غربة المجد الإسلامي

622
4 دقائق
11 جمادى الثاني 1442 (25-01-2021)
100%

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

أنا الغريبُ وأهلي أُمَّةُ العربِ =

والمسلمون بأصقاعِ المدى نسبي

كأنَّني عن نهارِ الفتحِ محتجبٌ =

فلم أَرَ اليومَ إلا ظلمةَ الكُرَبِ

وكنتُ أمتلكُ الدنيا ، فلو سُئلتْ =

عن غيرِ فخريَ لم تنطقْ ولم تجبِ

وما انثنيتُ ، فزهوي في مرابعِكم =

كالنُّورِ يسري بأُفقٍ غيرِ محتجبِ

أنا العروبةُ والإسلامُ طرَّزني=

بأجملِ الحُللِ الفيحاءِ في الحقبِ

أصالتي من سنى دفَّاقِ مصحفِه =

فليس تذوي ، ولم تأفلْ ، ولم تخبِ

ورايتي معْ طلوعِ الشمسِ إذْ بزغتْ =

تطوفُ بالنِّعمِ الأخرى ، وبالرَّغبِ

أسعى ، فأوقفتموني في مفاسدِكم =

على مهازلِ سوقٍ بائرٍ خَرِبِ

وعشتُ في مضضِ الأكدارِ يخنقني=

خطبٌ تثاقلَ في نفسي وفي عصبي

وفوقَ شوكِ الأسى أمشي لراحتكم =

وكم أعاني من الأرزاءِ والوصبِ

وصرتُ أنقلُ من همٍّ إلى وجع=ٍ

خطوي ، ومن لهبٍ عاتٍ إلى لهبِ

يذوبُ في وهْجِه قلبي بمُتَّئَدٍ=

من الكآبةِ والأشجانِ والنُّوبِ

فمن خريفٍ جنى مـا اصفرَّ من قيمٍ=

إلى شتاءٍ عوى فيه فـمُ العطبِ

وضعتُ من حيرةٍ في تيهِ حسرتكم =

وضاعَ سعيي ، فدربي غيرُ مقتربِ

كأنَّني من يتامى العصرِ يمضغُـني=

شدقُ الليالي بلا ذنبٍ ولا سببِ

وأنقلُ العينَ من سهلٍ إلى جبلٍ =

فلا أرى غيرَ ناعينا على الهضبِ

أفرُّ كالطيرِ لمَّا انسلَّ من قفصٍ=

إلى شواظِ فضاءٍ ماجَ بالشُّهبِ

تركتُ نهرَ دمي الفوَّارِ تبلعُه=

رُقْبُ الأفاعي ، وكم في الغابِ من رُقُبِ !

وعذْبُ قولي عن الآمالِ قطَّعَه =

جهشُ الثَّكالى فما أبقى لمُرتقبِ

وفي الظلامِ أُنادي ليس يسمعني=

إلاَّ الخليُّ ، وذو هزءٍ وذو لعبِ

تهفو إليكم وفي أسماعِكم صممٌ =

فتنثني ـ كلماتي ـ حيثُ لم تثبِ

وللعزائمِ في أحنائكم كللٌ =

أناخَ حولَ ضجيجِ اللهوِ والطَّربِ

وأفدحُ الخطبِ : مجروحٌ تداعبُه =

بنتُ الهوى ، ودماءُ الأهلِ في صببِ

تلهون ـ بئسَ ـ وللأحداثِ زلزلةٌ =

على مضاربِ فخرٍ ـ آهِ ـ منتَهَبِ

طوى على مهجٍ مافي تقلُّبِها =

إلاَّ مُدَى ظالمٍ مستهترٍ و غبي

وفي الضلوعِ نهارٌ ضجَّ ملتهبًا =

بكلِّ جرحٍ سخينٍ دون مستَلَبِ

وإنْ هجعتُ فليلي كلُّه قلقٌ =

حتى الرؤى في مطافِ الحلمِ لم تطبِ

حُمَّى من الأرقِ الملحاحِ جمرتُها =

عبرَ الوتينِ كوهجِ النارِ في الحطبِ

وقد ثويتُ بظلِّ الهـمِّ يسترني =

فما رآني أخي ـ في غمرِه ـ وأبي

وقد هتفتُ وقومي في تردُّدِهم =

فضاعَ صوتي بما في الدربِ من صخبِ

فوامصيبةَ مَنْ هانوا ومَن وهنوا =

ومَنْ رضوا بالأذى والذلِّ والسَّلبِ

ميدانُهم عربداتٌ أو هوى عبِثٍ =

يدينُ للزيفِ واللذاتِ والكذبِ

فأين علياؤُهم والعنفوانُ بها =

والبيضُ يوم اللقا ، والذكرُ في الكتبِ ؟؟

وأين فرسانُهم في كلِّ نازلةٍ =

وفي منازلةِ الأعداءِ بالقُضُبِ ؟؟

وأين أبرارُهم والأولياءُ على =

مغنى محاريبِهم بالقُربِ والقُربِ ؟؟

وأين تكبيرُهم تعنو الجبالُ له=

ويستجيبُ الصَّدى في كلِّ مُنتّدَبِ ؟؟

وينجلي الأفقُ عن إيثارِهم قيمًا =

تُغني أخا حاجةٍ بالخيرِ والنَّشبِ

أكادُ أُنكرُ مجدا كان يصحبُهم =

لولا المصاحفُ عند العُجمِ والعربِ

أينفضون غبارَ الوهْنِ عن هممٍ =

لايرهبون ولا يعنون للنُّوبِ ؟!

فدعوةُ اللهِ أغنتْ أُمتي فسعتْ =

بين الأنامِ بما يسمو مدى الحقبِ

سيستعيدون راياتٍ مرفرفةً =

على خميسٍ شجاعٍ مؤثرٍ لجبِ

ويهزمون أعاديهم ، فلا سلمتْ=

يـدٌ تخونُ عهودَ اللهِ بالهربِ

شدَّتْ على صهواتِ الفتحِ عزَّتهم =

تعدو بها الخيلُ من نصرٍ إلى غلبِ

فوجهُها نضرٌ في كلِّ مكرمةٍ =

وأهلُها من بطونِ العزِّ في النسبِ

وليس تخشى جيوشَ البغيِ إنَّ لها=

مايدفعُ الظلمَ رغمَ الموجِ والعُبُبِ

فما تعرَّتْ غصونُ الفخرِ إذْ عصفتْ=

ريحُ الخطوبِ ، ولم تُسقطْ سوى الشَّذبِ

وما أضرَّتْ بها فاللهُ يكلؤُها=

والله يحمي بنيها من أذى الرُّقُبِِ

والعزُّ يسكبُ في أحناءِ أربُعِها=

من الرحيقِ المصفَّى فاضَ كالسُّحُبِ

ستخرجُ الطيرُ من أعشاشِها لترى=

رحيلَ مافي مغانيها من الغُرُبِ

فالدِّينُ يبقى بأنوارٍ ومرحمةٍ=

والكفرُ يفنى مع الطغيانِ والذَّهبِ

الناشرون على الدنيا حضارتَهم=

فشمسُها عن رحابِ الأرضِ لم تغبِ

الحاملون لواءَ الحقِّ يرمقُهم =

أهلُ المآسي لصبحٍ مشرقٍ شنبِ

تبعثروا ـ ويحهم ـ واللهوُ أقعدهم=

بلا عزيمةِ مَنْ ينأى عن الريبِ

فلا تراهم رأوا في الخطبِ رأيَهُمُ=

ولا هُمُ ابتعدوا عن سوءِ منقَلَبِ

فتلك بلدانُهم باتتْ مقطَّعةً =

نهبَ الغزاةِ ، ومرمى الشرِّ عن كثبِ

ذرني على كلِّ شلوٍ في مقاتلهم =

أذرفْ دمًا قبلَ دمعِ العينِ والعتبِ

لأحرقَنَّ ثيابًـا صاغَ زخرفَها =

حبُّ الحياةِ ، وكرهُ السّيفِ واليلبِ

واحسرتاه على قومٍ لهم نسبٌ =

في الأوَّلينَ من الإقدامِ والرُّتبِ

عروبتي بكتابِ اللهِ عزَّتُها=

وفي سِواهُ ، عراها الذُّلُّ لم يغبِ !!

وما استفامَ فخارُ العربِ في حقبٍ=

إلا على منهج القرآنِ في الحقبِ

وما العروبةُ إلا جسمُ مغتربٍ =

مقرَّحٍ لفحتْهُ الريحُ بالوصبِ

وليس تنهضُ من ديجورِ كبوتها=

إلا على ساعدٍ من روحِها الضَّربِ

فكيفَ تُنكرُ علياها عروبتُنا =

وكيف تشمخُ في الدنيا بلا حسبِ ؟

وليس في الوَهَنِ الممقوتِ عزَّتُها =

وإنما العزُّ بالتقوى وبالأدبِ

***

***

للسائلين عن الدربِ الطويلِ ألا =

شدُّوا المطايا ففجري غيرُ مقتربِ !!

بيني وبينَ خطاكم ألفُ داجيةٍ =

وألفُ وادٍ من الأهوالِ والنَّصبِ

وألفُ كهفٍ من الأرزاءِ خبَّأها =

إبليسُ أهوائكم مسعورة اللهبِ

إني أنا المجدُ أنعاكم فما وجدتْ =

عيني لكم أثرا في ساحةِ الغلبِ

قد كنتم الروحَ والريحانَ إذْ عبقا=

ففي روابيكُمُ الفيحاءِ نورُ نبي r

فهل وجدتُم بدارِ الهونِ راحتكم ؟=

أم غـرَّكم ما بظلِّ العيشِ من قصبِ ؟

وكان سيفُ علاكم في يَدَيْ بطلٍ =

فكيف ترضون بالأسيافِ من خشبِ ؟!

ويحَ الرجال الذين السَّاحُ تعرفُهم =

يوم التلاحمِ ذا رمحٍ وذا قُضُبِ

وإنْ مشى الموتُ في إعصارِ ملحمةٍ =

أتوا إليه بلا خوفٍ ولا رُعُبِ

وتشهدُ الأنجمُ اللألاءُ أنَّـكُمُ =

خيرُ البريَّةِ في روحٍ وفي أُهُبِ

وكم هتفتُ وأعياني بساحتكم =

طولُ الوجومِ ، وطولُ الحزنِ والعتبِ

وكم بكيتُ وقلبي فيه من ألمٍ =

على منازلِكم أخوتْ على النُّوبِ

فياخسارةَ قومٍ : جمرُ غضبتِكم=

أمسى رمادًا فواحزني و واغضبي

أكادُ من برزخِ الأقدارِ أخرجُ لو =

شاءَ الإلهُ بقلبٍ جدِّ مكتئبِ

لقد قطعتُم حبالَ العهدِ فانصرمتْ=

بيضُ الليالي بعصرٍ شائكٍ أشبِ

هلاَّ رجعتُم إلى الدَّيانِ خالصةً =

قلوبُكم من غثاءِ الزُّورِ والرِّيبِ

إذنْ : لعدتُم كما كنتم جحاجحةً=

ويومها يامُنى قلبي وياطربي !

أرى البلادَ بلادَ المسلمين على =

خيرٍ وفخرٍ إذا نودوا لمنتسَبِ

وفي حنايا قلوبِ المسلمين هوىً =

لأعذبِ الصِّيغِ الحسنى لمنتخِبِ

كأنَّني ألمحُ الفجرَ القريبَ بهم =

أتى بحُلوِ النَّدى والسَّعدِ والرَّغبِ

وتشرئبُ إليهم في المدى أُممٌ =

من مستجيرٍ ومن عانٍ و منتحبِ

يا أُمَّةً أهملتْ راياتِ رفعتِها=

ولم تزلْ خافقاتٍ في عُلا الشُّهبِ

قومي اسجُري بلهيبِ العزمِ ما صنعتْ=

يـدُ التواني ، وبالدينِ الحنيفِ ثبي

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين


مقالات ذات صلة


أضف تعليق