نقاش حول زكاة الفطر


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:  

في كل عام تتكدر سكينة العشر الأواخر بتلك الأبحاث الحادة حول زكاة الفطر هل تخرج طعاماً أو تخرج مالاً وكنت لا ألقي لهذا الأمر كبير بال غير أنني هذا العام تفطنت لعدة أمور:

أولها: أين دعاة الوحدة؟

أمامنا طريقتان لأداء عبادة زكاة الفطر الأولى متفق على أنها صحيحة بين الجميع وهي إخراجها طعاماً والثانية الجمهور من المذاهب المتبعة يرونها غير صحيحة وذهب بعض الفقهاء إلى صحتها وهي إخراجها نقداً .

وقد ألفنا أن هناك دعاة وحدة بين المسلمين يتبرمون من الاختلافات حتى تبرموا من اختلاف صيام الناس وفطرهم مع أن ذلك راجع لاختلاف المطالع أفليس من الأولى لدعاة الوحدة أن يدعو إلى التزام الصفة المتفق عليها وهي إخراجها طعاماً واطراح الصفة المختلف فيها لأن الخلاف شر وحفاظاً على وحدة المسلمين واحتياطاً لعبادتهم وخروجاً من كثرة الجدل فإذا أخرجها المرء طعاماً كان فعل شيئاً فعل قطعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والكل يصححه وأما إذا فعل الآخر فيبقى في الأمر شك ونزاع.

ثانيها:

بعض الناس يخرج من التدليل على وجاهة القول بجواز إخراجها نقداً إلى الازراء على إخراجها طعاماً وإظهارج أنه أمر لا فائدة فيه أو فائدته يسيرة وهذا مسلك غير سوي ويدخل في معارضة السنة بالرأي

 

فإطعام الفقراء (طعاماً) أمر مشهور في أحكام شرعية كثيرة مثل زكاة الزروع والثمار وإطعام المساكين في كفارة اليمين وكفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان وجزاء الصيد وكفارة ارتكاب محظور من محظورات الإحرام وغيرها ولا يختلف العلماء أنه في كل ذلك يجزيء الإطعام وأن الله عز وجل ما شرع هذه الأمور إلا لمصلحة الفقير والمسكين فحين تأتي إلى زكاة الفطر فحسب وتظهر الإطعام على أنه أمر لا طائل تحته تفتح الباب على بقية الشرائع مع أن دعواك غير دقيقة فزكاة الفطر تخرج من القوت وقالوا طعام أهل البلد وما قالوا هذا إلا لأن قوت أهل البلد مما لا يفسد بيسر ولا تنعدم فائدته أبداً فإن لم يأكلوه باعوه ووجدوا من يشتريه ، وكان يكفي شرح ما تراه من وجاهة القول بجواز إخراجها نقداً دون الحديث عن كون زكاة الفطر طعاماً أمر شبه لا فائدة فيه أو فيه مضرة أو ليس مفيداً للفقراء (ليس الأقل فائدة بل ليس مفيداً أو فائدته يسيرة ولو تأملت كلام كثيرين لرأيته يصب في هذا السياق)

ثالثها:

لاحظت أن كثيراً ممن يبحثون في المسألة هم ممن لا دربة عندهم على المحاججات الفقهية ويحتجون بما ليس بحجة وهذا من مغبة إدخال العوام وأشباه العوام في دقائق المسائل الشرعية فمثلاً يسرد أسماء المجيزين لإخراجها نقداً ويعتبر ذلك حجة ولا يدري أن العالم إذا خالفه من هو مثله لم يعد قوله حجة بلا نزاع وهذا أبو سعيد الخدري أنكر على معاوية اعتباره نصف صاع من البر بصاع من غيره (هنا قاس الأمر على الكفارات في الحج) وهذا أدق من إخراجها نقداً لو تأملنا.

رابعها:

أن بعض المنتسبين للمذاهب الفقهية وخصوصاً الحنابلة يسخرون ممن يحتج بالحديث ويعارض به فعل عمر بن عبد العزيز في تجويز إخراجها نقداً ويتهمونهم بضيق العطن وقلة الفقه مع أن هذا هو فعل الإمام أحمد نفسه !

قال أبو طالب: قال لي أحمدُ: لا يُعْطِى قيمته.

قيل له: قوم يقولون: عمر بن عبد العزيز كان يأخُذ بالقيمة

قال: يَدَعُون قَوْلَ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ويقولون قال فلان، قال ابن عمر فرض رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: وقال اللَّه تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرسُولَ}. وقال قوم يُردون السنن: قال فُلان، قال فُلان

خامسها:

 أن قولنا (الأحظى للفقير) أخشى أنه من العبارات المبهمة في عصرنا فالناس صار عندهم خلط بين الضروريات والحاجات والتحسينات وصار بعض التحسينات مثل (كعك العيد) مثلاً مقدماً على القوت طوال الشهر أو طوال العام لأن الفقير في عصرنا اعتاد على أن ينظر إلى من هو فوقه ويحاول تقليده ولا ينظر إلى من هو دونه كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ولهذا لا أحد يتحدث عن إخراج الأضحية نقداً مثلاً بيد أن القوت الذي لا يفسد وهو أهم من اللحم هناك حرص شديد على استبداله بالنقد

سادسها:

في بداية شهر رمضان كان هناك من الناس من يوزع طعاماً على البيوت يسميها (شنط رمضان) ويتحدث عن أهميتها حتى إذا جاء آخر الشهر صار يحدثك على أن الفقير لا يفيده الطعام بقدر النقد وكأنه ليس ثمة زكاة نقد أيضاً وأخشى أن يدخل الأمر بعد مدة في الجمع بين زكاة المال وزكاة الفطر في زكاة واحدة ، وحين نقول زكاة الفطر تخرج طعاماً فليس معناه أنك ستهجر الفقير ولا تبحث عنه بعدها ولكنك هنا تحمل عنه حاجة من أهم حاجاته وهو يتفرغ لغيرها.

 

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply