بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الحمد من أجل الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم، وفي كتاب الله الكريم يكثر دوما ذكر الحمد لله سبحانه وتعالى، وذلك لتذكير العباد بالنعم وأثرها، وذلك يستوجب التدبر المستمر لهذه النعم والعمل على شكر الله عز وجل وحمده، وتذكير العباد بالمداومة والمثابرة على الحمد لله رب العالمين، قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْـزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا)[الكهف:1]، وقال الله تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا رَجُلا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ)[الزمر:29].
وأعظم النعم التي تستوجب حمد الله تعالى هي نعمة الإسلام، وتوحيد الله سبحانه، ومعرفة الله الودود، قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا ۖ قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم ۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ)[الحجرات:17 ]، ولذا فمن عرف هذه النعمة وقدرها حق تقديرها لم يفتر لسانه عن حمد الله سبحانه، وسعى لتذكير الغير بفضل الله تعالى وجوده وإحسانه. والمسلم اللبيب يدرك أن كل أمر في الشريعة نعمة تستحق الحمد، وأن هذه الأوامر نزلت لتحقيق مصالح العباد، وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "أن رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أتي ليلة أُسريَ بهِ بإيلياءَ بقَدَحَينِ مِن خمرٍ ولبَنٍ، فنظرَ إليهِما، ثم أخذ اللبنَ، فقال جبريل: الحمدُ للهِ الذي هداكَ للفطرَةِ، ولو أخذتَ الخمرَ غوَتْ أُمَّتُكَ" (البخاري:5576)، فالحمد لله حمدا طيبا مباركا فيه.
مواطن قول الحمد لله:
أولا: عند الفراغ من الطعام والشراب:
وردت في السنة النبوية صيغ متعددة لحمد الله سبحانه وتعالى عند الفراغ من الطعام، فعن أبي أمامة الباهلي رضي الله تعالى عنه قال: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان إذا فرَغ من طَعامِهِ، وقال مرةً: إذا رفَع مائِدَتَهُ، قال: (الحمدُ للهِ الذي كَفانا وأَرْوانا، غيرَ مَكفِيٍّ ولا مَكفورٍ). وقال مرةً: (الحمدُ للهِ ربِّنا، غيرَ مَكفِيٍّ ولا مُوَدَّعٍ ولا مُسْتَغْنًى، ربَّنا)" (البخاري:5459). ووردت صيغة أخرى للحمد فعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "مَنْ أكلَ طعامًا ثُم قال : الحمدُ للهِ الّذي أطعمَنِي هذا الطعامَ ، ورزَقَنِيهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ ، غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ" (صحيح الجامع:6086). ووردت صيغة عامة عند الفراغ من الطعام والشراب ففعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه قال: " كان إذا أكلَ أوْ شربَ قال: الحمدُ للهِ الذي أَطْعَمَ وسَقَى، وسَوَّغَهُ وجعلَ لهُ مَخْرَجًا" صححه الألباني في (صحيح الجامع:4681). وتمام السنة أن يقوم المسلم بالتنويع بين هذه الصيغ.
ثانيا: عند الاستيقاظ من النوم:
إن الاستيقاظ من النوم هي نعمة كبيرة وهي نعمة تحث المسلم على تدبر نعمة البقاء على قيد الحياة فيستزيد من الأعمال الصالحة فعن أبي ذر الغفاري رضي الله تعالى عنه قال: " كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إذا أخذ مضجعه من الليلِ قال : ( اللهم باسمك أموت وأحيا ) . فإذا استيقظ قال : ( الحمد للهِ الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشورُ ) " (البخاري:6325). ووردت صيغة أخرى في السنة الشريفة فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: أن رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: " إذا استيقظ أحدُكم فلْيَقُلْ : الحمدُ لله الذي رَدَّ عليَّ رُوحي وعافاني في جسدي ، و أَذِنَ لي بذِكره" حسنه الألباني في (صحيح الجامع:329)
ثالثا: عند الاستيقاظ في الليل:
وردت صيغة محددة عند الاستيقاظ من النوم ليلا، وهي سبب في المغفرة وقبول الصلاة، فعن عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "من تعارَّ من الليلِ فقال حين يستيقظُ: لا إله إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، له الملكُ، وله الحمدُ وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ، سبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، ولا إله إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ، ثم دعا: ربِّ اغفر لي استُجيبَ له؛ فإن قام فتوضأَ ثم صلَّى قُبِلتْ صلاتَه" (أبو داود:5060).
رابعا: عند لبس الثوب
حمد الله ملك الملوك على نعمة الثياب أمر يعقله المسلم اللبيب، وههذه السنة الشريفة من السنن المهجورة التي ينبغي لنا تعلمها وتعليمها للأهل والمسلمين، فعن معاذ بن أنس الجهني رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : "مَنْ لبِسَ ثوبًا فقال: الحمدُ للهِ الّذي كسَانِي هذا، ورزَقَنِيِهِ من غيرِ حولٍ مِنِّي ولا قُوَّةٍ غُفِرَ لهُ ما تقدَّمَ من ذنْبِهِ ومَا تأخَرَّ" (صحيح الجامع:6086)
خامسا: دبر كل صلاة:
وردت صيغة لذكر الله تعالى متضمنة لحمد الله دبر كل صلاة، وهي سبب في غفران الذنوب وإن كانت مثل زبد البحر، فما أحوجنا للمثابرة عليها، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "من سبَّحَ اللَّهَ في دُبُرِ كلِّ صلاةٍ ثلاثًا وثلاثينَ وحمدَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثينَ وكبَّرَ اللَّهَ ثلاثًا وثلاثينَ فتلكَ تسعةٌ وتسعونَ وقالَ تمامَ المائةِ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ لهُ الملكُ ولهُ الحمدُ وهوَ على كلِّ شيءٍ قديرٌ غُفِرت خطاياهُ وإن كانت مثلَ زَبَدِ البحرِ" (مسلم:597).
سادسا: عند العطاس
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إذا عطس أحدُكم فليقلْ : الحمدُ للهِ، وليقلْ له أخوهُ أو صاحبُه: يرحمُك اللهُ، فإذا قال له: يرحمُك اللهُ، فليقلْ: يهديكم اللهُ ويصلحُ بالَكم" (البخاري:6224).
سابعا: عند رؤية مبتلي:
إن حمد الله تعالى عند رؤية المبتلى من علامات إدراك العبد لنعمة الله تعالى عليه، وووردت صيغة للحمد عند رؤية المبتلى تجعل المسلم في زمرة الشاكرين لله سبحانه على نعمه، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "إذا رأى أحدُكم مُبتلًى فقال : الحمدُ للهِ الذي عافاني مما ابتلاكَ به، وفضَّلَني عليك وعلى كثيرٍ من عبادِه تفضيلًا ، كان شَكَرَ تلك النعمةِ" حسنه الألباني في(صحيح الجامع:555).
ثامنا: عند كل نعمة:
يجب على المسلم أن يلازم الحمد عند كل نعمة من الله تعالى، فهذا نهج الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ونهج العباد الصالحين رضي الله تعالى عنهم أجمعين، قال الله تعالى: (وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34]، وقال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) [إبراهيم:39] وقال الله تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [النمل:93] قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) [لقمان:25] وقال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ) [الأنعام:1[.
حادي عشر: عند تذكر وتدبر أسماء الله تعالى وصفاته:
ومن أجل المواطن لحمد الله تعالى تدبر أسماء الله تعالى وصفاته، وتدبر جميل خلقه وعظيم قدرته وكماله قال الله تعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [فاطر:1]، وقال الله تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65].
ثاني عشر: عند دخول الجنة:
من أجمل المواطن التي يأذن الله تعالى فيها لعباده بحمده سبحانه هي موطن دخول الجنة، ومن يثابر على حمد الله الكريم في الدنيا فلن يخذله الله رب العالمين في الآخرة، ومن عاش على شيء مات عليه، قال الله تعالى: (وَنَـزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)
[الأعراف:43].
نسأل الله تعالى ملك الملوك أن يرزقنا وأهلنا والمسلمين الحمد في الدنيا والآخرة..
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد