بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عند إضاعة الواجبات..، وهضم الحقوق..، وانتشار الظلم، وإثارة العواطف.. تضطرب الأحوال..، و(تتحفز كثير من النفوس للإصلاح)!..
ولكن لهذه النفوس أدواء وعلل..، ولله تعالى في كونه وشرعه سنن ..!
وفي دائرة هذا كله تتبدى المصيبة وهي أن تسيطر على (دعاوى الإصلاح) أنظار وتصورات تخالف مراد الله الشرعي = (الحقيقة الشرعية)!..، هذا مع تتابع الناس على ذلك - إلا من رحم الله -،” فإن الناس كأسراب القطا مجبولون على تشبه بعضهم ببعض” كما قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في رسالة (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ص: 68) ..
ففرق بين التماشي مع ما يريده جمهور الناس دون ميزان ..، وتوجيههم وفق شريعة الرحمن ...، ف” يجب على المؤمن الصحيح الإيمان أن يعيش فيما يُصلح به الناس، لا فيما يَصطلح عليه الناس” كما قال مصطفى صادق الرافعي - رحمه الله - (بدائع وحكم من وحي القلم ص: 60).
ولذا فمن المهمات في دعاوى الإصلاح تحديد المرجعية الصواب التي تتمثل في الرجوع إلى الدين = السنة والكتاب على نهج السلف أولي الألباب، بعيدا عن أسباب الخراب ..، و بمبعدة عن ذل التراب ..
أما الاعتماد على مجرد التصورات العقلية فهو عين الفساد..، لأن العقول وإن اهتدت إلى ما فيه (بعض) الصلاح و الإصلاح في أمر ما، لكنها لا تستقل بإدراك حقيقة الصلاح و في الأمور كلها ..
قال العلامة الخضر حسين - رحمه الله -:” في فطرة الإنسان قوة يعقل بها طرق الصلاح والفساد ويفقه بها الحق والباطل، ولكن هذه القوة العاقلة لا تستقل وحدها بتمييز المعروف من المنكر، وليس من شأنها أن تطلع على كل حقيقة ولا أن تدبر أعمال البشر على نظام لا عِوج فيه فإنها - وإن بلغت في الإدراك أشدها - قد تنبو عن الحق، ويعزب عنها وجه المصلحة، ولا تهتدي إلى عاقبة العمل، وربما ألقت على الحسنة نظرة عجلى فتحسبها سيئة، وقد يتراءى لها الشر في شبه من الخير فتتلقاه بالقبول” (الدعوة إلى الإصلاح ص: 19) .
ومن أصول الإصلاح: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)!..، فهو من جملة ما دعانا الله إليه ورسوله - عليه الصلاة والسلام -، بحيث إذا استجبنا له تحقق الصلاح والإصلاح..
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) ..
قال الإمام البخاري - رحمه الله - في صحيحه 14/194 عند باب: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم):” استجيبوا: أجيبوا، لما يحييكم: (يصلحكم)!" .
فانظر - يا رعاك الله - إلى تعليق الصلاح ب (الاستجابة)! لله ورسوله - عليه الصلاة والسلام - ..
ولكن يجب أن يُعلم أن شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لها حقيقة شرعية لابد من فهمها والعمل بموجبها، فما من أمر في الشريعة إلا وهو مرهون بحكم تكليفي، وحكم وضعي، وتوجيه مقاصدي، ومن ذلك: (شعيرة الأمر والنهي)!مما يدل على إناطتها بجملة من الضوابط والأحكام والقيود والآداب لابد من مراعاتها والتشديد على اعتبارها (1) ..، ويتأكد هذا إذا استحضرنا شرف وعظم شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..، وفي مثل هذا يقول الإمام القرافي - رحمه الله -: ”إذا شرف الشيء وعظم في نظر الشرع كثَّر شروطه، وشدد في حصوله تعظيما له، لأن شأن كل عظيم القدْر أن لا يحصل بالطرق السهلة” الذخيرة 5/29 .
فما أحوجنا - إذن - إلى ضرورة الخروج ب (شعيرة الخيرية = الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمور العامة والخاصة بلا تشدق ولا لجاجة)!!.. وفق النمط الوسط بلا وكس ولا شطط..، تنكبا لمنهج المرجئة ومن تأثر بهم من (المنهزمة)!...، وتجنبا لمنهج الخوارج والمعتزلة ومن تشبه بهم من (المنفعلة)!..، ولذا قُيد إعمال هذه الفريضة في كتب العقيدة السلفية ب” ما تقتضيه الشريعة وتوجبه”!..، وانظر في ذلك - سلمني الله وإياك من سوء المسالك - (العقيدة الواسطية)..
حيث قال شيخ الإسلام -رحمه الله - فيها ص: 25 في معرض حديثه عما عليه أهل السنة والحديث: ”يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر، (على ما توجبه الشريعة)!"
قال العلامة صالح آل الشيخ - حفظه الله -:” وفي قول شيخ الإسلام هنا: (على ما توجبه الشريعة): فيه أن من أمر ونهى دون رعاية لأحكام الشريعة في الأمر والنهي ف (ليس على طريقة أهل السنة)!، فأهل السنة يأمرون وينهون على (ما توجبه الشريعة)2 لا على (ما توجبه الأهواء أو الآراء) .." شرح العقيدة الواسطية 2/292.
فليست العبرة بمجرد وصف الفعل أو القول بأنه أمر بالمعروف، أو نهي عن المنكر أو صدع بالحق بعلة اتخاذ المواقف(!!)، وإنما الشأن في كيفية ذلك على ما تقتضيه الشريعة..، أما الاستدلال بالعمومات من النصوص و الإطلاقات من أقوال العلماء في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون النظر إلى الطريقة السنية، ولا المسالك السلفية ..، ولا مراجعة لباقي كلام أهل العلم واستصحاب أصولهم في الموضوع: فخروج عن الجادة الشرعية..، وفي نحو ذلك يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله:” .. وهذا موطن يغلط فيه كثير من (قاصري العلم)!، يحتجون بعموم نص على حكم، ويغفلون عن عمل صاحب الشريعة، وعمل أصحابه الذي يبين مراده، ومن تدبر هذا علم به مراد النصوص وفهم معانيها” حاشية الإمام ابن القيم على السنن 7/36 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:” أخذ مذاهب الفقهاء من الإطلاقات من غير مراجعة لما فسروا به كلامهم، وما تقتضيه أصولهم يجر إلى مذاهب قبيحة” الصارم المسلول ص: 287 .
ومما ذكرناه ما جاء في كلام العلامة الشوكاني - رحمه الله - حيث قال:” وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة، ومنابذتهم بالسيف (3)، ومكافحتهم بالقتال ب (عمومات)!من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف - أي: صاحب منتقى الأخبار - في هذا الباب وذكرناها: (أخص من تلك العمومات مطلقا)، وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له أُنْسَةٌ بعلم السنة” نيل الأوطار 7/201 .
فلا تغتر - فقهني الله وإياك - برفع شعار الصدع بالحق، أو إخراج القول أو الموقف في قالب النهي عن المنكر دون فقه متين في ذلك، فهذا حال الخوراج المبني على أصل لهم وهو: (تعظيم أمر المعاصي” دون اتباع السنة، وعدم الإيمان برحمة المؤمن ولو كان ذا كبيرة”!)، وقد قال فيهم الحافظ ابن عبد البر - رحمه الله -:" كان خروجهم - فيما زعموا - (تغييرا للمنكر ورد الباطل، فكان ما جاءوا به أعظم المنكر)!، وأشد الباطل إلى قبيح مذاهبهم” التمهيد 23/322 .
وقال الإمام ابن القيم - رحمه الله -: "أخرجت (الخوارج) قتال الأئمة، والخروج عليهم بالسيف، في (قالب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)!، و أخرج أرباب البدع جميعهم بدعهم في قوالب متنوعة بحسب تلك البدع” الإغاثة 2/446 .
وبمقابل (الخوارج أو من تأثر بهم من المنفعلة)! هناك: (المرجئة ومن تشبه بهم من المنهزمة)! الذين (قصَّروا) في شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأهملوا ذلك بناء على (أصلهم في نفي دخول الأعمال في الإيمان)!..
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: ” الوعيدية من الخوارج وغيرهم فيما يعظمونه من أمر المعاصي والنهي عنها، واتباع القرآن وتعظيمه أحسنوا، ولكن (إنما أُتُوا من جهة عدم اتباعهم للسنة، و إيمانهم بما دلت عليه من الرحمة للمؤمن وإن كان ذا كبيرة).
وكذلك (المرجئة) فيما أثبتوه من إيمان أهل الذنوب والرحمة لهم أحسنوا، لكن (إنما أصل إساءتهم من جهة ما نفوه من دخول الأعمال في الإيمان وعقوبات أهل الكبائر)!
فالأولون [أي: الخوارج] بالغوا في النهي عن المنكر ؛ وقصروا في الأمر بالمعروف. وهؤلاء [ أي: المرجئة ] قصروا في النهي عن المنكر وفي الأمر بكثير من المعروف)!" الفتاوي 20/ 110 - 111 .
ومما يستدعي العجب عند هذا الحرف من الكلام: أن تجد بعض الناس في زماننا يرمون من يؤكد على ضرورة الانضباط بضوابط أهل السنة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأنهم (مرجئة)!، و هم في الحقيقة من وافق صنيع أهل الإرجاء من:” كتمان عقيدة أهل السنة أو بعضها و عدم تبيين ذلك للناس”!أو” عدم النهي عن البدع و لا ذم المبتدعة”!، أو” إقرار عموم الطوائف على منهاجهم المختلفة”!..، وما أشبه...
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- موضحا ذلك بعد كلام له عن أهل التكفير بالباطل: ”وبإزاء هؤلاء المكفرين بالباطل أقوام لا يعرفون اعتقاد أهل السنة والجماعة كما يجب، أو يعرفون بعضه ويجهلون بعضه .
وما عرفوه منه قد لا يبينونه للناس بل يكتمونه.
ولا ينهون عن البدع المخالفة للكتاب والسنة.
ولا يذمون أهل البدع ويعاقبونهم.
بل لعلهم يذمون الكلام في السنة وأصول الدين ذما مطلقا؛ لا يفرقون فيه بين ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع، وما يقوله أهل البدع والفرقة.
أو يقرون الجميع على مذاهبهم المختلفة كما يقر العلماء في مواضع الاجتهاد التي يسوغ فيها النزاع، و هذه الطريقة قد تغلب على (كثير من المرجئة وبعض المتفقهة والمتصوفة والمتفلسفة) كما تغلب الأولى على كثير من أهل الأهواء والكلام، وكلا هاتين الطريقتين [ أي: أهل التكفير بالباطل والمرجئة ومن تأثر بهما وتشبه ] منحرفة خارجة عن الكتاب والسنة” الفتاوي 12/ 467 .
فمن يستحق - إذن - الوصف بالإرجاء (؟!) ..
فقف..، وأنصف ...
فالواجب في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خاصة: الانضباط بين المنهزمة أهل التضييع والانفراط ..، و المنفعلة أصحاب الغُلُوِّ والإفراط ..
فإذا كان شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- قد قال: ”وآخرون من (المرجئة) و (أهل الفجور) قد يرون ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ظنا أن ذلك من باب ترك الفتنة” الفتاوي 28/167 .
فقد قال -رحمه الله- في (الخوارج) ومن تأثر بهم: "يأمرون، وينهون، ويقاتلون؛ طلبا لإزالة الفتنة التي زعموا ! و (يكون فعلهم ذلك أعظم فتنة)!" الفتاوي 28 / 167
فنعوذ بالله من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشرطه الشرعي بدعوى ترك الفتنة ..، ونعوذ بالله من (دعوى) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتسبب في فتح باب الفتنة..، ف” ما أكثر ما يصور الشيطان ذلك بصورة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، ويكون من باب الظلم والعدوان (!!)” الفتاوي للإمام ابن تيمية - رحمه الله - 14/482 .
فالله الله في ”الأمر والنهي (على الوجه المشروع)!؛ من العلم والرفق والصبر، وحسن القصد، وسلوك السبيل القصد” كما قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في الفتاوي 14/481 .
وقال -كذلك رحمه الله-: "ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي (على الصراط المستقيم)!، وهو أقرب إلى حصول المقصود" الاستقامة 2/230 .
والحذر الحذر من مجاوزة الحد الشرعي في هذا الباب خاصة ”فإن كثيرا من الآمرين الناهين قد يتعدى حدود الله إما بجهل وإما بظلم.
وهذا باب يجب التثبت فيه، وسواء في ذلك (الإنكار على الكفار، والمنافقين، والفاسقين، والعاصين)!!"الفتاوي 14/481.
واعلم -سددك الله- أن مراعاة الوجه المشروع في الأمر والنهي، وسلوك الصراط المستقيم في ذلك، وعدم مجاوزة الحد في خصوصه يتم بتحقيق (الوسطية الشرعية في الموضوع 4)!..
فإذا كانت (الوسطية) من خصائص الشريعة ..، فيلزم من كونها كذلك: ”ملازمتها لسائر أصول الشريعة و قضاياها و أحكامها”!..، ومن ذلك ما نحن بصدده: مصاحبتها لشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. فتأمل و لا تتعجل ..
و للربط والضبط في هذا الباب إليكم هذا النص المتين لشيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- في (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) و (الوسطية = الاتزان).. به نوفق لفهم عموم كلامه -رحمه الله- في هذا الموضوع بعيدا عمن ابتلي بالانتقائية العشوائية!..
قال -رحمه الله-: ”.. وهنا يغلط فريقان من الناس، فريق (يترك)!ما يجب عليه من الأمر والنهي تأويلا لهذه الآية، كما قال أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- في خطبته: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية:
(يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله - عليه الصلاة والسلام - يقول: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه، أوشك أن يعمهم الله بعذاب منه)
والفريق الثاني: من يريد أن يأمر وينهى، إما بلسانه وإما بيده”مطلقا"!، من غير (فقه)!و (لا حلم)!و (لا صبر)!و (لا نظر)!فيما يصلح من ذلك وما لا يصلح، وما يقدر عليه وما لا يقدر، كما في حديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها - أي: الآية - رسول الله - عليه الصلاة والسلام - قال: (بل ائتمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحا مطاعا، وهوى متبعا، ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا يدان لك به، فعليك بنفسك، ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائك أيام الصبر، الصبر فيهن على مثل قبض على الجمر، للعامل فيهن كأجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله)، فيأتي بالأمر والنهي معتقدا أنه مطيع في ذلك لله ولرسوله، وهو معتد في حدوده، كما نصب كثير من أهل البدع والأهواء نفسه للأمر والنهي، كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم، ممن غلط فيما آتاه الله من الأمر والنهي والجهاد وغير ذلك، و (كان فساده أعظم من صلاحه)!..” الفتاوي العراقية 1/ 259 - 260 .
واعلم - علمني الله وإياك - أن إحكام موضوع الوسطية كحقيقة وخصيصة شرعية يتم في أمور الشريعة عموما..، وفي شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خصوصا إذا قامت على ساق العدل لا المساواة!..، بإعطاء كل مسألة من مسائل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حقها ومستحقها فتنبه .. ف” الشرع هو العدل، والعدل من الشرع، ومن حكم بالعدل فقد حكم بالشرع .. فإن هذا الشرع المنزل كله عدل ليس فيه ظلم ولا جهل” الفتاوي 35/366 .
ويتفرع عن ساق العدل - لتتبدى (الوسطية الشرعية)!ولنحققها في واقعنا وأحوالنا - جملة قواعد مردها إلى أمور ثلاثة:
أولها: (النفي والإثبات)!..
فلا وسطية شرعية في الأمور إلا بالنفي والإثبات وكمثال عليها في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقول: إنكار المنكر ديانة وجهاد وبه صلاح العباد والبلاد ..
تجاوز فيه قوم فاتخذوه ذريعة للتشهير بالحكام، وحق هذا (النفي) شرعا لما يترتب عليه من مفاسد لازمة عظام ..
وضيع فيه قوم فسكتوا عن إنكار المنكر بشرطه وبوسائله المشروعة، وحق هذا (الإثبات) ..
فمنهج السلف الصالح: الاعتدال والاتزان في النصيحة، فلا يتخذون دعوى النصيحة سلما للفتنة ك (الخوارج والمنفعلة)، ولا يتخذون الفتنة بابا لسد النصيحة الشرعية ك (المرجئة والمنهزمة) .
ثانيها: ما من مسألة من مسائل الشريعة إلا ولابد من أن يصحبها ما هو (قرين)!لها لنأخذها أخذا وسطا..، ومن أمثلة ذلك في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. أن الأمر والنهي يجب أن يقترن معه: (العلم) و (الحكمة) و (الصبر) ..
ولذا” فلا ينبغي أن يستند الأمر بالمعروف إسنادا مطلقا، إلا لمن جمع بين: (العلم)، و (الحكمة)، و (الصبر على أذى الناس) .." أضواء البيان للعلامة الشنقيطي - رحمه الله - 6/241 .
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ”فلابد من هذه الثلاثة العلم والرفق والصبر. فالعلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه، والصبر بعده .." الاستقامة 2/233 .
ثالثها: لا تتحقق الوسطية الشرعية في المسائل إلا بمراعاة (مرتبتها التشريعية)!..، ففي موضوع الأمر والنهي مثلا لابد أن نراعي مرتبة كل قضية من قضايا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باعتبار نسبتها في سلم الأولويات الشرعية وفق مراد الله تعالى..، و كذا مراعاة صورة الأمر والنهي ..كالرفق والشدة..،
فالوسطية الشرعية فيهما تتمثل في كون: (الرفق غذاءً) و (الشدة دواءً) لا عكسه وخلافه..، فإعطاء الشدة أكثر من نسبتها الشرعية ووضعها في غير محالها خروج عن الوسطية الشرعية..، وليعلم عند هذا الحرف من الكلام أنه” لا تلازم بين الغضب لله ومحارمه وبين الغلظة والشدة في الإنكار، فإن الغضب لله ومحارمه قائم يقوم في القلب وباعث يبعث على الإنكار ولكن هذا الإنكار مقيد باستصحاب الرفق واللين في الأصل” قواعد في فقه الاحتساب للدكتور عبد العزيز بن أحمد البداح ص: 30 بتصرف يسير .
فما أحوجنا إلى القيام ب (فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وفق القواعد المنضبطة..، لقول الإمام القرافي - رحمه الله -: "إن كل فقه لم يخرج على القواعد فليس بشيء” الذخيرة 1/55 .
والله المستعان ..
......................................
(1).مما يتوهمه بعض الناس في الساحة الدعوية أن إقدامهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب ما اتفق وبالعموم دون مراعاة فقهه المنضبط يُعد اجتهادا مقبولا حتى ولو أخطأوا فيه فلهم أجر واحد (!!)، وهذا باطل لأن الأجر منوط بتوفر الأهلية في الباب فتنبه.
(2).وذلك بمراعاة البصيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال الشيخ محمد بن عبد اللطيف - رحمه الله -:" وأوصيكم أيضا: ب (البصيرة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)!، فإذا أمر الإنسان بأمر من أمور الخير نظر فإن كان يترتب على ذلك الأمر خير في العاجل والآجل وسلامة في الدين، وكان الأصلح الأمر به، مضى فيه بعلم وحلم ونية صالحة، وإن كان يترتب على ذلك الأمر شر وفتن وتفريق كلمة في العاجل والآجل ومضرة في الدين والدنيا، وكان الصلاح في تركه وجب تركه، ولم يأمر به لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح” الدرر السنية 8/82 .
(3).قال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -:" الخروج على الإمام يكون بالسيف، ويكون بالكلام ...، وما يوجد في بعض كتب أهل السنة من أن الخروج على الإمام: هو الخروج بالسيف، ف (مرادهم بذلك: هو الخروج النهائي الأكبر) !.." التعليق على رسالة (رفع الأساطين في حكم الاتصال بالسلاطين) الشريط (2/أ).
(4).قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: ”وإذا كان الكفر والفسوق والعصيان سبب الشر والعدوان، فقد يذنب الرجل أو الطائفة و (يسكت آخرون عن الأمر والنهي)!، فيكون ذلك من ذنوبهم، و (يُنكر عليهم آخرون إنكارا منهيا عنه)!فيكون ذلك من ذنوبهم ؛ فيحصل التفرق والاختلاف والشر .
وهذا من أعظم الفتن والشرور قديما وحديثا ؛ إذ الإنسان ظلوم جهول، والظلم والجهل أنواع..” الفتاوي 28/ 142.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد