من يطلبون رضا الله جل جلاله عنهم


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

رضا الله سبحانه وتعالى والفوز بالجنة غايةُ ما يتمنَّى كلُّ مسلم، ومن جوامع الدعاء: اللهم إني أسألك رضاك والجنة، والرضا من صفات الله الثابتة له، وقد أجمع السلف على إثبات الرضا لله تعالى، وهو رضا حقيقيٌّ يليق به جلَّ جَلالُه، ومن نعمة الله وكرمه على أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بأنه تعالى يرضى، وهذا يدفعهم لطلب رضاه جلَّ جَلالُه، الذي هو غاية فوق كلِّ شيء، وأكبر ما يمُنُّ به على أوليائه.

أولياء الله يطلبون رضاه عَزَّ وَجَلَّ عنهم من خلال قيامهم بأعمال؛ منها:

أنهم يسألون الله أن يوفقهم للعمل الصالح الذي يُرضيه عنهم:

قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ [الأحقاف: 15]، وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾ [النمل: 19]، قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أي عملًا تحبه وترضاه.

 

أنهم يسارعون في مرضاة الله عَزَّ وَجَلَّ:

قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَا مُوسَى * قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى ﴾ [طه: 83، 84]، قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: والذي عجلني إليك يا رب: الطلب لقربك، والمسارعة في رضاك.

 

أنهم يؤدون الأعمال الصالحة وغايتهم منها رضا الله عَزَّ وَجَلَّ:

قال الله جلَّ جَلالُه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الفتح: 29]، قال العلامة عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: وصفهم كثرة الصلاة... ومقصودهم بلوغ رضا ربهم.

وقال الله سبحانه وتعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا ﴾ [المائدة: 2]، قال عبدالله بن عباس رضي الله عنه: "يترضَّون الله بحجِّهم".

وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ﴾ [الحشر: 8]، قال الإمام البغوي رحمه الله: أي أُخرِجوا إلى دار الهجرة طلبًا لرضا الله عَزَّ وَجَلَّ.

وقال الله سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 207]قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: أي يبيع نفسه في طلب رضا الله عَزَّ وَجَلَّ وقال عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ﴾[البقرة: 265]

 

أنهم يَرضَون بما يقضي الله عليهم من بلاء:

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاء، وإنَّ الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط))؛ أخرجه الترمذي.

أنهم يعتصمون بحبل الله ويجتمعون ولا يتفرقون، وينصحون ولاة أمرهم:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يرضى لكم ثلاثًا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئًا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا))؛ أخرجه مسلم، وورد عند الإمام أحمد بزيادة: ((وأن تنصحوا لمن ولَّاه الله أمركم)).

 

أنهم يقتفون أثر من رضي الله عنهم:

ومنهم المؤمنون الذين يعملون الصالحات، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ﴾ [البينة: 7، 8].

ومنهم المُهاجرون والمُجاهدون في سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ﴾ [التوبة: 20، 21].

ومنهم الذين يُعادون الكفار ويبغضونهم ولو كانوا أقرب قريب، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [المجادلة: 22].

ومنهم الصادقون في قصدهم وفي أفعالهم وفي أقوالهم، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [المائدة: 119].

 ومنهم المتقون، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ﴾ [آل عمران: 15].

 

أنهم يستجيبون لله ولرسوله:

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ﴿ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 174]؛ أي: اتبعوا ما يرضي الله عَزَّ وَجَلَّ، وذلك بالاستجابة لله ولرسوله، فإن الاستجابة لله ولرسوله سبب رضاء الله عَزَّ وَجَلَّ.

أنهم يحبون ويترضَّون عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم:

قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴾ [الفتح: 18].

وقال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله: أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتَّبعوهم بإحسان، فيا ويلَ من أبغضهم أو سبَّهم أو أبغض أو سبَّ بعضهم، ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم؛ أعني الصدِّيق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه...وأما أهل السنة، فإنهم يترضون عمَّن رضي الله عنه، ويسبُّون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون، ويقتدون ولا يبتدرون، وهؤلاء هم حزب الله المفلحون، وعباده المؤمنون.

 

أنهم يشكرون نعم الله:

قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ ﴾ [الزمر: 7].

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن اللهَ لَيَرضى عن العبد أن يأكلَ الأكلة، فيحمد اللهَ عليها، أو يشرب الشربة فيحمد الله عليها))؛ أخرجه مسلم.

قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: الشاكر ينال رضا ربه.

أنهم يتجنبون الأعمال التي لا يرضاها الله:

ومنها الكفر، والابتداع في الدين، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ ﴾ [الزمر: 7]، قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: هل رضي الله من عباده الكفر؟ الجواب: لا، وهل رضي الله لعباده أن يبتدعوا في دينه ما ليس منه؟ الجواب: لا.

ومنها الفسق، وهو الخروج عن طاعة الله وعن طاعة رسوله، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ﴾ [التوبة: 96].

والعبدُ عندما يقوم بما يرضي الله من الأعمال، فقد يسخط عليه بعض الناس، فعليه ألا يهتمَّ ولا يبالي، فمن أرضى الله رضي الله عنه، وأرضى الناسَ عنه؛ فعن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنِ الْتَمس رضا الله بسخط الناس، رضي الله عنه وأرضى الناس عليه، ومن التمس رضا الناس بسخط الله، سخط الله عليه وأسخط الناس عليه))؛ أخرجه ابن حبان.

 قال العلامة محمد العثيمين رحمه الله: إذا التمس العبد رضا الله بنية صادقة رضي الله عنه؛ لأنه أكرمُ مِن عبده، وأرضى عنه الناس، وذلك بما يلقي في قلوبهم من الرضا عنه ومحبته؛ لأن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلِّبها كيف يشاء.

ورضا الله أكبر وأجلُّ وأعظم النعيم؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبَّيك وسعديك، والخير في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب وقد أعطيتنا ما لم تُعطِ أحدًا من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيءٍ أفضل من ذلك؟ فيقول: أحلُّ عليكم رضواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا))؛ متفق عليه.

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: قوله تعالى: ﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 15]، هذا من أعظم شيء أن الله سبحانه وتعالى يحلُّ عليهم رضاه فلا يسخط عليهم بعده أبدًا، كما قال الله تعالى لما عدَّد نعيم أهل الجنة: ﴿وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ [التوبة: 72]، وأعظم من ذلك النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى كما قال الله تعالى ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾ [يونس: 26]، فلا ألذَّ ولا أمتع ولا أحسن لأهل الجنة من النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فأعلى شيء هو النظر إلى وجه الله عَزَّ وَجَلَّ، والرضوان يليه، ثم المتع الجسدية في الجنة تلي هذا.

ومما ينبغي التنبيه عليه أن رضا الله عَزَّ وَجَلَّ عن عبده في الدنيا مقتضاه الإحسان إليه بأنواع النعم، لكن على العبد أن يتنبَّه، فالنعم إذا جاءت وهو مقيم على طاعة الله، فهي عن رضا، أما إن جاءت وهو مقيم على معاصي الله، فليست عن رضا؛ وإنما استدراج له فلا يغتر بها، وليعلم أن هذا إملاء له، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ * وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ [الأعراف: 182، 183].

وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا رأيت الله يُعطي العبدَ من الدنيا على معاصيه ما يُحبُّ، فإنما هو استدراج))، ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 44، 45].

 وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ اللهَ ليُملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يُفلتْه))، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]؛ متفق عليه.

 وعلى أفراد المجتمع أن ينتبهوا إذا جاءتهم النعم الوفيرة وهم مقيمون على معاصي الله، فهذه النعم ليست دليلًا على رضا الله عنهم، فقد يعقبها الخوف والجوع، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

نسأل الله أن يحفظ مجتمعنا وجميع مجتمعات المسلمين من كلِّ سوء ومكروه.

 وختامًا، فإن من فضل الله على مَنْ رضي الله عنه، أنه يُبشَّرُ عند موته بما يُفرِح قلبَه، ويَشرح صدره، عندما يُقال لروحه: اخرُجي إلى رضوان الله، قال الله عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً *فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾ [الفجر: 24 - 30].

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيضُ الوجوه، كأنَّ وجوهَهم الشمسُ، معهم كفنٌ من أكفان الجنة، وحَنُوطٌ من حنوط الجنة، حتى يجلسوا منه مدَّ البصر، ثم يجيء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرُجي إلى مغفرة من الله ورضوان... الحديثَ))؛ [أخرجه أحمد].

اللهم بكرمك وجُودِك اجعلنا جميعًا من عبادك الذين رضيتَ عنهم؛ إنك سميع قريب مجيب.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply