بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أيها المسلمون ..
تاريخُنا مِن رسولِ اللهِ مبدؤهُ * وما سِـواهُ فلا عِـزٌّ ولا شانُ
إذا قامتِ الدُّنيا تَعُدُّ مفاخراً * فتاريُخنا الوضَّاحُ من بدرٍ ابتدا
ويبقى صدى بدرٍ يَرِنُّ بأُفقِنا * هُتــافاً على سمــعِ الزمانِ مُردِّدا
بلادٌ أعـــزَّتْهَا سيوفُ محمـدٍ * فما عُـذرُها ألاَّ تَعُــزَّ مــحــمــداً
يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة. أُذكِّرُكم بأولِ وأعظمِ النِّعَم، أنَّ اللهَ تعالى اختصَّ أرضَكُم وبلادَكُم لِينـزلَ في أرضِها القرآن، ويبعثَ فيها الرسولَ عليهِ الصلاةُ والسلام، أرضُكم وطِئَتها أقدامُ النبيُّ المختارُ عليه الصلاة والسلام، وأصحابهُ وأزواجهُ وأتباعُه، بل حينَ تقرءونَ القرآن، تجدونَ اسمَ بُقعةٍ لامعةٍ، مكة إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً. وفي سُنةِ نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قائمةً طويلةً بأسماءِ تلكَ البِقاعِ التي شَرَّفَها اللهُ تعالى واختارَها في أرضِكم، نعم. البلادُ التي حفلَ بها القرآنُ والحديثُ وأخبارُ السيرةِ هي هذه البلادُ التي خصَّها اللهُ واصطفاها، وعاشَ على ثَرَاها صحابةٌ كِرامٌ.
ليس فخرُهم بآباءٍ وأجدادٍ هم حطبُ جهنم، ولا فخرُهم بالدِّرهم والدِّنار، ولا فخرُهم بالمكانةِ بين الأُمم.
عباد الله.. إذا افتخرَ كلُ أُناسٍ بساداتِهم وأبطالِهم وتاريخِهم، كان فخرُنا أعلى وأعزّ، بذكرِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وذكرِ جبريلَ عليه السلام، وذكرِ القرآنِ الذي قال الله تعالى: (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلونَ)
فيا ربِّ زِدني في يقيني بصيرةً * وزِدْ حُبَهم يا ربِّ في حسناتي
أيها المسلمون.. بلادٌ ودُولٌ وأقاليمُ، تُسمي نفسها مُدُناً مُتحضِّرة، حَصَلتْ على عُلُومٍ دُنيويةٍ، وقد تغزو الفضاء، وتحتلُ وتستعمرُ رِقاعاً واسعةً من الأرض، وقد تَصِلُ إلى أسرارٍ خطيرةٍ في العلوم، وتُفَجِّرُ الذَّرة، وتكتشفُ أدقَّ التفاصيل، لكَّنها فَشِلَتْ في معرفة قيمة الإنسان.
فهي تَتَخَبَّطُ في دياجيرِ الظُلمات، وكلُّ حضارةٍ ليس للإنسانِ فيها قيمةٌ حقيقة؛ ليست بحضارة.
أساسُ الحضارةِ هو احترامُ الإنسان، وإعطاؤهُ قيمته وشرفهُ ومكانتُه، وهذا لا يتم حقيقةً إلا بالدِّين.
يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة نحن نرى هذه النِّعمَ التي أنعمَ اللهُ بها علينا، ونخشى أن يأتيَ اليومُ الذي نَتَذَكَرُها فيه. باعتبارِها تاريخاً مضى، فالذي حَقَّ على بني إسرائيل، وعلى الأممِ السابقةِ كلِّها من آدمَ عليه السلام، إلى عهدِ محمد صلى الله عليه وآله وسلم، إلى يومِنا هذا، لماذا لا يُصيبُنا! ولماذا نتوقعُ دائماً وأبداً أن ما نعيشُه سَرمدٌ لا يزول.
لماذا لا نَستحضِرُ احتمالَ أن نفقدَ هذه النِّعمَ كُلَّها أو جُلَّها؟ فالسُّنةُ ماضية.. والناموسُ الإلهيُّ حقٌّ على الأُممِ كُلِّها.
والله يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة، إن دُعاةَ الإسلام هم من أكثرِ الناسِ حِرصاً على بلادِ الإسلام وَوُلاتِها، وعلى هذه البلاد أن يُصيبَها سُوءٌ أو مكروه، وعلى أهلِ هذهِ البلادِ الطيبين المباركين، أن يُبتَلوا بفقرٍ أو جوعٍ أو حِرمان، أو خوفٍ بسببِ التقصيرِ في أمرِ اللهِ عزَّ وجل، وتركِ الأمرِ بالمعروفِ والنهيِّ عن المنكر، الذي ما تركه قومٌ إلا أَحَلُّوا بأنفسهم البوار.
لقد ذاقَ أهلُ هذهِ البلادِ المباركة يوماً من الأيامِ طعمَ الجوعِ والخوف، ثم فجَّرَ اللهُ تعالى في أعماقِ الأرضِ النِّفطَ واستخرجَ كُنُوزَها فأدخلنا اللهُ به العالم.
يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة يا مَن أنعمَ اللهُ عليكم بالخيرات والبركات، يا مَن أنعمَ اللهُ تعالى عليكم بنعمة المال، أتظنونَ أنَّ وجودَ الثراءِ الفاحشِ عندَ البعض إلى جِوَارِ الفقرِ المُدقع، فَيُتَلاعبُ بمالِ اللهِ مما لا يُرضي اللهَ تعالى، بِشِراءِ بعيرٍ أو تَيسٍ مفاخَرة، بمالٍ يفوقُ قِيمةَ مشتريهِ بل وعائلتهِ وجمعٌ من قبيلته. أليس هذا من أعظم المنكرات والظُّلم.
هذا كتابُ الله ينطقُ بيننا بالحق.
يقول الله تعالى: (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) أي وأهلكنا أهلها فبِئرُها معطلةٌ لأن أهلَها أُهلكوا. وأهلكَ اللهُ تعالى من في القصرِ المشيد.
وأبقى القصرَ علامةً وآيةً على ما أجرى اللهُ تعالى لأهلِه الظالمي أنفسِهم قال تعالى: (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)
أين الذين يسمعون، أين الذين يعقلون ويتأملون ويدركون أنَّ هذا ليس كلاماً فارغاً، هذه سُنَنُ اللهِ تبارك وتعالى جاريةٌ علينا وعلى غيرنا، شئنا أم أبينا، اليومَ أو غداً قال تعالى: (وَكَأَيِّنْ مَنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ)
يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة. إنما جَمَعَكُم اللهُ تعالى بالإيمان، وإلا فأنتم قبائلُ شَتَّى، ومناطقُ مختلفة، ومفاهيمُ مُتفاوتة، ومذاهبُ غيرُ مُتفقة، ولكنَّ اللهَ ألفَّ بينكم بالإيمان لا غير، كما قالَ اللهُ تعالى: لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم (وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
تاريخُكم كُلُّهُ هو تاريخُ الإسلام، تاريخُ التوحيد، تاريخُ الاتباعِ لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وبغير هذا الدينِ يُصبحُ الأعرابيُّ يَتبعُ اليرابيع. يبحثُ عنها في الصحراء. الشمسُ والحرُّ والحربُ والقتالُ والتَّشَتُت.
الإسلام يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة هو سعادةٌ يعيشُها المرءُ من خلالِ الانضباطِ السلوكيِّ العامِّ في المجتمعِ على طاعة الله تعالى، حيث تُخيِّمُ السكينة والطُّمأنينة، وتزولُ عناصرُ الإثارةِ والتهييج، ويجدُ الإنسانُ سبلَ الإشباعِ الحلال، ومن وجدَ الحلالَ فلا حاجةَ بهِ إلى الحرام.
اللهم اهدنا للحق القويم وجنبنا مهاوي الردى ويسر لنا سبيل الهدى وارزقنا اتِّباعه أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الحمد لله على كل حال والشكر له على نِعمه الغزار ونتوب إليه من الخطايا والآثام.
بعد فيا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة يأهلَ التوحيد، الذين وُلدوا عليه، وعاشوا في ظِلاله، ويموتونَ في سبيله أَفيجدرُ بمن يقولون إنهم يَملِكون سِرَّ الحياة، وسِرَّ الوجود، وسِرَّ الحقيقة، هذا القرآن الكريم الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم. أن يبيعوا ما لديهم بثمن بخس. وأن يَتَخلوا عن عِلمهم، ودِينهم، وثقافتِهم، وحضارتِهم، وتاريخِهم، وتراثِهمُ العظيم، وتَمَيُّزِهم، وأن يتقبلوا ما يأتِيهم من أُمَمِ الشرقِ والغرب، فيفتحوا له نوافذَ بيوتهم، ونوافذَ الشاشات، ونوافذَ الإعلام، وبالتالي يفتحون له نوافذَ العُقول، حتى تَتَشَكَّلَ القلوبُ والعقولُ على ذلك. أُمةٌ هذا تُراثُها، وهذا تاريخُها، وهذا قرآنُها، لماذا تتخلى عن ذلك وتذهبَ لِتأخذَ فِكرَ وثقافةَ الشَّرقِ والغرب، بل وتتخلى عن رسالتِها التي ميَّزها اللهُ تباركَ وتعالى بها فأي شيء هذا يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة (أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)
أين هِدايةُ القرآنِ الذي تَحمِلُونَه، ونـزل بِلُغَتِكم وفي أرضكم، وبه تفتخرون، وإليه ترجِعون، تتركونَ هذا الدينَ لمَن!
مَن سيدافعُ عنه ومن سيحمله ومن سيدعو إليه ومن سيُبَصِّرُ الناسَ به ولكن النتيجةَ الحتميةَ القرآنيةَ يا أهلَ القرآنِ لذلكَ كُلِّه. قال تعالى: (وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم)
كلُّ ممارسةٍ خاطئةٍ يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة سواءً أتعلقت بالرجالِ أم بالنساء، فالإسلامُ منها بريء، ولو كان المسلمون هم الذين يُمارسونها ويفعلونها، بل ولو وُجِدَ من يبحثُ عن مُسوِّغٍ لها بأثرٍ وجَدَهُ هنا أو هناك، أو آيةٍ أو حديثٍ لوى عُنُقَه، وفَهِمَهُ على غيرِ وجهه، لِيُسِّوَغ به باطلاً قائماً يُضِّلُّوا به الناس.
يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة إنَّ دينَ اللهِ تعالى بريءٌ من أهواءِ البشر، يا أهلَ هذهِ البلادِ المباركة إنَّ العَالَمَ يتعطشُ إلى ما عندكم من الهدايةِ والنور، فلا تُغِّروا فيغِّرُ اللهُ ما بكم.
يا شبابَ وبناتِ أهلِ هذهِ البلادِ المباركة يا نورَ الدنيا يا بهجةَ الأيام يا أملَنا، اتقوا اللهَ تعالى في دِينكم وفي أُمَّتِكم، أفلحوا في تقديمِ الإسلامِ للناسِ بصورةٍ صحيحة، حَسِّنُوا أخلاقَكم، اصبروا على التزمِكم، وحاوروا عما يَستشكِل عليكم بهدوء، لا تتعجلوا بأخذِ الفتاوى من كلِ أحد، لا ترفعوا أصواتكم، تجنبوا الغضبَ والانفعالَ والاتهام ورميَ الآخرين بما هم منه براء، واحرِصوا أن تكونوا صورةً مشرقةً للدينِ الذي تحمِلون، والعقيدة التي تعتقدون.
أسال الله تعالى أن يعز أهل هذه البلاد ويمكن لهم، وأن يوحد كلمتهم على الحق، فلا يكون بينهم من يعتزي بعزاء الجاهلية، لا إلى قبيلة، ولا إلى منطقة، ولا إلى طبقة، ولا إلى أسرة، وإنما وَحَّدَهُم الإيمانُ والتقوى.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد