بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الحياة الدنيا مملوءة بالفتن،وقد حذرنا الله تعالى في كتابه، وكذلك نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سُنَّتِهِ المباركة مِنَ الفتن، لذلك أحببتُ أن أُذَكِّرَ نفسي وطلاب العِلْمِ الكرام ببعض الأمور التي ينبغي على المسلم مراعاتها عند الفتن، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
(1) الاعتصام بالقرآن والسُّنة:
إنَّ اعتصامَ المسلمين بالقرآن والسُّنَّة، والتأليف بين قلوبهم هو السبيل الأمثل للخروج مِنَ الفتنة بسلام.
قال الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)(آل عمران:103)
روى الحاكمُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا: كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ.(حديث حسن)(مستدرك الحاكم جـ1صـ172)
روى الترمذيُّ عَنْ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ فَقَالَ رَجُلٌ: إِنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ فَمَاذَا تَعْهَدُ إِلَيْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟قَالَ: أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ وَإِنْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فَإِنَّهَا ضَلَالَةٌ فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَعَلَيْهِ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ. (حديث صحيح)(صحيح سنن الترمذي للألباني حديث:2157)
(2) استشارة علماء أهل السُّنة عند حدوث الفتن:
ينبغي على المسلم أن يسأل علماء أهل السُّنة عن موقف الشريعة الإسلامية من هذه الفتن.
قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ * بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (النحل44:43)
وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)(النساء:59)
قال عبد الله بن عباس: (وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) يعني: أهل الفقه والدين. (تفسير ابن كثيرجـ 4صـ 136)
واعلم، أخي الكريم، أن علماء أهل السُّنَّة هم ورثة نبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهم الذين يجب علينا أن نسألهم عند حدوث الفتنة.
روى الترمذيُّ عن أبي الدرداء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 2159)
(3) التوبة الصادقة والاستغفار:
من المعلوم أنه لا ينزل بلاءٌ إلا بذنب ،ولا يرفعه الله إلا بتوبة صادقة.روى الزبير بن بكار في كتابه (الأنساب) أن عمر بن الخطاب لما استسقى بالعباس بن عبد المطلب،قال العباس: (اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث) فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. (التوسل للألباني صـ62)
قال عز وجل عن نوح رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا* وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا) (نوح:12:10)
نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يحثنا على التوبة الصادقة:
* روى مسلمٌ عن عبدِ الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ تُوبُوا إِلَى اللَّهِ فَإِنِّي أَتُوبُ فِي الْيَوْمِ إِلَيْهِ مِائَةَ مَرَّةٍ. (مسلم حديث : 2702 )
* روى الترمذيُّ عن أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَوْ أَتَيْتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مَغْفِرَةً . (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث: 2805)
(4) اللجوء إلى الله بالدعاء والقنوت في الصلوات المفروضة:
الدعاء سلوى المحزونين , ونجوى المتقين, ودأب الصالحين, فإذا صدر عن قلب سليم, ونفس صافية, وجوارح خاشعة, صادف إجابة كريمة من رب رحيم ودود. حثنا الله تعالى على الدعاء في آيات كثيرة من كتاب العزيز: فقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)(البقرة: 186)
وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)(النمل: 62)
وقال جَلَّ شأنه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ)(غافر: 60)
وحثنا نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الدعاء في كثير من أحاديثه المباركة،وسوف نذكر بعضاً منها:
روى أبو داودَ عَنْ سَلْمَانَ الفارسي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا)(حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 1320)
روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ادْعُوا اللَّهَ وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بِالْإِجَابَةِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لَاهٍ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 2766)
شروط إجابة الدعاء:
هناك شروط يجب توفرها حتى يكون الدعاء مستجاباً عند الله تعالى ويمكن أن نوجزها فيما يلي:
(1) الإخلاص في الدعاء.
(2) المأكل والمشرب والملبس الحلال.
(3) عدم الدعاء بإثم أو قطيعة رحم.
(4) أن يوقن العبد بإجابة الله تعالى لدعائه.
(5) أن يكون الدعاء بالأمور الجائزة شرعاً.
ومِنَ السُّنَّةِ القنوت (الدعاء) جهراً في الركعة الأخيرة مِنَ الصلوات الخمس المفروضة أو في صلاتي المغرب والفجر فقط، عند نزول فتنة بالمسلمين،وذلك في جميع المساجد.
روى أبو داودَ عَنْ عبدِ الله بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الصُّبْحِ فِي دُبُرِ كُلِّ صَلَاةٍ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ،عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ،وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ.(حديث حسن)(صحيح أبي داود للألباني حديث 1280)
وروى مسلمٌ عن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْنُتُ فِي الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ. (مسلم حديث 678)
(5) التحلي بالصبر والرفق في مواجه الفتنة:
الصبر والرفق في التعامل مع الناس مِنْ أفضل السُّبل لمواجهة الفتن والتغلب عليها.
قال سبحانه (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)(البقرة 157:155)
روى الترمذيُّ عَنْ أَنَسٍ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ أُخِفْتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ فِي اللَّهِ وَمَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بَيْنِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَمَا لِي وَ لِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ. (حديث صحيح )(صحيح الترمذي للألباني حديث2012)
وحثنا الله تعالى وكذلك نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على الرفق في التعامل مع الناس،خاصة في وقت الفتنة.
وقال جَلَّ شأنه: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)(النحل: 125)
وقال سبحانه: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: 159)
روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ. (مسلم ـ حديث 2593)
(6) التعاون بين المسلمين على البر والتقوى:
قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة:2)
روى الشيخانِ عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى. (البخاري حديث: 6011/مسلم حديث :2586)
(7) ضبط الأقوال والأفعال بميزان الإسلام:
يجب على المسلم أن يعرض أقواله على ميزان الشريعة الإسلامية،قبل أن يتكلم بها،وكذلك الأفعال، قبل أن يقوم على فعلها. قال تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)(الإسراء:36)
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ وَإِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ.(البخاري حديث 6478)
وليعلم كل مسلم أن لله ملائكة تكتب أقواله وأفعاله. قال الله تعالى: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران:30) وقال سبحانه: (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)(الزخرف:80)
وليعلم كل مسلم أيضاً أنه سوف يقف وحده للحساب بين يدي الله تعالى.
قال اللُه تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) (الأنعام:94)
روى الشيخانِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلَا يَرَى إِلَّا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ .(البخاري حديث 6539 / مسلم حديث 1016)
(8) عدم احتكار التجار لما يحتاجه الناس:
معنى الاحتكار:
المقصود بالاحتكار هو شراء التاجر سلعة ما وحبسها حتى يحتاج إليها عامة الناس , فيبيعها التاجر بسعر مرتفع, مستغلاً حاجة الناس إلى هذه السلعة مع قلتها في الأسواق، والاحتكارُ حرامٌ لأنه مِن أبواب أكْلِ أموال الناس بالباطل. (المغني لابن قدامة جـ6 صـ 314)
روى مسلمٌ عَنْ مَعْمَرِ بْنِ أَبِي مَعْمَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ احْتَكَرَ فَهُوَ خَاطِئٌ. (عاص). (مسلم حديث 1605)
قال الإمام النووي (رَحِمَهُ اللهُ): هَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي تَحْرِيمِ الِاحْتِكَارِ.
وقال أيضاً: قَالَ الْعُلَمَاء: وَالْحِكْمَة فِي تَحْرِيم الِاحْتِكَار دَفْع الضَّرَر عَنْ عَامَّة النَّاس ، كَمَا أَجْمَعَ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عِنْد إِنْسَان طَعَام ، وَاضْطُرَّ النَّاس إِلَيْهِ وَلَمْ يَجِدُوا غَيْره ، أُجْبِرَ عَلَى بَيْعه دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ النَّاس. (مسلم بشرح النووي جـ6 صـ 49)
(9) تحذير الناس من عاقبة الانقياد لدعاة الفتنة:
يجب على العلماء تحذير الناس،وخاصة الشباب، من المشاركة في الفتنة ،والانقياد لدعاة الفتنة،لما يترتب على ذلك،غالباً، من إراقة الدماء، والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة،وترويع الآمنين في منازلهم وأماكن أعمالهم، وانتشار أعمال السلب والنهب، وتعطيل جميع مظاهر حياة الناس اليومية.
(10) اعتزال الفتنة:
يجب على المسلم أن يتجنب الفتن ويعتزلها، فراراً بدينه، وذلك بالبقاء في بيته، أو مكان عمله، أو أي مكان آخر، يَأْمَنُ فيه على دِينه.
روى البخاريُّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ(رؤوس) الْجِبَالِ وَمَوَاقِعَ الْقَطْرِ(المطر) يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنْ الْفِتَنِ. (البخاري حديث:7088)
روى الشيخانِ عَنْ أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ فَمَنْ وَجَدَ مِنْهَا مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا (الملجأ) فَلْيَعُذْ بِهِ. (البخاري حديث:7081/مسلم حديث:2886)
روى أبو داودَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ:بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ فَقَالَ: إِذَا رَأَيْتُمْ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ (اختَلَطَت) عُهُودُهُمْ وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ وَكَانُوا هَكَذَا وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: الْزَمْ بَيْتَكَ وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ. (حديث حسن صحيح) (صحيح أبي داود للألباني حديث 3649)
روى أبو داودَ عَنْ الْمِقْدَادِ بْنِ الْأَسْوَدِ قَالَ: ايْمُ اللَّهِ (أسلوب قَسَم) لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ إِنَّ السَّعِيدَ لَمَنْ جُنِّبَ الْفِتَنَ وَلَمَنْ ابْتُلِيَ فَصَبَرَ. (حديث صحيح)(صحيح سنن أبي داود للألباني حديث:3585)
اعتزال سلفنا الصالح للفتن:
لقد اعتزلَ كثيرٌ من أصحاب نبينا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الفتنة التي حدثت بين المسلمين،كموقعة الجمل وصفين وغيرهما، واتبعوا النصوص الثابتة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك الأمر.
روى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ قَالَ: هَاجَتِ الْفِتْنَةُ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشَرَاتُ الألوف فَلَمْ يَحْضُرْهَا مِنْهُمْ مِائَةٌ، بَلْ لَمْ يَبْلُغُوا ثَلَاثِينَ. (البداية والنهاية لابن كثير جـ7 صـ264)
أَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالى بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى، وَصِفَاتِهِ الْعُلاَ أَنْ يجنبنا الفتن، ما ظَهَرَ منها وما بَطَنَ، إنه وليُّ ذلك والقادر عليه.كَمَا أسألهُ سُبْحَانَهُ أَنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصَاً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ الكريم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد