَ فِيهِ صَلَاةَ الفَجْرِ مِنَ الْغَدِ، فَقَرَأَ فِي الْأَوْلَى بِسُورَةِ (ص) وَسَجَدَ فِيهَا وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَفِي الثَّانِيَةِ بِسُورَةِ (الإسراء) ثُمَّ جَاءَ إِلَى الصَّخْرَةِ فَاسْتَدَلَّ عَلَى مَكَانِهَا مِنْ كَعْبِ الْأَحْبَارِ، وَأَشَارَ عَلَيْهِ كَعْبٌ أَنْ يَجْعَلَ الْمَسْجِدَ مِنْ وَرَائِهِ، فَقَالَ: ضَاهَيْتَ (شابهت) الْيَهُودِيَّةَ. ثُمَّ جَعَلَ الْمَسْجِدَ فِي قِبْلِيِّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَهُوَ الْعُمَرِيُّ الْيَوْمَ، ثُمَّ نَقَلَ التُّرَابَ عَنِ الصَّخْرَةِ فِي طَرَفِ رِدَائِهِ وَقَبَائِهِ، وَنَقَلَ الْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فِي ذَلِكَ. وَسَخَّرَ أَهْلَ الْأُرْدُنِّ فِي نَقْلِ بَقِيَّتِهَا، وَقَدْ كَانَتِ الرُّومُ جَعَلُوا الصَّخْرَةَ مَزْبَلَةً ; لِأَنَّهَا قِبْلَةَ الْيَهُودِ.(البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ9 ـ صـ656).

 

معاهدة عمر بن الخطاب مع أهل بيت المقدس

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ:

(هَذَا مَا أَعْطَى عَبْدُ اللهِ عُمَرُ، أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ، أَهْلَ إِيلْيَاءَ (مدينة القدس) مِنَ الأَمَانِ،أَعْطَاهُمْ أَمَانًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَلِكَنَائِسِهِمْ وَصُلْبَانِهِمْ، وَسَقِيمِهَا وَبَرِيئِهَا وَسَائِرِ مِلَّتِهَا، أَنَّهُ لَا تُسْكَنُ كَنَائِسُهُمْ وَلَا تُهْدَمُ، وَلَا يُنْتَقَصُ مِنْهَا وَلَا مِنْ حَيِّزِهَا، وَلَا مِنْ صَلِيبِهِمْ، وَلَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، وَلَا يُكْرَهُونَ عَلَى دِينِهِمْ، وَلَا يُضَارَّ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا يَسْكُنُ بِإِيلْيَاءَ مَعَهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْيَهُودِ، وَعَلَى أَهْلِ إِيلْيَاءَ أَنْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ كَمَا يُعْطِي أَهْلُ الْمَدَائِنِ، وَعَلَيْهِمْ أَنْ يُخْرِجُوا مِنْهَا الرُّومَ وَاللُّصُوصَ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُ آمِنٌ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ حَتَّى يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ، وَمَنْ أَقَامَ مِنْهُمْ فَهُوَ آمِنٌ، وَعَلَيْهِ مِثْلُ مَا عَلَى أَهْلِ إِيلْيَاءَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمَنْ أَحَبَّ مِنْ أَهْلِ إِيلْيَاءَ أَنْ يَسِيرَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ مَعَ الرُّومِ وَيُخْلِيَ بِيَعَهُمْ وَصُلُبَهُمْ فَإِنَّهُمْ آمِنُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى بِيَعِهِمْ وَصُلُبِهِمْ، حَتَّى يَبْلُغُوا مَأْمَنَهُمْ، وَمَنْ كَانَ بِهَا مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ قَبْلَ مَقْتَلِ فُلَانٍ، فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ قَعَدُوا عَلَيْهِ مِثْلَ مَا عَلَى أَهْلِ إِيلْيَاءَ مِنَ الْجِزْيَةِ، وَمَنْ شَاءَ سَارَ مَعَ الرُّومِ، وَمَنْ شَاءَ رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فَإِنَّهُ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ شَيْءٌ حَتَّى يَحْصُدَ حَصَادَهُمْ، وعَلَى مَا فِي هَذَا الكِتَابِ عَهْدُ اللهِ ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَذِمَّةُ الخُلَفَاءِ، وَذِمَّةُ المُؤْمِنِينَ، إِذَا أَعْطَواْ الذِي عَلَيْهِمْ مِنَ الجِزْيَةِ) شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، وَعَمْرُو بْنُ العَاصِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ. (تاريخ  ابن جرير الطبري ـ جـ 2ـ صـ 449).

فائـدة:

بيت المقدس هِي البلدة الوحيدة التي خرجَ مِن المدينة إليها الخليفةُ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، لاستلام مفاتيحها.

 

الصحابة الذين دخلوا القدس:

دَخلَ بَيتَ الْمُقَدِّسِ عَدَدٌ كبيرٌ مِن الصَّحَابَة، رَضِي الله عَنْهُم، نَذْكُرُ مِنْهُم:

عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ، وَعَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، وَأَبُو ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَسَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ، وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَ عِيَاضُ بْنُ غَنْمٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ سَلَامٍ، وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، وَأَبُو مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيُّ، وَعَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ، وَحَبِيبُ بْنُ سِبَاعٍ، وَمُرَّةُ بْنُ كَعْبٍ، وَعُبَادَةُ بْنَ الصَّامِتِ، وَشَدَّادُ بْنُ أَوْسٍ، وَأَبُو رَيْحَانَةَ، وَتَمِيمُ الدَّارِيُّ، وَابْنُ أَبِي الْجَذْعَاءِ، وَفَيْرُوزُ الدَّيْلَمِيُّ، وَذُو الْأَصَابِع التَّمِيمِي، وَمَسْعُود بْنُ أَوْس بْنُ زَيْد، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، وَوَاثِلَةُ بْنُ الأَسْقَعِ، وَمَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ. (فضائل بيت المقدس ـ ضياء الدين المقدسي ـ صـ92:90) (الأنس الجليل ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ1 ـ صـ266:260)

 

عمرة عبد الله بن عمر من القدس:

رَوَى مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَهَلَّ مِنْ إِيلِيَاءَ (أَيْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ) (صحيح) (موطأ مالك ـ صـ 260 ـ رقم 26)

 (أَهَلَّ) أيْ: قَال: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ عُمْرَةً.

 (إِيلِيَاءَ) أَيْ: بَيْتِ الْمَقْدِسِ      

 

احتلال الصليبين لبيت المقدس:

خَرَجَت الجيُوشُ الصليبيةُ مِن أوروبا قَاصِدينَ احْتِلالَ بَيتَ الْمُقَدّس سَنَةَ اثْنَتَيْنِ وَتِسْعِينَ وَأَرْبَعِمِائَةٍ مِن الهجرة، وَهُمْ فِي نَحْوِ أَلْفِ أَلْفِ (مليون) مُقَاتِلٍ، وحَاصَروا بَيتَ الْمُقَدّس بِضْعَاً وَأَرْبَعين يَوْمًا، وَدَخَلُوه فِي ضحى يوم الْجُمُعَة، الثالث والعشرين مِن شَهْرِ شَعْبَان مِن نَفسِ العَام. أخَذَ الصليبيون يقتلُون الْمُسلمين أسبوعاً كَامِلاً، فَقَتَلُوا مَا يَزِيدُ عَنْ سَبْعِينَ أَلْفَ قَتِيلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، مِنْهُم جمَاعَة كَثِيرَة مِن أَئِمَّة الْمُسلمين، وَعُبَّادِهِم، وَزُهَادِهِم، الذينَ جَاوَروا  المسجد الأقصى الشريف.غَنِمَ الصليبيون مَا لَا يَقع عَلَيْهِ الْحصْر، ثمَّ حَصَرُوا جَمِيع من فِي الْقُدس مِن الْمُسلمين بداخل الْمَسْجِد الشريف، واشترطوا عَلَيْهِم إِنَّهُم مَتى تَأَخَّرُوا عَن الْخُرُوج بعد ثَلَاثَة أَيَّام قتلوهم عَن أخرهم، فَشَرَع الْمُسلمُونَ فِي الْإِسْرَاع والمبادرة إِلَى الْخُرُوج، وَمن شدَّة ازدحامهم بِأَبْوَاب الْمَسْجِد الأقصى قُتِلَ مِنْهُم خَلْقٌ كثيرٌ، لَا يحصيهم إِلَّا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. أَخَذَ الصليبيون مِن مسجدِ قُبة الصَّخْرَة اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ قِنْدِيلًا مِنْ الفِضَّةِ، زِنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَسِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخَذُوا تَنُّورًا مِنْ فِضَّةٍ، زِنَتَهُ أَرْبَعُونَ رِطْلًا، وَثَلَاثَةً وَعِشْرِينَ قِنْدِيلًا مِنْ الذَّهَبِ. (البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ16 ـ صـ:166) (الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ1 ـ صـ308:307).

* الدِّرْهَم = جرامان وثلث جرام.

* الرَّطْلُ = 407,5 جراماً تقريباً.

 

فتح صلاح الدين الأيوبي للقدس:

لَمَّا فْتَحَ السُّلْطَانُ صَلَاحُ الدِّينِ الأيوبي (رحمهُ اللهُ) مَا حَوْلَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، جَمَعَ جُيُوشَهُ وَسَارَ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ يَوْمَ الْأَحَدِ، فِي الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ رَجَبٍ، سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَخَمْسِمِائَةٍ مِن الهجرة، فَنَزَلَ غَرْبِيَّ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَقَدْ حَصَّنَتِ الْفِرِنْجُ (الأوروبيون) الْأَسْوَارَ بِالْمُقَاتِلَةِ (الجنود)، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سِتِّينَ أَلْفَ مُقَاتِلٍ.بَادَرَ السُّلْطَانُ إِلَى الزَّاوِيَةِ الشَّرْقِيَّةِ الشَّمَالِيَّةِ مِنَ سُورِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَأَحْرَقَهَا، فَسَقَطَ السُّورُ، فَلَمَّا شَاهَدَ الْفِرِنْجُ (الأوروبيون) ذَلِكَ، ذَهَبَ أَكَابِرُهُمُ إلى صَلَاحُ الدِّينِ وَطَلَبُوا مِنْهُ أَنْ يُعْطِيَهُمُ الْأَمَانَ،وبَعْدَ مُنَاقَشَاتٍ،وَافَقَ السُّلْطَانُ عَلَى الصُّلْحِ، بِشَرْطِ أَنْ يَدْفَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ عَنْ نَفْسِهِ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنِ الْمَرْأَةِ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ، وَعَنْ كُلِّ صَغِيرٍ دِينَارَيْنِ، وَمَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ كَانَ أَسِيرًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَأَنْ تَكُونَ الْغَلَّاتُ وَالْأَسْلِحَةُ وَالدُّورُ لِلْمُسْلِمِينَ، وَيَتَحَوَّلُوا مِنْهَا إِلَى مَأْمَنِهِمْ وَهِيَ مَدِينَةُ صُورَ. فَكُتِبَ الصُّلْحُ عَلَى ذَلِكَ، وَمَنْ لَا يَبْذُلُ مَا شُرِطَ عَلَيْهِ إِلَى أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَهُوَ أَسِيرٌ، فَكَانَ جُمْلَةُ مَنْ أُسِرَ بِهَذَا الشَّرْطِ سِتَّةَ عَشَرَ أَلْفَ إِنْسَانٍ.وَدَخَلَ صَلَاحُ الدِّينِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قُبَيْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَلِيلٍ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَجَبٍ. اسْتِنْقَذَ صَلَاحُ الدِّينِ بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنْ أَيْدِي الْفِرِنْجَ(الأوربيين) بَعْدَ اثِنْتَيْنِ وَتِسْعِينَ سَنَةً .(البداية والنهاية ـ لابن كثير ـ جـ9 ـ صـ587:585).

 

المدرسة الصلاحية بالقدس:

كَانَ السُّلْطَان الْملك النَّاصِر صَلَاح الدّين يُوسُف بن أيوب (رحمهُ اللهُ) شَافِعِيّ الْمَذْهَب وَهُوَ الَّذِي أَقَامَ الشَّافِعِيَّة بالديار المصرية، ثُمَّ وَلىَّ مِنْهُم الْقُضَاة بعد أَن كَانَ الْقُضَاة بِمصْر شيعَة على مَذْهَب الفاطميين، وَلما فتح الله بَيت الْمُقَدّس على يَدَيْهِ أنشَأَ الْمَدْرَسَةَ الصَّلَاحِيَّةَ وَجعلهَا لفَقَهَاءِ الشَّافِعِيَّة وذلك في  سَنَة 588 هجرية. (الأنس الجليل ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ2 ـ صـ102)

 

علماء المسجد الأقصى:

كَانَ  الْمَسْجِدُ الأقْصَى مِن المدارس العِلْمِيَّة التي ظَهَرَ فيها كثيرٌ مِن العُلَمَاء، ورَحَلَ إليها كثيرٌ مِن طُلابِ العِلْم، وسوف نَذْكُرُ بعضاً منهم:

(1)             عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَيْرِيزِ الجُمَحِيُّ

(2)             صَدَقَةُ بنُ يَزِيْدَ الخُرَاسَانِيُّ

(3)             إبراهيمُ بنُ محمد بن يوسف الفريابي

(4)             عَبْدُ اللهِ بنُ شَوْذَبٍ البَلْخِيُّ

(5)             الحَافِظُ مُحَمَّدُ بنُ طَاهِرٍ المَقْدِسِيّ

(6)             الحافظُ صَلاَحُ الدِّين الْعَلائِيُّ صَاحب كتاب (الْقَوَاعِد) وَكتاب: (جامع التحصيل في أحكام المراسيل)

(7)             أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بنُ الوَلِيْدِ الطُّرْطُوشِيُّ

(8)             عَبْدُ الغَنِيِّ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ المَقْدِسِيُّ (صاحب كتاب:الكمال في أسماء الرجال) و (عمدة الأحكام)

(9)             ضِياءُ الدِّين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي

(10)        عَبْدُ الكريم بن محمد السَّمْعَانِيُّ  صاحب كتاب (الأَنساب)

(11)        عَبْدُ اللهِ بن أحمد بن قدامة المقدسي صاحب كتاب (المغني)

(12)        أبو عَمْرو عُثْمَان ابْن الصّلاح

(13)        مُحَمَّد بن مُحَمَّد الْجَزرِي. صاحب كتاب ( النشر فِي القراآت الْعَشْر)

(14)        نَجْمُ الدّين بن جمَاعَة

(15)        شَمسُ الدِّين مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل القَلْقَشَنْدي

(16)        عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَامِدِ الْبَلْخِيُّ

(17)        عَبْدُ الرَّحْمَن بن مُحَمَّد العليمي الْمَقْدِسِي. صاحب كتاب (الأُنْس الجليل في زيارة القدس والخليل)

(18)        عَبْدُ اللهِ بن إِسْمَاعِيل القَرْقَشَنْدي الْمَقْدِسِي

(19)        محمد بن عبد الله بن بكر الصنعاني                                              

(20)        محمد بن عبد الله بن بكر الخُزَاعِيّ                                 

(21)        الوَلِيْدُ بنُ حَمَّادِ بنِ جَابِرٍ الرَّمْلِيُّ (الجرح والتعديل ـ لابن أبي حاتم) (سير أعلام النبلاء ـ للذهبي) (الأنس الجليل ـ لعبد الرحمن العليمي)

 

أول مَن تولى القضاء في القدس:

يُعْتَبَرُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أوَّلُ تَوَلَّى القضاء في مدينة القدس بعد فتحها. (الأنس الجليل ـ عبد الرحمن العليمي ـ جـ1 ـ صـ291).

 

هيكل سليمان:

هَيْكَلُ سُلَيْمَان: هُوَ مسجدٌ كبيرٌ جَعَلَهُ سُلَيْمَانُلعبادة الله تعالى في بيت المقدس عام 960 قبل الميلاد تقريباً.

قام الإمبراطور الروماني تيتوس بهدم هَيْكَلِ سُلَيْمَان عام 70ميلادية واضطهد اليهود، فاضطر اليهودُ على ترك فلسطين وهاجروا إلى الجزيرة العربية وسكنوا المدينة، لأنهم كانوا يَعْلَمُونَ مِن كُتُبِهِم أنه قد اقترب زمان ظهور نبي في الجزيرة العربية، وكانوا يرجون أن يكون ذلك النبي مِن بني إسرائيل، وكانَ منهُم: يَهُودُ بَنِي النَّضِيرِ، وَبَنِي قُرَيْظَةَ، وَبَنِي قَيْنُقَاعَ. (موسوعة اليهود ـ لعبد الوهاب المسيري ـ جـ 3 ـ صـ276).

يُطْلِقُ اليهودُ عَلى سَاحَات الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى اسمَ (جبل الهيكل) نِسْبَةً إلى هَيْكَلِ سُلَيْمَانُ عليه السلام يزعمُ اليهود أنَّ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى بُنِيَ عَلى أنقاض هَيْكَلِ سُلَيْمَان، مِن أجْلِ ذلكَ يحاولون هدمه.ويُمْكِنُ الرَّد على هذا الكذب بالأدلة التالية:

(1) الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قد تم بناؤه قبل هَيْكَلِ سُلَيْمَان بمئات السنين، فكيف يكون الهَيْكَل تحته.

(2) لو كَانَ هَيْكَلُ سُلَيْمَان موجوداً عقب فتح المسلمين لبيت المقدس عام 15 هجرية، على يد الخليفة الراشد عُمَر بن الخطاب، رضي اللهُ عنه،لأبقاه ولحافظ عليه،كما حافظ على كنائس النصارى ومعابد اليهود الموجودة في مدينة القدس.

(3) ثبت بالدليل القاطع، بَعْدَ التنقيب الذي قام به اليهود تحت الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى، عَقب احتلالهم لمدينة القدس عام 1967م، عدم وجود أي أثر لهَيْكَلِ سُلَيْمَان تحت الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى.

 

القدس مدينة السلام:

الإسلامُ هو دِينُ الرحمة والعدل مع جميع الناس. لقد جاءت أحكامُ الإسلام شاملةٌ لجميع نواحي الحياة، وهي تتميز بالإصلاح لكل زمانٍ ومكانٍ، ومبادئ الإسلام تسمو على كل المبادئ والقيم الإنسانية، التي وضعها النَّاسُ مِن عند أنفسهم، لأنه تشريعٌ من لَدُن حكيمٍ عليمٍ. لقد ذاقَ الناسُ،على اختلاف جنسياتهم وعقائدهم الدينية، في ظل إنسانيةِ الحضارة الإسلاميةِ المباركة، طَعْمَ الحرية والعدل،والمواساة، مَا لم يَذِيقُوه في ظِلِّ أي حضارةٍ أخرى.وهذه حقيقةٌ ثابتةٌ ومعلومة لجميع الناس على ظَهْرِ الأرض.

فمنذ أن فتح الخليفة الراشدُ: عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مدينة بيت المقدس وأعطى الأمانَ لأهلها، عَاشَ اليهودُ والنَّصارى في أمان الإسلام على أنفسهم وأموالهم ومعابدهم، فلم يُجبرهم أحدٌ على تَرْكِ دينهم والدخول في الإسلام، ولم نسمع أنَّ أحَدَاً مِن المسلمين اعتدى على كنيسة للنَّصَارى،أو مَعْبَدٍ لليهود، أو غيرهم، ولم يسفك المسلمون دَمَ أحَدٍ مِن غير المسلمين بغير حقٍ. وهذه حقيقة لا يستطيع أحَدٌ مِن غير المسلمين، الذين عاشوا في بيت المقدس، أن ينكرها. كان المسلمون في القدس يعاملون أصحاب الديانات الأخرى، بالحكمة والموعظة الحسنة،كما أمرهم اللهُ تعالى في كتابه العزيز،وكذلك نبيه محمدٍ،صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،في سُنَّتِهِ المباركة.

قَالَ الله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة:256)

قَالَ الإمام ابن كثير (رحمه الله): يَقُولُ تَعَالَى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّين) أَيْ: لَا تُكْرِهُوا أَحَدًا عَلَى الدُّخُولِ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ بَيِّنٌ وَاضِحٌ جَلِيٌّ دَلَائِلُهُ وَبَرَاهِينُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُكْرَهَ أَحَدٌ عَلَى الدُّخُولِ فِيهِ. (تفسير ابن كثير جـ2صـ 444)

قَالَ سُبْحَانهُ: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)

(1)             روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ قَتَلَ مُعَاهَدًا لَمْ يَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَإِنَّ رِيحَهَا تُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ أَرْبَعِينَ عَامًا.( البخاري ـ حديث 3166 )

قال الإمامُ ابنُ حجر العسقلاني (رحمهُ اللهُ): الْمُرَادُ بِالمُعَاهَدِ: هُوَ مَنْ لَهُ عَهْدٌ مَعَ الْمُسْلِمِينَ سَوَاءٌ كَانَ بِعَقْدِ جِزْيَةٍ أَوْ هُدْنَةٍ مِنْ سُلْطَانٍ أَوْ أَمَانٍ مِنْ مُسْلِمٍ. (فتح الباري ـ لابن حجر العسقلاني ـ جـ12 صـ271).

(2)             روى النَّسَائيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ قَتَلَ نَفْسًا مُعَاهَدَةً بِغَيْرِ حِلِّهَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ أَنْ يَشُمَّ رِيحَهَا. (حديث صحيح) ( صحيح سنن النسائي للألباني ـ جـ 2 ـ صـ284)

(3)             روى النَّسَائيُّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَمِقِ الْخُزَاعِيِّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ آمَنَ رَجُلًا عَلَى دَمِهِ، فَقَتَلَهُ، فَأَنَا بَرِيءٌ مِنَ الْقَاتِلِ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْتُولُ كَافِرًا.(حديث صحيح) (صحيح الجامع للألباني ـ حديث:6103)

 

حائِطُ الْمَبْكَى :

حَائِطُ الْمَبْكَى: هو جِدَارٌ في الْمَسْجِدِ الأقْصَى يَبْلُغُ طوله حوالي خمسين متراً وارتفاعه حوالي عشرين متراً، يَقِفُ اليَهودُ أَمامَهُ يبكون على خَرَابِ الهَيْكَلِ ويَدْعُونَ اللهَ تَعَالى أن يُيَسِّرَ لهم بناء هَيْكَلِ سُلَيْمَان مرة ثانية.يَعتبرُ اليهودُ حَائِطَ الْمَبْكَى هو الأثر الباقي مِن هَيْكَلِ سُلَيْمَان (معارك العرب ـ أحمد الشقيري ـ صـ 289/ صـ306).

 

الخليفة العثماني يرفض إقامة دولة يهودية في فلسطين:

ذَهَبَ تيودور هرتزل (زعيم الحركة اليهودية الصهيونية العالمية) إلى الخليفة العثماني: السلطان عبد الحميد الثاني (رحمهُ اللهُ) لكي يطلبَ منه إقامة دولة لليهود في فلسطين، وقَدَّمَ له عِدَّةَ عُرُوضٍ كبيرةٍ، يختار السلطانُ منها ما يشاء، وهي:

(1)             مائة وخمسون مليون ليرة إنجليزية خاصة (رَشْوة) للسلطان عبد الحميد الثاني.

(2)             سداد جميع ديون الدولة العثمانية البالغة ثلاثة وثلاثين مليون ليرة إنجليزية ذهبية.

(3)             بناء أسطول لحماية الإمبراطورية العثمانية بتكاليف قدرها مائة وعشرون مليون فرنك ذهبي.

(4)             تقديم قرض بخمسة وثلاثين مليون ليرة ذهبية بدون فوائد لإنعاش مالية الدولة.

(5)             بناء جامعة عثمانية إسلامية في القدس.

(6)             تهدئة الأوضاع في الغرب حول قضية اضطهاد العثمانيين للأرْمَن والتي أُثيرت في فرنسا وإنجلترا، حَيْثُ زَعَمَت الدولتان أن الدولة العثمانية اضطهدت الأرْمَن، والحق أن الأرمن النصارى ثاروا على الدولة العثمانية التي تملك هذه البلاد في ذلك الوقت، لكن أشيع في فرنسا وانجلترا أن الدولة العثمانية تضطهد الأرْمَن؛ حتى يكون هذا ذريعة لدخول الجيوش الإنجليزية والفرنسية لاحتلال الدولة العثمانية بهدف الدفاع عن الأرْمَن النصارى، فعرض عليه تُيودور هرتزل أنه سيهدئ له قضية الأرْمَن في إنجلترا وفرنسا وأنه على ذلك قادر.

نظر السلطان عبد الحميد إلى كُلِّ هذه العُرُوض وقال: إني لا أستطيع أن أتنازل عن شِبْرٍ واحِدٍ مِن الأراضي المقدسة؛ لأنه ليس مِلْكي بل مِلْك شعبي. لقد أوْجَدَ هذه الإمبراطورية وغَزَّاها بدمه، وسنغطيها مرة أخرى بدمائنا قبل أن نسمحَ بتمزيقها.

يستطيع اليهود أن يُوَفِرُوا ملايينهم حين تُقَسَّم الإمبراطورية، قد يأخذون فلسطين مقابل لا شيء، لكن لن تُقَسَّمَ إلا على جُثثنا؛ لأنني لن أسمحَ أبداً بتشريحنا ونحن أحياء.

قال تُيودور هرتزل لزعماء اليهود: في حال استمرار رَفْض السلطان عبد الحميد للمطالب الصهيونية فإن تحطيم الإمبراطورية العثمانية شَرطٌ أساسيٌ لإقامة حكومة صهيونية في فلسطين. (فلسطين حتى لا تكون أندلساً أخرى ـ راغب السرجاني ـ جـ3 ـ صـ 13)

 

وثيقة وعد بلفور بإنشاء دولة لليهود في فلسطين:

في الثاني مِن نوفمبر عام 1917 كتبَ وزير خارجية بريطانيا بِلْفُور إلى رُوتشيلد (أحد زعماء الحركة الصهيونية).

عزيزي اللورد رُوتشيلد: يُسعدني كثيراً أن أُبَلِغُكُمْ نيابةً عن حكومة جلالة الملك، بالتصريح التالي: تَعَاطُفَاً مع أماني اليهود الصهاينة التي قدَّموها، ووافق عليها مجلس الوزراء. إن حُكْومَةَ جلالة الملك تنظرُ بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وُسْعِها لتيسير تحقيق هذا الهدف. وليكن مفهوماً بجلاء أنه لن يتم شيء مِن شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين، أو بالحقوق أو الأوضاع القانونية التي يتمتع بها اليهود في أية دولة أخرى. وسَوفُ أكون مَدِيناً بالعِرفان لو قمتم بإبلاغ هذا التصريح إلى الاتحاد الصهيوني. (موسوعة الملل والأديان ـ جـ1 ـ صـ197:196)

فِي عَام 1917م أيضَاً احتلت الجيوش البريطانية فلسطين بعد هزيمَة الدولة العثمانية حليفة ألمانيا فِي الْحَرْب العالمية الأولى (1914م - 1917م) ، ثُمَّ وُضِعَتْ فلسطين وَمَا جاورها تَحت الانتداب البريطاني بموافقة الْأُمَم المتحدة  فِي 25 إبريل من عَام 1920م إِلَى عَام 1932م حَيْثُ قَامَت بريطانيا بتحقيق وَعْدِ بلفور فِي تشجيع ودَعْم الْهِجْرَة الْيَهُودِيَّة إِلَى فلسطين وتوطينها وحمايتها، فَهَاجَرَ إِلَى فلسطين أثْنَاء مُدَّة الانتداب البريطاني مَا يقرب مِن 118 ألف يَهُودِيّ. قَامَ اليهود بتكوين عصابات إرهابية مسلحة بهدف الاستيلاء على أَرَاضِي الْمُسلمين وتشريدهم وإرهابهم، وَقد اندمجت تِلْكَ العصابات الْيَهُودِيَّة بعد ذَلِك فِي (جَيش الدفاع) فِي الدولة الْيَهُودِيَّة.

فِي 26 نوفمبر عام 1947م أصدرت الْأُمَمُ المتحدةُ قَرَارهَا بتقسيم فلسطين بَين الْمُسلمين وَالْيَهُود وانتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين.

فِي 15 مايو عام 1948م أَعْلَنَ دافيد بن جُوريون قيام دولة يَهُودِيَّة فِي فلسطين عَقِب إعلان بريطانيا انْتِهَاء الانتداب. (موجز تاريخ اليهود  ـ محمود بن عبد الرحمن قدح  ـ صـ 268)

 

جرائم اليهود مع  الله تعالى:

سوف نذكرُ بعض جرائم اليهود مع الله تعالى:

(1) قال الله تَعَالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ) (التوبة:30)

(2) قال جَلَّ شأنه حِكَايَةً عن اليهود: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) (البقرة:55).

قَالَ الإمامُ ابْنُ جرير الطبري (رحمهُ اللهُ): إِذْ قُلْتُمْ: يَا مُوسَى لَنْ نُصَدِّقَكَ وَلَنْ نُقِرَّ بِمَا جِئْتَنَا بِهِ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً عِيَانًا، بِرَفْعِ السَّاتِرِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، وَكَشْفِ الْغِطَاءِ دُونَنَا وَدُونَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَيْهِ بِأَبْصَارِنَا.(تفسير الطبري ـ جـ1 ـ صـ 687).

(3) قال سُبحانه: (لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181)

(4) قال تعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64)

قَالَ عَبْدُ الله بْن عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:قَوْلُهُ: (مَغْلُولَةٌ) أَيْ: بَخِيلَةٌ.

قَوْلُهُ: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ)

قَالَ ابْنِ عَبَّاسٍ: لَا يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللَّهِ مُوثَقَةٌ وَلَكِنْ يَقُولُونَ: بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. (تفسير ابن كثير ـ جـ3 ـ صـ 146).

(5) قال جَلَّ شأنه حكاية عن اليهود: (قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ)(المائدة:25:24).

(6) اليهود يَكْذِبُون عَلى الله تعالى: قال جَلَّ شَأنه: (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:78)

قال الإمامُ ابنُ كثير (رحمه الله): يُخْبِرُ تَعَالَى عَنِ الْيَهُودِ، عَليهم لَعَائِنُ اللَّهِ، أَنَّ مِنْهُمْ فَرِيقًا يُحَرِّفون الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ويُبَدِّلون كَلَامَ اللَّهِ، وَيُزِيلُونَهُ عَنِ الْمُرَادِ بِهِ، ليُوهِموا الْجَهَلَةَ أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَيَنْسُبُونَهُ إِلَى اللَّهِ، وَهُوَ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ قَدْ كَذَبُوا وَافْتَرَوْا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: (وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (تفسير ابن كثير ـ جـ3 ـ صـ97).

وقال سُبحانه: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:80).

قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة (رحمهُ اللهُ): قَوْلُهُ: (وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلا أَيَّامًا مَعْدُودَةً) أيْ: الْأَيَّامَ التِي عَبَدْنَا فِيهَا الْعِجْلَ. (تفسير ابن كثير ـ جـ1 ـ صـ 314).

 

جرائم اليهود مع الأنبياء :

سوف نَذْكُرُ بعضَ جرائم اليهود مع الأنبياء، وهي مَذْكُورَةٌ في التوراة المُحَرَّفَةِ الموجودة بين أيديهم الآن:

(1)             زَعَمُوا أن نبيَّ الله تعالى هَارُون عليه السلام صنعَ عِجْلاً، وَعَبَدَه مع بني إسرائيل. (سفر الخروج  ـ إصحاح 32 ـ عدد 1). وقد بَيّنَ القرآنُ الكريمُ كذبهم هذا عندما حَدثنا أنَّ الذي صنعَ لهم عجلاً جسداً له خُوَارٌ هو السَّامِري، وأن هارون عليه السلام قد أنكرَ عليهم إنكاراً شديداً.

(2)             زَعَمُوا أن إبراهيمَ خليلَ الرحمن عليه السلام قدَّمَ امرأته سَارة إلى فرعون حتى ينال الخير بسببها. (سفر التكوين ـ  إصحاح 12 ـ عدد 14)

كذبَ اليهودُ على إبراهيمَ، عليه السلام وقد قص علينا الرسول r قصة إبراهيم عليه السلام هذه عند دخوله لمصر، وفيها أن ملك مصر كان طاغية، وكان إذا وجدَ امرأةً جميلةً ذات زوج قتل زوجها وحازها لنفسه، فلما سُئِلَ إبراهيم عليه السلام عنها قال:هي أخته، يعني أخته في الإسلام، وأخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن اللهَ تعالى حَفِظَ سارة عندما ذهبت إلى الطاغية، فلم يمسها بأذى.

(3)             زَعَمُوا أن لوطاً عليه السلام شربَ خمراً حتى سَكِرَ، ثمّ قامَ على ابنتيه فزنى بهما الواحدة بعد الأخرى. (سفر التكوين ـ إصحاح 19 ـ عدد 30) ومعاذ الله تعالى أن يفعلَ لوطٌ عليه السلام ذلك، وهو الذي دعا إلى الفضيلة طيلة حياته، وحارب الرذيلة، ولكنّه الحقد اليهودي يمتد إلى الأصفياء مِن البشر، فلعنة الله تعالى على الظالمين.

(4)             زَعَمُوا  أن يعقوبَ عليه السلام سرق مواشٍ مِن والد زوجته، وخرج بزوجته سِرَّاً دون أن يُعْلِمه. (سفر التكوين ـ إصحاح 31 ـ عدد 17 )

(5)             زَعَمُوا أن روابينَ زنى بزوجة أبيه يعقوب عليه السلام وأن يعقوب عليه السلام عَلِمَ بهذا الفعل القبيح وسَكَتَ (سفر التكوين ـ إصحاح 35 ـ عدد 32).

(6)             زَعَمُوا أن داود عليه السلام زنى بزوجة رَجلٍ مِن قُوَّاد جيشه، ثم دَبَّرَ حيلةً لقتل الرَّجل، فقُتِلَ، وبعد ذلك أخَذَ داودُ عليه السلام الزوجةَ وضمها إلى نسائه، فولدت له سُليمان عليه السلام (سفر صموئيل الثاني ـ إصحاح 11 ـ عدد 1).

(7)             زَعَمُوا  أن سُليمان عليه السلام ارْتدَّ في آخر عُمره، وعَبَدَ الأصنام، وبنى لها المعابد. (سفر الملوك الأول ـ إصحاح 11 ـ عدد 5),

هذه بعض المخازي والقبائح والكبائر التي نَسَبَهَا  اليهودُ إلى أنبياء الله الأطهار، وحاشاهم مما وصفوهم به، ولكنها النفوس المريضة تنسب إلى خيرة الله مِن خَلْقه القبائح، ليسهل عليهم تدبير ذنوبهم ومعايبهم عندما ينكرُ عليهم مُنْكِرٌ، ويعترض عليهم مُعْتَرِضٌ. (الرسل والرسالات ـ لعمر سليمان الأشقر ـ صـ105:104).

 

مواقف اليهود مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم:

سَوْفَ نَذْكُرُ بعضَ جرائم اليهود مع نبينا صلى الله عليه وسلم:

(1)             يهود بني النّضِيرِ يحاولون قتل النبي صلى الله عليه وسلم:

خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى بَنِي النَّضِيرِ يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ قَتِيلَيْنِ مِنْ بَنِي عَامِرٍ، اللَّذَيْنِ قَتَلَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، لِلْجِوَارِ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَقَدَ لَهُمَا،وَكَانَ بَيْنَ بَنِي النَّضِيرِ وَبَيْنَ بَنِي عَامِرٍ عَقْدٌ وَحِلْفٌ.فَلَمَّا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْتَعِينُهُمْ فِي دِيَةِ قَتِيلَيْنِ، قَالُوا نَعَمْ، يَا أَبَا الْقَاسِمِ، نُعِينُكَ عَلَى مَا أَحْبَبْتُ، مِمَّا اسْتَعَنْتُ بِنَا عَلَيْهِ. ثُمَّ خَلَا بَعْضُهُمْ بِبَعْضِ، فَقَالُوا: إنَّكُمْ لَنْ تَجِدُوا الرَّجُلَ عَلَى مِثْلِ حَالِهِ هَذِهِ- وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى جَنْبِ جِدَارٍ مِنْ بُيُوتِهِمْ قَاعِدٌ- فَمَنْ رَجُلٌ يَعْلُو عَلَى هَذَا الْبَيْتِ، فَيُلْقِي عَلَيْهِ صَخْرَةً، فَيُرِيحُنَا مِنْهُ؟ فَانْتَدَبَ لِذَلِكَ عَمْرُو بْنُ جَحَّاشِ بْنِ كَعْبٍ، أَحَدَهُمْ، فَقَالَ: أَنَا لِذَلِكَ، فَصَعِدَ لِيُلْقِيَ عَلَيْهِ صَخْرَةً كَمَا قَالَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ، رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ. فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْخَبَرُ مِنْ السَّمَاءِ بِمَا أَرَادَ الْقَوْمُ، فَقَامَ وَخَرَجَ رَاجِعًا إلَى الْمَدِينَةِ. (سيرة ابن هشام ـ جـ2 ـ صـ192:190).

(2)             يهود خبير يضعون السم للنبي  صلى الله عليه وسلم:

روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: اجْمَعُوا إِلَيَّ مَنْ كَانَ هَا هُنَا مِنْ يَهُودَ فَجُمِعُوا لَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَائِلُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْهُ؟، فَقَالُوا: نَعَمْ، قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَبُوكُمْ؟، قَالُوا: فُلاَنٌ، فَقَالَ: كَذَبْتُمْ، بَلْ أَبُوكُمْ فُلاَنٌ، قَالُوا: صَدَقْتَ، قَالَ: فَهَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُ عَنْهُ؟، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، وَإِنْ كَذَبْنَا عَرَفْتَ كَذِبَنَا كَمَا عَرَفْتَهُ فِي أَبِينَا، فَقَالَ لَهُمْ: مَنْ أَهْلُ النَّارِ؟، قَالُوا: نَكُونُ فِيهَا يَسِيرًا، ثُمَّ تَخْلُفُونَا فِيهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اخْسَئُوا فِيهَا، وَاللَّهِ لاَ نَخْلُفُكُمْ فِيهَا أَبَدًا، ثُمَّ قَالَ: هَلْ أَنْتُمْ صَادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إِنْ سَأَلْتُكُمْ عَنْهُ؟، فَقَالُوا: نَعَمْ يَا أَبَا القَاسِمِ، قَالَ: هَلْ جَعَلْتُمْ فِي هَذِهِ الشَّاةِ سُمًّا؟، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟، قَالُوا: أَرَدْنَا إِنْ كُنْتَ كَاذِبًا نَسْتَرِيحُ، وَإِنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ.  (البخاري ـ حديث: 3169)

(3)             يهود بني زريق يسحرون النبي صلى الله عليه وسلم:

روى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: سَحَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ، يُقَالُ لَهُ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ: قَالَتْ حَتَّى كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ، وَمَا يَفْعَلُهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ، أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ دَعَا، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ أَشَعَرْتِ أَنَّ اللهَ أَفْتَانِي فِيمَا اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟ جَاءَنِي رَجُلَانِ فَقَعَدَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رَأْسِي وَالْآخَرُ عِنْدَ رِجْلَيَّ، فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رَأْسِي لِلَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ، أَوِ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا وَجَعُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ: مَنْ طَبَّهُ؟ قَالَ: لَبِيدُ بْنُ الْأَعْصَمِ، قَالَ: فِي أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ، قَالَ: وَجُفِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ، قَالَ: فَأَيْنَ هُوَ؟ قَالَ: فِي بِئْرِ ذِي أَرْوَانَ  قَالَتْ: فَأَتَاهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أُنَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَائِشَةُ وَاللهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ، وَلَكَأَنَّ نَخْلَهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ قَالَتْ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ؟ قَالَ: لَا أَمَّا أَنَا فَقَدْ عَافَانِي اللهُ، وَكَرِهْتُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ شَرًّا، فَأَمَرْتُ بِهَا فَدُفِنَتْ. (مسلم ـ حديث: 2189)

 

انتقام اللهُ من اليهود:

قَالَ اللهُ تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا * إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا* عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (الإسراء:7:5)

* قَالَ الإمامُ ابنُ كثير (رحمه الله): يَقُولُ تَعَالَى: إِنَّهُ قَضَى إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ، أَيْ: تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ وَأَخْبَرَهُمْ فِي الْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ سَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَيَعْلُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، أَيْ: يَتَجَبَّرُونَ وَيَطْغَوْنَ وَيَفْجُرُونَ عَلَى النَّاسِ.

* َقَوْلُهُ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) أَيْ: أُولَى الْإِفْسَادَتَيْنِ.

* َقَوْلُهُ: (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) أَيْ: سَلَّطْنَا عَلَيْكُمْ جُنْدًا مِنْ خَلْقِنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ، أَيْ: قُوَّةٍ وَعُدَّةٍ وَسُلْطَةٍ شَدِيدَةٍ.

* َقَوْلُهُ: (فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ) أَيْ: تَمَلَّكُوا بِلَادَكُمْ وَسَلَكُوا خِلَالَ بُيُوتِكُمْ، أَيْ: بَيْنَهَا وَوَسَطَهَا، وَانْصَرَفُوا ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ لَا يَخَافُونَ أَحَدًا (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا)

* قَوْلُهُ: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) أَيْ: الْمَرَّةُ الْآخِرَةُ أَيْ: إِذَا أَفْسَدْتُمُ الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ وَجَاءَ أَعْدَاؤُكُمْ.

* َقَوْلُهُ: (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) أَيْ: يُهِينُوكُمْ وَيَقْهَرُوكُمْ.

* َقَوْلُهُ: (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ) أَيْ بَيْتَ الْمَقْدِسِ

* َقَوْلُهُ: (كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أَيْ: فِي الَّتِي مَشوا فِيهَا بالتَّدمِير خِلَالَ الدِّيَارِ.

* َقَوْلُهُ: (وَلِيُتَبِّرُوا) أَيْ: يُدَمِّرُوا وَيُخَرِّبُوا.

* َقَوْلُهُ: (مَا عَلَوْا) أَيْ: مَا غَلَبُوا وحَصَلُوا عَلَيْهِ.

* َقَوْلُهُ: (عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ) أَيْ: فَيَصْرِفَهُمْ عَنْكُمْ.

* َقَوْلُهُ: (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا) أَيْ: مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ.

* َقَوْلُهُ: (عُدْنَا) أَيْ: عُدْنَا بِالْعُقُوبَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ.

(تفسير ابن كثير ـ جـ8 ـ صـ439:437).

قَالَ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَة (رحمهُ اللهُ): عَادَ اليهودُ إلى المَعَاصي فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ. (تفسير الطبري ـ جـ14ـ صـ506)

نَقَضَ اليهودُ عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخرج صلى الله عليه وسلم  يهودَ بن النضير مِن ديارهم إِلَى خَيْبَرَ، وقتل الذكور القادرين على القتال مِن يهود بني قريظة وقَسَّمَ أموال القبيلة على المسلمين، وأخذ الجزية مِن يهود خبير، حتى أجلاهم الخليفة عمر بن الخطاب، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،  إلى الشام .

 

اللهُ تعالى مسخ بعض اليهود فجعلهم قردة وخنازير:

قال سُبحانه: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (البقرة:65)

قال الإمامُ ابنُ جرير الطبري (رحمهُ اللهُ): مَسَخَهُمُ اللَّهُ قِرَدَةً بِمَعْصِيَتِهِمْ،وَلَمْ يَحْيَوْا فِي الْأَرْضِ إِلَّا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ تَأْكُلْ، وَلَمْ تَشْرَبْ، وَلَمْ تَنْسِلْ. (تفسير الطبري جـ2صـ168)

وقال سُبحانه: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) (المائدة:60).

 

جرائم اليهود في المسجد الأقصى:

تَعَرَّضَ الْمَسْجِدُ الأقْصَى إلى العديد مِن الاعتداءات منذ أن قامَ اليهودُ باحتلال القدس قبل نحو خمسين عَامَاً.

وسَوْفَ نَذْكُرُ أهَمَّ الاعتداءات التي تَعَرَّضَ لها الْمَسْجِدُ الأقْصَى الشريف منذ عَام 1967م.

(1)             في يوم 11/6/1967 بدأت الحكومةُ اليهوديةُ بِعَمَلِ حَفْرِيَّاتٍ أسفل الْمَسْجِدِ الأقْصَى وفي منطقته .

(2)             في يوم 15/8/ 1967دَخَلَ الحَاخَامُ الأكبرُ للجيش الإسرائيلي وخمسون مِن أتباعه ساحة الْمَسْجِدِ الأقْصَى، وقاموا بأداء صلاتهم فيه.

(3)             قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بتدمير المنطقة الواقعة أمَام مَربَط الْبُرَاقِ (وهو المكان الذي يسميه اليهود: حائط المبْكَى)، وإجلاء سكان الحي عنه.

(4)             في يوم21 أغسطس 1969م قَامَ بعضُ اليهودُ بإحراق الْمَسْجِدِ الأقْصَى.

(5)             اقتطعَتْ الحكومةُ اليهوديةُ جزءاً مِن جدران الْمَسْجِدِ الأقْصَى، وهو حَائِط الْبُرَاقِ، وأطلقوا عليه كذباً اسم حَائِط المبْكَى، وَمَنَعُوا المسلمون مِن الاقتراب منه.

(6)             في يوم 11/4/1982 اقتحمَ جنديٌ يهوديٌ مسجدَ قبة الصخرة وقتل اثنين مِن المصَلِّين وجَرَحَ أكثر مِن ستين فلسطينياً.

(7)             في يوم 10/8/1990 ارتَكَبَ اليهودُ مذبحةً في الْمَسْجِدِ الأقْصَى، ذَهَبَ ضحيتها  ثلاثٌ وعشرون فلسطينياً

(8)             في يوم 27 /9/ عام 1996م دَخَلَ اليهودُ مُجَمَّعَ الْمَسْجِدِ الأقْصَى بعد أن فتحوا نَفَقاً تحت المسجد وقتلوا ثلاثة مِن المصَلِّين وجَرَحُوا أكثر مِن مائةٍ آخرين.

(9)             في يوم 28 /9/ عام 2000م دَخَلَ رئيسُ وزراء إسرائيل، شارون، الْمَسْجِدَ الأقْصَى، مما أدَّى إلى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.

(10)        في يوم 8 /2/ عام 2006م  قامت وزارة التربية والتعليم اليهودية وكذلك الوكالة اليهودية بتوزيع آلاف النُّسَخ لخرائط البلدة القديمة في القدس، وضعت فيها صورة لمُجَسَّمِ هَيْكَل سُلَيْمَان المزعوم مكان مسجد قبة الصخرة.

(11)        في يوم 17 /7/ عام 2017م  قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بإغلاق الْمَسْجِدِ الأقْصَى أمام المصَلِّين وَمَنَعُوا رَفْعَ الأذان وإقامة الصلاة للمرة الأولى منذ احتلال القدس .

(12)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بفتح باب إلى حَائِط المبْكَى المزعوم ليسهل على اليهود المرور فيه.

(13)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بمصادرة الكثير مِن الأراضي العربية داخل مدينة القدس.

(14)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بإعادة تعمير الحي اليهودي في القدس.

(15)        قَامَتْ الحكومة اليهوديةُ بإعادة الحياة إلى جبل صهيون، وذلك بإنشاء رموز يهودية عليه، تُذَكِّرُ اليهودَ بأهمية هذا الجبل في العقيدة اليهودية.

(16)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بربط جبل صهيون بمدينة القدس عن طريق المباني السكنية.

(17)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بإنشاء الجامعة العبرية على جبل صهيون.

(18)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ بتشجيع بناء المستوطنات اليهودية في مدينة القدس.

(19)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ ببناء سُورٍ ضخم حول مدينة القدس،مع بناء قوسٍ عُمْرَاني مِن المباني العالية، المصَمَّمَةُ على أساس اعتبارات دفاعية عسكرية، في المقام الأول، بحيث تصبحُ المدينةُ مُحَصَّنَة ضد أي اعتداء عليها.

(20)        قَامَتْ الحكومةُ اليهوديةُ باستبدال الكثير مِن أسماء الشوارع والساحات، المحيطة بالْمَسْجِدِ الأقْصَى، بأسماء يهودية.

(21)        قَامَتْ الحكومةُ اليهودية بإطلاق اسم جبل الهيكل على المكان الموجود عليه الْمَسْجِد الأقْصَى ليتجنبوا التسمية الصحيحة، وهي:جبل بيت المقدس. (مجلة البحوث الإسلامية) (المسجد الأقصى ـ عيسى القدومي ـ صـ32) ( تهويد القدس ـ للدكتور: مجدي عبده ـ صـ21:20)

 

انتصار المسلمين على اليهود حقيقة ثابتة:

روى الشيخانِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ (أَيْ: تَنْتَصِرُونَ) عَلَيْهِمْ، ثُمَّ يَقُولُ الحَجَرُ يَا مُسْلِمُ هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي، فَاقْتُلْهُ (البخاري ـ حديث: 3593 / مسلم حديث: 292).

* قوْلُهُ: (تُقَاتِلُكُمُ اليَهُودُ): هَذَا إِنَّمَا يكون إِذا نزل عِيسَى بن مَرْيَم، عَلَيْهِمَا السَّلَام، فَإِن الْمُسلمين يكونُونَ مَعَه وَالْيَهُود مَعَ الدَّجَّال.

* هَذَا الحديثُ فِيه: إِشَارَة إِلَى بَقَاء شَرِيعَة نَبينَا مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم، فَإِن عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، يكون على شَرِيعَة نَبينَا صلى الله عليه وسلم وَفِيه: معْجزَة للنَّبِي صلى الله عليه وسلم حَيْثُ أخبر بِمَا سيقع عِنْد نزُول عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَام، من تكلم الجماد والإخبار وَالْأَمر بقتل الْيَهُود وإظهاره إيَّاهُم فِي مَوَاضِع اختفائهم. (عمدة القاري ـ بدر الدين العيني ـ جـ14 ـ صـ 199).

* رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم،َ قَالَ: لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ إِلَّا الْغَرْقَدَ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ. (مسلم ـ حديث: 2922).

* قَالَ الإمَامُ النَّوَوِيُّ (رحمه اللهُ): الْغَرْقَدُ نَوْعٌ مِنْ شَجَرِ ذُو شَوْكٍ، مَعْرُوفٌ بِبِلَادِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَهُنَاكَ يَكُونُ قَتْلُ الدَّجَّالِ وَالْيَهُود (مسلم بشرح النووي جـ18 ـ صـ45),

 

القدس في واحة الشعراء:

سوف نذْكُرُ بعضَ أقوال الشعراء في وصف القدس.

(1)             قال الإمامُ أحمد بن حجر العسقلاني (رحمه الله) عند زيارته لبيت المقدس:

إلى البيت المقدَّس جِئْتُ * أرجو جِنَانَ الخُلْدِ نُزُلاً مِن كريم

قطعنا في مَحبته عِقَاباً * وما بعد العِقَاب سُوى النَّعيم.

(نفح الطيب ـ أحمد بن محمد المقري ـ جـ1 ـ صـ54)

(2)             قَالَ الشِّاعِرُ: أحمد شوقي:

إنما القدسُ منزلُ الوحي، مغنى  *  كلِّ حَبْرٍ من الأَوائل عالم

كنفتْ بالغيوب، فالأرضُ أسرارٌ  *  مدى الدهرِ، والسماءُ طلاسم

وتَحلَّتْ من البُراقِ بطُغراءَ  *  ومِن حافر البُراقِ بخاتم 

(ديوان أحمد شوقي ـ صـ523)

(3)             يقول الشاعر: عدنان النحوي:

يا قُدسُ! يَا نجْوى الزَّمان * ولَهْفةَ الـأُفُقِ اُلمُطِلِّ على رُبَاكِ ! فأجْملي

يَا قُدسُ ! يَا إشراقة الفَجْر النَّدِيِّ *  وبسمةً طَلَعتْ مَع الصُّبْحِ الجَلِي

يَا قُدسُ! يَا عِطرَ الدُّهور ونفحةً *  مَاجَت على الأمَلِ الغنيِّ المرفِلِ

يا قُدسُ! يا رفَّ الحَنين وخَفْقةً * مِن كلِّ قَلبٍ خَاشعٍ متبتِّلِ

يا قُدسُ! يَا عَبَقَ الفُتُوحِ ونَسمةً  *  سَارَتْ بريَّا المِسْكِ فوحَ قُرنْفُلِ

(4)             يقول الشاعر: عدنان النحوي:

المسجدُ الأقصى رفيفُ حَنِينِه * رَيَّا نَسِيمٍ بالأًرِيج مُحَمَّلِ

المسْجِدُ الأقْصَى على رَبواتِه *  ورحَابِه قَصص الهُدى المتنَزِّلِ

نورٌ مع التاريخ مُؤْتَلِقُ به *  يَغْنى بلألأة الهُداةِ وينجلي

مَهْوى قُلوبِ المؤمنين *  وَقِبْلَةٌ أولى على حَقٍّ نَدِيٍّ مُخْضَلِ

وربى ملألِئَةُ يَشعّ بها الهُدى *  من كلِّ رُكْن بالبَهاءِ مُجَلَّلِ

(5)             يقول الشاعر: أبو طُعَيْمَة:

فِدَىً لكِ يا قُدْسُ النُّفُوسُ النّفَائِسُ * وَمَنْ لَيْسَ يَفْدي فَهْوَ بالنَّفْسِ بِاخِسُ

تَخَاصَمَ فِيكِ النَّاسُ في كُلِّ حِقْبَةٍ *  مِنَ الدَّهْرِ حَتَّى أَتْخَنَتْكِ الدَّسَائِسُ

فَسُبْحَانَ مَنْ أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلَةً *  إلى المسْجِدِ الأَقْصَى فَحَيْثُ المقَادِسُ

وَمِنْ بَعْدِهِ الفَارُوقُ قَدْ جَاءَ فَاتِحًا * وبَعْدُ صَلاحُ الدِّينِ للدِّينِ حَارِسُ

وَلَكِنَّ قَومًا شتَّتَ الله شَمْلَهُمْ * أَقَامُوا بِها فَاسْتَوْطَنَتْها المَدَانِسُ

يَطُوفُونَ بِالقُدْسِ الشَّريفِ لِيَهْدِمُوا * وقَدْ كَثُرَتْ في المُسْلِمِينَ الهَوَاجِسُ

 

خِتَامَاً:

 أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ، وأن يجعله ذُخْرَاً لي عنده يوم القيامة. (يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) كما أسأله سُبْحَانَه أن ينفعَ به طُلابَ العِلْم.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply