حياة في عالم افتراضي وموت في العالم الواقعي!


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فتحتُ صفحتی في الفايسبوك، وتألمتُ إذ علمتُ بوفاةِ أحد "أصدقائي"، وهو شخص كنتُ أتبادلُ معه في العالم الافتراضي بعض الأفكار الفلسفية والنفسانية. كنتُ أعتقد أنَّه سيظل هنا ضمن ديكور جداري لا يتحرك.

لم التق هذا الشخص أبدًا، ولم أكلمه أبدًا، كنتُ أعرف فقط أنه مريضٌ. لقد أدرکتُ وجودَه وموتَه في الفايسبوك. لقد كانت حقيقته تتلخص عندي في افتراضيته.

ومع ذلك، هناك شيئان يفندان رد الفعل الأول هذا. شيئان يدفعان إلى الأمل والاستمرار في نسج علاقات خارج الشاشة.أولاً: لقد كانت حياة هذا الشخص حقيقيَّة، كما كان موته حقيقة أيضًا.

وهناك ما أحسستُ به ثانيًا، أي تلك الأحاسيس التي انتابتني لحظة الإعلان عن "اختفائه" بالمعني الحرفي [موته]. لقد سبب لي هذا الإحساس نوعًا من الحزن والمفاجأة غير المنتظرة، مع إحساسي أيضًا بأنني لم أهتم به بالقدر الكافي. وهذا ليس افتراضيًا أبدًا.

لقد كان حزني حقيقياً، كما هي فكرتي أنني لن أری لايكات أو تعليقات هذا "الصديق"، وهذا أمر يقلقني.

وهذا دليل على أن مبدأ الحياة ومبدأ الرابط الإنساني أقوی من كل شيء، أقوى من كل ما هو مصطنع وواهي وافتراضي. إن هذا الرابط الإنسانی متعال على الذات. أنا من هذا العالم، وأنا أيضًا مستهلكة للشبكات الاجتماعية والسيلفي، أكثر ما أنا مستعملة لها.

‏أنا أول من يهتم بالتكنولوجيات الجديدة ويستفيد منها ويكون عرضة لمساوئها. ومع ذلك، لا يمكن أن نترك أنفسنا ضحايا لكل ما يتجاوزنا. فنحن مسؤولون عن منح هذا العالم صورة هي ما نود أن يكون عليه.  وإذا لم يتغير أي شيء سننتهي إلى الاعتقاد بأن هذا ما يلائمنا. بالنسبة لي، فإن هذا لا يلائمني.

يجب أن لا ننسى أنه إذا كان العالم قد تغير؛ فلأننا نحن من غيره، فإذا كنا قادرين على الأسوء، فإننا قادرون على الأفضل أيضًا.

حاولتُ وأنا أنطلق من التكنولوجيات الجديدة، أن ألقي ضوءًا على ما أحدثه التطور الراديكالي الذي جاءت به على نمط رؤيتنا للعالم، يتعلق الأمر بتطور محير يمثله "السيلفي"، تلك الأنا/البورتريه التي توضح أزمة الذاتية التي نتجت عنه. ووجود "أنانا" الافتراضية.

سأرد على الإحساس بانتفاء الذاتية بالقول بإمكانية استعادة الذات، أي قدرة الذات الأخلاقية أن تتملك من جديد دواخلها، وتستعيد المعني الذي ضاع منها، وخاصة العمل على أن تشعر الذات بقدرتها على الحرية.

فالقضية عند الذات السيكولوجية هي أن تعيد التفكير في الأعراض وفي العلاج المناسب لها في الوقت ذاته.

كتبته:

إلزا غودار (Elsa Godart) أستاذة الفلسفة، ومحللة نفسانية، وكاتبة فرنسية، وتعمل باحثة جامعية في باريس كريتاي.

 

 

قلتُ: بحث الإنسان عن صداقات حميمة في العالم الافتراضي، هل هو تعبير واضح عن إفلاس وفشل علاقات الواقع وهروب الإنسان من علاقاته في عالمه الحقيقي إلى عالمه الافتراضي؟ أم الأمر مطاردة أحلام خيالية في علاقات افتراضية؟ أم تصرم للعرى والروابط الحياتية، أم حياة مزدوجة تفضل البقاء في الظل؟

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply