بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
المقدمة في ذكر القاعدة القرآنية:
لما كان الإنسان لا يسَعُ الناس بإحسانه من جهة ماله، مهما كان عنده من المال - أمره تعالى بالإحسان إلى كل مخلوق، وهو الإحسان بالقول؛ فقال تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾ [البقرة: 83]، فهذه القاعدة على وجازتها، فإنها تضبط أقوال العبد في كلامه مع الناس، فلا يخرج من لسانه إلا الخير والكلمة الطيبة.
الوقفة الأولى:
في دلالة الآية على أن العبد عليه أن يقول القول الحسن، فيدخل في ذلك كل كلمة طيبة في التعامل مع الخَلْقِ؛ من الوالدين والأزواج والأولاد والإخوان والمؤمنين، وعموم الناس، حتى مع الكفار، ومن القول الحسن أيضًا الأمرُ بالمعروف والنهي عن المنكر، وتعليم الناس العلم، وبذل النصيحة، والسلام مع البشاشة، وطريقة التخاطب العادي بين الناس، وغير ذلك من كل كلام طيب؛ قال العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى: "وقوله تعالى: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾: أي: كلموهم طيبًا، ولينوا لهم جانبًا، ويدخل في ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمعروف؛ كما قال الحسن البصري في قوله: ﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾: فالحسن من القول يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويحلم، ويعفو، ويصفح، ويقول للناس حُسنًا كما قال الله، وهو كل خلق حسن رضيه الله"؛ [تفسير القرآن العظيم (145/1)].
الوقفة الثانية:
في دلالة الآية في النهي عن قول السوء؛ لأن من لازم القول الحسن اجتناب قول السوء، فيدخل في ذلك كل قول قبيح؛ من شتم وفحش وبذاءة، ولعن ومخاصمة، ونميمة وغيبة وكذب، ودعوة إلى منكر، حتى ما يكون فيه أدنى أذية للناس، وغير ذلك من كل كلام باطل وقبيح؛ قال العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: "فيكون في ضمن ذلك النهي عن الكلام القبيح للناس حتى للكفار؛ ولهذا قال تعالى: ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [العنكبوت: 46]"؛ [تفسير السعدي (57/1)].
الوقفة الثالثة:
في دلالة الآية في اختيار ما هو أحسن من الأقوال، فإن الآية تأمر بالقول الحسن، وكل ما كان القول أكمل في الحسن فهو أولى، فإنه إذا كان هناك قولان حسنان فينبغي اختيار أحسنهما؛ قال العلامة ابن باديس رحمه الله تعالى في تعليقه على الآية في قوله تعالى: ﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [الإسراء: 53]: "وأفاد قوله تعالى: ﴿ أَحْسَنُ ﴾ بصيغة اسم التفضيل أن علينا أن نتخير في العبارات الحسنة، فننتقي أحسنها في جميع ما تقدم من أنواع مواقع الكلام"؛ [مجالس التذكير، (ص: 152)].
الخاتمة:
فحاصل هذه الوقفات اجتناب الكلام السيئ جملة، والاقتصار على الحسن، وانتقاء واختيار الأحسن من بين ذلك الحسن.
وعلى العبد أن يسعى في التزام القول الحسن، ويراقب الله في أقواله؛ ليفوز بالجنة وينجو من النار وسخط الجبار، ويدعو فإن الدعاء من أعظم أسباب التوفيق والهداية.
فاللهم اهدنا لأحسن الأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد