كيف يستثمر المسلم وقته


 بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن الوقت له منزلة كبيرة في الإسلام، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

 معنى الوقت:

مقدارٌ من الزمانِ وكلُّ شيء قَدَّرْتَ له حِينًا فهو مُؤَقَّتٌ.

والجمع أَوْقاتٌ وهو المِيقاتُ ووَقْتٌ مَوْقُوتٌ و مُوَقَّتٌ مَحْدُود والتوقيت:تحديد الأوقات. قال الله تعالى: (إِنَّ الصلاة كانت على المؤمنين كتابًا مَوْقُوتًا) والمِيقاتُ الوَقْتُ المضْروبُ للفعل والموضع يقال هذا مِيقاتُ أَهلِ الشام.

(لسان العرب جـ6 صـ4887)

(مختار الصحاح صـ731)

كلمة الوقت في القرآن:

جاءت كلمة الوقت بمشتقاتها المختلفة، الوقت، لوقتها، ميقات، ميقاتًا، لميقاتنا، ميقاتهم، مواقيت، موقوتًا، اثنتي عشرة مرة. (المعجم المفهرس لألفاظ القرآن صـ757)

الوقت في القرآن:

إن نِعَمَ الله تعالى على عباده لا تُعَدُ ولا تحصى، قال تعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) (إبراهيم:34) إن رأس مال العبد المسلم في هذه الدنيا وقتٌ قصيرٌ وأنفاسٌ محدودةٌ وأيامٌ معدودةٌ، فمن استثمر تلك اللحظات والساعات في أعمال الخير فطوبى له، ومن أضاعها وفَرَّط فيها فقد خسر خسرانًا مبينًا. ومن المعلوم أن الله تبارك وتعالى إذا أقسم بشيء، فهذا لبيان أهميته وعظيم منفعته، ولقد أقسم الله بأزمان وأوقات معينة، وذلك لبيان شرف الزمان وشرف الوقت.فقال الله تعالى: (وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى:1:2) وقال تعالى: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (الليل:1:2) وقال تعالى: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1:2) وقال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ) (العصر:1:2)، والمقصود بالعصر هو الزمن، وفي قسمه سبحانه وتعالى بالعصر دليل على أن أنفس شيء في الحياة هو العمر. وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62)

وقال الله تعالى أيضًا: (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ) (الإسراء:12)

هذه الآيات السابقة وغيرها دليل قاطع على شرف الوقت.

تنبيه هام:

إن لله تعالى أن يقسم بما شاء من مخلوقاته ،و أما العبد فلا يجوز له أن يحلف بغير الله تعالى،فيحرم على المسلم أن يحلف بالنبي ، أو بالولي، أو بالأمانة أو بالنعمة،أو ما شابه ذلك.

روى أبو داودَ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ:سَمِعَ عبدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رَجُلًا يَحْلِفُ: لَا وَالْكَعْبَةِ فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ أَشْرَكَ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 2787)

روى أبو داودَ عن بُرَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 2788)

روى أبو داودَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِأُمَّهَاتِكُمْ وَلَا بِالْأَنْدَادِ وَلَا تَحْلِفُوا إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْلِفُوا بِاللَّهِ إِلَّا وَأَنْتُمْ صَادِقُونَ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 2784)

العمر كله لله:

قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:162)

موقفان للعبد:

أخي المسلم الكريم أن من جهل قيمة الوقت الآن فسيأتي عليه حين يعرف فيه قدره وقيمة العمل فيه ولكن بعد فوات الأوان. وفي هذا يذكر القرآن موقفين للإنسان يندم فيهما على ضياع وقته حيث لا ينفع الندم.

الموقف الأول:

ساعة الاحتضار، حين يستدبر الإنسان الدنيا ويستقبل الآخرة، ويتمنى لو مُنحَ مهلة من الزمن, ليصلح ما أفسد ويتدارك ما فات، وفي هذا يقول الله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:9:11)

وهكذا يتمنى الإنسان لحظات قليلة من الوقت يتزود فيها بالقليل من الطاعات والأعمال الصالحة، ولكن اللهَ لا يؤخر نفسًا إذا جاء أجلها.

قال تعالى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ) (ق:19)

وقال سبحانه أيضًا: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) (المؤمنون:99:100)

هكذا تكون أمنية أهل المعاصي ساعة الاحتضار.

الموقف الثاني:

حيث تُوَفى كل نفس ما كسبت، ويدخل أهل الطاعة الجنة، وأهل المعصية النار، هناك يتمنى أهل النار لو يعودون مرة أخرى إلى حياة التكليف، ليبدؤوا من جديد عملًا صالحًا ، و لكن لا فائدة مما يطلبون، فقد انتهى زمن العمل، وجاء زمن الجزاء، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ * وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ)  (فاطر:36:37)

وهكذا انقطعت حجج أهل النار بهذا السؤال التقريعي.

(الوقت في حياة المسلم صـ15:صـ16)

 وهكذا يكون مصير الذين أضاعوا أعمارهم في الكفر وفساد العقيدة والأعمال الفاسدة.

لكل وقت عمله:

لقد جاءت شعائر الإسلام لتؤكد قيمة الوقت وأن لكل عمل وقت معين لا يقبل إلا فيه وهناك العديد من الأمثلة على ذلك نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

(1) الصلوات المفروضة:

يقول الله تعالى عن الصلوات الخمس.

(إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) (النساء:103)

إن لكل صلاة من الصلوات الخمس وقتًا لا تقبل إلا فيه إلا إذا كان هناك عذر شرعي، كالمرض، والسفر، والنوم، والنسيان، فإن الصلاة في هذه الأحوال لها أحكام خاصة.

(2) صوم الفريضة:

إن الصوم هو أحد أركان الإسلام الخمسة، ولا يكون إلا في شهر رمضان ولا يقبل صوم الفريضة إلا في شهر رمضان، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) (البقرة:185)

وهكذا حدد الشرع الشريف صوم الفريضة في شهر رمضان المبارك.

وقت الصوم:

قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) (البقرة:187)

(3) الحج:يقول الله تعالى محددًا وقت الحج.

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى و َاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197)

وأشهر الحج هي شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة.

الوقت في السُّنة:

لقد اهتمت السُّنة المطهرة ببيان قيمة الوقت وأهميته تأكيدًا لما جاء في القرآن الكريم، وجاءت أحاديث كثيرة تتحدث عن الوقت ومكانته في حياة المسلم وأنه رأس مال العبد في هذه الحياة الدنيا.

(1) روى البخاريُّ عَنْ عبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ (البخاري حديث 6412)

قَالَ اِبْنُ الْجَوْزِيّ: قَدْ يَكُون الْإِنْسَان صَحِيحًا وَلَا يَكُون مُتَفَرِّغًا لِشُغْلِهِ بِالْمَعَاشِ، وَقَدْ يَكُون مُسْتَغْنِيًا وَلَا يَكُون صَحِيحًا ، فَإِذَا اِجْتَمَعَا فَغَلَبَ عَلَيْهِ الْكَسَل عَنْ الطَّاعَة فَهُوَ الْمَغْبُون، وَتَمَام ذَلِكَ أَنَّ الدُّنْيَا مَزْرَعَة الْآخِرَة، وَفِيهَا التِّجَارَة الَّتِي يَظْهَر رِبْحهَا فِي الْآخِرَة ، فَمَنْ اِسْتَعْمَلَ فَرَاغه وَصِحَّته فِي طَاعَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُوط ، وَمَنْ اِسْتَعْمَلَهُمَا فِي مَعْصِيَة اللَّه فَهُوَ الْمَغْبُون ، لِأَنَّ الْفَرَاغ يَعْقُبهُ الشُّغْل وَالصِّحَّة يَعْقُبهَا السَّقَم.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11صـ 234)

(2) روى الترمذي عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ.

(حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 1970)

(3) روى الحاكمُ عن عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: « اغتنم خمسًا قبل خمس: شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناءك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك »(حديث صحيح)(صحيح الجامع للألباني حديث 1063)

(4) روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً.(البخاري حديث 6419)

قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله) الْإِعْذَار إِزَالَة الْعُذْر ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ لَهُ اِعْتِذَار كَأَنْ يَقُول لَوْ مُدَّ لِي فِي الْأَجَل لَفَعَلْت مَا أُمِرْت بِهِ ، يُقَال أَعْذَرَ إِلَيْهِ إِذَا بَلَّغَهُ أَقْصَى الْغَايَة فِي الْعُذْر وَمَكَّنَهُ مِنْهُ. وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْر فِي تَرْك الطَّاعَة مَعَ تَمَكُّنه مِنْهَا بِالْعُمْرِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الِاسْتِغْفَار وَالطَّاعَة وَالْإِقْبَال عَلَى الْآخِرَة بِالْكُلِّيَّةِ. وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّه لَمْ يَتْرُك لِلْعَبْدِ سَبَبًا فِي الِاعْتِذَار يَتَمَسَّك بِهِ. وَالْحَاصِل أَنَّهُ لَا يُعَاقَب إِلَّا بَعْد حُجَّة.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11صـ 244)

(5) روى الترمذيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ. (حديث حسن)(صحيح الترمذي للألباني حديث 2815)

قَالَ بَعْض الْحُكَمَاء:الْأَسْنَان أَرْبَعَةٌ:سِنّ الطُّفُولِة ، ثُمَّ الشَّبَاب ، ثُمَّ الْكُهُولَة ، ثُمَّ الشَّيْخُوخَة وَهِيَ آخِر الْأَسْنَان ، وَغَالِب مَا يَكُون مَا بَيْن السِّتِّينَ وَالسَّبْعِينَ فَحِينَئِذٍ يَظْهَر ضَعْف الْقُوَّة بِالنَّقْصِ وَالِانْحِطَاط ، فَيَنْبَغِي لَهُ الْإِقْبَال عَلَى الْآخِرَة بِالْكُلِّيَّةِ لِاسْتِحَالَةِ أَنْ يَرْجِع إِلَى الْحَالَة الْأُولَى مِنْ النَّشَاط وَالْقُوَّة.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 11صـ 244)

(6) روى أحمدُ عن أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ قَالَ فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ. (حديث صحيح)(مسند أحمد جـ 5صـ 44:43)

وهذا الرجل الذي قتل مائة نفس، قد تاب في آخر لحظات عمره، توبة نصوحًا لله عز وجل، فقبل الله هذه التوبة وغفر الله له ما سلف، وكانت هذه اللحظات القصيرة سببًا لدخول هذا الرجل الجنة.

(البخاري حديث 3470 / مسلم حديث 2766)

التحذير من سب الوقت:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.

(البخاري حديث 4826 / مسلم حديث 2246)

قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الأئمة في تفسير قوله (لا تسبوا الدهر، فإن الله هو الدهر) كانت العرب في جاهليتها إذا أصابهم شدة أو بلاء أو نكبة، قالوا يا خيبة الدهر، فيُسندون تلك الأفعال إلى الدهر ويسبونه وإنما فاعلها هو الله تعالى، فكأنما سبوا الله سبحانه لأنه فاعل ذلك في الحقيقة فلهذا نُهي عن سب الدهر بهذا الاعتبار، لأن الله هو الدهر الذي يعنونه ويُسندون إليه تلك الأفعال.

(فتح المجيد – شرح كتاب التوحيد صـ592:صـ593)

قال ابنُ القيمِ (رحمه الله):سَابُ الدّهْرِ دَائِرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ لَا بُدّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا. إمّا سَبّهُ لِلّهِ أَوْ الشّرْكُ بِهِ فَإِنّهُ إذَا اعْتَقَدَ أَنّ الدّهْرَ فَاعِلٌ مَعَ اللّهِ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ أَنّ اللّهَ وَحْدَهُ هُوَ الّذِي فَعَلَ ذَلِك وَهُوَ يَسُبّ مَنْ فَعَلَهُ فَقَدْ سَبّ اللّهَ.

(زاد المعاد لابن القيم جـ 2صـ 355)

خصائص الوقت:

إن للوقت خصائص يتميز بها، يجب علينا أن ندركها حق إدراكها، وأن نتعامل معه على ضوئها، منها:

(1) سرعة انقضاء الوقت:

إن الوقت يمر مر السحاب، ويجري جرى الريح، سواء كان زمن مسرة وفرح، أم كان زمن حزن واكتئاب، وإن كانت أيام السرور تمر أسرع وأيام الحزن والهموم تسير ببطء، لا في الحقيقة ولكن في شعور صاحبها ومهما طال عمر الإنسان في هذه الدنيا فهو قصير، ما دام الموت هو نهاية كل حي وعند الموت تنكمش الأعوام التي عاشها الإنسان، حتى لكأنها لحظات مرت كالبرق الخاطف، ومثل ذلك عند قيام الساعة، يتراءى للإنسان قِصرَ ما فات، يقول الله تعالى: (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا)(النازعات:46)

ويقول تعالى أيضًا: (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ) (يونس:45)

وهذا دليل على سرعة انقضاء الوقت.

(2) ما مضى من الوقت لا يعود ولا يعوض:

إن كل يوم يمضي، وكل ساعة تنقضي، وكل لحظة تمر، ليس في الإمكان استعادتها، وبالتالي لا يمكن تعويضها. (الوقت في حياة المسلم صـ14)

قالت رابعة العدوية لسفيان الثوري:إنما أنت أيام معدودة فإذا ذهب يوم ذهب بعضك ويوشك إذا ذهب البعض أن يذهب الكل وأنت تعلم فاعمل. (صفة الصفوة لابن الجوزي جـ4 صـ29)

(3) الوقت أنفس ما يملكه الإنسان:

إن كان الوقت سريع الانقضاء وما مضى منه لا يرجع ولا يمكن تعويضه، فهو أنفس ما يملك الإنسان، وترجع نفاسة الوقت إلى أنه وعاء لكل عمل وكل إنتاج، فهو في الحقيقة رأس المال الحقيقي للإنسان.

إن الوقت ليس من الذهب فقط كما يقول المثل الشائع، بل هو أغلى في حقيقة الأمر من الذهب واللؤلؤ والمرجان والماس وكل الأحجار الكريمة، فالوقت هو الحياة. (الوقت في حياة المسلم صـ14)

قال الوزير يحي بن هبيرة، شيخ الإمام ابن الجوزي:

الوَقْتُ أَنْفسُ ما عُيِنيتَ بحِفظِهِ * وَأَرَاَهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ !

(قيمة الزمن عند العلماء صـ118)

قتلة الوقت:

أخي المسلم الكريم:إن مما يدمي القلب، ويمزق الكبد أسىً وأسفًا:ما نراه اليوم عند المسلمين من إضاعةٍ للأوقات، فاقت حد التبذير إلى التبديد، والحق أن السفه في إنفاق الأوقات أشد خطرًا من السفه في إنفاق الأموال، وإن هؤلاء المبذرين لأوقاتهم لأحق بالحَجْر عليهم ،لأن الوقت ضاع لا عوض له. ومن العبارات التي أصبحت مألوفة لكثرة ما تدور على الألسنة وما تُقالُ في المجالس والأندية عبارة (قتل الوقت). فترى هؤلاء المبذرين أو المبددين يجلسون الساعات الطوال من ليل أو نهار حول مائدة النرد أو رقعة الشطرنج أو لعبة الورق، أو غير ذلك – مما يحل أو يحرم – لا يبالون، لا هين عن ذكر الله وعن الصلاة وعن واجبات الدين والدنيا، فإذا سألتهم عن عملهم هذا وما وراءه من ضياع، قالوا لك بصريح العبارة:إنما نريد أن تقتل الوقت !

ألا يعلم هؤلاء المساكين أن من قَتَلَ وقته، فقد قتل في الحقيقة نفسه !

(الوقت في حياة المسلم صـ18)

 

كيف يطيل المسلم أعماله الصالحة؟

إن عمر الإنسان المسلم ليس هو السنين التي يقضيها من يوم ولادته إلى يوم الوفاة، إنما عمره في الحقيقة يقدر ما يُكتبُ له في ميزان حسناته عند الله تبارك وتعالى من الصالحات وفعل الخيرات، فإن المسلم قد يموت شابًا ولكن رصيده من أعمال الخير حافل وجليل، وينفع الله به المسلمين بعد موته، وبقدر ما يكون للمسلم من فائدة على المسلمين، بقدر ما يكون ذلك امتدادًا لعمله.

قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآَثَارَهُمْ) (يس:12)

قال سعيد بن جبير:ما سنوا من سُّنة فعمل بها قوم بعد موتهم.

(تفسير ابن كثير جـ11 صـ348)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا. (مسلم حديث 2674)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي (فقدت راحلتي) فَاحْمِلْنِي فَقَالَ مَا عِنْدِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ. (مسلم حديث 1893)

وهكذا يستطيع المسلم الذي رزقه اله التوفيق في إنفاق وقته في الخير أن يطيل عمره ويمد حياته إلى ما شاء الله تعالى، فيحيا وهو ميت ويؤدي رسالته، وهو مقبور.

إن الذِّكْرَ الحسن الذي يتركه المسلم بعد موته يعتبر عمر ثان له.

يقول الشاعر أحمد شوقي:

دقاتُ قلبِ المرءِ قائلةٌ له * إن الحياة دقائق و ثوان.

فارفع لنفسك بعد موتك ذكرها * فالذِّكْرُ للإنسان عمر ثان.

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.

(مسلم حديث 2674)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ:جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي أُبْدِعَ بِي (فقدت دابتي) فَاحْمِلْنِي فَقَالَ مَا عِنْدِي فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَدُلُّهُ عَلَى مَنْ يَحْمِلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ.

(مسلم حديث 1893)

روى مسلمٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ. (مسلم حديث 1017)

العمر الحقيقي للإنسان:

إن الإنسان بفطرته يحب أن يطول عمره في الحياة الدنيا، بل يحب الخلود فيها لو استطاع، ومن هذا الباب دخل إبليس إلى آدم عليه السلام، يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آَدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى) (طه:120)

ومن تدبر سُّنة نبينا :, يجد أن الإسلام الحنيف يعتبر طول العمر نعمة جليلة من الله تبارك وتعالى، وذلك إذا استخدم المسلم الواعي طول عمره في طلب العلم النافع والقيام بالعمل الصالح له ولجميع المسلمين.

وهذا نبينا : يرشدك إلى ما يطيل العمل ويرفع درجات العبد عند الله يوم القيامة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من آتى الله بقلب سليم.

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ. (مسلم حديث 1631)

وهذه كتب السلف الصالح وأهل العلم بين أيدينا ننهل منها الخير الكثير وهي من صالح أعمالهم.

حرص سلفنا الصالح على الوقت:

إن من يطالع كتب أهل السير، يجد أن سلفنا الصالح كانوا يعرفون للوقت قيمة ويحرصون على الانتفاع بكل دقيقة وسوف نذكر بعضًا من النماذج الرائعة لبيان مدى اهتمام السلف الصالح بالوقت ولتكون نبراسًا يسير على هديه شباب المسلمين في كل مكان:

(1) قال عمر بن الخطاب: إني لأكره أن أجد أحدكم سَبَهْللًا (أي فارغًا) لا في عمل الدنيا ولا في عمل آخره. (الوقت بين حرص السلف وتفريط الخلف صـ13)

 (2) قال عبد الله بن مسعود: ما ندمت على شيء ندمى على يوم غَرَبت شمسه ونقص فيه أجلى ولم يزد فيه عملي. (قيمة الزمن عند العلماء صـ27)

(3) قال عمر بن عبد العزيز:إن الليل والنهار يعملان فيك، فاعمل فيهما. (قيمة الزمن عند العلماء صـ27)

(4) قال الحسن البصري:يا ابن آدم، إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك. (الزهد للحسن البصري صـ81)

وقال أيضًا:أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم. (قيمة الزمن عند العلماء صـ27)

 (5) قالت حفصة بنت سيرين:يا معشر الشباب خذوا من أنفسكم وأنتم شباب فإني ما رأيت العمل إلا في الشباب. (صفة الصفوة جـ4 صـ24)

(6) الخطيب البغدادي:قال الإمام الذهبي:كان الخطيب البغدادي يمشي وفي يده جزء يطالعه. (تذكره الحفاظ للذهبي جـ3 صـ1141)

(7) الإمام الشافعي:كان الشافعي رحمه الله تعالى:يـُجَزِّيءُ الليلَ إلى ثلاثة أجزاء، الثلث الأول يكتب، والثلث الثاني يصلي، والثلث الثالث ينام. (صفة الصفوة جـ2صـ255)

(8) قال يحي بن معاذ: الليل طويل، فلا تقصره بمنامك، والنهار نقي فلا تدنسه بآثامك. (صفة الصفوة جـ4 صـ94)

(9) قال إبراهيم بن شيبان: من حفظ على نفسه أوقاته فلا يضيعها بما لا رضا لله فيه، حفظ الله عليه دينه ودنياه. (الوقت أنفاس لا تعود صـ37)

 (10) قال أبو مُسْلِمِ الخَوْلاني:لو رأيت الجنة عيانًا أو النار عيانًا ما كان عندي مستزاد. (سير أعلام النبلاء للذهبي جـ4 صـ9)

(11) محمد بن إسماعيل البخاري:

 قال ابنُ كثيرٍ (رحمه الله) كان البخاري يستيقظ في الليلة الواحدة من نومه فيوقد السراج ويكتب الفائدة تمر بخاطره ثم يطفئ سراجه، ثم يقوم مرة أخرى وأخرى حتى كان يتعدد منه ذلك قريبًا من عشرين مرة. (البداية والنهاية لابن كثير جـ11 صـ28)

تنظيم الوقت:

يجب على المسلم الواعي أن ينظم وقته بين الواجبات والأعمال المختلفة، دينيه كانت أو دنيوية، حتى لا يطغى بعضها على بعض ولا يطغى غير المهم على المهم، فما كان مطلوبًا بصفة عاجلة يجب أن يُبادر به. وأحوج الناس إلى تقسم الوقت وتنظيمه هم المشغولون من أصحاب المسئوليات، كولاة الأمور وأهل العلم، وذلك لصلاح أحوال العباد والبلاد.

(الوقت في حياة المسلم صـ22:صـ24)

الأبناء والفراغ:

من المعلوم أنه يوجد الكثير من طلبة المدارس يقضون أجازة صيفية طويلة، فهل تساءل الآباء كيف يقضي الأبناء هذا الوقت الطويل بما يعود عليهم بالنفع في دينهم ودنياهم؟ونسأل سؤالًا هامًا أيضًا:كيف تقضي النساء أوقات فراغهن في البيوت؟

(قيمة الزمن عند العلماء صـ19)

إن من حُسْنِ التربية أن يعتاد الأبناء منذ نعومة أظفارهم على الاستفادة من الأوقات بما هو مفيد حتى يتعودوا على ذلك.

قال عبد الله بن عبد الملك بن مروان:كنا مع أبينا في موكبه فقال سبحوا حتى تلك الشجرة، فنسبح حتى نأتيها، فإذا رُفعت لنا شجرة أخرى قال كبروا حتى تلك الشجرة، فكان يصنع بنا ذلك.

(الوقت أنفاس لا تعود صـ52)

ابن الجوزي يحث ولده على الاستفادة من الوقت:قال ابن الجوزي في رسالته اللطيفة التي نصح بها ولده بحفظ الوقت وسماها(لَفْتَةَ الكبد في نصيحة الولد) (اعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاسًا، وكل نفس خِزانة فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء، فترى في القيامة خِزانة فارغة فتندم !

وانظر كل ساعة من ساعاتك بماذا تذهب، فلا تودعها إلا إلى أشرف ما يمكن، ولا تهمل نفسك وعَوِّدها أشرف ما يكون من العمل وأحسنه وابعث إلى صندوق القبر ما يسرك يوم الوصول إليه.

(قيمة الزمن عند العلماء صـ62)

كيف يستثمر المسلم وقته؟

لقد ذكر أهل العلم طرقًا كثيرة لاستثمار الوقت، يمكن أن نجملها فيما يلي:

(1) التفقه في الدين وحفظ القرآن الكريم:

يجب على المسلم أن يستثمر وقته بطلب العلوم الشرعية بقدر استطاعته وليعلم أن الوقت الذي يقضيه في طلب العِلْمِ يكون في ميزان حسناته يوم يقوم الناس لرب العالمين، قال الله تعالى: (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طه:114) وقال تعالى: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر:9)

وقال جَلَّ شانه: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (المجادلة:11)

وقال تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ) (التوبة:122)

وقد حثنا نبينا : على التفقه في الدين.

روى الشيخانِ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ. (البخاري حديث 71 /مسلم حديث1037)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ، وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ. (مسلم حديث2699)

وينبغي أن نعلم أن الفقه في الدين يبدأ بحفظ القرآن والمداومة على تلاوته، ومعرفة أحكام التلاوة الصحيحة كما هو دأب أهل العلم من سلفنا الصالح.

روى البخاريُّ عَنْ عُثْمَانَ بن عفان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ. (البخاري حديث 5027)

(2) الدعوة إلى الله تعالى بالحكمة ونشر العلم النافع:

إن الدعوة إلى الله تعالى مجالٌ خصب لاستثمار الوقت، فهي وظيفة الأنبياء والمرسلين وهم خير عباد الله تعالى، وهم سفراء الله إلى خلقه، إن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة هي وظيفة خلفاء الأنبياء من العلماء العاملين الصادقين، وهي أفضل الأعمال بعد توحيد الله تعالى والإيمان به، لأنها سبب في هداية الخلق إلى الله تعالى، وإخراجهم من الظلمات إلى النور.يقول الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (فصلت:33)

وقد أمرنا الله عز وجل بالدعوة إلى توحيده وطاعته بالحكمة والعلم الصحيح النافع من الكتاب والسنة. يقول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

ولقد حثنا رسول الله: على نشر العِلْمِ في كثيرٍ من أحاديثه الشريفة ، ومنها:

روى الترمذيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَضَّرَ اللَّهُ امْرًَا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَحَفِظَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ غَيْرَهُ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ وَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ لَيْسَ بِفَقِيهٍ. (حديث صحيح)(صحيح الترمذي للألباني حديث 2139)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ.(مسلم حديث 1631)

روى البخاريُّ عَنْ عَبْدِ اللهِِ بْنِ عَمْرو بنِ العاص أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ. (البخاري حديث 3461)

روى الشيخانِ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: وَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ. (البخاري حديث 4210 /مسلم حديث2406)

(3) عمارة المساجد وذكر الله:

إن عمارة بيوت الله تعالى بالمحافظة على الصلوات المفروضة ومدارسة حلقات العلم النافع وغير ذلك من الطاعات، التي ترفع شأن صاحبها عند الله تعالى، باب عظيم للمسلم الواعي لاستثمار وقته. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ) (التوبة:18)

قال بعض السلف الصالح:إذا رأيتم الرجل يعمر المسجد فحسنوا الظن به.

(الجامع لأحكام القرآن للقرطبي جـ7 صـ87)

وعمارة المساجد تشمل أيضًا بناءها وتعاهدها بالنظافة وتوفير الماء للمصلين وإعداد الفرش ورفع الأذان في وقته وغير ذلك.

إن ذِكْرَ الله تعالى على طريقة النبي: من أوسع الأبواب لاستثمار المسلم لوقته. ولقد أرشدنا ربنا تبارك وتعالى في كتابه العزيز على ضرورة استثمار الوقت في ذكره، كما قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا) (الأحزاب:41:43)

وقال تعالى: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) (البقرة:152)

وقال سبحانه: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ)(الأعراف:205)

وقال جل شأنه أيضًا: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الجمعة:10)

ولقد حدثنا الرسول:ﷺ على استثمار الوقت في ذكر الله تعالى، وذلك من خلال أحاديث نذكر منها ما يلي:

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً. (البخاري حديث 7405 /مسلم حديث2675)

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا. (البخاري حديث 6408 /مسلم حديث2689)

(4) قضاء حوائج المسلمين:

يمكن للمسلم أن يستثمر وقته في قضاء حوائج إخوانه المسلمين. يقول الله تعالى في محكم التنزيل: (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (البقرة:215)

وقال سبحانه وتعالى: (وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الحج:77)

روى ابنُ ماجه عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ وَأَرْضَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِعْطَاءِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَمِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ.(حديث صحيح)(صحيح ابن ماجه للألباني حديث 3057)

روى مسلمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ. (مسلم حديث 2669)

وينبغي للمسلم أن يشفع لإخوانه المسلمين من أجل قضاء حوائجهم.

يقول الله تعالى: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا) (النساء:85)

روى الشيخانِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأشعري عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا أَتَاهُ السَّائِلُ أَوْ صَاحِبُ الْحَاجَةِ قَالَ:اشْفَعُوا فَلْتُؤْجَرُوا وَلْيَقْضِ اللَّهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ مَا شَاءَ.(البخاري حديث 6028 /مسلم حديث2627)

والإصلاح بين الناس من أبواب قضاء حاجات المسلمين، قال الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ)(الحجرات:10)

وقال تعالى أيضًا: (فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) (الأنفال:1)

روى أبو داودَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ:قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ وَفَسَادُ ذَاتِ الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 4111)

(5) ممارسة الرياضة المفيدة:

يستطيع المسلم أن يستثمر بعضًا من وقته في ممارسة الرياضة المفيدة بما يعود عليه بالنفع ويساعده على بناء جسم ٍقويٍ ويروح عن نفسه كما كان النبي: يفعل مع أصحابه الكرام، ويُشترطُ في الرياضة التي يمارسها المسلم أن تكون مما أباحه الشرع الحنيف،ولا تجبر المسلم على كشف شيءٍ من عورته وألا تضيع أداء الصلوات المفروضة في الجماعة الأولى في المساجد.

روى الشيخانِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ سَابَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي قَدْ أُضْمِرَتْ فَأَرْسَلَهَا مِنْ الْحَفْيَاءِ وَكَانَ أَمَدُهَا ثَنِيَّةَ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ لِمُوسَى فَكَمْ كَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ تُضَمَّرْ فَأَرْسَلَهَا مِنْ ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ أَمَدُهَا مَسْجِدَ بَنِي زُرَيْقٍ قُلْتُ فَكَمْ بَيْنَ ذَلِكَ قَالَ مِيلٌ أَوْ نَحْوُهُ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ مِمَّنْ سَابَقَ فِيهَا.

(البخاري حديث 2870 /مسلم حديث1870)

قال ابنُ حجر العسقلاني (رحمه الله) فِي اَلْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّة اَلْمُسَابَقَةِ وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلْعَبَثِ بَلْ مِنْ اَلرِّيَاضَةِ اَلْمَحْمُودَةِ اَلْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيل اَلْمَقَاصِد فِي اَلْغَزْوِ وَالِانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ اَلْحَاجَةِ وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ اَلِاسْتِحْبَابِ وَالْإِبَاحَةِ بِحَسَبِ اَلْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ.

(فتح الباري لابن حجر العسقلاني جـ 6صـ 85)

روى النسائيُّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:سَابَقَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ فَسَبَقَهُ فَكَأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ:حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْءٌ نَفْسَهُ فِي الدُّنْيَا إِلَّا وَضَعَهُ اللَّهُ. (حديث صحيح)(صحيح النسائي للألباني حديث 3359)

روى أبو داودَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ. (حديث صحيح)(صحيح أبي داود للألباني حديث 2248)

بركة الوقت عند أهل العلم:

إن من تتبع سير العلماء وجد أن الله تبارك وتعالى قد بارك لهم في أوقاتهم، وهذه البركة تتمثل في كثرة شيوخهم الذين رحلوا إليهم وأخذوا عنهم العلوم النافعة، وتظهر هذه البركة جلية في كثرة مؤلفاتهم التي تركوها ميراثًا صالحًا لمن بعدهم.

إن الجمع بين طلب المعاش وطلب العلم ليس أمرًا سهلًا، وعل الرغم من أن حياة السلف الصالح كانت أكثر صعوبة مما نحن فيه الآن وكان لهم أزواجٌ وذرية، إلا أنهم عرفوا قيمة الوقت فبارك اله لهم في أرزاقهم وأولادهم وعلمهم. وسوف نذكر بعض الأمثلة التي توضح بركة الوقت عند سلفنا الصالح.

(1) يحي بن معين:

 قال محمد بن نصر المروزي:سمعت يحي بن معين يقول:كتبت بيدي ألف ألف حديث.

(سير أعلام النبلاء للذهبي جـ11 صـ84:صـ85)

(2) ابن جرير الطبري:

قال ابن جرير الطبري لأصحابه أتنشطون لتفسير القرآن، قالوا كم يكون قدره؟ قال ثلاثون ألف ورقة. فقالوا هذا ما تفنى الأعمار قبل تمامه، فاختصره في نحو ثلاثة ألاف ورقة، ثم قال هل تنشطون كتابة التاريخ من آدم إلى وقتنا هذا قالوا كم قدره؟ قال نحوًا من ثلاثين ألف ورقة. قالوا هذا ما تفنى الأعمار قبل تمامه؟ فقال:إنا لله ماتت الهمم.

(تاريخ بغداد للخطيب البغدادي جـ2 صـ163)

(3) أبو القاسم ابن عساكر:كان ابن عساكر له ألف وثلاث مئة شيخ، وأكثر من ثمانين شيخة، وبلغت مؤلفاته نحوًا من خمسين مؤلفًا منها، تاريخ دمشق في ثمانين مجلدًا.

(تذكرة الحفاظ للذهبي جـ4 صـ1328)

(4) أبو محمد ابن حزم:لقد بارك الله في أوقات ابن حزم حتى أنه ترك أربع مائة مجلد تشتمل عل قريب من ثمانين ألف ورقة.

(قيمة الزمن عند العلماء صـ87)

(5) أبو الفرج ابن الجوزي:قال أبو مظهر سِبطُ ابن الجوزي سمعت جدي يقول على المنبر في آخر عمره:كتبت بإصبعي هاتين ألفي مجلد.

(تذكرة الحفاظ للذهبي جـ4 صـ1344)

وقد زادت مؤلفات ابن الجوزي على الخمس مئة مُؤَلَف، وذلك ببركة الوقت من الله تبارك وتعالى لأهل العلم.

 (6) النووي: لقد لزم النووي رحمه الله الاشتغال والتصنيف ونشر العلم والعبادة والأوراد والصيام والذكر والصبر على العيش الخشن في المأكل والملبس ملازمة كلية لا مزيد عليها، وكانت حياته خمس وأربعون سنة وترك من المؤلفات الكثيرة، فكان نصيب كل يوم أربعة كراريس وذلك بعد قسمة ما ألفه على سنوات عمره رحمه الله تعالى.

(قيمة الزمن عند العلماء صـ72:صـ73)

(7) أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية: لقد بلغت مؤلفات ابن تيمية نحوًا من خمس مائة مُؤَلَف، وكان لا يقضي وقته دون تعليم أو تأليف أو عبادة على الرغم من أنه قضى سبعة عشرة سنة متفرقة من عمره في السجون، وكان مدة عمره رحمه الله تعالى سبع وخمسين سنة، فقد ولد في عام 661 هـ ومات في عام 728 هـ.

قال عنه تلميذه ابن القيم:وقد شاهدت من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية، في سننه وكلامه وإقدامه وكتابته أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر.

(قيمة الزمن عند العلماء صـ76:صـ77)

(8) ابن حجر العسقلاني: لقد بارك الله عز وجل في وقت ابن حجر وتظهر هذه البركة في كثرة شيوخة وكثرة مؤلفاته القيمة منها فتح الباري والإصابة وتهذيب التهذيب، وغير ذلك كثير، ولقد قرأ صحيح البخاري في عشرة مجالس، كل مجلس عشر ساعات. وقرأ صحيح مسلم في أربعة مجالس في نحو يومين وشيء من بكرة النهار إلى الظهر، وقرأ سنن النسائي الكبرى في عشرة مجالس، وقرأ سنن ابن ماجه في أربعة مجالس، وقرأ معجم الطبراني الصغير في مجلس واحد بين صلاتي الظهر والعصر.

(رسالة ماذا نقرأ ولمن نقرأ لخالد رمضان حسن صـ43)

آفات ضياع الوقت:

لقد ذكر أهل العلم آفات كثيرة تضيع على الإنسان وقته وتأكل عمره إذا لم ينتبه لخطرها، ومن هذه الآفات ما يلي:

(1) الغفلة:

إن الغفلة مرض يصيب عقل الإنسان وقلبه، بحيث يفقد الحس الواعي ولا يعرف للوقت قيمة فيضيع عمره وهو لا يدري.

ولقد حذرنا ربنا من الغفلة أشد التحذير حتى أنه جعل الغافلين أضل من الأنعام، قال سبحانه في كتابه العزيز: (وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ) (الأعراف:179)

ويقول الله عز وجل في محكم التنزيل: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ) (الأعراف:205)

ويقول سبحانه وتعالى أيضًا: (وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) (الكهف:28)

إن الإنسان الغافل عن قيمة الوقت لا يضر نفسه فقط ولكنه يضر مجتمعه الذي يعيش فيه.

(2) التسويف:

إن من آفات ضياع الوقت آفة التسويف، وهي أشد انتشارًا في مجتمعات المسلمين، والتسويف هو:تأجيل العمل، فتسمع من يقول مثلًا إنني مازلت صغير السن والوقت ما زال طويلًا وسوف أواظب على الصلاة عندما أكبر.

ومن الفتيات من تقول سوف أرتدي الحجاب عندما أتزوج وغير ذلك كثير، فصارت (سوف) مرضًا خطيرًا يفتك بالشباب والفتيات.

والتسويف: معناه: ضياع لحق لازم في الحاضر والغد.

(الوقت بين حرص السلف وتفريط الخلف صـ42)

ويجب على المسلم الواعي أن يستفيد وقته الحاضر في عمل الطاعات وخدمة مجتمعه الذي يعيش فيه.

آفات التسويف:

إن تأجيل الأعمال الصالحة له آفات يمكن أن نجملها فيما يلي:

(1) أن العبد لا يضمن أن يعيش إلى الغد.

قال الشاعر:

تزوَّد من التقوى فإنك لا تدري... إذا جن ليلٌ:هل تعيش إلى الفجر.

فكم من مسلم مات من غير علة...وكم من سقيم عاش حينًا من الدهر.

وكم من فتى يُمسي ويصبح آمنًا... وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري.

(2) أن العبد إذا ضمن حياته إلى الغد، فلا يأمن المعوقات من مرض أو شغل عارض.

(3) أن تأخير الطاعات والتسويف في فعل الخيرات يجعل النفس تعتاد على تركها، والعادة إذا رسخت أصبحت طبيعة ثابتة يصعب الإقلاع عنها.

(4) من المعلوم أن كل وقت له عمل وليس هناك فراغ.

والتسويف يجعل الأعمال تتراكم فوق بعضها فيعجز الإنسان القيام بها.

(الوقت في حياة المسلم صـ66:صـ69)

ختامًا:

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العُلى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفع به المسلمين في كل مكان وزمان.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply