بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عن أَبُي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِى صلى الله عليه وسلم قَالَ :"إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَادَى جِبْرِيلَ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِى جِبْرِيلُ فِى أَهْلِ السَّمَاءِ؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِى أَهْلِ الأرْضِ ".رواه البخاري
في هذا الحديث يبين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن محبة الله للعبد تجعله محبوبا في السماء الأرض .
قال ابن بطال في شرحه للحديث قوله: (ثم يوضع له القبول فى الأرض) يريد المحبة فى الناس، وقال بعض أهل التفسير فى قوله تعالى: (وألقيت عليك محبة مني) أى حببتك إلى عبادى، وقال ابن عباس فى قوله تعالى: (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًا) قال: يحبهم ويحببهم إلى الناس.
ومحبة الله تعالى التي تجعل المرء محبوبا بين أهل السماء وأهل الأرض لا تنال إلا بتوحيده وطاعته والخضوع له والإنابة إليه والتوكل عليه والحياة وفق منهجه سبحانه وتعالى والرضا بأقداره خيرها وشرها ،والعمل بالسنة ونشرها بين الناس، وحاربة أهل الأهواء والبدع.
روى الدارقطني بسند صحيح قال: " سمعتُ أبا عليٍّ الصَّوَّافَ يقولُ: سمعتُ عبدَاللهِ بنَ أحمدَ، يقولُ: سمعتُ أبي رحمه اللهُ، يقولُ: " قولوا لأهلِ البدعِ: بيننا وبينكم يومُ الجنائزِ"
وقد صدقت فراسة الإمام أحمد رحمه الله تعالي ، فغالبا ما تكون الجنائز دليلا قويا على محبة الناس أو كراهيتهم.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقد صدق الله قوله في هذا، فإنه رحمه الله كان إمام السنة في زمانه، وعيون مخالفيه أحمد بن أبي دؤاد القاضي لم يحتفل أحد بموته، ولا شيعه أحد من الناس إلا القليل" .
ومحبة الله التي نعنيها هنا ليست كلمة تقال باللسان فحسب ، وليست ادعاء أجوف لا دليل عليه
يقول الجنيد بن محمد رحمه الله : المحبُّ عبدٌ ذاهبٌ عن نفسه، متصلٌ بذكر ربه، قائمٌ بأداء حقوقه ناظرٌ إليه بقلبه، أحرق قلبَه أنوارُ هويته، وصفا شربُه من كأس وُدِّه بالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكن فمع الله، فهو بالله ولله ومع الله.
قال ابن القيم رحمه الله في «مدارج السالكين» فصل في الأسباب الجالبة للمحبة والموجبة لها وهي عشرة:
أَحَدُهَا: قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالتَّدَبُّرِ وَالتَّفَهُّمِ لِمَعَانِيهِ وَمَا أُرِيدَ بِهِ، كَتَدَبُّرِ الْكِتَابِ الَّذِي يَحْفَظُهُ الْعَبْدُ وَيَشْرَحُهُ. لِيَتَفَهَّمَ مُرَادَ صَاحِبِهِ مِنْهُ.
الثَّانِي: التَّقَرُّبُ إِلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ. فَإِنَّهَا تُوَصِّلُهُ إِلَى دَرَجَةِ الْمَحْبُوبِيَّةِ بَعْدَ الْمَحَبَّةِ.
الثَّالِثُ: دَوَامُ ذِكْرِهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ: بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، وَالْعَمَلِ وَالْحَالِ. فَنَصِيبُهُ مِنَ الْمَحَبَّةِ عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ.
الرَّابِعُ: إِيثَارُ مَحَابِّهِ عَلَى مَحَابِّكَ عِنْدَ غَلَبَاتِ الْهَوَى، وَالتَّسَنُّمُ إِلَى مَحَابِّهِ، وَإِنْ صَعُبَ الْمُرْتَقَى.
الْخَامِسُ: مُطَالَعَةُ الْقَلْبِ لِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمُشَاهَدَتُهَا وَمَعْرِفَتُهَا. وَتَقَلُّبُهُ فِي رِيَاضِ هَذِهِ الْمَعْرِفَةِ وَمَبَادِيهَا. فَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ: أَحَبَّهُ لَا مَحَالَةَ. وَلِهَذَا كَانَتِ الْمُعَطِّلَةُ وَالْفِرْعَوْنِيَّةُ وَالْجَهْمِيَّةُ قُطَّاعَ الطَّرِيقِ عَلَى الْقُلُوبِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَحْبُوبِ.
السَّادِسُ: مُشَاهَدَةُ بِرِّهِ وَإِحْسَانِهِ وَآلَائِهِ، وَنِعَمِهِ الْبَاطِنَةِ وَالظَّاهِرَةِ. فَإِنَّهَا دَاعِيَةٌ إِلَى مَحَبَّتِهِ.
السَّابِعُ: وَهُوَ مِنْ أَعْجَبِهَا، انْكِسَارُ الْقَلْبِ بِكُلِّيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى غَيْرُ الْأَسْمَاءِ وَالْعِبَارَاتِ.
الثَّامِنُ: الْخَلْوَةُ بِهِ وَقْتَ النُّزُولِ الْإِلَهِيِّ، لِمُنَاجَاتِهِ وَتِلَاوَةِ كَلَامِهِ، وَالْوُقُوفِ بِالْقَلْبِ وَالتَّأَدُّبِ بِأَدَبِ الْعُبُودِيَّةِ بَيْنَ يَدَيْهِ. ثُمَّ خَتْمِ ذَلِكَ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ.
التَّاسِعُ: مُجَالَسَةُ الْمُحِبِّينَ الصَّادِقِينَ، وَالْتِقَاطُ أَطَايِبِ ثَمَرَاتِ كَلَامِهِمْ كَمَا يَنْتَقِي أَطَايِبَ الثَّمَرِ. وَلَا تَتَكَلَّمْ إِلَّا إِذَا تَرَجَّحَتْ مَصْلَحَةُ الْكَلَامِ، وَعَلِمْتَ أَنَّ فِيهِ مَزِيدًا لِحَالِكَ، وَمَنْفَعَةً لِغَيْرِكَ.
الْعَاشِرُ: مُبَاعَدَةُ كُلِّ سَبَبٍ يَحُولُ بَيْنَ الْقَلْبِ وَبَيْنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
إن العبد إذا أحب ربه من كل قلبه وعاش وفق منهجه واتقاه وأخذ بالأسباب الجالبة للمحبة أحبه الله وأمر أهل السماء من الملائكة الكرام فأحبوه ووضع له القبول في الأرض فأحبه الناس وهوت إليه الأفئدة ولانت القلوب بيده وتأثر الخلق بكلامه ووعظه.
فاللهم إنا نسألك حبك وحب من يحبك وحب من يقربنا إلى حبك
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 2 )
زادكم الله علما
-كامل مسعود
22:07:40 2021-02-14
جزاكم الله خيرا وبارك فيكم أستاذنا الفاضل
22:34:12 2021-02-14