بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وطاعتِه وإقامةِ الصلاة والمحافظةِ عليها، فقد أمرَنا الله تعالى بإقامة الصلاة فقال سبحانه: {وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ}الأنعام72، " {وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلَاةَ} أي: وأُمرْنا أنْ نقيمَ الصلاةَ بأركانها وشروطها وسننها ومكملاتها.{وَاتَّقُوهُ} بفعل ما أمَرَ به، واجتناب ما عنه نهى. {وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي: تُجْمَعون ليوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم، خيرِها وشرِّها." (1) . عباد الله: والصلاةُ عمودُ الدين، ومفتاحُ الجنة، وخيرُ الأعمال وأولُ ما يحاسَبُ عليه المؤمنُ يومَ القيامة، أمرَ اللهُ بها خاتمَ أنبيائه فقال: {اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ..} العنكبوت45، " والفحشاء: كلُّ ما استعظم واستفحش من المعاصي التي تشتهيها النفوس . والمنكر: كلُّ معصيةٍ تُنكرها العقولُ والفِطَر. وَوَجْهُ كونِ الصلاةِ تنهى عن الفحشاء والمنكر، أنَّ العبدَ المقيمَ لها، المتممَ لأركانها وشروطها وخشوعِها، يستنيرُ قلبُه، ويتطهرُ فؤادُه، ويزدادُ إيمانُه، وتقوى رغبتُه في الخير، وتقِلُّ أو تعدمُ رغبتُه في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها " (2) وأكدَ الله تعالى على المحافظةِ على الصلاة في الحضَرِ والسَّفَرِ والأمنِ والخوفِ والسِّلمِ والحرب: فقال {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ 238 فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُواْ اللّهَ كَمَا عَلَّمَكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ 239}البقرة، " أي: فصلوا على أي حالٍ كانَ، رجالاً أو ركباناً، يعني مستقبلي القبلة وغير مستقبليها..، وعن ابن عباس قال في هذه الآية: " يُصلي الراكبُ على دابته والراجلُ على رِجْليه" (3)
1-السعدي، تيسير الكريم الرحمن..، ص 262
2-السعدي، تيسير الكريم المنان..، ص 632
3-محمد نسيب الرفاعي، تيسير العلي القدير لاختصار تفسير ابن كثير 1/ 207
ومدحَ اللهُ تعالى أهلَ الصلاة المحافظين عليها الخاشعين فيها بالفلاح: قال تعالى: " (قد أفلح من تزكى) أي: طَهَّرَ نفسَه من الأخلاق الرذيلة، وتابعَ ما أنزل اللهُ على رسوله، صلوات الله وسلامه عليه، (وذكرَ اسمَ ربِّهِ فصلى) أي: أقام الصلاةَ في أوقاتها ; ابتغاءَ رضوانِ اللهِ وطاعةً لأمر اللهِ وامتثالاً لشرع الله " (1) وقال تعالى:{ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ{1} الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ{2}}المؤمنون 1-2 .
والخشوعُ في الصلاة: هو حضورُ القلبِ بين يدي اللهِ تعالى، مُستحضِراً لِقُربه، فيسكن لذلك قلبُه، وتطمئن نفسُه، وتسكن حركاتُه، ويقل التفاتُه، متأدباً بين يدي ربِّه، مُستحضِراً جميعَ ما يقولُه ويفعلُه في صلاته، من أولِ صلاتِه إلى آخرِها، فتنتفي بذلك الوساوسُ والأفكارُ الرَّديَّة، وهذا روحُ الصلاة، والمقصودُ منها " (2) وبيِّنَ تعالى حالَ المنافقين إزاءَ الصلاة بأنَّهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللّهَ إِلاَّ قَلِيلاً}النساء142، " يقول ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره ( 3): " فقوله تعالى: (وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كُسالى) هذه صفات المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلِها وخيرِها، وهي الصلاة إذا قاموا إليها قاموا كُسالى عنها ؛ لأنه لا نيةَ لهم فيها ولا إيمانَ، ولا خشيةَ، ولا يَعقلون معناها، هذه صفةُ ظواهرِهم، ثم ذكر صفةَ بواطنِهم الفاسدة، فقال تعالى: (يراؤون الناس) أي: لا إخلاصَ لهم، إنما يُصلُّونَ أمامَ الناس تُقْيةً لهم ومُصانعة ؛ ولهذا يتخلفون كثيرا عن الصلاة التي لا يُرَوْنَ فيها كصلاتي العشاء والصُّبْح ، كما ثبت في الحديث أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ أَثْقَلَ صَلَاةٍ علَى المُنَافِقِينَ صَلَاةُ العِشَاءِ، وَصَلَاةُ الفَجْرِ، ولو يَعْلَمُونَ ما فِيهِما لأَتَوْهُما ولو حَبْوًا، وَلقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بالصَّلَاةِ، فَتُقَامَ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا فيُصَلِّيَ بالنَّاسِ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي برِجَالٍ معهُمْ حُزَمٌ مِن حَطَبٍ إلى قَوْمٍ لا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ، فَأُحَرِّقَ عليهم بُيُوتَهُمْ بالنَّارِ" ( 4) عباد الله: لقد جعل الرسولُ الكريمُ صلى الله عليه وسلم الصلاةَ هي الشعارَ الفاصلَ بين المسلم والكافر كما قال عليه الصلاة والسلام: (بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلَاةِ)(5)
1-ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، 4/ 535
2-السعدي، تيسير الكريم الرحمن، ص 547
3-الرفاعي، تيسير العلي القدير..، 1/ 454
4-صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 651
5- صحيح مسلم
6-الصفحة أو الرقم: 651 .
و(عن النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنَّهُ ذَكرَ الصَّلاةَ يومًا فقالَ من حافَظَ عليها كانت لَه نورًا وبُرهانًا ونجاةً إلى يومِ القيامةِ ومن لَم يُحافِظ عليها لم يَكن لَه نورٌ ولا برهانٌ ولا نجاةٌ وَكانَ يومَ القيامةِ معَ فرعونَ وَهامانَ وأبَيِّ بنِ خلفٍ) (1) وفي هذا الحديثِ: تَغليظٌ شَديدٌ، وتَهديدٌ عَظيمٌ لمن لم يحافظ على الصَّلاةِ.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{46}}البقرة .
.بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم إنه تعالى جواد كريم ملك بر رؤوف رحيم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
1-صححه الألباني في طرح التثريب الصفحة أو الرقم: 2/147 .
حَيَّ على الصلاة (الخطبة الثانية)
أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل وطاعته ولنعلم أنَّ الصلاةَ التي يريدُها الإسلامُ هي التي تأخذُ حقَّها من التأمُّلِ والخشيةِ واستحضارِ عظمةِ المعبودِ جَلَّ جلالُه، وذلك لأنَّ القصْدَ الأولَ من الصلاة – بَلْ من العبادات كلِّها – هو تذكيرُ الإنسانِ بربِّه جلَّ وعلا، الذي خلَقَ فسوى والذي قدَّر فهدى، قال تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي}طه14، عباد الله: لقد جعلَ اللهُ الصلاةَ على المؤمنين كتاباً موقوتاً وأمرَهم بإقامتها حين يُمسون،وحين يُصبحون، وعَشياً،وحين يُظهِرون، كررها خمسَ مراتٍ في اليوم لِتُطهِّرَ المسلمَ من غفلات قلبِه وأدرانِ خطاياه، وقد مثَّل النبيُّ صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في حديثه الشريف فقال: (أَرَأَيْتُمْ لو أنَّ نَهْرًا ببَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ منه كُلَّ يَومٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ، هلْ يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ؟ قالوا: لا يَبْقَى مِن دَرَنِهِ شيءٌ، قالَ: فَذلكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ، يَمْحُو اللَّهُ بهِنَّ الخَطَايَا.) (1) والصلاة الحقيقة التي يريدها الإسلام تُمِدُّ المؤمنَ بقوةٍ رُوحيةٍ تعينُه على مواجهة متاعب الحياة ومصائبِ الدنيا ولذا قال تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ{45} الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ{46}}البقرة، يقول السعدي – رحمه الله – في تفسيره: " أمرَهم اللهُ أنْ يستعينوا في أمورهم كلِّها بالصبر بجميع أنواعِه، وهو الصبرُ على طاعة الله حتى يؤديَّها، والصبرُ عن معصيةِ اللهِ حتى يترُكَها, والصبرُ على أقدار اللهِ المؤلمةِ فلا يتسخَّطُها، فبالصبر وحبسِ النفسِ على ما أمرَ اللهُ بالصبر عليه معونةٌ عظيمةٌ على كل أمرٍ من الأمور, ومن يتصبرْ يُصبِّرْهُ اللهُ، وكذلك الصلاةُ التي هي ميزانُ الإيمان, وتنهى عن الفحشاء والمنكر, يُستعانُ بها على كلِّ أمرٍ من الأمور {وَإِنَّهَا} أي: الصلاة {لَكَبِيرَةٌ} أي: شاقةٌ {إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} فإنها سهلةٌ عليهم خفيفةٌ؛ لأنَّ الخشوعَ, وخشيةَ اللهِ, ورجاءَ ما عنده يوجبُ له فعلُها, مُنشرِحاً صدرُه لترَقُّبِه للثواب, وخشيتِهِ من العقاب، بخلاف مَنْ لم يكنْ كذلك, فإنه لا داعيَ له يَدْعوهُ إليها, وإذا فعلَها صارتْ من أثقل الأشياءِ عليه، والخشوع هو: خضوعُ القلبِ وطُمأنينتُه وسكونُه لله تعالى، وانكسارُه بين يديه ذُلاً وافتقاراً، وإيماناً به وبلقائه " (2).
1-صحيح مسلم الصفحة أو الرقم: 667 .
2-السعدي، تيسير الكريم الرحمن..، ص 51
عباد الله: وقد بيَّنَ الرسولُ صلى الله عليه وسلم مبلغَ الأثرِ النفسيِّ للصلاة وما يَسْبقُها من وضوءٍ وذكرٍ لله تعالى وكيف يَستقبلُ المؤمنُ المصلي يومَه ويبدأ حياتَه الجديدة كلَّ صباحٍ حيث قال: (يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.)(1)
فاتقوا الله عباد الله، وَصَلُّوْا وَسَلِّمُوْا عَلَى إِمَامِ الْمُرْسَلِيْنَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِيْنَ، (( إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّوْنَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوْا صَلُّوْا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوْا تَسْلِيْمًا )). اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى نبينا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِيْنَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِيْنَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِيْنَ، وَعَنْ المُؤْمِنِيْنَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِيْنَ. اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِيْنَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، وَالْمُسْلِمِيْنَ وَالْمُسْلِمَاتِ، الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، إِنَّكَ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ مُجِيْبُ الدُّعَوات. اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى وهيء له البطانة الصالحة، رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوْبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا، وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً، إِنَّكَ أَنْتَ الوَهَّابُ. رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُوْنَنَّ مِنَ الخَاسِرِيْنَ رَبَّنَا آتِنَا في الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. عِبَادَ اللهِ: (( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ )). فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولَذِكْرُ اللهِ أكبرُ واللهُ يعلم ما تصنعون.
1-صحيح البخاري الصفحة أو الرقم: 1142
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد