بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
"الزمان والمكان في روايات نجيب الكيلاني "رسالة علمية نالت بها الطالبة وجدان يعكوب محمود على درجة الماجستير في اللغة العربية وآدابها تخصص (أدب حديث) من قسم اللغة العربية كلية الآداب/الجامعة العراقية بإشراف أ.د. جبير صالح حمادي عام 1432هـ ،وفيما يلي عرض لهذه الرسالة على النحو التالي:
مقدمة:
الرواية جنس أدبي يتميز بتماسك شديد بين العناصر المكونة له، وإن عنصري الزمان والمكان من بين عناصر الرواية، وهما بالذات لا يمكن فصلهما عن بعضهما، فنحن لا يمكن أن نتخيل زماناً بلا مكان أو مكاناً بلا زمان في الرواية وفي غير الرواية؛ ولذ تناولت الباحثة في هذه الدراسة "الزمان والمكان في روايات نجيب الكيلاني".
أسباب اختيار الموضوع:
لقد آثرت الباحثة اختيار موضوع (الزمان والمكان) وذلك لميلها لدراسة عناصر البناء الفني في الرواية، فقد وجدت أن معظم الدارسين لا يتطرقون إلى هذين العنصرين معًا في دراسة واحدة، وإذا جمعهما أحد الدارسين فهو يجعل تطبيقه في رواية واحدة أو في عدد من الروايات لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، أما لماذا هذه البحث في روايات نجيب الكيلاني بالذات؟ لأن الالتزام سمة هذا الأديب ويمكن لأية قارئ أن يقتني رواياته دون حرج.
وترى الباحثة أن الخوض في دراسة عنصري الزمان والمكان في روايات أديب بلغ عدد رواياته إحدى وأربعين رواية، عمل لن يبرأ من النواقص والهفوات ، فمهما بذل الباحث من الجهد في الدراسة والبحث، يبقى عمله في النهاية عمل بشر لا يخلو من النقص، وحسب الباحثة أنها جعلت عملها خالصًا لوجه الله، فلم تطلق الأحكام جزافًا ، بل قيدت نفسها بالنصوص التي بين يديها، وعلى قدر ما سمح به المصادر المتيسرة.
مكونات البحث:
اشتمل البحث على ثلاثة فصول، سبقها تمهيد في غاية التكثيف، ودار الحديث فيه حول مصطلحي الزمان والمكان لغةً واصطلاحًا وتقديم نبذة عنهما في الأدب العربي، وعن دور هذين العنصرين في الأدب الجاهلي بالذات.
وتم تخصيص الفصل الأول لنجيب الكيلاني الإنسان، وكان في ثلاثة مباحث، المبحث الأول دار حول أهم محطات الزمان والمكان في حياة الكيلاني، وتكلم المبحث الثاني عن نتاج الأديب الأدبي والعلمي، وعن الروافد الثقافية له.
أما المبحث الثالث فقد تم تخصيصه لدراسة العنوان في روايات الكيلاني، وقد تناول هذا المبحث أهمية العنوان ووظائفه، ومدى ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني في عنونة رواياته.
والفصل الثاني كان مخصصًا للزمان ، وتم تقسيمه إلى أربعة مباحث، تناول المبحث الأول: أهمية الزمان في النص الأدبي وكيفية معالجته، والبحث عن طبيعة الزمن الروائي الذي جاء على نمطين: الزمن النفسي، والزمن الطبيعي.
وتكلم المبحث الثاني عن البناء الزمني في الرواية، المتكون من أربعة أنساق: متقدم، ومتراجع، ومتوازٍ، ومتراوح، وتم الانتقال بعدها للبحث في وجود هذه الأنساق في روايات الكيلاني.
أما المبحث الثالث، فتناول تقنيات السرد من مفارقات زمنية (استرجاع واستباق)، وتكلم عن الحذف والإضمار والمشهد والخلاصة، وتم تخصيص المبحث الرابع للزمن في الرواية التاريخية، ودار حول أهمية الزمن في هذا النوع من الروايات، وتم الانتقال إلى أهم المنعطفات التي مرت بها الرواية التاريخية، وأخيراً تم تناول روايات نجيب الكيلاني التاريخية بالدراسة.
أما المكان فقد كان من حصة الفصل الثالث الذي تم تقسيمه إلى أربعة مباحث، تم تخصيص المبحث الأول لطبيعة المكان وأهميته في البناء الروائي، وتكلم علن الوصف أسلوبًا لتجسيد المكان، وكذلك تم تناول طبيعة الوصف ووظائفه، وكان المبحث الثاني عن وصف المكان المفتوح، واتخذت الدراسة القرية والمدينة وسوح القتال نماذج، والمبحث الثالث كان مخصصا للمكان المغلق، وتم فيه دراسة البيت والسجن والمستشفى والمسجد، وتناول المبحث الرابع ثنائية المكان الأليف/المعادي، والواقعي/المتخيل، والتاريخي/الآني.
وتم ختم البحث بجملة من النتائج، ورد فيها ما تناثر عبر فصول البحث من خصوصيات الزمان والمكان في روايات الكيلاني.
وقد تمت الاستعانة في هذه الفصول الثلاثة بكل ما تيسر للباحثة من روايات الكيلاني، وبعض الدراسات الجامعية التي خصت روايات الكيلاني بالبحث والدراسة مثل، (ملامح الشخصية الرئيسة في روايات نجيب الكيلاني السياسية)، لعبد الناصر المنتصر بالله محمد محمود، و(الشخصية في سلسلة روايات إسلامية معاصرة لنجيب الكيلاني) لأحمد طه أحمد الشعيبي، و(صورة المرأة في قصص نجيب الكيلاني)، لحنان بنت جابر عبد الرحمن الحارثي، ومن أهم المصادر الأخرى كتاب (مذكرات الكيلاني بجزئيه)، وكتاب (بناء الرواية) للدكتورة سيزا قاسم، وكتاب (تحليل الخطاب الروائي) لسعيد يقطين، وغيرها من المصادر الكثيرة والمهمة ذات الصلة بموضوع البحث.
نتائج البحث:
توصل البحث إلى النتائج التالية:
- لقد عاش الدكتور نجيب الكيلاني حياة مليئة بمحطات زمانية ومكانية عدة، ولقد كان من الشخصيات التي يتولد لديها شعور واضح إزاء المكان الذي تعيش فيه، فهو إما يحب المكان بكل مشاعره مما يدفعه إلى استثمار هذا الحب في نقله إلى رواياته، وإما يبغض المكان بكل مشاعره، وكذلك ينقل هذا المكان إلى رواياته، لذلك نقل لنا كل الأماكن التي عاش فيها من قرية ومدينة وسجن وكلية الطب ومستشفى وغيرها من الأماكن.
- كشف البحث عن ثقل فكرة الزمان والمكان على الكيلاني، مما دعاه إلى وسم أغلب رواياته بما يعزز هذه الفكرة، وسلط البحث الضوء على الإشكالية التي وقع فيها الدارسون لروايات الكيلاني، في أن بعض رواياته كانت معنونة بعنوانين، في حين قام الباحثون بعدّها روايات مستقلة ،وهذا ما جعل الباحثين يختلفون في العدد الحقيقي لروايات الكيلاني.
- اعتمد الكيلاني في رواياته أسلوبًا تغلب عليه الروح الإسلامية، من خلال الاقتباسات الكثيرة لآيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، أو جعل الشخصيات ممن تؤدي الفرائض الإسلامية.
- توصل البحث إلى اعتماد الكيلاني على الزمن النفسي في رواياته السياسية والتاريخية، في حين يقل هذا الزمن نوعاً ما في رواياته الاجتماعية.
تنوع طرق الكيلاني في استعماله للزمن النفسي، فمرة يورده على لسان الراوي ومرة عن طريق الاسترجاع والاستباق، وأخرى عن طريق الحوار بين الشخصيات.
- كشفت الدراسة عن اتساع الزمن الطبيعي في الروايات مجال البحث، وقد حدد البحث نوع الأزمان التي تندرج بها هذه الروايات فكانت روايات محددة البداية والنهاية بكثير من الدقة، وروايات يورد الكيلاني فيها أحداثاً مهمة نعرف زمنها الطبيعي، وروايات تاريخية معلومة الزمن الطبيعي ، وروايات ترجح لنا زمنها الطبيعي من خلال بعض القرائن المذكورة في أحداثها.
- هناك أشكال عدة لترتيب نسق الزمن في الجنس الروائي، ولقد كان الكيلاني من أنصار النسق التقليدي الذي يعتمد على تتابع الأحداث، مع تشربه بنوع من موازاة الأحداث، ولم نجد في رواياته نسقًا زمنيًا متراجعًا أو متراوحًا.
- توصل البحث إلى تنوع أسلوب الكيلاني في استخدام المفارقات الزمنية المتمثلة بـ "الاسترجاع"، و"الاستباق"، فالاسترجاع عنده ورد باستخدام الفعل "تذكر"، أو كان محاورة بين شخصيات الرواية، وقد اعتمد في استرجاعاته بشكل كبير على المونولوج الداخلي، وقد انقسم الاسترجاع عنده إلى: استرجاع داخلي، واسترجاع خارجي، بينما لم نجد في كل رواياته الاسترجاع المختلط، أما الاستباق فلقد كان متنوعًا بالطريقة نفسها، ولقد انقسم إلى استباق صادق وخصوصًا في رواياته التاريخية ، واستباق كاذب خصوصًا في رواياته الاجتماعية.
- كشف البحث عن ورود الحذف غير المحدد بنسبة أكبر من الحذف المحدد في روايات الكيلاني، في حين أن الحذف المحدد أكثر علوقاً بالذاكرة، وتتغير الأحداث بعده بشكل كبير.
- توصل البحث إلى أن الكيلاني قد استثمر المشهد بنوعيه: البانورامي، والمشهدي بقصد تأخير الأحداث وإيقاف الزمن الطبيعي، ومن التقنيات الأخرى تقنية "الخلاصة" التي استخدمها للكشف عن تاريخ شخصية رئيسة، أو لربط شخصية ثانوية بأحداث الرواية.
- جسد البحث مدى تنوع الأزمان التاريخية التي كتب عنها الكيلاني، فكانت روايات تاريخية بعيدة الزمن، ولا تتعدى في بعدها زمن فجر الإسلام، وروايات تاريخية متوسطة البعد الزمني، وروايات تاريخية قريبة الزمن، وكانت روايات الإستدعاء التأريخي حاضرة لدى الكيلاني، لقد تولى الكيلاني تسليط الضوء في هذه الروايات على ثلاث قضايا هي: قضية الدعوة الإسلامية، وقضية النضال الفلسطيني، وقضية النضال ضد الاستعمار والظلم.
- كانت القرية مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني، بملامح محددة، ومعالم واضحة، وبأسماء حقيقية، وموقع جغرافي واقعي، وسمها الكيلاني بروحية ابن القرية، فنافست الشخصيات الرئيسة على البطولة، وتطور الأحداث.
- كتب الكيلاني عن المدينة، وكان في بعض رواياته قد وصف المدينة بروحية القروي الذي صدمته المدينة بمافيها من تناقضات، وفي بعضها الآخر عبر عن حبه لهذه المدن التي عاش فيها، فكانت المدينة حاضرة بوعي الكيلاني كما هي القرية.
- إن اتساع المكان في بعض رواياته خصوصًا الروايات التاريخية، أكسب الشخصيات حركة وحيوية، وكانت هذه الميزة إحدى وسائل الإقناع بأن المكان حقيقي، تتحرك فيه شخصيات من لحم ودم، مما أضفى مصداقية على الرواية.
- في رواياته التي اهتمت بقضايا المسلمين غير العرب، كان المكان يشوبه كثير من الغموض والضبابية، فالكيلاني قد كتب عن بلدان لم يزرها، فشابَ المكان المفتوح في هذه الروايات كثير من الهشاشة، والعمومية، فسدّ الكيلاني هذه الثغرة باستخدامه العبارات الإنشائية، التي يمكن أن تنطبق على أي مكان مفتوح ، محاولاً التركيز على وصف الأماكن المغلقة في هذه الروايات.
- توصل البحث إلى أن اهتمام الكيلاني بوصف البيت كان قليلاً، فلم يصفه إلا بالقدر الذي يوضح فيه الوضع الإجتماعي والاقتصادي للشخصية، محاولاً سبر أغوار الشخصية من خلال وصف الأثاث، وكانت أجزاء البيت مقصودة الدلالة في روايات الكيلاني، فيربط بين وصف المكان وطبيعة الشخصية التي تشغله.
- كشفت الدراسة عن المساحة المكانية التي شغلها السجن في روايات الكيلاني، خصوصًا السياسية منها، ونجد اهتمام الكيلاني الكبير بتجسيد السجن أمام القارئ، فوصف السجن من الخارج، ومن الداخل، والزنازين والباحة، والجبل الذي يقضي فيه السجين عقوبة الأشغال الشاقة.
- كان المستشفى مسرحًا لعدد من روايات الكيلاني، وبينت الدراسة عدم مبالاة الكيلاني بوصف تفصيلات المستشفى، فقد كان هذا الوصف متشظياً في أجزاء الروايات، وغير مباشر، وقد يرد بصورة عفوية على لسان الشخصية أو الراوي لغرض اكتمال الحدث ووضوح الصورة فقط.
- كان المسجد بما يشكله من مكانة عالية في نفس الكاتب، بؤرة انطلقت منها بعض أحداث روايات الكيلاني، فرسم المسجد مكاناً مشحوناً بكثير من الدلالات منها الروحية، والاجتماعية والسياسية.
- إن عظم تأثير المكان في نفسية الشخصية، قد يخرجها عن الفطرة السليمة فهناك اتفاق لدى جميع الناس على أن بعض الأماكن أليفة كالبيت، والبعض الآخر معادٍ كالسجن، إلا أن الثقل النفسي الذي يسلطه المكان على الشخصية يخلط الموازين، فنجدها تعد بعض الأماكن الأليفة مكاناً معادياً، أو بعض الأماكن المعادية مكاناً أليفاً.
- إن الكيلاني في رسمه للمكان الروائي كان يستند في الغالب إلى الواقع، وإلى الخيال في بعض الأحيان، فجاءت مجمل رواياته بنسب متفاوتةٍ بين الحقيقة والخيال.
- لم تعبر الروايات التاريخية عند الكيلاني عن أزمنة تأريخية فحسب، بل حاول الكيلاني أن يعبر من خلال هذه الروايات عن أماكن تاريخية، من خلال أنسنة هذا المكان، أو عن طريق حوار بين الشخصيات التأريخية، أوعن طريق الوصف المباشر.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد