أحكام الرضاع


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الحمد لله الذي أكمل لنا الدين، وأتم علينا نعمته، ورضي لنا الإسلام دينًا، والصلاة والسلام على نبينا محمد، الذي أرسله الله هدايًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إليه بإذنه وسراجًا منيرًا، أما بعد: فإن الناس قد غلب عليهم التساهل في أمر الرضاع، فتراهم يُرضعون الولد من امرأة أو عِدة نسوة ولا يهتمون بمعرفة أولاد المرضعة وأخواتها، ولا أولاد زوجها من غيرها وإخوته، ليعرفوا ما يترتب عليهم في ذلك من الأحكام، ولا يعرفون حقوق هذه القرابة الجديدة التي جعلها الشرع كالنسب. فكثيرًا ما يتزوج الرجل أخته، أو عمته أو خالته من الرضاعة وهو لا يدري، من أجل ذلك أحببت أن أُذكر نفسي وإخواني الكرام بأحكام الرضاع بإيجاز شديد.

معنى الرضاع:

مَصُّ الرضيع من ثدي الآدمية في مدة الرضاع.   (التعريفات للجرجاني صـ148)

المحرمات بسبب الرضاع:

يجب أن يكون من المعلوم أنه يَحرمُ من الرضاع ما يَحرمُ من النسب، والذي يحرم من النسب سبعة، هن:

(1) الأمهات، (2) البنات، (3) الأخوات، (4) العمات، (5) الخالات، (6) بنات الأخ، (7) بنات الأخت.

والتحريم من الرضاع ثابت بالقرآن والسُّنة وإجماع علماء الأمة. (المغني لابن قدامة جـ11 صـ309)

قال اللهُ تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ) (النساء: 23)

روى الشيخانِ عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: الرَّضَاعَةَ تُحَرِّمُ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلَادَةِ. (البخاري حديث 5099 / مسلم حديث 1444)

وروى البخاريُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا تَتَزَوَّجُ ابْنَةَ حَمْزَةَ ؟قَالَ: إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ.  (البخاري حديث 5100)

الحكمة من التحريم بالرضاعة:

قال ابن حجر العسقلاني:

وهو يتحدث عن المحرمات بالرضاعة ـ: الحكمة في ذلك أن سبب التحريم ما ينفصل من أجزاء المرأة وزوجها وهو اللبن فإذا اغتذى به الرضيع صار جزءا من أجزائهما فانتشر التحريم بينهم.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ45)

إذا رضع شخصٌ من امرأة فإنه يحرم عليه ما يلي:

1- المرأة المرضعة لأنها أصبحت أمًا له من الرضاع.

2- أم المرضعة لأنها أصبحت جدة للرضيع.

3- أم زوج المرضعة، الذي جاء لبنها بسبب الحمل منه، لأنها صارت جدة للرضيع.

4- أخت المرضعة لأنها أصبحت خالة للرضيع.

5- أخت زوج المرضعة لأنها أصبحت عَمةً للرضيع.

6- بنات المرضعة، سواء من وُلدنَ قبله أو بعده، لأنهن أصبحن أخوات للرضيع.

7- بنات أبناء المرضعة لأنهن أصبحن بنات إخوته من الرضاع، وهو عمهم، وكذلك بنات بنات المرضعة لأنهن أصبحن بنات أخواته، وهو خالهم.

(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ5 صـ109)

ويضاف إلى هؤلاء:

8- بنت زوج المرضعة ولو من امرأة أخرى، لأنها أصبحت أخت الرضيع من الأب.

9- الزوجة الأخرى لزوج المرضعة لأنها أصبحت زوجة أبيه من الرضاع.

10- زوجة الرضيع تَحرُمً على زوج المرضعة لأنها زوجة ابنه من الرضاع.

التحريم بالرضاع خاص بالرضيع فقط:

إن التحريم بالرضاع خاص بالرضيع فقط، ولا يتعدى التحريم إلى أحد من قرابة الرضيع فليست أخته من الرضاعة أختًا لأخيه ولا بنتًا لأبيه إذ لا رضاع بينهم.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ9 صـ45)

ولذا، فإن من اجتمعوا على ثدي واحد صاروا إخوة. وعلى ذلك فأخو الرضيع الذي لم يشترك في الرضاعة، يجوز له أن يتزوج بنت مرضعة أخيه لأنها أجنبية عنه، وإن كانت أختًا لأخيه من الرضاعة.

صفة المرضعة:

المرضعة التي يثبت بلبنها التحريم هي كل امرأة درَّ اللبن من ثديها، سواء أكانت بالغة أم غير بالغة، وسواء كانت يائسة من المحيض أم غير يائسة، وسواء أكان لها زوج أم لم يكن، وسواء أكانت حاملًا أم غير حامل.

(بداية المجتهد لابن رشد جـ2 صـ72)

(فقه السنة للسيد سابق جـ2 صـ35)

الرضاع الذي يثبت به التحريم:

هو خمس رضعات معلومات في مدة الرضاع، وهي السنتان الأوليان من ولادة الطفل.

(الأم للشافعي جـ5 صـ27)

(المحلى لابن حزم جـ10 صـ9 رقم 1868)

(المغني لابن قدامة جـ11 صـ309: صـ310)

_فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ9 رقم 1236، صـ3265: صـ3266)

روى مسلمٌ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِنْ الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ. (مسلم حديث 1452)

روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عائشة قالت: لا يحرم دون خمس رضعات معلومات. (إسناده صحيح) (مصنف عبد الرزاق جـ7 صـ466)

الشك في الرضاع:

إِذَا وَقَعَ الشَّكُّ فِي وُجُودِ الرَّضَاعِ ، أَوْ فِي عَدَدِ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ ، هَلْ كَمُلَا أَوْ لَا ؟ لَمْ يَثْبُتْ التَّحْرِيمُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ، فَلَا نُزُولَ عَنْ الْيَقِينِ بِالشَّكِّ.(المغني لابن قدامة جـ11 صـ312)

(فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ2 رقم 345 صـ691: صـ692)

صفة الرضعة:

الْمَرْجِعُ فِي مَعْرِفَةِ الرَّضْعَةِ إلَى الْعُرْفِ لِأَنَّ الشَّرْعَ وَرَدَ بِهَا مُطْلَقًا ، وَلَمْ يَحُدَّهَا بِزَمَنِ وَلَا مِقْدَارٍ، فإذا التقم الرضيع الثدي فامتص منه، ثم تركه باختياره من غير عارض، كان ذلك رضعة واحدة، فإذا عاد والتقم الثدي كانت رضعة ثانية، وأَمَّا إنْ قَطَعَ الرضاعة  لِضِيقِ نَفَسٍ، أَوْ لِلِانْتِقَالِ مِنْ ثَدْيٍ إلَى ثَدْيٍ ، أَوْ لَشَيْءٍ يُلْهِيه ،أو استراحة يسيرة، ثم يعود، فإن هذا لا يخرجه عن كونه رضعة واحدة، كما أن الإنسان إذا قَطَعَ  أكلته لِشُرْبِ الْمَاءِ أَوْ انْتِقَالٍ مِنْ لَوْنٍ إلَى لَوْنٍ ، أَوْ انْتِظَارٍ لِمَا يُحْمَلُ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ ، لَمْ يُعَدَّ إلَّا أَكْلَةً وَاحِدَةً.

(المغني لابن قدامة جـ11 صـ312: صـ313)

هل يُشترط في الرضاع المص من الثدي؟

إن لبن المرضعة يثبت به التحريم، سواءٌ مصَّه الرضيع من ثدي مرضعته أو حُلبَ له في إناء وشربه أو وُضع له في فمه أو وضع له عن طريق الأنف، بحيث يحصل له به الغذاء ويسد جوعه وينبت لحمه وينشز عظمه.

(المغني لابن قدامة جـ11 صـ313)روى الشيخانِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا رَجُلٌ فَكَأَنَّهُ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَتْ إِنَّهُ أَخِي فَقَالَ انْظُرْنَ مَنْ إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ. (البخاري حديث 5102 / مسلم حديث 1455)

 لبن الرضاع المختلط بغيره:

إذا اختلط لبن المرأة بطعام أو شراب أو دواء، أو لبن شاة أو غيره، وتناوله الرضيع, فإن كان الغالب لبن المرأة، ثبت التحريم، وإن لم يكن غالبًا لم يثبت التحريم.

(فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ6 رقم 659 صـ2174)

سن الرضاع الذي يثبت به التحريم:

الرضاع الذي يثبت به التحريم هو ما  كان في السنتين الأوليين من ولادة الطفل.

(فتاوى دار الإفتاء المصرية جـ6 رقم 955 صـ2167)

قال تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ) (البقرة: 233)

روى الترمذيُّ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يُحَرِّمُ مِنْ الرِّضَاعَةِ إِلَّا مَا فَتَقَ الْأَمْعَاءَ فِي الثَّدْيِ وَكَانَ قَبْلَ الْفِطَامِ. (حديث صحيح) (صحيح الترمذي للألباني حديث 921)

الشهادة على الرضاع:

شهادة المرأة الواحدة مقبولة في الرضاع إذا كانت معروفة بالصدق. (المغني لابن قدامة جـ11 صـ340)

روى البخاريُّ عن عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إِهَابٍ قَالَ: فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْرَضَ عَنِّي.قَالَ: فَتَنَحَّيْتُ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ: وَكَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا فَنَهَاهُ عَنْهَا.

(البخاري حديث 2659)

أحكام الرضاع المحرم:

الرضاع المُحَرَم يُباح به النظر إلى من رضع مع الشخص (ما عدا ما بين السرة والركبة) والمصافحة والخلو والسفر، بشرط عدم الفتنة، ولا يجوز به التوارث، ولا يجب به الإنفاق. (سبل السلام للصنعاني جـ3 صـ291).
                                                           وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply