بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
عمران أبو شعر الذي يجادل في مدلول القوامة على “Club house”، ويقدم نفسه كطالب علم، قد وقع سؤاله عن معاني القوامة، فأخذ يقول بترديد منشور له كتبه من ٣ سنوات قائلا: هذا كلامي الذي نشرته من (٢٠١٨م)، ثم أخذ منشوره في الانتشار هنا وهناك، وشاركته جملة من القنوات منها قناة بمسمى "مجلس أم المغيرة تصديقا لقوله، ونشرًا لتخريفه، وفيما يلي مقاله:
طلب مني بعض الأفاضل الحديث عن موضوع قوامة الرجل على المرأة، فقلت هذا موضوع قديم كتبنا فيه كثيراً و بينا و وضحنا فقيل لي أن هذا الموضوع لازال يطرح من قبل بعض الناس الذين لا هم لهم سوى الطعن في ديننا و يرون أن قول الله تعالى ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ﴾ فيه امتهان لكرامة المرأة وفيه ظلم كبير لها!
أقول مستعيناً بالله: لا يوجد امتهان للمرأة في القرآن بل الامتهان كله لدى من يستغبي القارئ الكريم و يمتهن عقله بأي شيء مهما كان ساذجاً بالياً.
أولاً: دعوني أعود للغة العرب و لمعاني المفردات حتى أبين قليلا:
كلمة (القوامة) في لغة العرب بعيدة كل البعد عن معاني الاحتقار و الإذلال بل الصحيح هو العكس، يقول ابن منظور في لسان العرب: "قد يجيء القيام بمعنى المحافظة والإصلاح ومنه قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء) وقوله تعالى (ما دمت عليه قائما) أي ملازما محافظاً". وفي القاموس المحيط "القوامة هي القيام على الأمر أو المال".
فهل يا ترى في كلمة (قوامة) ما يدل على التحقير أم ما يدل على معنى الإكرام والجلال؟! هل هؤلاء الذين نسمع منهم هذه الشبهة درسوا العربية فرأوا أن كلمة (قوامة) فيها ما يدل على التسلط و التجبر؟! وأين نجد في الشرع ما يدل على أن هذه الآية تعني التسلط و الإذلال!
تتبعت كلام المفسرين حول هذه الآية:
١. رأيت الإمام القرطبي يقول : "أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء"
٢. ورأيت الإمام الرازي يقول : "القوام؛ اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها الذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها".
بل تعالوا نسأل أنفسنا: هل مركز (القوامة) هو مركز تشريف وسمو اختص الله به الرجل؟!
كل من لديه القليل من التفكر و التدبر يعلم تماما أن الأمر ليس على ذلك أبداً.
بل (القوامة) هي مركز تكليف وأمانة عظيمة حرص الشارع على أن تكون وظيفة خدمة الأسرة والاهتمام بشؤونها أمانة في عنق الرجل يتحمل أعباء مسؤوليتها.
لعلك تسأل أيها القارئ الكريم لما لا تكون هذه القوامة باختيار أعضاء الأسرة؟ أي لماذا اختار الرجل؟!
لأن الرجل أقدر على رعاية شؤون الأسرة وحمايتها من الزوجة، و هذه حقيقة واضحة في أي مجتمع لا أرى أن لإنكارها محل من المنطق! هل من المنطق أن نشك أن الرجل هو من عليه أن يحمي أسرته فيما لو أراد أحد ما أن يعتدي على هذه الأسرة؟!
ثم هذه القوامة بهذا المعنى تتم في المجتمعات جميعها عن رضا و طواعية فلا يوجد امرأة تشتكي من أن الرجل ينفق عليها و أنه يحميها، و لا يوجد شاب ذو نخوة يشتكي من أنه هو من عليه تحمل مسؤولية إنشاء الأسرة بل هو يجد هذا مدعاة للفخر و الكرامة.
لذلك من السطحية بمكان أن نفهم أن القوامة تعني أفضلية ذاتية للرجال على النساء، للسبب الذي وضحناه و لسببين إضافيين:
– القول بالأفضلية الذاتية يتناقض بشكل حاد مع القرآن الذي ذكر عشرات الآيات التي تقرر ان النساء و الرجال متساوون في ميزان التقرب من الله كقوله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر و أنثى بعضكم من بعض)
– القول أن القوامة يعني التسلط على المرأة و غير ذلك يناقض ما كان عليه سيد المسلمين محمد صل الله عليه و سلم فقد صح عن السيدة عائشة أنها قالت عنه (كان في خدمة أهله) ولعمري هذا الخبر وحده كاف و شاف لنبذ هذه الشبهة بالمرة و كشف القناع عن الوجوه الماكرة التي لا تستحي من قلب الحقائق لأوهام!
فالنص كما بينا مكرم للمرأة لا احتقار فيه ولا امتهان ولا إذلال فلا بارك الله بأكلة السحت الذين استحلوا الكذب. والله أعلم.
انتهى كلامه كاملا، وإن وقع حذفه فيما يلي، فإن المقال عندي مصور من مصدره
ترقبوه على السفّود.
الكلام السابق لعمران أبو شعر، كان منشورا متعبا، ومع أن الرجل يقدم نفسه كمتخصص في الفقه ونحوه، إلا أنه لا يمتلك أبجديات الكتابة، ويغلط كثيرا في الإملاء، فلا يفرق بين همزة الوصل وهمزة القطع، ونحو ذلك، مما جرني إلى تصحيحٍ إملائي لمقاله، لعله يتعلم قواعد الاملاء، قبل أن يتكلم في القرآن بغير علم، ويهذيَ بشطحاتِه النسوية هنا وهناك.
والمقال ركيك، جمع ضروب السخافة كلها، من بتر كلام الأشياخ، والجهل بمعاني الألفاظ، وادعاء مُعارضٍ لا يقول به الخصم النِسوي، فيحصر معارِضَ النسوية تجاه لفظ "القوامة" في معاني الإذلال وامتهان الكرامة، ليتسنى له المِشوار الأسهل؛ وهو نفي امتهان المرأة في القرآن.
فإن هذا مما يقال فيه: أن تتقوّل على خصمِك قولا يسهل نقضُه، ثم تشرع في ردِّه، فليس ذلك من فعل الرجال الأذكياء.
ولعل كثيرًا من النسويات أعلم من عِمران بمدلول القِوامة الثابت شرعًا، فليست معارضتهن سخيفةً لحد القول أن القوامة تنحصر في الامتهان، والمنهجية تقول؛ استنطق المؤلَفات في النظرية النسوية حول القوامة، تخبرك. لا أن تقفز بنزق هنا وهناك تشغب من كيسك بتصور أعرج.
فعِمران حين تناوله لقضية القوامة بسطحية باردة، لا يدرك أن:
"مشكل كثير من المصطلحات النسوية المتداولة أنه يتم التفكير بها داخل الثقافة الغربية وأدواتها، فهي منتوج غربي في النهاية، وتزداد الصعوبة في المصطلحات ذات البعد الديني كمصطلح الحجاب أو مصطلح القِوامة وغيرها" (١) فالنسوية والنسوية الإسلامية، لا تتعامل بتلك السطحية في تناول القوامة، بل "تنطلق من مبدأ أن دلالة مصطلح القوامة الشرعية يقف عائقا أمام المساواة بين الجنسين" (٢) وترى أن "مصطلح القوامة يبني نظرية عامة لسلطة الرجل على المرأة" (٣) ولأجل هذا يأتي تبجُّحُ التوفيقيين بين الإسلام الأصيل وبين النظرية النسوية مع شيء من القرمطة، أن "آية القوامة ليست تشريعا، بقدر ما هي وصف للحال، وليس تفضيل الرجال على النساء قدرا إلهيا مطلقا، بقدر ما هو تقرير للواقع المطلوب تغييره تحقيقا للمساواة الأصلية".(٤)
إذًا، التهجم على معاني الإذلال والامتهان، لا معنى له عند توضيح كلام الخصم، فالتعرض لغير مراد الخصم حشو في الكلام، والكلام فيه؛ كلام في غير محله. ولعل عِمران الذي لم يزدد علمه منذ ٢٠١٨م حتى أنه يكرر نفس الكلام على المسامع بعد ثلاث سنوات من كتابته؛ يتنبه، فثقافة الجرائد لا تمنحك الحصانة من نشر السطحية.
فآية القِوامة لدى النسوية، تعبر عن:
١. عائق أمام المساواة بين الجنسين.
٢. بناء نظرية عامة لسلطة الرجل على المرأة.
٣. وصفٌ لحال، يجب تغييره لتحقيق المساواة بين الجنسين.
ليس مقالي نقدًا للنظرية النسوية، وإنما هو كشف لطيف عن جهل عمران بما يتكلم فيه من غير فهم. فهل ورد في الشرع ما يدل على تلك المعاني التي تحاربها النسوية؟ إن النسوية تدرك جيدًا ما الذي يقف أمامها، فليس تحريف الدين ابتداء من مهامها، وإنما التبيان، ثم التشنيع، ثم التحريف وصولا إلى "التغيير". فهل تبيانها فارقَ الصواب؟
من أراد أن ينتقد النسويات في تناولهن للقوامة، عليه أن يكون مدركًا أن آية القوامة تدل على:
١. الطبري: "الرجال أهل قيام على نسائهم، في تأديبهن والأخذ على أيديهن فيما يجب عليهن لله، نافذي الأمر عليهن فيما جعل الله إليهم من أمورهن" (٥)
٢. ابن عباس: "الرجال قوّامون على النساء، يعني: أمرَاء، عليها أن تطيعه فيما أمرَها الله به من طاعته". (٦)
٣. الضحاك بن مزاحم: "الرجل قائمٌ على المرأة، يأمرها بطاعة الله، فَإن أبت فله أن يضربها ضربًا غير مبرِّح" (٧)
٤. الماتريدي: "الرجال قوامون على النساء، أي المسلطون على آداب النساء في الحق". (٨)
٥. الماوردي "الرجل قائمٌ على المرأة، يأمرها بطاعة الله، فَإن أبت فله أن يضربها ضربًا غير مبرِّح" (٩)
٦. ابن جزي: "قوام بناء مبالغة من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه". (١٠)
وغير هذا مما لا يكاد يحصى كثرة من كتب الأئمة على مختلف مذاهبهم، وقد راجعت قديما في الآية أكثر ١٢٠ تفسيرا، فلم أرها إلا متفقة على ذات المعاني السابقة؛ مما يناقضُ حَقِيقَةَ الإعتراض النسوي، الذي يريد حذف المدلول الحق لتثبيت المساواة، ونفي السلطة عن الرجال وتغيير الحال الذي أثبته الباري تبارك وتعالى في كتابه، تحريفًا لكلام الله.
فمما دل عليه كلام الأئمة مما يدخل في مدلول لفظ القوامة، عند تفسيرهم للآية: "التأديب، والأخذ على اليد، ونفوذ الأمر، والإمارة، ووجوب الطاعة في المعروف بلا عكس، السلطة/التسلط على آداب النساء في الحق، الضرب غير المبرح عند عدم طاعة الله بلا عكس، الاستبداد بالقيام".
والاستبداد هنا يعنى به الاستبداد بالسلطة على المرأة، أي الإنفراد بالأمر والنهي. فمصطلح القوامة يدل على ذلك، حيث أدخل السلف معنى "التأديب" في مدلوله، والتأديب يدخل في مسماه: الأمر والنهي المستلزم لطاعة الزوجة للزوج.
وهنا لمّا فسر ابن زيد –وهو من السلف– قولَه تعالى ﴿وللرجال عليهن درجة﴾ قال: ”يُطِعنَ الأزواجَ الرجال، وليس الرجال يطيعونهن“ (١١).
والمهرب الصبياني الذي مارسه عمران أبو شعر؛ أنه لم يذكر لفظ "التأديب" بالمرة، مع أن التفاسير طافحة بإدخال مدلوله في مصطلح القوامة، فاقتصر على ما لا تنزعج منه نسوية ولا نسوية إسلامية. فهن يقرأن كتب التفسير؟ سيتوقف إنقاذ الإسلام من الهبد النسوي على تلميعك بحذف شطر المدلول؟.
وقد يقال: هو ذكر كلام أهل التفسير؛ كالقرطبي والرازي. نعم، ولكنه بترَ كلام كل منهما، وسيأتي تفصيل ذلك لاحقا.
ثم إنه خولف في مقالِه، فقال "هذا كلام الشافعية وأنا شافعي"، فلا أدري من يستجهل هذا الرجل؟ ينقل عن القرطبي المالكي (بترًا) ويقول "بنيت مقالي على كلام الشافعية"؟ ثم إن المرداوي الشافعي يقول في قوله تعالى «قوامون» "يعني أهل قيام على نسائهم في تأديبهن" (١٢) فأين شافعيتك التي تدعي وأنت تعارض من يلزمك باللفظ الذي تنزعج له النسوية؟
والطريف أن عِمران أبو شعر، كان قد فتح (روم) على (كلوب هاوس) بعنوان "قوامة الرجل ليست استبدادا، هكذا قالت المذاهب الأربعة".
فإن كان هذا حد علم فقيه الشافعية على كلوب هاوس، يَرُدُّ لفظا قاله أهل التفسير بلا حرج، ممن هم أعلم منه وأفهم، ومِن غير تفصيل في مقصده بهذا النفي يخلط المدلولات ببعضها، فما الذي يرجى ممن قالت عنه: شيخي؟. «الطيور على أشكالها تقع».
ثم يستدل عمران في منشوره بكلام أهل اللغة، ليقول أن القوامة بعيدة عن معاني الاحتقار والإذلال، ومع أن النسوية لا تقول بذاك، بل تقول أن مدلول القوامة قائم على معاني اللا مساواة (١٣) فإن عمران يقول "هل هؤلاء الذين نسمع منهم هذه الشبهة درسوا العربية"، مما يدلك على غزارة علم هذا المجتهد المطلق بعلوم اللغة! لنرى كلام أئمة اللغة:
"قال الخليل رحمه الله: ألا ترى إلى قوله تعالى ﴿لا يسخر قوم من قوم﴾ ثم قال ﴿ولا نساء من نساء﴾ وسموا بذلك لأنهم قوامون على النساء بالأمور التي ليست للنساء أن يقمن بها، وسميت النساء نساء لتأخرهن عن منازل الرجال؛ من نساَتُه: أخرتُه، أو نيستُه: تركته"(١٤) فإن لفظ القوم، إذا قورن بلفظ النساء؛ أفاد تأخر النساء عن منازل الرجال؛ تأكيدًا على اللا مساواة، فنازِع النسويات فيما ينازعنك فيه: تَأخُّرُ النساءِ عن منازل الرِّجَالِ، لا أن تهرب إلى الأمام تهاجم رجل قش يسمى: "احتقار وإذلال".
ومن جهله، أنه يستدل بتفسير فخر الدين الرازي الشافعي، والرازي يقول فائدة في نفس التفسير بعد نقل عينِ قول الخليل في القوم والنساء، قائلا:
"فائدة: وهي أن عدم الالتفات والاستحقار إنما يصدر في أكثر الأمر من الرجال بالنسبة إلى الرجال؛ لأن المرأة في نفسها ضعيفة، فإذا لم يلتفت الرجال إليها لا يكون لها أمر"(١٥) فمذهب الانتقاء الذي يعانيه عِمران، من أغرب ما قد تصادف! فكيف حال استدلاله بالقرطبي؟
ينقل عن القرطبي قائلا: "رأيت الإمام القرطبي يقول: أي يقومون بالنفقة عليهن والذب عنهن؛ وأيضا فإن فيهم الحكام والأمراء ومن يغزو، وليس ذلك في النساء".
إنه الانتقاء والبتر. يا عمران، ألا تستحي؟
قال القرطبي بعد أن ذكر ما نقله عمران من بتر، وبعد ذكره لسبب النزول، وتفضيل الرجال على النساء، ما نصه:
"ووجه النظم أنهن تكلمن في تفضيل الرجال على النساء في الإرث، فنزلت ﴿ولا تتمنوا﴾ الآية (*). ثم بين تعالى أن تفضيلهم عليهن في الإرث لما على الرجال من المهر والإنفاق.
ثم فائدة تفضيلهم عائدة إليهن. ويقال: إن الرجال لهم فضيلة في زيادة العقل والتدبير، فجعل لهم حق القيام عليهن لذلك. وقيل: للرجال زيادة قوة في النفس والطبع ما ليس للنساء، لأن طبع الرجال غلب عليه الحرارة واليبوسة، فيكون فيه قوة وشدة، وطبع النساء غلب عليه الرطوبة والبرودة، فيكون فيه معنى اللين والضعف، فجعل لهم حق القيام عليهن بذلك.
ودلت هذه الآية على تأديب الرجال نساءهم، فإذا حفظن حقوق الرجال فلا ينبغي أن يسئ الرجل عشرتها. وقوام: فعال للمبالغة، من القيام على الشيء والاستبداد بالنظر فيه وحفظه بالاجتهاد.
فقيام الرجال على النساء هو على هذا الحد، وهو أن يقوم بتدبيرها وتأديبها وإمساكها في بيتها ومنعها من البروز، وأن عليها طاعته وقبول أمره ما لم تكن معصية، وتعليل ذلك بالفضيلة والنفقة والعقل والقوة في أمر الجهاد والميراث والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وقد راعى بعضهم في التفضيل اللحية وليس بشيء، فإن اللحية قد تكون وليس معها شي مما ذكرنا". (١٦)
فهذا القرطبي يقول بالتأديب! ويورد لفظ الاستبداد! ويقول بتفضيل الرجال على النساء، بل يقول في المجلد الثالث من تفسيره الذي نقل منه عمران أبو شعر:
"ولا يخفى على لبيب فضل الرجال على النساء، ولو لم يكن إلا أن المرأة خلقت من الرجل فهو أصلها، وله أن يمنعها من التصرف إلا بإذنه، فلا تصوم إلا بإذنه ولا تحج إلا معه.
وقيل: الدرجة الصداق، قاله الشعبي. وقيل: جواز الأدب. وعلى الجملة فدرجة تقتضي التفضيل، وتشعر بأن حق الزوج عليها أوجب من حقها عليه، ولهذا قال عليه السلام: «ولو أمرت أحدا بالسجود لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها»" (١٧)
فعمران تارة يذكر قولا مبتورا للقرطبي، وتارة يصرّح بنفي التفضيل إلماحا للقارئ أن القرطبي وغيره لا يقولون به! فيا رجل من الذي ضربك على يدك لتأتي بهذا الخليط؟ لو سكتت!
ثم يستدل عمران بتفسير الفخر الرازي قائلا: "ورأيت الإمام الرازي يقول: القوام؛ اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها الذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها".
عمران مهووس بالانتقاء الذي يعبر عن امتثال الجندي أمام معسكر النسوية. فلِماذا لا تنقل الكلام كاملا؟ الكلام المتضمن لمعاني التفضيل، والتأديب، ونفوذ الأمر، وسلطنة الرجال على النساء؟ لقد ذكر الرازي كل ذلك في نفس الصفحة التي اقتبس عنها عمران أبو شعر!
قال الرازي:
"﴿الرجال قوامون على النساء﴾ أي مسلطون على أدبهن والأخذ فوق أيديهن، فكأنه تعالى جعله أميرا عليها ونافذ الحكم في حقها [...] ثم إنه تعالى لما أثبت للرجال سلطنة على النساء ونفاذ أمر عليهن بين أن ذلك معلل بأمرين:
أحدهما: قوله تعالى: ﴿بما فضل الله بعضهم على بعض﴾ واعلم أن فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقية، وبعضها أحكام شرعية.
١. أما الصفات الحقيقية: فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها إلى أمرين: إلى العلم، وإلى القدرة، ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة، والكتابة في الغالب والفروسية والرمي، وإن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق، وفي الأنكحة عند الشافعي رضي الله عنه، وزيادة النصيب في الميراث والتعصيب في الميراث، وفي تحمل الدية في القتل والخطأ، وفي القسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء.
٢. والسبب الثاني: لحصول هذه الفضيلة: قوله تعالى: «وبما أنفقوا من أموالهم» يعني الرجل أفضل من المرأة لأنه يعطيها المهر وينفق عليها". (١٨)
فحتى مجرد الإنفاق عند الرازي يتضمن أن الرجل المُنفِقَ على زوجته أفضل منها، فضلا عن الأفضلية المتعلقة بالعقل والحزم ونحوه. فأين سطحية وانتقاء عمران من الوضوح، وأين بتره من الكلام كاملا؟
ثم قال عمران "بل تعالوا نسأل أنفسنا: هل مركز القوامة هو مركز تشريف وسمو اختص الله به الرجل؟! كل من لديه القليل من التفكر و التدبر يعلم تماما أن الأمر ليس على ذلك أبداً".
فالرجل يعني أن القوامة تكليف لا تشريف، وهذا قول غير مسبوق، بل يطبق المفسرون على أن لقوامة الرجال على النساء سببين؛ "سبب وهبي وآخر كسبي"(١٩) والسبب الوهبي هو ما وهبه الله للرجال من غير كسب منهم، أي أنهم قوامون "بسبب تفضبل الله تعالى إياهم عليهن أو ملتبسين بتفضيله تعالى...الخ ووضع البعض موضع الضميرين للإشعار بغاية ظهور الأمر وعدم الحاجة إلى التصريح بالمفضل والمفضل عليه أصلا ولمثل ذلك لم يصرح بما به التفضيل من صفات كماله التي هي كمال العقل وحسن التدبير ورزانة الرأي ومزيد القوة في الأعمال والطاعات ولذلك خصوا بالنبوة والإمامة والولاية وإقامة الشعائر والشهادة في جميع القضايا ووجوب الجهاد والجمعة وغير ذلك" (٢٠)
فهذا السبب الوهبي، هو ما يسمى في اصطلاح المعاصرين تشريفا، ومن ذلك أن ابن باز لما وقع سؤاله "إنما القوامة للرجل قوامة تكليف وليست تشريف" قال:
"والجواب أن يقال: هذا خطأ، والصواب أن يقال: إن قوامة الرجال على النساء قوامة تكليف وتشريف، لقول الله جل وعلا: ﴿الرجال قوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض وبما أنفقوا﴾. فأوضح سبحانه أنه جعل الرجال قوامين على النساء لأمرين: أحدهما فضل جنس الرجال على النساء، والأمر الثاني: قيام الرجال بالانفاق على النساء بما يدفعونه من المهور وغيرها من النفقات". (٢١) وفي هذا المعنى كان يقول شيخ الإسلام ابن تيمية أن "الرجل في الجملة أشرف من المرأة" (٢٢) فالمقصد هو الجانب التشريفي في القوامة.
ثم يقول عمران أبو شعر: "لعلك تسأل أيها القارئ الكريم لما لا تكون هذه القوامة باختيار أعضاء الأسرة؟ أي لماذا اختار الرجل؟ = لأن الرجل أقدر على رعاية شؤون الأسرة وحمايتها من الزوجة".
فهذا مما يقال له: متى تخلع ميولك النسوية أيها الكاتب الكريم؟!
كون الرجل مختارا للقوامة، لا ينحصر في كونه أقدر على الرعاية والنفقة، فإن أسباب القوامة سببان كما في الآية، فقوله (بما فضل) ثم قوله (وبما أنفقوا) فالباء في الأولى والثانية –كما يقول أبو السعود، والقنوجي في تفاسيرهم– تعليلية، أي أن استحقاق الرجال للقوامة كان لسببين، هما: أفضلية الرجل على المرأة، ونفقة الرجل على المرأة. وهذا القول لا تجد تفسيرا واحدا يخالفه، بل الكل متفق عليه، مهما كان مذهب المفسر، ومهما كانت عقيدته.
فمن أين يخرج عمران بهذا التزييف ليجعل سبب استحقاق القوامة مجرد القدرة على القيام على المصالح؟! بل أسبابها أفضلية الرجل على المرأة، وإنفاقه وقيامه على المصالح والتأديب والحفظ والحماية ونحوه.
ثم مع دعوى التفقه، فإنه ممن يصح فيهم وصف "مُتفَيقِه"، يذكر مصطلح "التسلط" في سياق الذم ثلاث مرات، ليدلل على أن مصطلح القوامة الشرعي؛ لا يدل على التسلط، فالرجل إن كان عاميًّا أجنبيا عن اللغة والتفسير، ما الذي دهاه حتى يخلط المعاني الشرعية بلغة المقاهي؟
وقد طفحت تفاسير الأئمة بثبوت التسلط والسلطنة، ومن ذلك:
–"البغوي: مسلطون على تأديبهن، والقوام والقيم بمعنى واحد، والقوام أبلغ
وهو القائم بالمصالح والتدبير والتأديب.
–القنوجي: الرجال قوامون مسلطون على النساء.
–ابن الجوزي: "قوامون" أي: مسلطون على تأديب النساء في الحق.
–الرازي: الله تعالى لما أثبت للرجال سلطنة على النساء ونفاذ أمر عليهن". (٢٣)
فكأني بعمران يخاطب هؤلاء المفسرين بما في منشوره "القول أن القوامة تعني التسلط على المرأة وغير ذلك يناقض ما كان عليه سيد المسلمين محمد صلى الله عليه وسلم"
آه يا ناطح الجبل، بلا قرن، أشفق على فحولتك ^^
فلو تصور عمران صحة الاعتراض بأن معاني القوامة لا تؤخذ من التفاسير –وهذا ما يلوكه هنا وهناك– فإن هذا الاعتراض لا عبرة به، فإن عِمران في مقاله هذا تكلم عن القوامة من جانب تفسيري، وأراد أن يخفف على نفسه وطأة النسوية الناعمة بلي أعناق النصوص وتحريف كلام المفسرين. فليس هنا كلام في الفقه.
مع أن منهجية إراد مذاهب الأئمة والفقهاء، هي منهجية تبحث غالبا عن مخارِجَ عبر اختلافات المذاهب، ليُؤخذَ بالأدنى تشنيعا في نظر النسوية هروبا من نفورهن وأقلامهن، فهذه نفسية منحطة، بل الواجب أن يُحامى على القوامة من منطق التفاسير فإن ما يُثبته الباري في الآية من نفوذ الأمر والسلطنة واللامساواة وتفضيل الرجال على النساء كما شرح أهل العلم بكتاب الله، هو ما تنازع فيه النسويات، فالعامل الذي تلعب النسوية على مستواه؛ هو العامل الوجداني المعنوي لا مجرد العامل التطبيقي الفقهي، فلا ينحصر معنى مصطلح القوامة في المعنى الوظيفي.
أما ما يُتصور من كلامه عن الخدمة، فإني أحيله لنقدي على مقال جوناثان براون حول التصور الإسلامي للرجولة، وهو منشور على القناة، إلا أنه غير محرر كفاية، لكنه يفي بالغرض.
وأما قوله "ثم هذه القوامة بهذا المعنى تتم في المجتمعات جميعها عن رضا و طواعية فلا يوجد امرأة تشتكي من أن الرجل ينفق عليها وأنه يحميها، ولا يوجد شاب ذو نخوة يشتكي من أنه هو من عليه تحمل مسؤولية إنشاء الأسرة بل هو يجد هذا مدعاة للفخر و الكرامة".
فلن أجيبه عليه، وسأترك الجواب لمن يقرأ، فعمران أبو شعر ما زال يعيش في القرون الوسطى.
وبهذا تم النقد، ولم يكن مفصّلا كفاية. بل تعقيب لطيف، لتروا بؤس من يعبث بآية القوامة من بتر وتحريف وجهل، وكأن القوامة صارت زريبة، لا يكفيها عبث الحداثيين والنسويات المنكشفات، حتى يخرج علينا المتفيقهون من معسكر التوهم يهبدون بكل راحة في آيات الله، ومع ذلك يأخذون خاتم المشيخة في كلوب هاوس في يومين، وقد كان يناظر في القوامة ومعانيها، ويجادل، ويستدل بهذا المقال الذي مرّ على السفّود أمام أعينكم، ولا يستحي أن يكرر ركاكة كهذه وكأنه جامد عن تجديد علمه من ثلاث سنوات.
فهذا دين، والتفسيرُ روايةٌ عن الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من تكلم في القرآن بغير علم؛ فليتبوأ مقعده من النار».
المراجع في نقدي لعمران أبو شعر:
(١) إشكالية المصطلح النسوي، خالد السيف، ص١٧
(٢) المرجع السابق، خالد السيف، ص١٣٤.
(٣) نظرية القوامة، نحو اجتهاد بديل، أماني صالح، ورشة عمل القوامة، نحو رؤية اجتهادية بديلة، ص٩.
(٤) دوائر الخوف في قراءة خطاب المرأة نصر حامد أبو زيد، ص٢١٤. أنظر أيضا: قضية تفسير القوامة؛ رؤية اجتهادية، أميمة بكر، ص١.
(٥) جامع البيان، ابن جرير الطبري، ج٨، ص٢٩٠.
(٤) المرجع السابق، ابن جرير الطبري، ج٨، ص٢٩٠.
(٧) المرجع السابق، ابن جرير الطبري، ج٨، ص٢٩٠.
(٨) تفسير الماتريدي، تأويلات أهل السنة، ج٣، ص١٥٨.
(٩) النكت والعيون، الماوردي الشافعي، ج١، ص٤٨٠.
(١٠) التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي، ج١، ص١٩٠.
(١١) جامع البيان، ابن جرير الطبري، ج٤، ص٥٣٤، وجاء أيضا في: الإكليل في استنباط التنزيل للسيوطي، ص٥٥.
(١٢) النكت والعيون، تفسير الماوردي، ج١، ص٤٨٠.
(١٣) أنظر المرجع ٢.
(١٤) المغيث في غريبي القرآن والحديث، أبو موسى المديني ت: ٥٨١ هجري، ج٢، ص٣٤٠.
(١٥) مفاتيح الغيب، فخر الدين الرازي، ج٢٨، ص١٠٨.
(١٦) تفسير القرطبي، ج٥، ص١٦٩.
(١٧) تفسير القرطبي، ج٣، ص١٢٥.
(*) سيأتي نقد من يستدل بقوله ﴿ولا تتمنوا﴾ الآية على تفضيل النساء على الرجال ليعارض من يقول بتفضيل جنس الرجال على جنس النساء، في منشور لاحق.
(١٨) تفسير الرازي، ج١٠، ص٧٠.
(١٩) إرشاد العقل السليم، لأبي السعود أفندي الحنفي، ج٢، ص١٧٣.
(٢٠) المرجع السابق، أبو السعود أفندي الحنفي، ج٢، ص١٧٣.
(٢١) الردود البازية على المسائل العقدية، ص١٨٠.
(٢٢) جامع المسائل لشيخ الإسلام ابن تيمية، ج١، ص١٩١.
(٢٣) راجع تفاسيرهم، لتتعب قليلا.
وختامًا أقول: لا تخف يا عِمران، النسويات لن تأكلك إن قلت الصواب بلا خداع، هي سَتَفِرُّ من حولك فقط، تستوحش قليلا ثم تعتاد، فخذ النصيحة واصبر، فإن الله مع الصابرين.
على الهامش:
استَشعِرُ مقولة فريدريك نِيتشه:
"أنا لا أفنِّد النسوية، بل أكتفي بوضغ القفاز عند تناولها".
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد