بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ: ﻣﺄﺧﻮﺫﺓ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﻢ ﺃﻱ اﻟﻤﺺ. ﻳﻘﺎﻝ: ﺣﺠﻢ اﻟﺼﺒﻲ ﺛﺪﻱ ﺃﻣﻪ ﺇﺫا ﻣﺼﻪ. ﻭاﻟﺤﺠﺎﻡ اﻟﻤﺼﺎﺹ، ﻭاﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ﻭاﻟﻤﺤﺠﻢ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻰ اﻵﻟﺔ اﻟﺘﻲ ﻳﺠﻤﻊ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺪﻡ ﻭﻋﻠﻰ ﻣﺸﺮﻁ اﻟﺤﺠﺎﻡ ﻓﻌﻦ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ: اﻟﺸﻔﺎء ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﺷﺮﺑﺔ ﻋﺴﻞ ﻭﺷﺮﻃﺔ ﻣﺤﺠﻢ ﻭﻛﻴﺔ ﻧﺎﺭ (ﺣﺪﻳﺚ: " ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﺗﺪاﻭﻳﺘﻢ ﺑﻪ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ " ﻭﺣﺪﻳﺚ: " ﺧﻴﺮ اﻟﺪﻭاء اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ " ﺃﺧﺮﺟﻪ ﺃﺣﻤﺪ، ﺃﺧﺮﺟﻪ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺑﻠﻔﻆ: " ﺃﻥ ﺃﻣﺜﻞ ﻣﺎ ﺗﺪاﻭﻳﺘﻢ ﺑﻪ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ).
ﻭاﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﻗﻴﺪﺕ ﻋﻨﺪ اﻟﺒﻌﺾ ﺑﺈﺧﺮاﺝ اﻟﺪﻡ ﻣﻦ اﻟﻘﻔﺎ ﺑﻮاﺳﻄﺔ اﻟﻤﺺ ﺑﻌﺪ اﻟﺸﺮﻁ ﺑﺎﻟﺤﺠﻢ ﻻ ﺑﺎﻟﻔﺼﺪ، ﻭﺫﻛﺮ اﻟﺰﺭﻗﺎﻧﻲ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻻ ﺗﺨﺘﺺ ﺑﺎﻟﻘﻔﺎ ﺑﻞ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺳﺎﺋﺮ اﻟﺒﺪﻥ. ﻭﺇﻟﻰ ﻫﺬا ﺫﻫﺐ اﻟﺨﻄﺎﺑﻲ.
اﻟﺘﺪاﻭﻱ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻣﻨﺪﻭﺏ ﺇﻟﻴﻪ، ﻭﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﻋﺪﺓ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻋﻦ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ: ﺧﻴﺮ ﻣﺎ ﺗﺪاﻭﻳﺘﻢ ﺑﻪ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻗﻮﻟﻪ: ﺧﻴﺮ اﻟﺪﻭاء اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ.
ﻭﻣﻨﻬﺎ ﻣﺎ ﺭﻭاﻩ اﻟﺸﻴﺨﺎﻥ: ﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺃﺩﻭﻳﺘﻜﻢ ﺧﻴﺮ ﻓﻔﻲ ﺷﺮﻃﺔ ﻣﺤﺠﻢ، ﺃﻭ ﺷﺮﺑﺔ ﻋﺴﻞ، ﺃﻭ ﻟﺬﻋﺔ ﺑﻨﺎﺭ ﺗﻮاﻓﻖ اﻟﺪاء، ﻭﻣﺎ ﺃﺣﺐ ﺃﻥ ﺃﻛﺘﻮﻱ (أخرجه البخاري).
اﻋﺘﻨﻰ اﻟﻔﻘﻬﺎء ﺑﺒﻴﺎﻥ ﺃﺣﻜﺎﻡ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﻴﺚ ﺗﺄﺛﻴﺮﻫﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻬﺎﺭﺓ، ﻭﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮﻡ، ﻭﻋﻠﻰ اﻹﺣﺮاﻡ. ﻭﻣﻦ ﺣﻴﺚ اﻟﻘﻴﺎﻡ ﺑﻬﺎ، ﻭﺃﺧﺬ اﻷﺟﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭاﻟﺘﺪاﻭﻱ ﺑﻬﺎ.
ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﻄﻬﺎﺭﺓ:
ﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺧﺮﻭﺝ اﻟﺪﻡ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻧﺎﻗﺾ ﻣﻦ ﻧﻮاﻗﺾ اﻟﻮﺿﻮء. ﻗﺎﻝ اﻟﺴﺮﺧﺴﻲ: اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺗﻮﺟﺐ اﻟﻮﺿﻮء ﻭﻏﺴﻞ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻤﺤﺠﻤﺔ ﻋﻨﺪﻧﺎ، ﻷﻥ اﻟﻮﺿﻮء ﻭاﺟﺐ ﺑﺨﺮﻭﺝ اﻟﻨﺠﺲ، ﻓﺈﻥ ﺗﻮﺿﺄ ﻭﻟﻢ ﻳﻐﺴﻞ ﻣﻮﺿﻊ اﻟﻤﺤﺠﻤﺔ، ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻗﺪﺭ اﻟﺪﺭﻫﻢ ﻟﻢ ﺗﺠﺰﻩ اﻟﺼﻼﺓ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺩﻭﻥ ﺫﻟﻚ ﺃﺟﺰﺃﺗﻪ. ﻭاﻟﻔﺼﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﻲ ﻧﻘﺾ اﻟﻮﺿﻮء. ﻓﺈﺫا اﻓﺘﺼﺪ ﻭﺧﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﺩﻡ ﻛﺜﻴﺮ، ﻭﻳﻨﺘﻘﺾ ﺃﻳﻀﺎً ﺇﺫا ﻣﺼﺖ ﻋﻠﻘﺔ ﻋﻀﻮا ﻭﺃﺧﺬﺕ ﻣﻦ اﻟﺪﻡ ﻗﺪﺭاً ﻳﺴﻴﻞ ﻣﻨﻬﺎ ﻟﻮ ﺷﻘﺖ.
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻭاﻟﻔﺼﺪ ﻭﻣﺺ اﻟﻌﻠﻖ ﻻ ﻳﻮﺟﺐ ﻭاﺣﺪ ﻣﻨﻬﺎ اﻟﻮﺿﻮء. ﻗﺎﻝ اﻟﺰﺭﻗﺎﻧﻲ: ﻻ ﻳﻨﺘﻘﺾ اﻟﻮﺿﻮء ﺑﺤﺠﺎﻣﺔ ﻣﻦ ﺣﺎﺟﻢ ﻭﻣﺤﺘﺠﻢ ﻭﻓﺼﺪ. ﻭﻓﻲ اﻷﻡ "ﻻ ﻭﺿﻮء ﻓﻲ ﻗﻲء ﻭﻻ ﺭﻋﺎﻑ ﻭﻻ ﺣﺠﺎﻣﺔ ﻭﻻ ﺷﻲء ﺧﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﺠﺴﺪ ﻭﺃﺧﺮﺝ ﻣﻨﻪ ﻏﻴﺮ اﻟﻔﺮﻭﺝ اﻟﺜﻼﺛﺔ اﻟﻘﺒﻞ ﻭاﻟﺪﺑﺮ ﻭاﻟﺬﻛﺮ "
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻣﺎ ﺧﺮﺝ ﻣﻦ اﻟﺪﻡ ﻣﻮﺟﺐ ﻟﻠﻮﺿﻮء ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻓﺎﺣﺸﺎً. ﻭﻓﻲ ﺣﺪ اﻟﻔﺎﺣﺶ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺧﻼﻑ: ﻓﻘﻴﻞ: اﻟﻔﺎﺣﺶ ﻣﺎ ﻭﺟﺪﻩ اﻹﻧﺴﺎﻥ ﻓﺎﺣﺸﺎً ﻛﺜﻴﺮاً. ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻋﻘﻴﻞ: ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﺎ ﻳﻔﺤﺶ ﻓﻲ ﻧﻔﻮﺱ ﺃﻭﺳﺎﻁ اﻟﻨﺎﺱ ﻻ اﻟﻤﺘﺒﺬﻟﻴﻦ ﻭﻻ اﻟﻤﻮﺳﻮﺳﻴﻦ. ﻭﻗﻴﻞ: ﻫﻮ ﻣﻘﺪاﺭ اﻟﻜﻒ. ﻭﻗﻴﻞ: ﻋﺸﺮﺓ ﺃﺻﺎﺑﻊ.
ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻟﺼﻮﻡ:
ﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺟﺎﺋﺰﺓ ﻟﻠﺼﺎﺋﻢ ﺇﺫا ﻛﺎﻧﺖ ﻻ ﺗﻀﻌﻔﻪ، ﻭﻣﻜﺮﻭﻫﺔ ﺇﺫا ﺃﺛﺮﺕ ﻓﻴﻪ ﻭﺃﺿﻌﻔﺘﻪ، ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ ﻧﺠﻴﻢ: اﻻﺣﺘﺠﺎﻡ ﻏﻴﺮ ﻣﻨﺎﻑ ﻟﻠﺼﻮﻡ ﻭﻫﻮ ﻣﻜﺮﻭﻩ ﻟﻠﺼﺎﺋﻢ. ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻳﻀﻌﻔﻪ ﻋﻦ اﻟﺼﻮﻡ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﻛﺎﻥ ﻻ ﻳﻀﻌﻔﻪ ﻓﻼ ﺑﺄﺱ ﺑﻪ.
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﻤﺤﺘﺠﻢ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺒﺪﻥ ﻟﻤﺮﺽ ﺃﻭ ﺧﻠﻘﺔ. ﻭﻓﻲ ﻛﻞ ﺇﻣﺎ ﺃﻥ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻨﻪ ﺃﻥ اﻻﺣﺘﺠﺎﻡ ﻻ ﻳﻀﺮﻩ، ﺃﻭ ﻳﺸﻚ ﺃﻭ ﻳﻐﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺇﻥ اﺣﺘﺠﻢ ﻻ ﻳﻘﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺼﻮﻡ. ﻓﻤﻦ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﺘﻀﺮﺭ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺟﺎﺯ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺠﻢ. ﻭﻣﻦ ﻏﻠﺐ ﻋﻠﻰ ﻇﻨﻪ ﺃﻧﻪ ﺳﻴﻌﺠﺰ ﻋﻦ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺼﻮﻡ ﺇﺫا ﻫﻮ اﺣﺘﺠﻢ ﺣﺮﻡ ﻋﻠﻴﻪ. ﺇﻻ ﺇﺫا ﺧﺸﻲ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻫﻼﻛﺎً ﺃﻭ ﺷﺪﻳﺪ ﺃﺫﻯ ﺑﺘﺮﻛﻪ، ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺠﻢ ﻭﻳﻘﻀﻲ ﺇﺫا ﺃﻓﻄﺮ ﻭﻻ ﻛﻔﺎﺭﺓ ﻋﻠﻴﻪ. ﻭﻣﻦ ﺷﻚ ﻓﻲ ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ ﻗﺪﺭﺗﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﻮاﺻﻠﺔ اﻟﺼﻮﻡ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻗﻮﻱ اﻟﺒﻨﻴﺔ ﺟﺎﺯ ﻟﻪ، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﺿﻌﻴﻒ اﻟﺒﺪﻥ ﻛﺮﻩ ﻟﻪ. ﻭاﻟﻔﺼﺎﺩﺓ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﺘﻜﺮﻩ ﻟﻠﻤﺮﻳﺾ ﺩﻭﻥ اﻟﺼﺤﻴﺢ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ اﻹﺭﺷﺎﺩ.
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻪ ﻻ ﻳﻔﻄﺮ اﻟﺼﺎﺋﻢ ﺑﺎﻟﻔﺼﺪ ﺃﻭ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻳﻘﻮﻝ اﻟﺨﻄﻴﺐ اﻟﺸﺮﺑﻴﻨﻲ: ﺃﻣﺎ اﻟﻔﺼﺪ ﻓﻼ ﺧﻼﻑ ﻓﻴﻪ، ﻭﺃﻣﺎ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﻸﻧﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ اﺣﺘﺠﻢ ﻭﻫﻮ ﺻﺎﺋﻢ (أخرجه البخاري) . ﻭﻫﻮ ﻧﺎﺳﺦ ﻟﺤﺪﻳﺚ: ﺃﻓﻄﺮ اﻟﺤﺎﺟﻢ ﻭاﻟﻤﺤﺠﻮﻡ (ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ ﺛﻮﺑﺎﻥ. ﻭﺫﻛﺮ اﻟﺰﻳﻠﻌﻲ ﻓﻲ ﻧﺼﺐ اﻟﺮاﻳﺔ ﺃﻥ اﻟﺘﺮﻣﺬﻱ ﻧﻘﻞ ﻋﻦ اﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﺗﺼﺤﻴﺤﻪ).
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺗﺆﺛﺮ ﻓﻲ اﻟﺤﺎﺟﻢ ﻭاﻟﻤﺤﺠﻮﻡ ﻭﻳﻔﻄﺮ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ. ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ ﻗﺪاﻣﺔ: اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻳﻔﻄﺮ ﺑﻬﺎ اﻟﺤﺎﺟﻢ ﻭاﻟﻤﺤﺠﻮﻡ، ﻭﺑﻪ ﻗﺎﻝ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﻭاﺑﻦ اﻟﻤﻨﺬﺭ. ﻭﻣﺤﻤﺪ ﺑﻦ ﺇﺳﺤﺎﻕ ﺑﻦ ﺧﺰﻳﻤﺔ، ﻭﻫﻮ ﻗﻮﻝ ﻋﻄﺎء ﻭﻋﺒﺪ اﻟﺮﺣﻤﻦ ﺑﻦ ﻣﻬﺪﻱ. ﻭﻛﺎﻥ اﻟﺤﺴﻦ ﻭﻣﺴﺮﻭﻕ ﻭاﺑﻦ ﺳﻴﺮﻳﻦ ﻻ ﻳﺮﻭﻥ ﻟﻠﺼﺎﺋﻢ ﺃﻥ ﻳﺤﺘﺠﻢ. ﻭﻛﺎﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ اﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻳﺤﺘﺠﻤﻮﻥ ﻟﻴﻼً ﻓﻲ اﻟﺼﻮﻡ ﻣﻨﻬﻢ اﺑﻦ ﻋﻤﺮ ﻭاﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻭﺃﺑﻮ ﻣﻮﺳﻰ ﻭﺃﻧﺲ، ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﺑﻘﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻓﻄﺮ اﻟﺤﺎﺟﻢ ﻭاﻟﻤﺤﺠﻮﻡ.
ﺗﺄﺛﻴﺮ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻋﻠﻰ اﻹﺣﺮاﻡ:
ﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻻ ﺗﻨﺎﻓﻲ اﻹﺣﺮاﻡ. ﻗﺎﻝ اﺑﻦ ﻧﺠﻴﻢ: ﻭﻣﻤﺎ ﻻ ﻳﻜﺮﻩ ﻟﻪ ﺃﻳﻀﺎً - ﺃﻱ ﻟﻠﻤﺤﺮﻡ - اﻻﻛﺘﺤﺎﻝ ﺑﻐﻴﺮ اﻟﻤﻄﻴﺐ ﻭﺃﻥ ﻳﺨﺘﺘﻦ ﻭﻳﻔﺘﺼﺪ. ﻭﻳﻘﻠﻊ ﺿﺮﺳﻪ، ﻭﻳﺠﺒﺮ اﻟﻜﺴﺮ، ﻭﻳﺤﺘﺠﻢ ". ﻓﺎﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﺘﺮﺗﺐ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻗﻠﻊ اﻟﺸﻌﺮ ﻻ ﺗﻜﺮﻩ ﻟﻠﻤﺤﺮﻡ، ﺃﻣﺎ ﺇﺫا ﺗﺮﺗﺐ ﻋﻠﻰ ﺫﻟﻚ ﻗﻠﻊ ﺷﻌﺮ، ﻓﺈﻥ ﺣﻠﻖ ﻣﺤﺎﺟﻤﻪ ﻭاﺣﺘﺠﻢ ﻓﻴﺠﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺩﻡ. ﻭﻻ ﻳﻀﺮ ﺗﻌﺼﻴﺐ ﻣﻜﺎﻥ اﻟﻔﺼﺪ: ﻳﻘﻮﻝ اﺑﻦ ﻋﺎﺑﺪﻳﻦ: (ﻭﺇﻥ ﻟﺰﻡ ﺗﻌﺼﻴﺐ اﻟﻴﺪ ﻟﻤﺎ ﻗﺪﻣﻨﺎﻩ ﻣﻦ ﺃﻥ ﺗﻌﺼﻴﺐ ﻏﻴﺮ اﻟﻮﺟﻪ ﻭاﻟﺮﺃﺱ ﺇﻧﻤﺎ ﻳﻜﺮﻩ ﻟﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﺬﺭ).
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻹﺣﺮاﻡ: ﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻌﺬﺭ ﻓﺠﻮاﺯ اﻹﻗﺪاﻡ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﻮﻻً ﻭاﺣﺪا، ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻐﻴﺮ ﻋﺬﺭ ﺣﺮﻣﺖ ﺇﻥ ﻟﺰﻡ ﻗﻠﻊ اﻟﺸﻌﺮ. ﻭﻛﺮﻫﺖ ﺇﻥ ﻟﻢ ﻳﻠﺰﻡ ﻣﻨﻪ ﺫﻟﻚ، ﻷﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻗﺪ ﺗﻀﻌﻔﻪ ﻗﺎﻝ ﻣﺎﻟﻚ: ﻻ ﻳﺤﺘﺠﻢ اﻟﻤﺤﺮﻡ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺿﺮﻭﺭﺓ. ﻋﻠﻖ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺰﺭﻗﺎﻧﻲ ﺃﻱ ﻳﻜﺮﻩ ﻷﻧﻪ ﻗﺪ ﻳﺆﺩﻱ ﺇﻟﻰ ﺿﻌﻔﻪ ﻛﻤﺎ ﻛﺮﻩ ﺻﻮﻡ ﻳﻮﻡ ﻋﺮﻓﺔ ﻟﻠﺤﺎﺝ ﻣﻊ ﺃﻥ اﻟﺼﻮﻡ ﺃﺧﻒ ﻣﻦ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ.
ﻭﻋﻨﺪ اﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻗﺎﻝ الإمام اﻟﻨﻮﻭﻱ: ﺇﺫا ﺃﺭاﺩ اﻟﻤﺤﺮﻡ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻟﻐﻴﺮ ﺣﺎﺟﺔ ﻓﺈﻥ ﺗﻀﻤﻨﺖ ﻗﻄﻊ ﺷﻌﺮ ﻓﻬﻲ ﺣﺮاﻡ ﻟﻘﻄﻊ اﻟﺸﻌﺮ ﻭﺇﻥ ﻟﻢ ﺗﺘﻀﻤﻨﻪ ﺟﺎﺯﺕ. ﻭقال بجواﺯ اﻟﻔﺼﺪ، ﻭﺑﻂ اﻟﺠﺮﺡ، ﻭﻗﻄﻊ اﻟﻌﺮﻕ، ﻭﻗﻠﻊ اﻟﻀﺮﺱ، ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﻭﺟﻮﻩ اﻟﺘﺪاﻭﻱ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ اﺭﺗﻜﺎﺏ ﻣﺎ ﻧﻬﻲ ﻋﻨﻪ اﻟﻤﺤﺮﻡ ﻣﻦ ﺗﻨﺎﻭﻝ اﻟﻄﻴﺐ، ﻭﻗﻄﻊ اﻟﺸﻌﺮ، ﻭﻻ ﻓﺪﻳﺔ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺷﻲء ﻣﻦ ﺫﻟﻚ.
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﺇﻟﻰ ﺟﻮاﺯ اﻻﺣﺘﺠﺎﻡ ﻟﻠﻤﺤﺮﻡ ﺇﺫا ﻟﻢ ﻳﻘﻠﻊ ﺷﻌﺮاً ﺩﻭﻥ ﺗﻔﺼﻴﻞ، ﻭﺇﻥ اﻗﺘﻠﻊ ﺷﻌﺮاً ﻣﻦ ﺭﺃﺳﻪ ﺃﻭ ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻪ ﻓﺈﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻐﻴﺮ ﻋﺬﺭ ﺣﺮﻡ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻟﻌﺬﺭ ﺟﺎﺯ. ﻭﻳﺠﺐ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ اﻗﺘﻠﻊ ﺷﻌﺮاً ﺑﺴﺒﺐ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﺪﻳﺔ ﻓﻲ ﺛﻼﺙ ﺷﻌﺮاﺕ ﻣﺪ ﻋﻦ ﻛﻞ ﻭاﺣﺪﺓ. ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺃﺭﺑﻊ ﺷﻌﺮاﺕ ﻓﺄﻛﺜﺮ ﻭﺟﺐ ﻋﻠﻴﻪ ﺻﻴﺎﻡ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﺃﻭ ﺇﻃﻌﺎﻡ ﺛﻼﺛﺔ ﺁﺻﻊ ﺃﻭ ﺫﺑﺢ ﺷﺎﺓ. ﻭاﻟﻔﺼﺪ ﻣﺜﻞ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻓﻲ اﻷﺣﻜﺎﻡ.
اﻣﺘﻬﺎﻥ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﻭﺃﺧﺬ اﻷﺟﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ:
ﺫﻫﺐ ﺟﻤﻬﻮﺭ اﻟﻔﻘﻬﺎء (اﻟﺤﻨﻔﻴﺔ ﻭاﻟﻤﺎﻟﻜﻴﺔ ﻭاﻟﺸﺎﻓﻌﻴﺔ ﻭاﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ) ﺇﻟﻰ ﺟﻮاﺯ اﺗﺨﺎﺫ اﻟﺤﺠﺎﻣﺔ ﺣﺮﻓﺔ ﻭﺃﺧﺬ اﻷﺟﺮﺓ ﻋﻠﻴﻬﺎ، ﻭاﺳﺘﺪﻟﻮا ﺑﻤﺎ ﺭﻭﻯ اﺑﻦ ﻋﺒﺎﺱ ﻗﺎﻝ: اﺣﺘﺠﻢ اﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ اﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻭﺃﻋﻄﻰ اﻟﺤﺠﺎﻡ ﺃﺟﺮﻩ (أخرجه البخاري) ، ﻭﻟﻮ ﻋﻠﻤﻪ ﺣﺮاﻣﺎً ﻟﻢ ﻳﻌﻄﻪ ﻭﻓﻲ ﻟﻔﻆ ﻟﻮ ﻋﻠﻤﻪ ﺧﺒﻴﺜﺎً ﻟﻢ ﻳﻌﻄﻪ. ﻭﻷﻧﻬﺎ ﻣﻨﻔﻌﺔ ﻣﺒﺎﺣﺔ ﻓﺠﺎﺯ اﻻﺳﺘﺌﺠﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺒﻨﺎء ﻭاﻟﺨﻴﺎﻃﺔ، ﻭﻷﻥ ﺑﺎﻟﻨﺎﺱ ﺣﺎﺟﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻭﻻ ﻧﺠﺪ ﻛﻞ ﺃﺣﺪ ﻣﺘﺒﺮﻋﺎ ﺑﻬﺎ، ﻓﺠﺎﺯ اﻻﺳﺘﺌﺠﺎﺭ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻛﺎﻟﺮﺿﺎﻉ.
ﻭﺫﻫﺐ اﻟﺤﻨﺎﺑﻠﺔ ﻓﻲ ﻗﻮﻝ ﺁﺧﺮ ﻧﺴﺒﻪ اﻟﻘﺎﺿﻲ ﺇﻟﻰ الإمام ﺃﺣﻤﺪ ﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺒﺎﺡ ﺃﺟﺮ اﻟﺤﺠﺎﻡ، ﻓﺈﺫا ﺃﻋﻄﻲ ﺷﻴﺌﺎً ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻋﻘﺪ ﻭﻻ ﺷﺮﻁ ﻓﻠﻪ ﺃﺧﺬﻩ، ﻭﻳﺼﺮﻓﻪ ﻓﻲ ﻋﻠﻒ ﺩﻭاﺑﻪ ﻭﻣﺆﻧﺔ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ، ﻭﻻ ﻳﺤﻞ ﻟﻪ ﺃﻛﻠﻪ.
ﺿﻤﺎﻥ اﻟﺤﺠﺎﻡ:
اﻟﺤﺠﺎﻡ ﻻ ﻳﻀﻤﻦ ﺇﺫا ﻓﻌﻞ ﻣﺎ ﺃﻣﺮ ﺑﻪ ﻭﺗﻮﻓﺮ ﺷﺮﻃﺎﻥ:
ﺃ - ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺪ ﺑﻠﻎ ﻣﺴﺘﻮﻯ ﻓﻲ ﺣﺬﻕ ﺻﻨﺎﻋﺘﻪ ﻳﻤﻜﻨﻪ ﻣﻦ ﻣﺒﺎﺷﺮﺗﻬﺎ ﺑﻨﺠﺎﺡ.
ﺑ - ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﺠﺎﻭﺯ ﻣﺎ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﻓﻲ ﻣﺜﻠﻪ.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد