بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى
أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته ، ولنعلمْ أنَّ النساءَ في الإسلام شقائقُ الرجال، وعن أمِّ المؤمنين عائشةَ -رضيَ اللهُ تعالى عنها- قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهلِهِ وأنا خَيْرُكُمْ لأهلِي) أخرجه الترمذي (3895) واللفظ له، عباد الله: ولقد كفل الإسلام للمرأة المسلمة حقوقها منذ طفولتها وحتى كِبَرِها ، ففي طفولتها لها حق الرَّضاعِ، والرِّعايةِ، وإحسانِ التربية، وهي في ذلك الوقت قُرَّةُ العينِ، وثَمرةُ الفؤادِ لوالديها وإخوانِها، وإذا كَبُرتْ فهي المُعزَّزةُ المُكَرَّمةُ التي يَغارُ عليها وليُّها، ويَحوطُها برعايته، فلا يرضى أن تمتدَّ إليها أيدٍ بسوءٍ، ولا ألسنةٌ بأذى، ولا أعينٌ بخِيانة، ومن تكريم الإسلامِ للمرأةِ والبنتِ: أنه اعتبرَها سَبباً في دخول الجنة إذا رعاها الأب، وعلَّمَها وأدَّبَها، قال رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَن عالَ جارِيَتَيْنِ حتَّى تَبْلُغا، جاءَ يَومَ القِيامَةِ أنا وهو وضَمَّ أصابِعَهُ." صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 2631 ، وقال صلى الله عليه وسلم: "من كان له ثلاثُ بناتٍ فصبَرَ عليهنَّ وأطعمَهنَّ وسقاهنَّ وكساهُنَّ مِن جِدَتِه كنَّ له حِجابًا من النَّارِ يومَ القيامةِ". وفي رواية: فقالتْ له امرأةٌ: أو بنتانِ ؟ قال: أو بنتانِ ". عباد الله: وكرَّمَ الإسلام المرأةَ حين جعلَ لها حريةَ الاختيارِ لزوجِها دونَ إكراهٍ وإجبار، فأوجبَ على الوليِّ أخذَ رأيِها، فيمنْ يتقدَّمُ إليها، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تُنْكَحُ الأيِّمُ حتَّى تُسْتَأْمَرَ، ولا تُنْكَحُ البِكْرُ حتَّى تُسْتَأْذَنَ قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ، وكيفَ إذْنُها؟ قالَ: أنْ تَسْكُتَ." صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5136 |. وإذا تزوجتْ كان ذلك بكلمة اللهِ، وميثاقِه الغليظ؛ فتكونُ في بيت الزوجِ بأعزِّ جوارٍ، وأوجبَ على زوجِها إكرامَها، والإحسانَ إليها، وكفَّ الأذى عنها. وإذا كانت أماً كان بِرُّها مقروناً بحقِّ اللهِ- تعالى- وكان عقوقُها والإساءةُ إليها مقروناً بالشرك بالله، والفسادِ في الأرض. فقال تعالى: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ لقمان [14] وقال سبحانه ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا﴾ الأحقاف [15]. وعن المغيرة بن شُعبةَ -رضي الله عنه- أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ علَيْكُم عُقُوقَ الأُمَّهاتِ، ومَنْعًا وهاتِ، ووَأْدَ البَناتِ، وكَرِهَ لَكُمْ: قيلَ وقالَ، وكَثْرَةَ السُّؤالِ، وإضاعَةَ المالِ) صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5975 | وقال - صلى الله عليه وسلم: (أَلا أُنَبِّئُكُمْ بأَكْبَرِ الكَبائِرِ قُلْنا: بَلَى يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: الإشْراكُ باللَّهِ، وعُقُوقُ الوالِدَيْنِ) صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 5976، فجعل العقوقَ قريناً مساوياً للشرك بالله في البُغضِ ودرجةِ الجُرْم ، وإذا كانت المرأةُ أختاً فهي التي أُمِرَ المسلمُ بصلتها، وإكرامِها، والغَيرَةِ عليها، وإذا كانت خالةً كانت بمنزلة الأم في البر والصِّلةِ، قال صلى الله عليه وسلم: "الخالةُ بمنزلِةِ الأمِّ" أخرجه البخاري (2699 ). وإذا كانتْ جَدَّةً أو كبيرةً في السِّنِّ زادتْ قيمتُها لدى أولادِها، وأحفادِها، وجميعِ أقاربِها؛ فلا يكادُ يُرَدُّ لها طلب، ولا يُسَفَّهُ لها رأي، وإذا كانتْ بعيدةً عن الإنسان لا يُدنيها قرابةٌ أو جوارٌ كان لها حقُّ الإسلامِ العامِّ من كفِّ الأذى، وغَضِّ البَصر ونحوِ ذلك ، قال تعالى: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ النور [30]. وما زالت مجتمعاتُ المسلمين ترعى هذه الحقوقَ حقَّ الرعايةِ، مما جعل للمرأة قيمةً واعتباراً لا يوجدُ عند المجتمعات غيرِ المسلمة قديماً أو حديثا ،عباد الله: و للمرأة في الإسلام حقوقٌ دائمةٌ غيرٌ منقوصةٍ مثلُ حقِّ التَّملُّكِ، والإجارةِ، والبيعِ، والشراءِ، وسائرِ العُقود، ولها حقُّ التَّعلُّمِ، والتعليم، بما لا يخالفُ دينَها، بل إن من العلم ما هو فرضُ عينٍ يأثمُ تاركُه ذكَراً أو أنثى. و لها ما للرجال إلا بما تختصُّ به من دون الرجال، أو بما يختصون به دونَها من الحقوق والأحكام التي تلائم كُلاً منهما. لقوله تعالى: ﴿لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ﴾ [35].
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 35]
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
يا عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى وطاعته، عباد الله: ومن إكرام الإسلامِ للمرأةِ أنْ أمرَها بما يصونُها، ويحفظُ كرامتَها، ويحميها من الألسنةِ البذيئة، والأعينِ الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرَها بالحجاب والسِّتْر، والبُعدِ عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كلِّ ما يؤدِّي إلى فتنتها لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ الأحزاب [59] ومن إكرام الإسلام لها: أن أمرَ الزوجَ بالإنفاق عليها، وإحسانِ معاشرتِها، والحذرِ من ظُلمِها، والإساءةِ إليها. لقوله تعالى: ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ﴾ الطلاق [7] ولقوله تعالى: ﴿وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً﴾ النساء [4]. ولقد أكرم الإسلامُ المرأةَ بأنْ جعلَ لها نصيباً من الميراث بعد أن كانت في الجاهلية تُباعُ وتوهبُ وتورَث ، فللأم نصيبٌ معين، وللزوجة نصيبٌ معين، وللبنت وللأخت نصيب من الميراث ؛ قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۚ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ ۖ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ۚ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ ۚ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ ۚ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا ۚ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ النساء (11) وقال تعالى ﴿۞ وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۚ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ۚ مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ۗ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ۚ فَإِن كَانُوا أَكْثَرَ مِن ذَٰلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ ۚ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَىٰ بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ۚ وَصِيَّةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ﴾ النساء [12]. عباد الله: ومن مظاهر تكريم الإسلام للمرأة: كثرة وصايا النبي – صلى الله عليه وسلم – بها، والإحسانِ إليها، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اسْتَوْصُوا بالنِّسَاءِ خَيْرًا" أخرجه البخاري (3331)، ومسلم (1468) واللفظ له. وقال عليه الصلاة والسلام: "أكملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسَنُهم خُلقًا وخيارُكم خيارُكم لنسائِهم" صحيح ابن حبان الصفحة أو الرقم: 4176 ، فاتقوا الله عباد الله وصلوا وسلموا على من أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا". اللهم صلّ وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر الصحابة الأكرمين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى. اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم أصلح لنا نياتنا، وبارك لنا في أزواجنا وذرياتنا، واجعلهم قرة أعين لنا، واجعل التوفيق حليفنا، وارفع لنا درجاتنا، وزد في حسناتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار. اللهم من أرادنا وأراد بلادنا بسوءٍ فرُدَّ كيدَه في نحره، واجعل تدبيرَه دمارًا عليه. اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلِح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق علماءنا لما تحب وترضى ، اللهم وفق شبابنا لما تحب وترضى وجنبهم الغلو والمجون والآثام ، اللهم أصلِح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم انصر المُستضعَفين من المسلمين في كل مكان، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين. ربنا إنا ظلمنا أنفسنا فإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين ﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد