بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
1. العلم الذي لم يدخله نسخٌ من الشريعة أعظم من العلم الذي دخله نسخ؛ لهذا تشترك دعوة الأنبياء في العلم المُحكَم كما قال ﷻ: "وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ"
(الخراسانية ص ١٧)
2. وما لا يصح الإيمان إلا بفعله من الشرائع عند نبي، لا يلزم أن يكون كذلك بعينه عند غيره؛ لأن كل نبي يشرِّعُ الله له أعمالًا ظاهرة يصح بها انقياد قومه له؛ ليكون مثبِّتًا للإيمان في الظاهر بفعله، أو نافيا له بتركه.
وإن اتفقوا في أصول الشرائع، كما سبق؛ فإن الكفر في باب الشرائع مردُّهُ إلى شِرعةِ كل نبي بدليله من الوحي على ذلك النبي؛ كما قال تعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا"
(الخراسانية ص ١٩)
3. فإن معرفة أصول الحقِّ باب لمعرفة أصول الباطل وفروعه؛ فتعلّم أصول العقائد مقدَّم على معرفة فروعها واستيعابُها، ثم جمع كل فروع مشتركة، وإلحاقها بأصل واحد يجمعها: أصح وأدق وأنفع
(الخراسانية ص ٢١)
4. يقول العارفون من السلف وأهل العربية؛ كأيوب السختياني وأبي عمرو بن العلاء، والشافعي قالوا: "أكثر من تزندق بالعراق لجهلهم العربية"
(الخراسانية ص ٢٢)
5. وقد يحتاج المبيِّنُ للحق إلى بيان الحق؛ لا لذات المعاند بالهوى المتكبِّر عنه، وإنما لِعَزْلِ أتباعه عنه، وقد يُلان مع المعاند ولو كان لا يستحق؛ لأجل من يحسن الظن به...
(الخراسانية ص ٢٨)
6. إنما انتشر مذهب الكلام أكثرَ من مذهب السلف في العقائد؛ لأن مذهب السلف يدعو إلى السكوت أكثرَ من الكلام، ومذهب أهل الكلام يدعو إلى الكلام أكثر من السكوت، والنفوس تتشوَّفُ إلى الإقدام والجرأة أكثر من التّوقّف والإحجام...
(الخراسانية ص ٥٥)
7. الناظر في علم الكلام كخائض البحر على لوحٍ؛ يُحسن بدايته، ويتيه عن نهايته، ومن استمر بالسّير فيه: فإما أن يغرق أو يتحيَّرَ ويتيهَ، وإما أن يتداركه الله ويرجع...
ولكن من دخل علم الكلام لا يسلم من بقاياه...
(الخراسانية ص ٥٧)
8. أخَذَ صلاح الدّين الأيوبي عقيدة الأشعري من أحد علماء المدرسة النظامية بنيسابور، وهو قطب الدين مسعود بن محمد النّيسابوري...
(الخراسانية ص ٥٩)
9. فمن أخطأ في فهم الاستدلال لفهم الإيمان، واستعمل تلك الطريقةَ في بقيّة الأصول: وقع في خطأٍ مطابق.
(الخراسانية ص ٦٥)
10. ومن أخطأ في فهم الإيمان، تسلسل الخطأ لديه في فروع الإيمان وفيما كان ضده من الكفر؛ فمن لم يفهم الإيمان، لم يفهم الكفر...
(الخراسانية ص ٦٥)
11. فمن ضل في فهم أصل الإيمان ضل في فهم أصل الكفر ، ومن ضل في فهم فروع الإيمان، ضل في فهم فروع الكفر.
(الخراسانية ص ٦٥)
12. فكلُّ مخالف من المرجئة يقابله مخالف من الخوارج، ومن فهم الوسط، عرف مقدار قرب الطوائف وبعدها عن الحقّ.
(الخراسانية ص ٦٥)
13. روى الخلال عن محمد بن جعفر؛ قال: سألَ رجل خراسانيٌّ أحمد، فقال: إن عندنا قومًا يقولون: الإيمان قول بغير عمل، وقومًا يقولون: قول وعمل؟
فقال: ما يقرؤون من كتاب الله: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ"! وبهذه الآية احتج الشافعي في رد قول من أخرج العمل من الإيمان؛ نقله ابنه عنه.
(الخراسانية ص ٦٦)
14. وقلّما بدعة في الدين إلا وعجمة اللسان والاستعمال سببٌ في نشأتها بحسن قصد أو غيره؛ وذلك بسبب البعد عن استعمال العرب في الصدر الأول بالمدينة ومكة لنصوص القرآن والسنة.
(الخراسانية ص ٦٨)
15. وكيف يكون مؤمنًا من ادعى الإيمان بقلبه ولسانه، وهو بفعله مكذِّب لذلك بعبادة الصَّنم والوثن؟!
(الخراسانية ص ٧٢)
16. وقد يخاف الإنسان من ذاتٍ لا تقدر يظُنُّها تقدر، فلا يأثم بذلك؛ لأنه خاف بحسب ما انتهى إليه علمه.
(الخراسانية ص ٧٧)
17. وإذا اختل التأصيل لدى أحد في أبواب الإيمان، قابَلَه خللٌ بمقداره في أبواب الكفر.
(الخراسانية ص ٩٤)
18. وبين الجهمية والمعتزلة تداخل في العقائد، والجهمية ظهرت قبيل المعتزلة.
(الخراسانية ص ٩٩)
19. وكثير من أقوال معتزلة أخذوها من الجهمية؛ فالأصل: أن كل واحد من المعتزلة، فهو جهمي، ولا يلزم أن يكون كل جهميٍّ معتزلِيًّا.
(الخراسانية ص ٩٩)
20. وكان غير واحد من الأئمة يسمي المعتزلة جهميةً، كأحمد والبخاري؛ في ردهم على الجهمية.
(الخراسانية ص ٩٩)
21. ولعل مفارقتهم -المعتزلة- لأهل السّنّة في مسألة حملتهم أن يأخذوا من غيرهم غيرها؛ فتدرّجوا في الضلالة، وهكذا الضلالة تبدأ بصاحبها بقول ورأي، ثم يكون سببًا في مفارقته لأهل الحق في مسائل كثيرة، وهذا من دوافع النفوس وأهوائها الكامنة.
(الخراسانية ص ٩٩)
22. ولما جعل الجهمية الإيمانَ: هو معرفة القلب، أخرجوا منه: تصديق القلب وعمله، وقول اللسان وعمل الجوارح.
ويوافقهم اليوم في قولهم العلمانية والليبرالية؛ حيث يجعلون حقيقة الإيمان هو العلم بالخالق، والإقرار بوجوده، والكافر عندهم هو الملحد الذي لا يقرّ بوجوده؛ وعلى ذلك: فتتَّحدُ عند هؤلاء جميع المِلَل والدّيانات؛ فكل من آمن بوجود الرب فهو مؤمن.
(الخراسانية ص ١٠٦)
23. فكان قول مرجِئَة الفقهاء: ((عَتَبَةً)) نزَل بها الجهم إلى دركات الباطل، وكل قول بدعيّ لابد أن يفتح الباب إلى قولٍ كفريٍّ.
(الخراسانية ص ١٠٨)
24. قال وكيع بن الجراح: "أحدثوا هؤلاء المرجئة الجهمية، الجهمية كفار والمريسي جهمي، وقد علمتم كيف كفروا: قالوا يكفيك المعرفة وهذا كفر، والمرجئة يقولون الإيمان قول بلا فعل وهذا بدعة"
(الخراسانية ص ١٠٩)
25. الأشاعرة: قالوا بأن الإيمان هو تصديق القلب ومعرفته؛ فأخرجوا قول اللسان وعمل الجوارح من الإيمان؛ وهذا الذي عليه عامة الأشاعرة اليوم.
(الخراسانية ١١١)
26. ومن أضعف الأقوال في زيادة الإيمان ونقصانه: قول من قال بزيادة الإيمان وعدم نقصانه: إذ كيف يزيد مالايقبل النقصان...
(الخراسانية ١٣١)
27. وأعظم لوازم القول بخلق القرآن: أن القول بخلق الصفة قولٌ بخلق الموصوف؛ فإن القرآن كلام الله، وكلامه صفة من صفاته؛ وقد قال أحمد: (من زعم أنّ القرآن مخلوق، فقد زعم أن الله مخلوقٌ؛ ما أعظم هذا القول وأشدَّه).
(الخراسانية ١٣٧)
28. وبِشر بن غياث المرِيسيُّ المِصْريُّ إنما أُتي من عُجمته، وعدم فهمه للقرآن وأساليبه؛ فأعجبه علمه بالكلام، فغاب عنه عِظَمُ جهله بالقرآن...
(الخراسانية ١٥٥)
29. من قرَّر الباطل وجد له شبهة تعضُدُه.
(الخراسانية ١٥٦)
30. كل ضلالة تنتهي إلى صورة لا تخطر في بال منشئها.
(الخراسانية ١٦٩)
31. في قوله ﷻ في الآية : "وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلَا يَنظُرُ إِلَيْهِمْ"
استدل سليمان بن حرب بنفي كلام الله لهؤلاء وغيرهم على أن كلام الله ليس بمخلوق؛ لأن الله قد قَرَنَه بالنظر، والقول في الكلام كالقول في النظر.
(الخراسانية ١٦٩)
32. أجمع المسلمون من الصحابة والتابعين على الإيمان بالقَدَر والتسليم به، وقد جاء عن طاوس: "أدركت ثلاث مئة من أصحاب رسول الله ﷺ يقولون كل شيء بقَدَر".
(الخراسانية ١٨٣)
33. قال أبو الأسود الديلي: "ما رأينا أحدا من أصحاب رسول الله ﷺ لا يثبت القَدَرَ"
وقد روى الزهري عن ابن عباس؛ قال: "تكذيب القَدَرِ نقضٌ للتوحيد"
(الخراسانية ١٨٣)
34. والشهوة مدفونة تحت الشبهة، وربما لا يشعر بها صاحبها، وبنيت على الشهوات اليوم أفكار وعقائد تسهِّل الوصول إليها، وستنتهي بأوَّل عقوبة تعم تلك الأمم، فتزول شهواتهم وشبهاتهم جميعًا.
(الخراسانية ١٨٩)
35. ولا يستحضر حكمة البلاء، ويؤمن بالقضاء عند نزوله، إلا مؤمن؛ ولهذا لمّا طُعن عمر، تلا قول الله تعالى: "وكان أمر الله قَدَرًا مقدورًا"
رواه عنه عمرو بن ميمون وهو صحيح.
(الخراسانية ١٩٠).
36. والإيمان بالقَدَرِ يورث الخوف من الله؛ لأنه كلما كان الإنسان بسَعَة علم الله أعلم، وبحكمته في تقديره وتدبيره أبصر، اشتد خوفه من ربّه؛ ولذا قال تعالى:"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
قال ابن عباس: (هم الذين يقولون: إن الله على كل شيء قدير).
(الخراسانية ١٩٠)
37. وأصل الضلال: اغترار الإنسان بعقله، وطَلَبُهُ أن يحوي كل شيء به، وبعض المعلومات بالنسبة للعقل كالمحيطات بالنسبة للأواني، لو سُكِبَت عليه، طوته وضاع فيها وتحيَّرَ.
ومما يدخل في ذلك : مسألة القَدَر، وهي مسألة لايقدر العقل على الإحاطة بها حتّى لو عُرِضت عليه من أوّلها إلى آخرها حِكمةً وعلَّةً، حتى يجعل الله له عقلا يختلف عن عقله الذي هو عليه...
وقد جاء عن جعفر بن محمد، وأبي حنيفة:" أن النّاظر في القَدَر كالناظر في عين الشمس؛ كلما ازداد نظرًا، ازداد تحيّرًا".
(الخراسانية ٢٠١)
38. وفي ذلك- البحث في القَدَر- يقول ابن عمر-رضي الله عنهما-: "شيء أراد الله ﷻ ألا يطلعكم عليه؛ فلا تُريدوا من الله ما أبى عليكم"
(الخراسانية ٢٠٢)
39. كان غير واحد من الصحابة والتابعين يسمّي القَدَرَ: "سِرَّ اللهِ"؛ كما روي عن علي بن أبي طالب قال: "سِرُّ الله؛ فلا تَكَلَّفْهُ"...
(الخراسانية ٢٠٢)
40. وكثير ممن يعجز عقله عن تأمل المسائل، ويتحيَّر في فهمها، لا يسيء الظن بعقله، وإنما يتهم المسألة بعدم انضباطها فيجحدها، أو يخرج بنتيجة خاطئة ليخرُجَ من ضعف العقل واتهامه إلى الاغترار به.
وأما أهل الإيمان ورجاحة العقل، فيعرفون نقص العقل وكمال النقلِ؛ فيتوقَّفون عند ما ثبت به النصُّ، وعجَزَ عنه العقل، ويسلِّمون إيمانًا بربّهم وتسليمًا له.
(الخراسانية ٢٠٢)
41. والتسليم والتوقف هو أمر الله لعباده في المسائل التي لا يدركونها، ولا يمكنهم الإحاطة بها؛ وقد قال النبي ﷺ: "يأتي الشيطانُ أحدَكم فيقولُ: مَن خلَق كذا، مَن خلَق كذا، حتى يقولَ: مَن خلَق ربَّك؟ فإذا بلَغه فلْيَستَعِذْ باللهِ ولْيَنتَهِ". -رواه البخاري ومسلم-
(الخراسانية ٢٠٣)
42. كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لمن سأله عن القَدَر: "بحر عميق؛ فلا تلِجْهُ"؛ يعني أنه أكبر من أن يدرك بالعقل الذي خُلق عليه.
(الخراسانية ٢٠٤)
43. كان النبي ﷺ ينهى عن الخوض فيه -القَدَر- كما جاء في الصحيح؛ أنه خرج إلى أصحابه وهم يتنازعون في القَدَر؛ هذا ينزِعُ بآية، وهذا ينزِعُ بآية؛ فكأنّما فُقِئَ في وجهه حبُّ الرمان، فقال: "أبهذا أُمرتم؟! أو بهذا وكِّلتم؟! أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض؟! انظروا ما أمرتم به فاتّبعوه وما نُهيتم عنه فانتهوا".
(الخراسانية ٢٠٤)
44. ومن تتبّع كل بدعة وضلالة في الإسلام، وجدها تنتهي إلى جاهل أو زائغ، ثم تتحوّل مذهبًا متبوعًا.
(الخراسانية ٢١٠)
45. وقد جاء في غير ما خبر مرفوع أن:"القدرية مجوس هذه الأمة"؛ من حديث أبي هريرة، وابن عمر، وجابر، وأنس، وحذيفة، وسهل، وعائشة، ولا تخلو من عِلَل.
ولا توجد طائفة وفرقة لاحقة بعد النبي ﷺ روي الحديث فيها؛ كما روي عن القَدَريّة والخوارج، وأحاديث الخوارج أصح.
(الخراسانية ٢١١)
46. وقد سمّى القَدَريّة مجوسًا جماعة؛ كابن عباس، وابن عمر، ونافع، ومجاهد، ومحمد القُرَظيّ، وغيرهم.
(الخراسانية ٢١٢)
47. وأما الأشاعرة فيثبتون مراتب القدر بالإجمال على ظاهر القرآن ويخالفونه بالتفصيل، وقد نص أبو الحسن الاشعري في (رسالته إلى أهل الثَّغْرِ) على إثبات مراتب القدر وكذلك يثبتها على سبيل الإجمال أبو منصور الماتريدي كما في كتابه (التوحيد).
والأشاعرة جبرية زعمت التوسُّط وهم يقولون بأن الله خالق لأفعال العبد وأن العبد كاسب فِعلَهُ، فالله يخلُقُ الفعلَ والعبدُ يَكسِبُهُ.
(الخراسانية ٢٢٠)
48. والكسب الذي حاول الأشاعرة أن يتوسّطوا به بين القَدَريّة والجبريّة، هو قول بالجبر عينه، أو في معناه؛ لنفيهم تأثير العبد على فعله.
(الخراسانية ٢٢١)
49. فإن النفس إذا أصَّلَتْ ضلالة، فلن تَعدَمَ نصًّا متشابهًا تجعله أصلًا، وتبني عليه فرعها، وتتغافل عن النصوص المحكمة، أو تجحدها، أو تؤوِّلُها ولو بتكلّفٍ لا يستقيم على لغة ولا على شرع.
(الخراسانية ٢٢٣)
50. ومن نفى تقدير الشرِّ من الكفر والمعصية على العباد، فيلزمه القول بأن الله يُعصى بغير مشيئته، ويُفعلُ في كونه ما لا يريده قَدَرًا؛ تعالى الله!
(الخراسانية ٢٣٠)
51. واتباع الحق زمن القِلَّة أفضل من اتباعهِ زمنَ الكثرة، ومن آمن قبل المعجزات أفضل ممن آمن بعدها.
(الخراسانية ٢٤٢)
52. وقد سُبِقَ بعض العشرة المبشرين بالجنة بالإسلام من غيرهم، ولكنهم سُبِقُوا بالزمان، ولَحِقُوا غيرَهم بالعمل مع النبي ﷺ.
(الخراسانية ٢٤٤)
53. واتباع الحق زمن ضعفه، أعظم من اتباعه زمن قوّته، واتباعه زمَنَ إدبار الناس عنه، أعظم من اتباعه زمَنَ إقبال الناس عليه.
(الخراسانية٢٤٥)
54. والأصل في تفاضل الصحابة: أنَّ مَن أسلم قبل الفتح أفضلُ ممَّن أسلم بعده، وأن أسبَقَ السابقين إسلامًا وأكثرهم عملًا أفضل ممَّن جاء بعده وكان أقلَّ منه عملًا، وأن المهاجرين أفضل من الأنصار.
وهذا على سبيل الإجمال؛ فقد يخرج منه الأفراد بفضيلة وخصيصة اختصَّ بها على غيره؛ كما اختصَّت أُمَّهات المؤمنين بالفضل على غيرِهنَّ من النِّساء، وإن سبقهُنّ غيرهنّ بالزمان...
(الخراسانية ٢٤٥)
55. ولمَّا كانت الهجرة عن تجرُّدٍ تامٍّ وتركٍ للمال والأهل والولد والأرض، كان إيمانُ أهلها أقوى بخلاف النصرة ولهذا لا يذكُرُ القرآن والسُّنَّة نفاقًا في المهاجرين، وإنما في قلَّةٍ من أهل المدينة...
(الخراسانية ٢٤٧)
56. •• فضل أبي بكرٍ ••
وأفضل العشرة: أبي بكرٍ؛ بلا خلاف عند السلف والخلف من أهل السُّنَّةِ، وأبوبكر أوَّلُ من آمن بالنبي ﷺ من الرجال، وهو خليفته في الصلاة؛ كما في ((الصحيحين))؛ قال ﷺ: "مُروا أبابكر، فليُصلِّ بالناس"، وهو خليفته في الحجِّ؛ حيث أمَّرَه على الحجِّ قبل حجَّةِ الوداع في العام التاسع؛ كما في ((الصحيحين))، وهو خليفته في أمَّتِهِ من بعدهِ؛ ففي ((الصحيحين))؛ من حديث جُبير بن مطعم؛ قال ﷺ لامرأةٍ سألتهُ: أرأيت إن لم أجدكَ؟ كأنها تقول الموتَ، فقال: "إن لم تجديني، فأتي أبابكر".
وهو أعلم الصحابة وأفقهُهُم، وقد دعا إلى الإسلام خمسةً من العشرة المبشرين بالجنة، فأسلموا، وهم: عثمانُ، والزُّبيرُ، وطلحةُ، وابن عوفٍ، وسعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ،ووُصِفَ بالصِّدِّيقِ؛ لأنَّه أوَّلُ المصدِّقينَ والمسلِمِينَ بلا معجِزاتٍ.
ويُروى عن عليِّ بن أبي طالبٍ؛ أن الله أنزل فيه قوله: "وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ"، ولا خلاف أن الله قصدَهُ في قوله تعالى: "ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا" فما من أحدٍ وصفَهُ الله بعينِهِ بالصحبةِ لنبيِّهِ في كتابه إلا أبو بكرٍ.
(الخراسانية ٢٤٩)
57. وقد أوصى النبي ﷺ بالاقتداء بأبي بكرٍ وعمرَ، كما في المسند، والسُّننِ؛ من حديث حذيفةَ، مرفوعًا؛ قال: "إِنِّي لَا أَدْرِي مَا بَقَائِي فِيكُمْ، فَاقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي"؛ وَأَشَارَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ.
ولا يفضِّلُ الصحابةُ على أبي بكرٍ وعُمَرَ أحدًا، وتفضيلُهُما من المسلَّماتِ، وقد جاء عن عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه؛ أنه قال: "من فضَّلَني على أبي بكرٍ وعُمرَ، جلدتُّهُ حدَّ المفتري".
(الخراسانية ٢٥٠)
58. وقد يكون فيمن تأخَّرَ من التابعين وأتباعهم من هو أفضل ممَّن آمنَ بالنبي ﷺ في زمانِهِ، ولم يَرَهُ، ولم يصحبْهُ، ولم ينصُرْهُ بشيء، والتفاضل حينئذٍ يكون بالعملِ؛ لانتفاء الصحبةِ والنصرة للنبي ﷺ من الجميع.
(الخراسانية 256)
59. وبعض العلماء يعرِّفونَ الصحابيَّ بكونه: ((من رأى النبي ﷺ، مؤمنا به ومات على ذلك))، والتعبير بـ((الشهود)) بدَلَ: ((الرؤية))، أدقُّ؛ فالأولى أن يقال: ((الصحابيُّ: هو مَن شَهِدَ النبيَّ ﷺ، مؤمنًا به، ومات على ذلك))؛ ولذا كان النبي ﷺ يقول في خُطَبِهِ: "ألا ليُبَلِّغِ الشاهدُ منكمُ الغائبَ"
(الخراسانية 257)
60. يُشرع الترضِّي عن الصحابة جماعةً وفُرادى؛ كما في قولِ اللهِ تعالى: "رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ"، وكذلك الدعاء لهم بالرحمة والمغفرة؛ كما في قوله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ"
(الخراسانية 260)
61. ومن علامة أهل البدع: الوقيعة في الصحابة وتنقُّصُهُم؛ فإنه لا تتنقَّصُ أمة أصحاب النبي ﷺ، ويستحقون عِزَّةً وتمكينًا من الله، وأقلّ الأمم صوابًا أكثرهم وقيعةً في الصحابة، وهم الرافضة...
(الخراسانية 269)
62. الطعن في عموم الصحابة وعامتهم أو جمهورهم؛ فهذا كفرٌ؛ لأن الصحابة لا يشتركون في شيء يجمعهم إلا الصحبةَ؛ فهم من قبائل وأنسابٍ وألوان وبلدان مختلفة، ولا يوجد شيء يجمعهم إلا صحبة النبي ﷺ؛ فمن طعَنَ فيهم أو في عامتهم أو في أكثرهم، فقد أراد ما يشتركون فيه، ولو لم ينُصَّ على ذلك، وهذا كفر بالله؛ حكى الإجماعَ عليه جماعةٌ.
(الخراسانية 270)
63. والعلوّ يثبته عامّة أهل الملل، وتؤمن به الفِطَر؛ تهتدي إليه الناس بفطرتها أعظمَ من اهتداء ولد الناقةِ والشاة إلى ضِرْعِ أُمِّهِ بلا دليل خارج عنه.
(الخراسانية 274)
64. وعامة السلف على أن ثبوته -أي العلو- بالعقل والنقل جميعا؛ فلا يمكن أن ينسى علوَّ ربه، ولكن قد يَنسى استواءه؛ فهو ضرورة عقلية لا تُنسى؛ ولذا فإن فطرة الالتجاء للعُلُوِّ موجودة في البهائم، وليست هي بذات عقول.
(الخراسانية 275)
65. وبقي الأمر على إثبات علوِّ الله في المسلمين، حتى ظهرت الجهمية المعطِّلة، فنفوا علوَّ الله على خلقه، واستواءَهُ على عرشِهِ، وإن أثبتوا النوعين الآخرين من العلوِّ...
(الخراسانية 277)
66. ومن آخر الماتُريديَّةِ الكوثريُّ، وقد شبَّه من يقولُ بالعلوِّ بعابدِ الوَثَنِ؛ وهو يقصدُ التجسيمَ.
(الخراسانية 278)
67. وكلُّ الماتُريديَّةِ والدَّيُوبَنْديَّةِ اليومَ حنفيّةٌ، وليس كلُّ الحنفية ماتُريديةً أو دِيُوبَنْديَّةً.
(الخراسانية 279)
68. وقد قال الأوزاعي: "كُنَّا والتابعون متوافرون نقولُ: إن الله تعالى فوق عرشه، ونؤمن بما ورَدَت فيه السُّنَّةُ من صفاتِهِ"
(الخراسانية 287)
69. وأما قوله تعالى: "وهو معكم أين ما كنتم" فيعني: بعلمِهِ؛ هكذا أجمَعَ السلفُ على تفسيره؛ قال سفيان الثَّوريُّ، وعبدالله بن نافع، وأحمد.
(الخراسانية 287)
70. ولا يُعرف في كلام العرب أن المعيَّة تعني: حلول الشيئين بعضِهما ببعض، وامتزاجهما حتى يكونا ذاتًا واحدة.
وإنما ترِد المعيَّة بمعنى التأييد، ولو لم يكن حاضِرًا بذاتِه؛ كما في قوله تعالى: "مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ" يعني: مَعَه على دينه مؤيِّدين ناصرين ثابتين، ومثله قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ" يعني: كونوا على طريقتهم وعملهم.
(الخراسانية 289),
71. وكل خوض في ذات الله من غير الوحي، فهو بجهلٍ؛ لأن الله لا مَثيلَ له يقاس عليه.
(الخراسانية 296)
72. وأسلم الطرق وأصحُّها: طريقة السلف؛ لأنهم أعلَمُ الناس بالله بعد النبي ﷺ، وأعلمهم بالوحي والأثر، وأفصحهم لسانًا وبيانًا، وأقومهم دينًا.
(الخراسانية 299)
73. والأشاعرة صِنْوُ الماتُرِيديَّةِ؛ يتوافقون في تقرير أكثرِ العقائدِ، والخلاف بينهم في أكثر المسائل لفظيُّ، إلا أن الماتريديَّةَ أكثرُ تمسُّكًا بخطئها وتعصُّبًا له من الأشاعرة.
(الخراسانية 300)
74. وكثير من أهل الهند أهل تمسك بما هم عليه؛ حتى الهندوس، فهم أشدُّ تعصُّبًا من اليهود والنصارى، مع أنَّ الهندوسيَّةَ أشدُّ بطلانًا وضلالًا.
ولذلك فمثلهم يحتاج إلى التأليف أكثَرَ من المقارعةِ والمناظرة؛ لأنهم بالتأليف يَقبَلون، وبالمقارعة يعاندون، وفي الهند علماءُ كبار قليلون، ونُبلاء قلَّ من يشابههم في أهل المغرب.
(الخراسانية 301)
75. وكل من نفى الصفاتِ، فلا بدَّ أن تزولَ عَظَمةُ الخالِقِ في قلبه؛ إذ لا ذاتَ إلا بصفاتٍ، فتزول عظمة الله من قلوبهم بمقدارِ ما ينفون من صفاته سبحانه.
(الخراسانية 324)
76. ومن نَسَب إلى أحد من الصحابة نفي رؤية الله في الآخرة، فقد كذَب عليهم.
(الخراسانية 332)
77. والأشاعرة لم يُمسِكوا الحق باليدين، وإنما جعلوا يدًا بيد المعتزلة، ويدًا بيد الأدلة؛ فلا انقادوا لدليل، ولا انقادوا لتعليل...
(الخراسانية 334)
78. وقد حكى غير واحد من الأئمة الإجماع على بقاء الجنة والنار، وعدم فنائهما...
(الخراسانية 351)
79. وقال ابن عربي: "إن أهل النار تنقلب طبائعهم إلى نارية يتلذّذون بالعَذاب؛ كما يتلذَّذ أهل الجنة بالنعيم"؛ وهذا قول بعض الزنادقة.
(الخراسانية 352)
80. وقد جاء في غير ما حديث: أن الجرجير ينبت في النار؛ من حديث واثلة بن الأسقع؛ رواه الحارث، وفيه عبدالرحيم بن واقد، ولا يُحتج به، ومن حديث عليٍّ؛ وفيه وضّاعٌ.
(الخراسانية 358)
81. وقد اختلَفَ القول في موضع الحوض: هل هو قبلَ الصراط أو بعده؟:
فمنهم من قال: بعد الصراط، وقبلَ دخول الجنة.
ومنهم من قال: قبلَ الصراطِ؛ يشرب منه الناسُ في القيامِ بعد البعثِ من القبورِ؛ وبهذا قال الأكثر.
ولا يثبت في موضعه دليلٌ صريحٌ صحيحٌ.
(الخراسانية 381)
82. والشراب من الحوض للرِّيِّ وإذهاب العطشِ، بخلاف شرابِ الجنّة؛ فإنه يكون استمتاعًا ولذَّة، لا رِيًّا عن ظَمَأٍ وعَطَشٍ.
(الخراسانية 382)
83. والنبي ﷺ أخبر أن أول وارِدٍ على حوضه المهاجرون؛ وهذا إخبار بثباتهم على ما كانوا عليه عند موته، والرافضة لم يُبقوا من المهاجرينَ إلا آحادًا لم يطعنوا فيهم.
(الخراسانية 388)
84. ومن طرائق أهل الأهواء والبدع: تنزيل نصوص الذمِّ على ما يكرهون، وتنزيل نصوص المدح على ما يحبون، وأهل العدل والإنصاف يجمعون النصوص؛ فيضعون نصوص الذم على ما يكرهُه الله، ونصوص المدح على ما يحبه الله.
(الخراسانية 389)
85. وحوض النبي ﷺ غيرُ الكوثر الذي أُعطيه النبي ﷺ في الجنة، فالكوثر داخلَ الجنة، والحوض خارجها.
(الخراسانية 391)
86. قال تعالى: "لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَٰنِ عَهْدًا"
والعهد هو الشهادة: "كلمة التوحيد"؛ صحّ هذا عن ابن عباس.
(الخراسانية 394)
87. فإن من المؤمنين من تكون منزلته أعظمَ من الشهيدِ؛ كالأنبياء، أو مِثلَهُ؛ كالصِّدِّيقينَ وبعض الأولياءِ والعلماءِ الصادقين.
(الخراسانية 419)
88. وفي القبر يَعرِفُ العبد مصيرَه، والنهايةَ التي يؤول إليها، ويَعرِفُ غضَبَ اللهِ ورضاهُ عنه، ولذا كان السلفُ يعظِّمونَ أمره، فبه يُعرفُ تحديدُ المصير.
(الخراسانية 422)
89. وبعد قبضِ الروح عند الموتِ من الدنيا تصعَد الروحُ لترى مقعدها من الجنة والنار، ثم ترجع إلى البدن؛ فيكون السؤال وعَرضُ المقعد على الروح والبدن عِيَانًا، ويأتيه فتَّان القبرِ فيبدأ النعيم أو العذاب على البدن والروح جميعًا، ثم تنفكّ الرّوح عن البدن، ويكون النعيم والعذاب على الروح وحدها؛ ففي ((الصحيحين))، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ غُدْوَةً وَعَشِيًّا؛ إِمَّا النَّارُ وَإِمَّا الْجَنَّةُ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى تُبْعَثَ إليه"
(الخراسانية 422)
90. وعذابُ البرزَخ يدومُ على الكافرينَ إلى يوم البعث؛ كما جاء في قوله تعالى: "النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ"
والأصل: أنه لا يدوم على عصاةِ الموحِّدينَ، فإذا كان لا يدومُ عذابهم في جهنَّم، فألا يدومَ عذابهم في القبرِ من بابِ أولى.
والأعمال الصالحة التي تلحق المذنب في قبرهِ تخفِّفُ عنهُ؛ سواءٌ مِن دعاءِ الوَلَد، أو الصدقةِ الجاريةِ، أو العِلم الذي ينتفع به، أو العفوِ والمسامحةِ الذي يلحَقُهُ من أصحاب الحقوق والمظالِم التي كانت عليه لهم.
(الخراسانية 425)
91. الحكمة من ضمة القبر ولمن تكون؟
وليست الضمَّةُ عذابًا للمؤمن الصالح؛ كسعد بن معاذٍ الذي اهتزَّ لموته العرشُ، وفَرِحَت الملائكة بروحهِ؛ فالله لا يعذِّبُ من لا يستحقُّ العذاب، وإنما هي كما يجدُ الإنسانُ سَكْرةَ الموتِ، وشِدَّةَ الاحتضارِ، وهَوْلَ القبرِ، وسؤال المَلَكَيْنِ؛ يَرفَعُ اللهُ بها المؤمنَ، ويعاقِبُ ويعذِّبُ بها الكافرَ.
(الخراسانية 427)
92. وكثيرًا ما يقولُ أحدُ المعتزلةِ أو قلَّةٌ منهم قولًا، فيُنسَبُ إلى الطائفة كلِّها، وقد يقول بعضُهم قولًا فيُهجَرُ، فيَبقَى منسوبًا إليهم.
(الخراسانية 428)
93. وكثيرًا ما يكون للمختلِفِينَ هَيْبةٌ تدعو بعضَ الصالحين إلى توسط متوهَّمٍ.
(الخراسانية 456)
94. ويسمِّي اللهُ سُنَّةَ الأنبياء في القرآن: الحِكمةَ، وبهذا يفسِّرها في القرآن أئمةُ السلفِ؛ كالحسنِ، وقتادةَ، وابنِ جُريجٍ.
(الخراسانية 488)
95. ولا يُحفَظُ لأبي بكرٍ وعُمَرَ خروجٌ عن السُّنَّة، وليسا بالمعصومَيْن، ولكنه التسديد والتوفيق.
(الخراسانية 491)
96. وكلما كان الإنسان منفرِدًا، دَنَا منه الشيطان -كما يدنو الذئبُ من الشاة- بالوَسوَسِة والتحريش وخطرات السّوء، والرحمة مع الجماعة...
(الخراسانية 496)
97. ومن السُّنَّة: كتمان بواطِنِ الناس وسرائرهمُ الخاصةِ بهم عند من وقَفَ عليها؛ وهم لا يَعلمُون به، ولا يريدون إظهارها؛ وهكذا كان النبي ﷺ يكتُمُ بواطِنَ المنافقينَ وسرائِرَهُم؛ لأن في إفشائها فتنةً لهم...
(الخراسانية 513)
98. وعند الأمن من موافقة المرجئة، ومن تزكية النفس، وزعم كمالها، فلا بأسَ بإطلاقِ وصفِ الإيمان عليها دون استثناءٍ عند الحاجةِ؛ لدفعِ الشكِّ وغيره.
(الخراسانية 523)
99. وقد يقولُ أحدٌ من أهلِ الحقِّ والاتباع كلمةً مجمَلةً، توافِقُ قولَ المبتدعة ظاهِرًا، وهو لا يريدُ مَقصِدَهُم باطنًا؛ لِمَا يُعرَفُ عنه من أقوالِه الأخرَى؛ فلا تجوزُ نِسبَتُهُ -والحالةُ هذه- إلى أهل البِدَعِ، بل يبيَّنُ قولهُ، ويبرَّأُ مِن ظاهرِ معناه.
(الخراسانية 532)
100. وأما الجهمية، فهم غلاةُ المرجِئةِ، ويُذكرونَ على سبيلِ الانفرادِ؛ لشدِّةِ غُلُوِّهِم وزندقتهم.
(الخراسانية 533)
101. والإرجاءُ من: أَرْجَأَ الشيءَ: إذا أخَّره...
(الخراسانية 535)
102. قال المأمون للنضر بن شُمَيْلٍ: تدري ما الإرجاءُ؟ قال النَّضْرُ: دِينٌ يوافِقُ الملوك يُصيبون به من دنياهم، وينقُصُ من دِينهِم، فقال المأمونُ: صَدَقْتَ.
(الخراسانية 539)
103. المرجئة يَفتَحونَ بابَ البِدْعةِ والضلالةِ لغيرِهم، وإنْ لم يقوموا به بأنفسهمِ، فإن كانت المرجِئَةُ الأولى فَتَحَتِ الباب للجهميةِ -كما قال وكيع- فإن المرجئةَ اليومَ فَتَحَتِ البابَ لليبراليةِ.
(الخراسانية 539)
104. وفي الخَوَارجِ والمُرْجئة ضَرَرٌ على الدِّين والدنيا، إلا أن ضَرَرَ المرجئةِ على الدِّينِ أشدُّ من الخوارجِ، وضَرَرَ الخوارجِ على الدنيا أشدُّ من المرجئةِ، وإنما خصَّ النبي ﷺ الخوارج بالقتالِ لأنهم أجرَأ على المظالِمِ واستِحلالِها، فاستحقُّوا القتالَ أشدَّ من دَفْعِ الصائل.
(الخراسانية 540)
105. ونشأتِ المعتزلة في البَصرةِ بلا أصولٍ، وإنما فارقوا أهل السُّنَّةِ في مسألةِ صاحبِ الكبيرةِ، ثم قلَّدوا غيرهم في عقائدَ أُخرى
(الخراسانية 547)
106. اختُلِفَ في حَدِّ الرافضةِ، وسببِ تسميتهم بهذا الاسم:
فقيل: سُمُّوا رافضةً؛ لأنهم رفَضُوا زَيْدَ بنَ عليٍّ؛ لأنَّه لم يتبرَّأ مِن أبي بكرٍ وعُمَرَ؛ كما قاله الأصمعيُّ، وأبو الحسنِ الأشعريُّ، وغيرهما، وقد سُئل أحمدُ عن الرافضةِ؟ فقال: "هم الذين يشتمون أبا بكرٍ وعُمَرَ"
وقيل: سُمُّوا رافضةً؛ لأنهم رفضوا الإسلامَ؛ وذلك لكثرةِ أصولِهِمُ التي يرفُضُونَ بها الإسلامَ؛ وهذا قولُ الرازيَّيْنِ هنا.
(الخراسانية 549)
107. وليس كُلُ متشيِّعٍ لآلِ البيتِ مفضِّلٍ لعليٍّ يكون رافضيًّا ينزَّلُ عليه كلامُ السلفِ من الصحابةِ والتابعينَ وأتباعِهِمْ في الرافضةِ؛ ما لم يلتزِمْ -مع تشيُّعِهِ- رفضًا لأصل من أصولِ الإسلامِ، وإنكارًا للمعلومِ منه ضرورةً.
(الخراسانية 549)
108. وتعظيم القرآنِ ضعيفٌ في قلوبِ الرافضةِ؛ ولهذا لا يكادُ يُوجَد اليوم في أئمة الرافضةِ من يحفظُ القرآنَ، ويقولون في القرآن: "لا يفسِّرُهُ إلا الأئمَّةُ المعصومون"
(الخراسانية 551)
109. ولا توجد طائفةٌ تستحِلُّ دماءَ عامَّةِ المسلمينَ؛ كالرافضة، واليهود.
(الخراسانية 552)
110. كُلُّ بدعةٍ في طائفةٍ مسلِمةٍ، ففي الرافضةِ مِثْلُها أو أعظَمُ منها، وقد عدَّهم شرُّ أهل البِدَعِ أئمَّةٌ؛ كأبي عُبيد القاسِمِ بنِ سلَّامٍ؛ فإنهم أعظَمُ ضلالًا من الخوارج والقدرية والمرجئة، والجهميةِ والمعتزلةِ.
(الخراسانية 552)
111. وكان عبداللهِ بنُ الحسينِ بنِ الحسن بن عليٍّ يقول بأنه لا يشهد على أحدٍ من أهل القبلة بالشِّرْكِ، إلَّا الرافضةَ؛ وبهذا يقول الأئمة الأربعةُ.
وكان السلفُ لا يرونَ الصلاةَ خلفهم؛ كما روي عن السّفيانَيْن، وقد كان البخاريُّ لا يفرِّق بين الصلاةِ خلفهم، وبين الصلاةِ خلفَ اليهوديِّ والنصرانيِّ؛ وذلك أنه لم تجتمِعْ مُوجباتُ الكفرِ في طائفةٍ تنتسِبُ للإسلامِ كما اجتمعتْ في الرافضة!
(الخراسانية 553)
112. وأمَّا انتسابُ الرافضةِ للإسلامِ، فكانتساب مُشركِي قريشٍ للحنيفيَّةِ مِلَّةِ إبراهيمَ؛ إذْ كانوا يعظِّمون إبراهيمَ وإسماعيلَ، وكان النبي ﷺ يَدعُوهُم إليها: "ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا" وهم يقولونَ: نحنُ عليها؛ كما تقول الرافضة: نحنُ على ملَّةِ محمَّدٍ؛ فإن النزاعَ مع كلا الطائفتينِ على الحقيقةِ، لا على الدعوى؛ ولذا قال تعالى مبطِلًا دعوى قُرَيشٍ وغيرِهِم: "قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ".
(الخراسانية 554)
113. ودعوى الرافضة في اتباع محمَّدٍ؛ كدعوى مشركي قريش في اتباعِ إبراهيمَ؛ كِلاهما لا ينتفِعُ بدعواهُ؛ ما دام عملُهُ على خلاف المِلَّة.
(الخراسانية 554)
114. ولم يثبُت في ذكر طائفةٍ وفِرقةٍ من فِرَقِ الإسلام حديثٌ؛ كما ثبَتَ في الخوارجِ، وقد قال أحمدُ: "ثبَتَ الحديثُ فيهم من عشَرَةِ أوجُهٍ".
(الخراسانية 555)
115. فليس للخوارجِ أصولٌ مكتوبةٌ بأيديهمْ يَرجِعُ إليها خاصَّتُهُمْ وعامتهم، يعتمِدونَ ينظُرُونَ في ظواهر الإدلةِ، ويتأوَّلُها كلُّ فريقٍ أو رأسٍ منهم على معنًى قد يختلفُ عن غيرِه؛ فيعظِّمونَ النصوصَ، ويَضعونَ من منزلة السلفِ والعلماءِ وفَهْمِهم؛ فلم تَبْقَ لهم إلا أفهامهم للوحي.
(الخراسانية 556)
116. وإنما لم يكنْ لعامَّتهم كتبٌ ومذهبٌ يؤلَّفُ ويدرَّسُ؛ لأنهم يَغلونَ في عدمِ تعظيم الرؤوسِ والعلماءِ، وعدمِ جعلِ قدواتٍ لهم إلا في القتال؛ خشيةَ أن يحكُمُوا من دون الله فيطاعُوا، وإن لم يقولوا هذا بلسان المقالِ، فهو بلسانِ الحالِ ظاهِرٌ؛ ولهذا ليس فيهم عالمٌ، ولا لهم كتابٌ.
والخوارج نقيضُ الرافضةِ في بابِ الأئمةِ؛ لأن الرافضةَ تَرى عِصمةَ الأئمةِ، وتقدِّسُ العلماءَ، والخوارجَ لا تَرَى لعالمٍ فضلًا.
(الخراسانية 557)
117. ولم يُصِبْ مَن يحكي إجماعَ الخوارجِ على تكفيرِ مرتكبِ الكبيرة كالكعبي، والشهريتاني، والرازي، وغيرهم، وربَّما حَكَوْه إجماعًا عمليًّا للخوارج في زمنٍ أو في جماعةٍ منهم، لا أصلًا جامعًا لهم.
(الخراسانية 559)
118. حتى إنَّ منهم -أي: الخوارج- من رأى حَلْقَ اللِّحْيةِ كبيرةً، وتشدَّدَ بعضُ المعاصِرِينَ من وُعَّاظِ الإباضيَّةِ، فرأى أنَّ نَتْفَ الشَّعْرةِ الواحدةِ من اللِّحْيةِ في حكم حلقها، وحلقُها كبيرةٌ يوجبُ جحودًا؛ فيكفرُ فاعلهُ.
(الخراسانية 559)
119. لكن إنْ قاتَلَ الخوارجُ عدوًّا كافِرًا، لم يَجُزْ مناصَرةُ العدوِّ وإعانته عليهم؛ كقتالهم للمحابينَ من اليهود والنصارى والرافضةِ؛ فإنَّه لم يَقُلْ أحدٌ من السلفِ والخلفِ بجوازِ ذلك، ولا بتنزيلِ قتالِهِمُ الواردِ في الحديثِ على إعانةِ الكافرِ عليهم.
(الخراسانية 566)
120. أهل الحديثِ قَنْطَرةٌ تحولُ دون البِدَعِ كلِّها، وتَمُرُّ كلُّ بدعةٍ بنقيضها بواسطَتِهِمْ.
(الخراسانية 581)
121. الزنادقة هم الذين يُبطِنُونَ الإلحادَ، ويُظهِرونَ خلافَهُ، وهي مِن الفارسيِّ المعرَّبِ، وأصلُهُ: "زنده كرد"؛ أي: يقولُ بدوامِ الدهرِ، ثمَّ توسَّع الناسُ في إطلاقها حتّى أُطلِقَتْ على كلِّ مَن يقولُ الكفرَ بقصدِ هَدْمِ الإسلامِ؛ فيُظهِرُ شرًّا، ويُبطِنُ أشَرَّ منه.
(الخراسانية 582)
122. وأوَّل من أطلق لفظَ الحشويَّتِ على أهلِ الحديثِ والأثرِ: المعتزلةُ، وأوّلُ من أطلقهُ منهم: عمرو بنُ عُبيدٍ؛ فقد وصَفَ به ابنَ عمرَ رضي الله عنه؛ كما رواه عنه يحيى بنُ كثيرٍ أبو النَّضْرِ؛ أنَّه سمعَ عَمْرَو بنَ عُبَيْدٍ التَّيْميَّ يقولُ: "كان ابنُ عمرَ حَشَوِيًّا".
(الخراسانية 584)
123. وغالبًا فإن من غلا وبغى في لَمْزِ طائفةٍ بلَقَبِ سُوءٍ، أوقعهُ ذلك في ضِدِّهِ وهو لا يشعُرُ؛ كمَن يغلو في التحذيرِ مِن الخوارجِ، فتُدرِكُهُ لُوثَةُ الإرجاءِ إنْ لم يكن مرجئًا؛ قال ابن تيميَّةَ: "ولهذا كان السلفُ إذا رأَوا الرجلَ يُكثِرُ من ذمِّ المشبِّهةِ، عرَفوا أنَّه جَهْميٌّ معطِّلٌ".
(الخراسانية 590)
124. وما مِن صفة نَقُصٍ ولَقَبِ سوءٍ يُطلقه أهل البدع على أهل الحديث والأثر، إلا وهم أحقُّ بتلك الصفةِ، وذلك اللقبِ.
(الخراسانية 592)
125. والأمرُ والنهيُ وإن لم يُزِلِ البِدْعَةَ والمنكر، فإنَّه يُهِيبُ من الانقيادِ لها عند الأتباعِ، ويحولُ بين فاعِلِها وتشريعِهِ لها.
(الخراسانية 601)
126. ولا يجوزُ للإنسانِ فِعْلُ المعصية والبدْعةِ، ولا شهودُها، ولا تأليفُ قَلبِ أحدٍ بفعلِ الحَرَامِ.
(الخراسانية 608)
127. ويكون الهجر فيمن يُبدي شرًّا صغيرًا ويدعوا إليه، آكدَ مِمَّن يُضمر شرًّا عظيمًا ولا يدعوا إليه؛ فمدارُ مشروعيةِ الهجرِ على دفعِ الشرِّ وتقليلِه، وجلبِ الخيرِ وتكثيرِه.
(الخراسانية 609)
128. أهل الشرِّ يُحبُّونَ أن يهجُرَ أهلُ الصلاحِ ميادينهم، وودَّت كُفّار قريشٍ لو هَجرها رسول الله ﷺ، وهجَرَ مَجالِسَها؛ لأنها لا تحب دعوته، وتخشى أَثرَه.
(الخراسانية 613)
129. قد تواتَرَت النصوصُ في فضلِ الجهادِ عندَ تعيّـنِهِ بما لا يوازيه عملٌ إلا الصلاة، بل إن الصلاةَ تُقصَرُ وتؤخًّرُ لأجلِهِ، ولا يؤخَّرُ هو عند تعيّنِهِ لأجلها.
وإنما كان الأصل فيه على الكفايةِ؛ لكثرة ثغور الأمّة في داخلها، وحماية الدّين والعرض، والمال والأرض؛ ولذا كان العلماء حماةً للأمة من داخلها، والمجاهدونَ حماةً للأمة من خارجها.
(الخراسانية 474).
130. ولا يَلزَمُ مِن البيانِ والإنكارِ: الخروجُ على الآمر بمعصية الله؛ وذلك لِما ثبَتَ في "الصحيح"؛ قال ﷺ: "سَيَكُونُ أُمَرَاءُ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضي وَتَابَعَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ؟ قَالَ: "لَا، مَا صَلَّوُا".
(الخراسانية 478)
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد